تغيير حجم الخط
+ + + + +

26 أكتوبر، 2018

ديك الجن

بقلم مأمون القانوني




لولو


 أول مرة شفتها كان يوم تسجيل الفصل الأول في الجامعة.. لسه
 سنافر طازة.. بالكرتونة.. وتقريبا كان التاريخ الفاتح من سبتمبر
 على رأي العقيد، دخلنا من البوابة كقطيع من السنافر الجاهلة،
 يقودنا رجال ملتحون.. عرفت بعدين انهم اتحاد الطلبة
 الاسلاميين وبساعدوا الطلاب الجدد.. المهم وصلنا مبنى القبول
 والتسجيل، نادوا على أسماءنا.. وبس نادوا الاسماء نادوا اسمها
 أول بعدين اسمي.. واجت.. وانفجر اخضرار سحري في كل
 ارجاء المكان.. زقزقت العصافير وهطلت الامطار وسالت
 الجداول والوديان في داخلي.. كان جمالها أخاذ فعلا.. وحسيت
 بقشعريرة بس شفتها.. لدرجة انه الشيخ تبع اتحاد الطلبة نادى
 مرتين على اسمي وأنا مش سامعه ومن حظي اللي صار اسمه
 سوء حظي بعدين.. طلعت وراها.. ووقفنا في الطابور وبدأت
 أتأمل بديع صنع الله.. كانت لابسة جينز أزرق ما يبلى وبلوزة
 سودا كمان هي ما تبلى، والشعر الغجري المجنون يسافر في كل
 الدنيا.. اخ من الشعر المجنون..



 طبعا قبل ما أكمل عن لولو بدي أحكي شوي عن حالي عشان
 تفهم يا عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة خلفيات الموضوع.. أنا
 دخلت المدرسة بكير وبالتالي دخلت الجامعة بكير.. يعني ما كنت
 لسه مخلص مراهقة لما دخلت الجامعة.. كنت لسه مش مكمل 17
 يعني كنت لسه مبلش فعليا.. تأخر الموضوع عندي شوي لأسباب
 فش داعي تعرفوها.. المهم.. علاقتي بالجنس الاخر كانت
 محدودة.. كنت بس بعرف امي واختي.. وخالتي صفية اللي على
 البركة (الله يرحمك يا خالتي) وأول أنثى لفتت انتباهي وتفتحت


 عيوني عليها.. كانت جارتنا سميرة اللي جوزها بشتغل في مصنع
 سيرف.. وكنت دايما بشوف بطات اجريها بس تشطف.. وكانوا
 الشباب في الحارة يحكوا انه جوزها عنده مشكلة في القلب وانها
 ست وحيدة وبتعاني وكنا مقررين بس نكبر نغويها.. وسميرة
 هاي.. بالاحرى بطات اجريها وهي بتشطف كانوا ابطال تخيلاتي
 اللي مش بريئة في هذاك الزمان.. هذول اللي بعرفهم بس.. ستي
 ما لحقتها.. دعسها باص كوستر وهي مروحة من عزا في شارع
 الثلاثين.. زمان يعني قبل ما اوعى على الدنيا.. وفي بنت جيراننا
 لمى.. بس هاي كانت تحب صاحب الظل الطويل وتستنى فيه
 ييجي يخطبها.. وأصلا كان كل وزنها مع الشنطة والمريول
 بطلعش 15 كيلو.. فانسى موضوعها..

 بالنسبة لشكلي كنت عادي وأقل من عادي.. كنت أقل أقل من
 عادي.. كنت عامل شعراتي غرة كوكو.. كانت موضة ايامها وما
 كنت بلعب حديد ولا شي. مسح يعني... وشوي ناصح.. مش
 ناصح يعني.. ممتلئ.. قال ممتلئ قال.. المهم.. كنت ناصح..
 وقصير.. بس خالتي صفية الله يرحمها كانت دايما جابرة خاطري
 ورافعة ثقتي بنفسي وكل ما بدها أروح أشتريلها بيبسي تحكيلي
 انت زينة الشباب.. خد هالبريزة وروح جيبلي بيبسي.. الله
 يرحمها كانت مبلية بالبيبسي.. وكانت دايما تتقاتل مع امي من
 تحت راس الموضوع.. وحتى بس ماتت، امي كثير زعلت انها
 كانت تتقاتل معهاعلى البيبسي.. مع انه امي لهسه مقتنعة انه
 خالتي ماتت من البيبسي.. أما الوضع المادي فكان مزري للغاية..
 الدخل محدود وديون وحالة الدنيا حالة وكنت أنا الامل المعقود
 لانقاذ العيلة في المدى القريب والمنظور...


 المهم حبيتها للولو.. ومن أول نظرة.. خلصنا تسجيل وما عرفت
 شو سجلت حتى.. روحت على السكن وكانت قد ملكت علي كل
 أحاسيسي.. كنت رسميا بحبها.. وداومنا السنة الاولى في كلية
 العلوم.. وكانت بتوخذ معي عربي وكيميا.. نظرا لطبيعتي
 الخجولة.. مش أدب بس خجل.. ما كنت أحاول أقعد جمبها.. ولا
 حتى حاولت أحكي معها.. حكيت معها كثير في خيالي.. وأكثر
 من الحكي بكثير.. بس في الواقع ما صار شي.. مجرد نظرات ما
 أخليها تحس فيها.. طبعا بعد فترة في السنة الاولى اكتشفت انه
 أنا وهي من طبقتين مختلفتين.. مش بس ماديا.. لا وثقافيا
 واجتماعيا.. كانت من بيئة منفتحة أكثر من بيئتي.. يعني كان في
 شباب يحكوا معها.. ما كانت مريم البتول أبدا وما كانت صايعة..
 بس كانت علاقتهم سلسة بطريقة مش موجودة في الطبقة اللي
 أنا منها.. احنا بالنسبة النا كان الحوار مع بنت غريبة أشبه بحرب..
 واذا بدك تحكي مع بنت لازم تكونوا حبايب.. فش حدا بعرف
 بنت صداقة.. وكان مجرد الحديث مع بنت بده تخطيط أكثر من
 معركة ستالينغراد.. شغلة صعبة كانت.. بس هي كان عندها
 الموضوع غير.. كانت ببساطة تحكي مع شباب ثانيين من نفس
 طبقتها أو فئتها الاجتماعية او سميها اللي بدك اياه.. كان سهل
 ممتنع.. سهل عليهم ممتنع علي.. وكان لبسهم غير وحياتهم غير..

 المهم.. خلصت السنة الاولى على خير وهي ماخذة كل حياتي
 بس بتعرفنيش.. عالسنة الثانية قررت إني أتشجع واخذ خطوة..
 وبدأت عمليات التحضير الاستراتيجية للموضوع.. كانت نفس
 تخصصي وكنا ماخذين أكثر من مادة سوا.. وقبل كل يوم يكون
 عنا محاضرة سوا.. أوقف قدام المراية وأتدرب على الحوار
 المفترض.. وعلى الفاضي.. بروفات بروفات وأدخلني أيها


 المدرب.. و تخونني شجاعتي في اخر لحظة.. مش عارفين ننفذ
 الخطة.. لغاية ما اجا اليوم الموعود وشاهد ومشهود...

 كان عندي امتحان فاينل في الاحصاء.. كنت عايد المادة وهي
 كانت منزليتها أول مرة.. الامتحان كان متأخر.. وبس طلعنا بره..
 كانت الشمس غايبة... ويا دوب في باصات.. وكان يوم اربعاء
 اخر يوم دوام.. كان زمان الخميس عطلة.. هذا قبل ما نصير يهود
 ونعطل السبت.. المهم.. طلعنا بره نستنى باص عمان.. كنا بنروح
 على عمان اخر الاسبوع.. وللصدفة كنت واقف وراها في
 الطابور.. ولابس اللي على الحبل يعني... بنطلون جينز أزرق هو
 الحيلة والفتيلة.. ما كان عندي غيره.. كان جزء من شخصيتي..
 وقميص كروهات من البالة.. حكايته حكاية.. اشترت لي اياه
 امي.. وحلفت انه البياع حلفلها انه مش ملبوس.. كان كاروهات
 وكل خطوطه بني.. بني غامق بني فاتح بني مسكر مأمون البني..
 كل درجات البني.. طبعا قميص بني كاروهات كم.. على بنطلون
 جينز أزرق (قبة خنق) كان زمان بنطلونات الجينز التركي تيجي
 ضيقة من تحت ووواسع (باجي) من فوق.. بالعافية اصابعك
 يفوتوا فيه.. مرة انكسر بنصر اجري وانا بحاول البس البنطلون..
 وكنت لابسهم على بسطار عسكري أسود اشترت لي اياه خالتي
 صفية من الزرقا بليرتين.. كانوا يبيعوا الاواعي العسكري هناك..
 وأقنعتني انه موضة وانا اقتنعت.. واشتريتلها قنينة بيبسي مني
 كرد للجميل..

 طبعا في شغلة لازم احكيها عن القميص.. انا بس لبسته أول مرة
 عرفت ليش ما حدا كاين لابسه.. كان في عيب تصنيعي انه من
 جهة الكتف اليسار بجرح.. في اشي جوا بالقماش بجرحك.. وعبثا


 حاولت الاقيه بس عالفاضي.. فعمل لي حساسية في كتفي
 اليسار.. ظلت معي حتى بعد ما رميت القميص ولبعد ما
 تخرجت.. ما راحت الا بعد عملية الباسور.. فكنت لابس القميص
 البني والجينز والبسطار.. وصافف ورا لولو على الدور.. هي كانت
 لابسة بنطلون قماش أسود مفصل.. وبلوزة صوف خضرا قصيرة..
 لخصرها بس.. وانا كنت واقف وراها وبعاني.. حبنا ما كان عذري
 عذري.. كانت تشوبه الشوائب يعني... وهو زي ما أسلفت كان
 حب من طرف واحد.. بالاحرى حب مقطوع الاطراف.. ما علينا..
 مش موضوعنا.. المهم احكي طلعنا بالباص.. وساعتها تدخلت كل
 أقدار السماوات والارض وكل دعوات اليتامى والارامل
 والمساكين والمجاهدين في الشيشان والصومال (ايامها كانوا
 يجاهدوا في الصومال) ودعوات خالتي صفية الله يرحمها الي
 كل ما اشتريلها ببيبسي انه ربنا ينولني مرادي.. كل هاي الامور
 اتحدت عشان تحدث المعجزة.. دخلت هي على الباص ودخلت
 أنا وراها وما كان في الا كرسيين فاضيين جمب بعض في نص
 الباص تقريبا.. قعدت عند الشباك وقعدت أنا جمبها.. وحط
 الشفير أول ومشي باص الاحلام...

 طبعا انا ساعتها قررت انه دقت ساعة الحسم.. الى الامام الى
 الامام.. لازم أحكي معها ونصير معرفة على أقل تقدير.. فرصة
 ذهبية ربنا رتبها وما راح تضيع.. حكيت بس يلم الكنترول الاجرة
 ويهدى الباص بنبلش نسولف.. طبعا انا كنت قاعد في الكرسي زي
 سليمان القانوني.. ماخذ وضعي.. بس للامانة كنت ضامم ركبي
 سوا.. عشان ما ألمسها.. ما كنت سافل يعني.. على الاقل مش
 معها ومش هاي المرة.. وهي فتحت شنطتها ابصر شو تعمل.. وانا
 مديت ايدي على جيبتي اتحسس الفلوس.. كان معي بالزبط 75


 قرش.. نص ليرة اجار باص عمان و10 قروش سرفيس العبدلي
 لوسط البلد و8 قروش سرفيس منطفتنا.. يعني محسوبة.. وبزيد
 معي شوي قلت بشتري سيجارتين فرط بس أوصل او بجيب
 سمسمية لخالتي صفية اللي ما كنت راح اكون موجود في هذا
 الموقف بدون دعواتها.. هي فتحت محفظتها وطالت ورقة دينار
 خضرا ومسكتها بطرف اصبعها.. واجا اصبعها على منخار الملك
 اللي على العملة (ريته منخاري).. المهم.. وقتها قررت أسترجع
 أفضل خبراتي عشان أحكي معها.. وشو أحسن أسلوب.. كنت
 قارئ انه الانجليز دايما بحكوا مع الاغراب عن الجو.. وكان شاب
 صاحبي (خلب بنات) حاكي لي بعد ما شكيتله همي.. حكى لي..
 اسمع إذا يوم قعدت جمب بنت في الباص وبدك تزبطها اعرض
 عليها علكة.. قلت له واذا ما معي علكة.. حكى لي.. احكيلها لو
 معي علكة بتوخذي؟.. المهم طرحت أفكاره ونصائحه جانبا
 وقررت أحكي معها عن امتحان الاحصاء..

 وفجأة وانا بحاول أشوف بأي خطة راح أشتغل. حدثت المأساة..
 كان الباص يا دوب مشي شوي.. ووصل بعد ساحة الجامعة
 بشوي ومتوجه لعمان.. وقف الكنترول المقمل الملعون.. وحكى
 "يا جماعة ترى الاجرة لعمان دينار.. لأنه متأخرين.. اللي بده يدفع
 واللي ما بده بنرجعه عالموقف".. طبعا ساعتها انهارت السموات
 والارض وراحت كل دعوات اليتامى والارامل والمجاهدين
 ودعوات خالتي صفية.. طلعوا ضدي كل الدعوات.. كل اللي كان
 في جيبتي 75 قرش.. وطبعا ما فيني أقله رجعني.. أنا جمب
 لولو.. حب عمري.. أيقونتي.. طبعا الناس ما اعترضوا وبلشوا
 يدفعوا الطلاب.. والكنترول يلم مصاري.. وكل ما يلم من صف
 تتوقف عندي وظيفة من الوظائف الحيوية لجسمي.. مبدئيا


 صابني شلل وحسيت راح افقد السيطرة على العضلة اللي
 بتتحكم بنظام البول.. وظل الكنترول يقرب وهي ولا هامها..
 حاطة اصبعها على منخار الملك.. وأنا منخاري صار يطلع دخان
 أزرق.. الكنترول بقرب وانا مش عارف شو بدي أعمل في وجه
 هالامبريالية اللي بتطحن مواطن فقير ضعيف خجول مثلي..
 وصرت أسب في حالي عالاردن وعالحكومة وعالملك وعالنظام
 الرأسمالي.. وينك يا لينين؟ وينك يا كارل ماركس؟! وصرت زي
 الولد اللي صحي لقي حاله عاملها على حاله ومستني امه تفوت
 على الغرفة تطين عيشته.. بستنى قدري بس.. او أشي من عند
 ربنا ينجيني.. أنتظر عجيبة تنقذني من مصيبة.. وصرت شوي
 شوي أنزل جوا الكرسي وهي ماسكة منخار الملك ولا على
 بالها.... ولما صار الكنترول على بعد صفين منا.. قام شاب..
 اسمحوا لي أسميه سادس الخلفاء الراشدين.. المهدي المنتظر..
 الشاب الطيب اردوجان (ما كان اردوجان وقتها).. هو طالب.. لا لا
 مش طالب.. هو علي بن أبي طالب.. وقف هيك وحكى
 للكنترول.. ما راح ندفع دينار.. ليش الاستغلال؟ الاجرة نص دينار
 بتوخذ نص دينار بس.. ما بدك ترى انا اتحاد طلبة ومسؤول لجنة
 المواصلات.. والله بحياتك ما بتفوت المجمع.. وتراجع الكنترول
 الذئب ومن وراه السواق الغول عن مخططاتهم.. ووافقوا.. طبعا
 انا من الفرحة والامتنان كنت بدي أقوم أحمله للشاب على
 كتافي.. بس كنت لسه مشلول..

 رجع الكنترول ورجع للناس فلوسها.. ولم منا نص نص عالداير..
 ومشي الموضوع على خير.. رجعت كل دعوات اليتامى والارامل
 والمجاهدين وخالتي صفية رجعوا وقفوا معي.. طبعا أخذني
 الموضوع شوي لاهدى.. بعد دقيقتين بلشت الوظائف الحيوية


 لجسمي تشتغل كمان مرة.. رجع النفس وتدفق الدم.. واشتغلوا
 الكلى.. بش ظل الشلل موجود.. بلشت أحس باجري اليمين شوي
 عند ثغرة عصفور (مكان في طريق اربد)..

 على بال ما هديت واستجمعت قواي.. وقررت أفتح موضوع
 امتحان الاحصاء.. اطلعت على لولو ولا هي نامت.. نامت.. بكل
 بساطة نامت.. انا اشتعلت عندي الحرب وانطفت وهي نامت..
 نامي بحفظ الله ايتها الجميلة.. طبعا حكينا سوا.. وحبينا بعض
 في الخيال.. هي كانت نايمة وأنا صاحي وبحلم.. واخترت انا
 أسماء ولادنا وبناتنا.. ووين نسكن وكل التفاصيل الصغيرة
 المحزنة.. صحيت لولو لما وصلنا جسر صويلح.. كنت أنا بلشت
 أحرك اجري والعب بالبسطار.. ونزلت عند جريدة الدستور..
 واضح انها سكان عمان الغربية وانا نزلت في العبدلي واخذت
 السرفيس ومن الصدمة نسيت اشتري سمسمية لخالتي صفية..
 يومها فقدت الامل انه نصير اصحاب.. ما خف حبي الها بس
 تأكدت انه بدون أمل..

 في سنة رابعة عرفت انها بتحب واحد وبده يخطبها.. أكبر منا
 كان.. تخرجت قبلي وانا ظليت شوي في الجامعة ادفع ثمن
 الخطايا البايتة وليالي التركس والسهر وأهواك بلا أمل.. وناسي
 حتى ايمتا اخر مرة شفتها في الجامعة.. تخرجت أنا وماتت
 خالتي صفية بعد حفلة التخرج بيومين.. تزحلقت وكسرت
 حوضها وهي قايمة تتوضى.. عاشت بعدها اسبوع وماتت.. امي
 حكت انه البيبسي عمللها هشاشة عظام.. وجارتنا لمى كبرت
 واتزوجت واحد مندوب مبيعات.. طويل شوي.. وجارتنا سميرة
 رحلوا من الحارة وبطلت أشوف بطات اجريها ولا حتى أغويتها


 زي ما كنت ناوي.. انا اشتغلت وصار معي فلوس واشتريت
 اواعي ورميت القميص البني والجينز الازرق والبسطار..

 للصدفة شفتها مرة ثانية بعد 15 سنة من التخرج شفتها في مكة
 مول كنت مع زوجتي وأطفالي.... كانت في أواخر الثلاثين
 مثلي.. بس كانت متغيرة كثير.. السحر اللي كان فيها رايح..
 ووجهها مبلش يجعد.. وواضح انه حياتها كانت صعبة ومن لبسها
 كان واضح تماما انه حالتها المادية وسط وأقل شوي من وسط..
 بعد يومين سألت واحد بعرف محيطها عنها.. حكى لي انه اللي
 كان ناوي يخطبها وعدها سنتين وتركها.. و ما تزوجت.. ولغاية
 الان مش متزوجة وبتشتغل وساكنة مع امها وابوهم مات..

 طبعا بس شفتها كانت شبح من لولو اللي كانت زمان.. وكان حبي
 الها كمان شبح باهت.. مع هيك ابتسمت لها لأول مرة في حياتي..
 هي اطلعت باستغراب ومشيت..

 لو حدا حكى لي ايام الجامعة انه هاي البنت راح تصير ولا شي
 بحياتي ومجرد ذكرى كنت ذبحته.. بس بدون حكي وبدون
 مقدمات.. الزمن تكفل بكل شيء.. الزمن القاتل.. نهاية الأشياء..

 تمت


بدي اتزوجك..


 بس خلينا نكون صريحين شوي.. انا مش متزوجك عشان انا
 بحبك.. يعني شو بحبك؟ انا متزوج لانه نضال ابن عمتي تزوج،
 وعبدالله ابن خالتي تزوج وانا كمان لازم أتزوج.. وبدي ولاد زي
 ولادهم.. ويشبهوني زي ما ولادهم بشبهوهم..

 راح نتزوج، وكل طلباتك اللحظية هاي اللي انا مش مقتنع فيها
 راح اعملها.. عرس وحفلة وفستان وصالون وهم بايت.. كله
 عشان أتزوج..

 وبدي حقي، وبدي تطبخي وتجلي وتغسلي وتكوي، تعبت من
 الغربة والمطاعم والغسيل.. وبدي تعملي شاي وقهوة وتجيبي لي
 وانا سهران صحن بردقان! وتقشريه وتطعميني.. وتجيبي لي
 صحن لوز وزبيب عشان اتقوى..

 وبدي تكوني معي في عزايم العيلة، بديش أروح لحالي.. وتظل
 شيرين تطلع علي.. بحبهاش.. بدي تقهريها..

 وبدي تدرسي ولادي وتعلميهم الصلاة وأحاديث الرسول..
 وتعلميهم يحترموا أبوهم.. بدي اشوف بنتك تقلدك وتلبس يانس
 الصلاة زيك..

 وبدي تراقبي محمد وانا بالشغل، تشوفيه بدخن ولا لا.. وتشلعي
 ذنيه إذا لف ورا بنات الجيران.. بكفينا مشاكل معهم.. وبدي
 تحكي مع مروة وتشوفي مين مزعلها في مدرستها.. ما حدا لازم
 يزعل بنتي..


 وبدي تعمل لي لنا كعك عالعيد.، أزكى من كعك خالتي اللي مفكرة
 حالها بتعرف تعمل كعك.. وبدي تبوسي ايدي يوم العيد الصبح..
 ولو أعطيتك عيدية تظبيها لمصروف الدار.. وتجيبي البنات
 والأولاد يسلموا علي.. ويبوسوا ايدي..

 وبدي ما تبكي كثير يوم تخريج محمد.. تفضحيناش.. ولا يوم
 عرس مروة.. اسكتي.. وبدي تكوني حماية كويسة.. ما بدنا نظلم
 بنت الناس.. عشان ما حدا يظلم بنتنا..

 وبديش تغلبيني كثير واحنا رايحين نعتمر.. ترى جوز ختايرة
 احنا وانا اجري مش حاملاتني.. ومش راح الف الحرم وراك..
 خليك جمبي وتضيعيش..

 وبديش تشكي بصمت من وجع اجريكي.. ما معي حق عملية
 الركبة.. لما يحول ابنك بفرجها الله..

 مالك نحفانة؟ شو مالك يا ام محمد؟ تبكيش.. بديش تبكي..
 ليش بتتشهدي؟ مشان الله لا تتركيني.. والله اني بحبك..


حكاية شلن


 مرحبا.. أنا اسمي شلن.. وفي شهادة الميلاد اسمي الحقيقي نصف
 درهم.. انولدت في مطبعة العملة الملكية في ويلز في بريطانيا
 سنة 1978.. وما بعرف شو تهيأ للرسام جيفري كولي يومها.. بس
 لما طلبوا منه يرسم صورة للملك عشان نحملها على ظهرنا شأننا
 شأن أي مواطن اردني.. رسم صورة الملك وهو تقريبا أصلع.. الله
 يرحم الملك ويرحم جيفري كولي.. ويرحم كل الصلع.. انشحنت
 أنا واخواني ال 19 في لفافة ورقية على متن طائرة عسكرية من
 royal mint في ويلز للمطار العسكري (تم منع ذكر اسم المطار
 حفاظا على السرية).. وكانت أول مرة بسافر فيها.... نزلنا من
 الطيارة.. وحملونا النشامى لمخازن البنك المركزي.. كانت الدنيا
 شهر واحد وبرد شديد.. ولا راعوا انا انجليزيو الاصل والمنبت ولا
 شي.... بعد ما وقعوا اوراق التسليم.. رمونا في المخزن البارد..
 وراحوا.. ولا شغلوا التدفئة حتى..

 خلال اقل من شهر كنت نازل في السوق.. اول انسان مسكني كان
 أبو فادي صاحب دكانة النجاح في حي نزال.. راح على بنك
 الاسكان فرع الجبل الاخضر وهناك فدوى موظفة الكاش الحلوة
 ام شامة على الخد.. أعطت أبو فادي اللفافة اللي أنا موجود فيها
 لما طلب فراطة.. وبس طلع من البنك، عدلت فتحة قميصها
 ودعت عليه أبو عين زايغة اللي قد أبوها.. دخلت درج الدكان أنا
 واخواني.. وودعنا بعض لأنه عارفين الفراق قريب.. وهاي طبيعة
 حياتنا.. قعدت يومين بس في الدرج.. وحكولي الشلون القديمة
 والبرايز والقروش عن طبيعة البلد والسكان.. مثلي مثل أي
 مغترب جديد..


 من درج أبو فادي وقعني حظي التعس بايد عياش.. ولد في
 الصف السادس.. كانوا ينادوه عتريس.. مدحبر وأسمر واله
 دغاديش ولسانه زفر... أول ما شافني انبسط.. كنت لسه بلمع..
 وصلعة الملك بتلمع.. ولما كان عتريس مدمن فنة (ملك وكتابة)..
 قرر يعتبرني شلن الحظ.. وطول نهاره يلعب فنة عن قلول حلبية
 ومش حلبية.. وعن أكل وعن اللي بدك اياه.. قعدت مع عتريس 3
 شهور.. طبش راسي من الفنة.. ما خلصت منه الا لما جاع جوعا
 شديدا في يوم.. وضحى في مقابل سندويشة فلافل من عند أبو
 عايد.. مع شطة زيادة..

 لفيت بعدها بين ايدين الناس.. شأني شأن أي عملة معدنية..
 لفيت الاردن كلها.. من شمالها لجنوبها.. رحلة استمرت 8 سنوات..
 متنقلا بين الجيوب والدروج ومحافظ النساء الجلدية وعبب
 الختياريات... حضرت أفراح وأتراح وليالي ملاح وليالي مش
 ملاح.. وطوش وصلحات وجاهات وزواجات وطلاقات وحردات
 كمان.. رحت على العقبة.. ورحت البتراء والسيق وركبت على
 الجمل (بتدوخ الركبة على الجمل).. وشفت هناك السائحات
 الأجنبيات.. وكان في سائحة هولندية هولندية (التكرار للتأكيد
 وأشياء أخرى) كان بدها توخذني تذكار.. بس باخر لحظة بطلت..
 شحدتني لولد بتراوي لزق فيها.. وزرت اربد والنعيمة والصريح
 وشوينا عند ذات راس كمان.. ورحت عجلون والشوبك والطفيلة
 والزرقا وحي معصوم أو حي مفصوم.. وشفت العقبة والبحر
 الميت (كنت راح اغرق هناك) ورحت على الشام اربع خمس مرات
 ونزلت على الضفة كمان وزرت القدس والخليل وترمسعيا
 والاقصى (بس ما دعيت لحدا) واعتمرت وحجيت وكفرت


 والحدت وكل شي عملت.. ودخلت مطاعم ومحامص وسرافيس
 وتكاسي وباصات وكليات وجامعات وبارات ومراقص ومساجد
 وكنايس وغرز واوكار.. ما خليت..

 لغاية ما في يوم.. كان صيف 1987.. كنت موجود في جيبة
 كنترول باص وأعطاني لبنت مروحة على بيتها.. حطتني في
 شنطتها.. سلمت على قلم الروج وعلكة شعراوي وقعدت.. لما
 وصلنا البيت.. حطت الشنطة على الكنباية ودخلت.. واجا ولد
 صغير 3 سنين يبعبش في الشنطة.. ومن سوء حظي مسكني..

 طبعا كعملات معدنية.. بنكره الاولاد اللي في هذا العمر. لأن أول
 اشي بعملوه انهم يكتشفونا عن طريق الفم.. وياما اخوة
 وأصحاب الي انتهوا في أمور مثل هاي.. مسكني الولد الصغير
 وأنا متوقع نهايتي المحتومة.. لكن الشرير بدل ما يبلعني.. دحش
 ايده جوا ايد الكنباية.. ووقعني..

 وقعت جوا الكنباية اللي أتوقع انها من العصر الطولوني.. (نسبة
 لأحمد بن طولون).. دخلت مكان مظلم. فيه بقايا قشر بزر.. قلم
 رصاص مفطوع.. زر قميص.. وبقايا أشياء بدون ملامح.. سمعت
 حنان وهي بتبهدل فيه ليش يلعب في الشنطة.. وأخذت الشنطة
 وراحت. وأنا ما حدا انتبه لي.. وكانت بداية التيه يا يوشع بن
 نون..

 بعد يومين يئست اني أخرج من الجب.. وبدأت أتأقلم على
 حياتي الجديدة.. ومن الأصوات اللي كنت أسمعها تعرفت على
 العائلة اللي استضافوني في كنبايتهم الطولونية.. صاحب البيت
 اسمه أبو نضال.. في الخمسين وبشتغل بليط.. عصبي وبصرخ


 بس قلبه طيب.. الام اسمها.. (عيب أحكي اسمها).. أم نضال.. في
 أواخر الاربعين.. ست مؤمنة وملتزمة وصابرة على الحياة.. البنت
 الكبيرة حنان 26.. خريجة كلية مجتمع وبتشتغل سكرتيرة
 لدكتور في جبل الحسين.. نضال 24 بدرس هندسة في رومانيا..
 واله 6 سنين هناك وما خلص.. وبنت متزوجة اسمها أمل 22
 ومتزوجة بليط شاب بشتغل مع أبوها وساكنة جمبهم...
 والشيطان الصغير هو ابنها صبحي.. صبحي الصغير مدوحس..

 مع كل سفراتي وروحاتي السابقة ومحبسي الراهن الا انني كنت
 مبسوط.. لأني تعرفت على الناس عن قرب وفي أمور ثانية غير
 البيع والشراء.. ولان الكنباية الطولونية كانت في غرفة القعدة
 اللي هي نفسها غرفة الضيوف وغرفة النوم للزوار وغرفة كل
 اشي تقريبا.. كنت أسمع كل شي بصير.. وكان التلفون قريب
 جدا.. فبسمع كل مكالمة كمان.

 أبو نضال كان وضعه بدأ يصير صعب.. الشغل في البلد قل..
 ونضال هلكه بالتحويل وأم نضال بتصبره عليه عشان يرجع
 بالشهادة اللي طال انتظارها.. وليل نهار تدعي ربها يوفق نضال
 ويبعد عنه بنات الحرام الشقراوات الرومانيات.. حنان كانت
 تتعب كثير في الشغل.. بس مش قادرة تترك.. من جهة كانت
 تحب الدكتور من طرف واحد.. (زي ما اعترفت لبنت خالتها على
 التلفون) ومن جهة وضعهم صعب.. أمل جوزها بظل يضربها
 ويحردها.. ووضعه مش أحسن من وضع أبوها..

 كانت حياتي مع العائلة حلوة.. أبداها الصبح بام نضال تصلي
 الفجر وتدعي.. وأبو نضال يصحى وتفطره أم نضال.. وحنان
 تلبس وتطلع على الشغل.. عال 7 يكون البيت فضي الا مني ومن


 أم نضال وهي بتشتغل.. وتصلي الضحى وتدعي لنضال.. عشت
 معهم رمضان والعيد والصيف والشتا والصوبات.. وانتظار نضال
 اللي طول.. في 1988 الملك أعلن فك الارتباط.. وانهار الدينار
 الاردني وصار في غلاء فاحش.. ومظاهرات.. وضع البلد صار
 مكركب.. وكثير أيام قعد أبو نضال عن الشغل.. ونضال صفى
 بدون تحويل.. وصار البيت كله مشاكل وتوتر.. ما بقطعها الا
 صلوات ودعاء أم نضال..

 يتبع..

 في 1989.. أعدموا تشاوتشسكو.. ورجع نضال بخفي حنين.. لا
 شهادة ولا هم.. وحكى لأبوه انه كان ظايل فصل وما كمل عشان
 الثورة.. ونفس الكذبة انحكت للاقارب.. بس ما حدا صدق.. في
 1990 صارت حرب الخليج.. وانجلط أبو نضال وقعد في البيت
 شهرين ومات... حنان فصلها الدكتور بعد ما استغلها.. وتزوجت
 ابن عمها اللي أكبر منها ب 15 سنة في الضفة.. ورحلت هناك..
 نضال طلع على ليبيا وانقطعت أخباره وتحويلاته بعد 6 شهور..
 وصفيت أنا وأم نضال لحالنا في البيت..

 في 1998.. توفت أم نضال بعد معاناة طويلة.. وانقطاع عن
 ابناءها.. باعت أمل الاثاث لتاجر خردة وأنا كنت ضمن الصفقة..
 خلال يومين كنت حر طليق بعد ما فككوا الكنباية الطولونية..
 رجعت ألف بين الناس.. بس كانت نظرتي مختلفة أو الناس كانوا
 مختلفين وقيمتي الشرائية كانت انحدرت بشكل كبير..

 في 1999.. توفى الملك حسين.. كنت يومها مع واحد من الناس
 اللي وقفوا على باب المدينة الطبية يبكوا.. واستلم الملك


 الجديد.. وقرر يعدم العملات المعدنية القديمة ويطبع عملات
 جديدة عليها اسمه.. صاروا يجمعونا لحملات الاعدام.. وفي يوم
 كنت في مطعم وصاحب المطعم أعطاني لشاب.. عرفته من لمسة
 ايده.. عياش أو عتريس.. كان كبر وبطل مدحبر.. وكانت الحياة
 لاعبة فيه فنة لشبعانة.. ومطبشة راسه زي ما طبش راسي.. كان
 يشتغل عامل باليومية.. ثاني يوم نادوه عشان صيانة للمدرسة
 الشركسية في حي الظهير في مرج الحمام.. كان في تسريب مي
 من الزينكو على السطح وطلع يزبطه وأنا معه.. لما خلص واجا
 ينزل.. وقعت من جيبة بنطلونه.. واجيت جوا طوبة.. هو انتبه
 انه في شلن وقع.. بس ما انتبه وين وقع.. تركني ونزل..

 الي 15 سنة جوا الطوبة على سطح المدرسة.. والحلو ان الطوبة
 فيها فتحة بتسمح لي أشوف عمان.. راقبتها كيف كبرت في ال
 15 سنة الاخيرة.. وحمام مرج الحمام كان يحكيلي كيف تغيروا
 الناس وكيف صاروا أكثر عصبية ونزق.. وكيف مع انه عمان
 تطورت الا انه الناس فقرت.. وتعبت وكبرت.. والمستقبل أسوأ
 وأسوأ.. وصعب يرجع زي زمان..

 مع كل صيف وشتا كان يتغير لوني لغاية ما صرت أخضر..
 وزملائي العملات كلهم انعدموا.. عشان يفسحوا مجال للجيل
 الجديد.. لما بطلع على حياتي وحياتكم يا بشر بستغرب.. أنا
 أديت مهمتي على أكمل وجه.. ياما أسعدت أطفال وياما جبت
 أشياء لناس.. وعشت الحياة بعدهاو عديدها.. كنت قرش حلال
 وكنت قرش حرام وكنت صدقة وكنت مصروف وكنت سرقة...20 سنة من عمري وأنا أخدم الناس لما انتهت فترة صلاحيتي
 وصرت بدون قيمة.. وأنتوا مثلي.. راح تأدوا دوركم وتنتهوا..


 بس مشكلتكم يا بشر انكم بتعطونا احنا الفلوس قيمة أكبر مما
 نستحق.. على حساب أمور أهم.. وما بتعرفوا القيمة الحقيقية
 للفلوس الا ساعة الموت.. بتعرفوا انها مجرد وهم..

 لو كنت مكان الملك حسين بزمانه.. كان ما طلبت من جيفري كول
 يرسم صورتي على العملة.. يمكن كان أحسن لو كتبوا عليها
 "تزودوا.. فإن خير الزاد التقوى"

 تمت

 أقدار

 انا عارف كل ما تشوفيني بكون منكد.. بس والله ماهو بايدي يا
 أقدار.. فكرك ما بحب أقعد أنا وإياك ونكون مبسوطين زي زمان؟
 بس والله الزمن أقوى مني، والحمل صاير كثير ثقيل....

 اليوم رحت على مدرسة محمود، انت ما بتعرفي، ما حدا بحكي
 لك بس هاي ثالث مرة بروح عالمدرسة هذا الشهر! المعلمين
 بشكوا منه.. صاير عصبي ومشكلجي وفوضجي.. انت ما لكيش
 دخل، تلوميش حالك.. مش عم بحكي عشان تزعلي.. بس لازم
 تعرفي.. مش عارف هذا الولد طالع لمين.. مش مشكلة، بعقل..
 بس المهم انت تكوني بخير..

 اليوم حكوا معي نسايبنا الجداد، بدهم عرس نهلة الشهر الجاي..
 شايفة؟ نهلة كبرت وبدها تتجوز قال.. حاولت أأجل ما قدرت.. ما
 بنفع نأجل أكثر من هيك أقدار ما بنفع.... حكيت مع روحي عشان
 يساعدني في المصاريف، ما رضي.. قال بعمّر بحواصل، الله يشبع
 بطنه بس.. وحكيت مع ابن عمي سليمان في السعودية اعتذر


 كمان! مبطلة الناس تساعد بعض يا أقدار.. متذكرة قديش
 ساعدته لسليمان؟ متذكرة؟ يوم عملية مرته مين لف معه
 وساعده واخذ ولاده طول ما هي في المستشفى؟ مش أنا وانت؟
 ليش هيك بعملوا؟ ليش يا ربي!؟

 لا تقولي لي نظمي..! قال اخوي من الكرشة قال! اليوم بحكي معه
 الصبح، ولا أقول لك..

 طز في نظمي.. طز فيهم كلهم.. مش مهم كل هذا الحكي أقدار.
 مش مهم، بتتدبر بتتدبر، زي ما تدبّر غيرها بتتدبر.. راح يصير
 العرس وراح تلبسي الأخضر اللي بتحبيه.. ريته ما يبلى..

 أصلا بديش احكي عن العرس، ولا عن شي..

 انا جاي أحكي معك انت، عنك انت.. اشتقت لعالم ما فيه الا أنا
 وانت.. اشتقت تضحكي من قلبك..

 متذكرة واحنا خاطبين؟ متذكرة الفستان الأزرق اللي جبت لك
 اياه؟ اللي بس شافوه بنات عمك طقوا وانقهروا؟ حلو كان صح؟
 متذكرة شهر العسل في الشام وفيلم فريد شوقي اللي حضرناه
 في السينما ؟ هههه.. والله كان حلو! وانت كنت بتجنني.. في كل
 الشام ما كان في مثلك يا أميرة..

 اييييه.. والله يا أقدار كان نفسي كل أيامك تكون فرح.. والله لما
 كان معي مصاري ما قصرت.. انت مش عارفيتني؟ مشان الله
 ابتسمي.. مشاني.. والله ابتسامتك طول عمرها هي اللي ساندة
 ظهري.. مشان الله لا تزعلي حالك يا أقدار..

 أحكي لك صح أحكي لك.. وأنا مروح من الشغل اليوم مريت


 عالسوق، شو لقيت؟ اه! البردقان الفالنسي اللي بتحبيه، المعطر..
 اول نزلته، غالي شوي، بليرتين الكيلو تخيلي!.. بس جبت لك
 حبتين الأسبوع الجا..

 "يا عم كفاية ارحم نفسك بقا!، البقاء لله.. الدنيا بقت نص الليل
 ومبقاش في المقبرة غيرك.. وانا عايز أنام"..


صحن كنافة


 بتعرفوا البنات المحجبات العصريات؟ نظارة شمسية وجينز
 وشنطة لويس فيتون مقلدة وعطر چادوغ وايفون مع كڤر زهري
 ومثقفة وبتلطش انجليزي وجود داي ويز فرندز وسيلفي وبلا بلا
 بلا بلا؟ هاي أنا..

 عمري ٢٦ سنة و٤ شهور و٢٣ يوم.. مش مهم شو دارسة وشو
 بشتغل.. مهو كله محصل بعضه، ومش مهم من اي عيلة ووين
 ساكنة، كله مش مهم، المهم اني لسا مش متزوجة!! ومع انه ببين
 للناس ولصاحباتي اللئيمات الكهنيات المتجوزات انه الموضوع
 مش فارق معي واني مستمتعة بحياتي، الا اني أكذب من
 مسيلمة بكون لما أحكي هيك.. كوني مش متزوجة هي اهم
 علامة فارقة في حياتي وفي شخصيتي.. وهذا هو محور
 كفاحي.. وهمي الذي لا يزول ومعركتي الاولى والأخيرة..

 طبعا راح تتساءل يا نيكولا تسلا ليش ما تزوجت؟ ما اجاك
 عرسان؟ اجاني، مش كثير يعني، بنعدوا يعني.. هم أربعة ومن
 عند رب حكيم الأربعة غريبين الاطوار!

 الاول مهندس كهربا، اول دفعته ومعقد وخجول وبده يعيشني
 في نجران، الثاني خريج شريعة وداعشي، وفي ثاني قعدة النا
 قعد يناقش معي التعدد.. الثالث مش متعلم وشكاك وغيور وبده
 أسكن عند إمه، الرابع رجليه الثنتين شمال وبس..

 وانا مش انه والله بتكبر، بس يعني اشي ومنه!! يعني انا مش
 انجلينا جولي ولا سلمى حايك.. بس مقبولة والله، ومتعلمة


 وبشتغل ومش طالبة شي كثير، شاب مقبول وعنده شخصية،
 حتى فلوس ما بدي..

 المهم، وصلت لمرحلة انه تخرجت وكل صيفية لازم احضر عرس
 هاي وخطبة هديك.. لغاية ما خلصوا صاحباتي وانا قاعدة في
 وجه امي زي مرطبان المخلل..

 طبعا جربت كل نصائح الفيس بوك اللي بتحث على الصبر
 وانتظار النصيب، وأختاه وعمتاه، وكل شي.، ودعيت كل أدعية
 الواتس اب بالعدد.. كل دعاء ٤٠٠ مرة.. وفش فايدة.. ما اجا
 المهدي المنتظر..

 لما صار عمري 25،ربع قرن يعني.. قررت أتصرف أنا.. بدي اجيب
 عريس يعني بدي أجيب عريس.. وما كان قدامي الا النت..
 ومواقع التواصل.. فتحت حساب في كل مكان، عالفيس بوك،
 تويتر، الاسك، لينكد ان، اليوتيوب كاندي كراش، جوجل، انيستا،
 تشافي، كل شي،

 وانا نيتي شريفة، وما بدي اتسلى بولاد الناس.. بس قلت بدي
 افتح ابواب اشوف شباب بلكي واحد زبط وانحلت عقدتك يا
 بنت مريم.. وصرت أتفاعل مع الناس.. وأظهر بمظهر البنت
 الرزينة، العاقلة، المثقفة، ومقررة إذا حدث وصار في كيميا زي ما
 بحكوا يعني، ممكن نقعد قعدة وحدة بس في مكان عام، عشان
 نعرف بعض..

 وسنة كاملة على المتعوس الفيس والمنكوب تويتر وهريت حالي
 بوستات وصداقات وتويتات وتعليقات وبدون أي نتيجة.، يا إما
 شاب أصغر مني، يا إما معاتيه ومشاطيب... مغناطيس مشاطيب


 أنا!! مغناطيس!! نيلة تنيلني في حظي الهباب!!!

 والمنيح بطلع متجوز، واللي بعجبني ما بعجبه واللي بعجبه ما
 بعجبني.. وآخر إحباط وخيبة أمل.. عالم النت الكبير اللي كنت
 شايفته الحل زاد اكتئابي..

 لغاية قبل شهر.. شاب ضافني على اللينكد ان.. بموضوع شغل..
 انا أخذت الموضوع عادي انه شغل وهيك.. شوي، صار يبعت لي
 رسائل، ارتفع الأدرينالين.. شوي بعت انه معجب بشخصيتي..
 طبعا انبسطت، بس قلت له هذا مش موقع تعارف.. ولا هو بحكي
 بكلام ملائكي ملأ شغاف قلبي ولامس أمنياتي الحزينات.. "ما
 حدا بعرف شو مخبى".. طبعا الشاب مهندس، وشغله منيح، عمره
 ٣٠ سنة.. وشخصيته حلوة وشكله مقبول.. ودمه خفيف قلت هذا
 اللي وصى عليه الحكيم.. هذا حصاد السنين وكنزي الضائع
 الدفين.. وأخيرا راح أستفيد من النت!

 وعشان يحلو عمري في غمضة عين، طلب نقعد نشوف بعض.. انا
 تحججت شوي اني مشغولة هداك الأسبوع وأجلته أسبوع واكثر
 لزوم الحركات.. وبالاخر أعطيته موعد.. حبيبة اللي في شارع
 المدينة.. نوكل صحن كنافة.. بفاول ع حالي عقبال كنافتي..

 لبست اللي على الحبل، وزبطت حالي، وتدربت عابتسامتي..
 ورميت كل سنيني العجاف ورا ظهري وقررت انه اليوم راح
 أغاث... طبعا كنت معطيته رقمي لأني مش راح استنى حسين
 فهمي بوردة حمرا.. وكنا حاكيين واتس اب شوي..

 وصلت قبل نصيبي.. وقعدت استنى وادعي ربي يهونها وتزبط..
 واشمت فيهن اللئيمات اللي طول نهارهن بنزلن صور أعراس


 وخطبة وانا بعمل لايك بس.... وصرت أتخيل حالي منزلة صور
 العرس عالفيس بوك وصور شهر العسل في تركيا.. وصور ابني
 في النونية زي ما عملت تغريد.. وانا بشوف اللايكات الافتراضية
 وصل..

 طبعا اللينكد ان فيه صورة وجهك بس.. مش جسمك كله.. ببينش
 الطول يعني، والشاب طلع مش موهوب في هاي الناحية.. يعني
 لكتفي بوصل.. بس مش مشكلة، أبدا مش مشكلة. قلت لحالي،
 هي الملك حسين قصير، وتوم كروز قصير.. المهم نتجوز.. وبس
 نتجوز إذا في كيس ع ظهر خزانة ولا لمبة بدها تغيير انا بتولى
 المهمة.. مش مهم.. مش مهم..

 بلعت ريقي وصدمتي وابتسمت الابتسامة اللي تدربت عليهاو
 سلمت عليه وقعدنا.. وعيوني وقلبي وكياني فيهم هدف واحد..
 مش راح يفلت من ايدي..

 طلبنا كنافة ناعمة.. وصرنا نحكي والشاب حكياته جد حلوين..
 حكينا عن الجو، والأزمة.. وطلع معه بي ام.. والحياة كنافة
 ناعمة.. واجت سيرة رمضان وكيف الواحد تخربط نومه وهيك،
 ولا هو بحكي لي.. " هو صحيح انا ما بصوم، بس برضه تخربط
 نظام نومي"

 قلت في بالي.. مش مهم.. مش مهم.. معلش، بكره انا بهديك
 الصراط المستقيم.. وحكيت له " عاد حرام عليك، والله سهل
 رمضان كان السنة" ولا بحكي لي.. "أنا يمكن ما حكيت لك، بس أنا
 مسيحي "

 يعني هو ضروري أتجوز؟؟ شو الفرق بين المتجوزة واللي مش


 متجوزة يعني!؟ فش فرق!!! راس مالها بس أعبي طلب لشي، بدل
 ما أحط صح في خانة متزوجة بحط في خانة عزباء.. وأصلا
 الخانتين جمب بعض!!


ليلة خميس..


 أنا بحب يوم الخميس.. وهذا الحب مش سمة فردية عندي.. أو
 شي بتميز فيه عن الناس، هذا شي بشاركه مع جميع سكان
 حوض المتوسط... اللي انتوا بالضرورة منهم.. مثله مثل زيت
 الزيتون والسلطة الخضرا والمخلل والرقص والاغاني الحزينة..
 جزء أساسي من طقوس حياتنا انه نحب يوم الخميس ونكون
 مبسوطين فيه، لانه من جهة بنخلص شغل، ومن جهة بنعيش
 الحب فيه..

 بعد المقدمة خليني أعرفك عن نفسي.. أنا صابر، اسمي يعني
 صابر.. عمري٣٠ سنة.. وبشتغل في جريدة الدستور.. طبعا انا لما
 بحكي للناس اني بشتغل في جريدة الدستور بفكروني محرر او
 كاتب او مسؤول.. وبستمتع بالنظرات هاي، بس فعليا أنا بشتغل
 في الأرشيف.. يعني ما لي اي دخل في الجريدة.. موظف حكومة
 من ١٠ سنين. وراتبي ٤٨٣ دينار و٤٥ قرشا بعد خصم الضمان
 والتأمينات.. بس مأمن صحي..

 ساكن في جبل النصر، متزوج بنت عمتي سناء.. وهي حب عمري
 من واحنا صغار.. وعندي من سناء الحلوة ٣ أطفال، جنى وسما
 توأم عمرهم ٥ سنين، وأحمد عمره ٣ سنين.. ساكن فوق بيت
 أبوي، في شقة صغيرة، ومستور الحمد لله..

 طبعا راتبي ما بكفيني، بس بما انه رئيس الوزراء سمح لنا
 موظفين الحكومة الغلابى نشتغل بعد الدوام، فأنا بشتغل في
 محل نسخ وتصوير وترجمة في وسط البلد.. وبرجع كل يوم
 عالبيت عال ١٠.. يا دوب آكل وأبوس الاولاد وهم نايمين وأنام..


 إلا يوم الخميس، ما بداوم بعد الظهر.. بروح عالبيت عال ٤..
 وشعور غريب انك تروح من الشغل والشمس طالعة!! بنام
 ساعتين وبسهر مع ولادي ليناموا.. وفي آخر الليل بستمتع متع
 الفقراء المجانية مع سناء.. هبة الرب لعبيده المساكين..

 والصراحة هذا الموضوع بعني لي كثير، لأني بس أشوف سناء
 الجمعة الصبح متحممة ورابطة شعرها ومبسوطة.، بشوف في
 عيونها لمعان سعادة ورضى بنسيني وضعي ووضعها.. وبخليني
 رغم كل شي، راضي عن نفسي.. وانه الرزق حكمة من الله.. واني
 مش فاشل في كل شي.. صحيح ما بجيب لها كل اللي بدها اياه،
 ولا عنا أشياء زي الناس.. بس على الاقل مبسوطين في اشي..

 الخميس الماضي.. صحيت متنشط ومبسوط ورايق، أفطرت
 باستمتاع! وطلعت عالدوام.. وما في بالي شي، الا أرجع المسا
 أنبسط مع حبيبة قلبي.، وما قدرت أزمة المواصلات ولا ريحة
 الناس، ولا بهدلة المدير ولا رطوبة الأرشيف ولا أخبار داعش
 وغزة وسوريا انهم ينزعوا مزاجي.. انه الخميس..

 روحت عالبيت عال ٥.. مريت عسوق الخضرة وشفته جميل..
 وشفت الخضرة طازة والبائعين لطيفين زي اللي في برامج
 الأطفال.. جبت لبناتي مانجا، ولأبوي موز، وكانت سناء
 موصيتني ع بيتنجان عشان المقلوبة! تسلملي ام المقلوبة شو
 بحبها!

 شفت أبوي قاعد بره، أعطيته الموز، وسفق حبتين مانجا مني..
 وشربني شاي بارد وطلعت نمت..


 طبعا من أكبر معكننات ليلة الخميس، ولي العهد أبو حميد..
 البنات شاطرات بناموا بكير، بس هالمسخوط كأنه ضرتي..
 عالعشرة بفتح معه العدّاد.. كأنه هسه صحي!! ولا بجاوب معه لا
 دوا كحة ولا هيستامين ولا سخام الطين! قاعد في وجهي زي
 العمل الردي!! وشوي بده مصاص وشوي بده ينزل عند سيده!
 وشوي بعملها ع حاله! عقّدني!!

 دخلته ينام ٣ مرات! ويرد يطلع! ويا بابا ويا حبيبي ويا عمري
 فش فايدة! بالآخر شمطته كفين وطلعت ادخن عالبراندا.. راحت
 سناء عملت له حليب، ودخلته ينام واجت قعدت معي نستناه
 يندفس العزول! وكانت طلعة البراندا عملا

 سناء حطت الولد ينام واجت.. واحنا قاعدين عالبراندا.. شفت
 ناس بحاولوا يفتحوا باص أبو رضوان جارنا.. فكرتهم ولاده!
 شوي ولا شغلوا الباص وهربوا!! طبعا عرفتهم أنا وقتها.. هذا
 واحد أزعر سرسري عنا اسمه إسحاق الشبر..

 طبعا طلع أبو رضوان بس ما لحقهم ولا شافهم! وصار يصرخ
 وينادي!! أنا سكتت ونزلت راسي عشان ما حدا يشوفني.. ينسرق
 الباص ولا تنسرق الاردن كلها.. ماليش دخل! بدي بس أحمد
 ينام... بس الله يحرس لي اياها سناء ما رضيت! "حرام يا صابر!
 والله حرام نسكت! مش انت عرفت السرّاق؟ انزل وقف مع ابو
 رضوان واحكي له، وبستناك حبيبي.. كلها ٥ دقايق، وبكون أحمد
 نام، حبيبي انت"

 طبعا من وين الله بلاني أكون شاهد عالسرقة ما بعرف! عاندت
 أنا، بس غمزتني ووشوشتني مع ضحكة وأنا اقتنعت.. لبست


 الزنوبة ونزلت..

 نزلت ورحت عند ابو رضوان وحكيت له يشكي ع إسحاق وما
 يجيب سيرتي! وعشان تكمل الليلة، صار بده أروح معه عالمخفر
 أشهد معه! وكلها نص ساعة يا أخوي يا صابر معلش.. " يخرب
 بيتك يا سناء!! يخرب بيتك يا أحمد يابا!!!"

 وما قدرت أقول له لأ.. مهو كنا خلص دخلنا المعمعة، وبدي أعمل
 شهم ومساعد.. وبدي أتحمل..

 وصلنا المخفر، دخلنا جوا انا وابو رضوان وابنه.. ورحنا
 عالمسؤول وشرح له ابو رضوان القصة، وحكى له انه انا شفت
 انهم جماعة إسحاق الشبر هم اللي سرقوا الباص.. الشرطي طلع
 بعرف إسحاق وطلع أصلا مطلوب على قضايا ثانية هو واثنين
 معه..

 أشر لنا الشرطي وين نقعد، وقعدنا ع كراسي حديد، نستنى.. وانا
 اجت قعدتي جمب باب غرفة الضابط اللي بنستنى فيه.. وعشان
 أنسى وين أنا، قعدت أتخيل في سناء وشو لابسة.. وأفكر إذا
 أحمد نام ولا لسه.. ويا ترى شو لونه قميص النوم؟ والله
 يسامحك يا سناء على هالعملة..

 وأنا بواسي في حالي على هالورطة.. نادى الضابط الأول عماد
 بيك، على ابو رضوان وابنه.. عشان يطلعوا فوق يكتبوا افادتهم
 ورقم السيارة.. انا ما صدقت على الله قمت معهم بدي أخلص
 واروح.. قام عماد بيك حكى لي.. انت خليك هون.. بدك تفوت
 عند حيدر بيك بعد شوي تعطي شهادتك..


 رجعت خائب الأمل وقعدت لحالي.. وهم طلعوا فوق.. ولا بدخلة
 ٤ شرطة ماسكين واحد اسمر وبضربوا فيه.. طبعا شكله متشرد
 وازعر، بس ضخم الجثة.. كركدن.. وهو يصرّخ ويضرب فيهم
 ويسب.. وشوي طلع هذا المنتظر حيدر بيك من مكتبه عالصوت..
 وطلع أضخم من ابو سمرة.. طلع ثلاثة كركدن في بعض. وبلش
 خبط في الأسمر من كل مكان.. نهنهه كتل.. طبعا الأسمر رجع
 عالحيط، وتكوّم ووقع زي شوال البطاطا.. ومع انه انا ماليش
 دخل، وجاي أساعد في تحقيق العدالة على حساب متعتي، بس
 من قوة الخبط قلبي صار في رجلي.. وانا بس أخاف بتلعثم
 وظهري كله بصير عرق بارد.. وبحس في عنكبوتات بمشوا جوا
 البنطلون.. جوا جوا..

 شحطوه الشرطة للأسمر من رجليه وراحوا.. ولف وجهه حيدر
 بيك لقاني في وجهه.. قرب علي وهو بطلع بوجهي بغضب
 ومناخيره بطلع منهم بخار.. وسألني، شو بتعمل هون ولا؟!

 طبعا أنا احتراما يعني للكركدن وللقانون وسيادة القانون وقفت
 حيلي.. وصرت أحاول أرتب الكلمات احكيها في وجه هذا
 الكركدن الغاضب، ولا سمعت شرطي من وراه بحكي له.. هذا تبع
 الباص المسروق سيدي..

 انا ارتحت انه الشرطي حكى هيك وأنقذني.. ما بتذكر شو انحكى
 بعدها او إذا أنا حكيت شي أو لأ.. بس متذكر ان الكركدن العظيم
 حيدر بيك هجم علي وبلشت آكل كفوف.. كف ورا كف.. وبكوس
 وشلاليط وانا أصرخ وأستغيث ومش فاهم اشي.. بتذكر انهم
 حوالي ٣٠ كف.. غير الشغلات الثانية في أماكن ثانية وغير
 المسبات.. طبعا العناكب هربت.. وقبل ما أغيّب سمعتهم بحكوا


 له.، هذا شاهد سيدي.. شاهد..

 لما وعيت وغسلت وجهي وفتحت عيوني، لقيت حالي في مكتبه
 وقدامي فنجان قهوة.. ووجهي منفخ زي المرة الحامل وكل
 عظمة في بتوجع، وأنفي سايل وأواعي مبهدلة ولابس فردة
 زنوبة وحدة.. وهو قاعد ورا مكتبه وبضحك وبحكي لي.. طيب
 يا زلمة الله يسامحك ليش ما حكيت انك شاهد؟ فكرتك السرّاق
 أنا!!

 طبعا كان ثمي مورّم وسخن وكل حرف بحكيه بوجّع.. مع هيك
 قلت له.. سيدي انت اعطيتني مجال أحكي؟ ضحك واعتذر ع
 أساس، وأنا لسه خايف منه كنت.. شربت قهوتي بالعافية
 وطلعت. ووصلني أبو رضوان عالبيت عالواحدة..

 ما حدا يسألني شو عملت انت وسناء! منيح ما طلّقتها!!

 تمت


  - مستوحى من قصة حقيقية..


عبد الوهاب..


 أكيد كل واحد فيكم في يوم من الأيام عابس، تمنى لو يطلع له
 عم مجهول مليونير في البرازيل ويموت ويورثه.. ويصير غني
 فجأة..

 هذا حلم أردني شائع.. بس أنا تحقق معي، وصار واقع.. مش
 بنفس الحيثيات لكن بطريقة مشابهة.. وهاي هي قصتي..

 في صيف ١٩٨٢.. كان أبوي عاشق بتابع كأس العالم بكل شغف..
 وبحاول ما يشغله عن أي مباراة شيء.. شو ما كان يكون حتى لو
 كانت طلبات إمي الحامل... ولحسن حظه وصلت ألمانيا - فريقه
 المفضل - للنهائي.. وقعد متسمر قدام التلفزيون يستنى المباراة..

 بس قبل ما تبدأ المباراة بساعة.. اجا الطلق لإمي.. ونزلت مية
 الراس.. واضطر أبوي ساعتها يترك المباراة ويروح معها
 عالمستشفى وهو يسب ويلعن على ابنه الجديد وتوقيته الغريب،
 وعشان تكمل معه.. خسرت ألمانيا..

 ومن يومها وأبوي بحكي اني ولد نحس.. ومن كثر ما عصّب من
 توقيت ولادتي.. ما رضي يسميني.. فإمي الله يخليها سمتني
 سعيد.. فصرت السيد سعيد نحس..

 وبين أحداث منحوسة وأحداث سعيدة مشت الحياة، وكبر السيد
 سعيد نحس.. وفي صيف ٢٠٠٠ خلصت توجيهي.. وجبت ٩٤..
 وعملوا أهلي حفلة تخريج يوم الجمعة.. وكانت هاي هي لحظة
 السعادة اللي راح تلون حياتي..


 قبل حفل التخريج بيوم، اجوا ناس من العيلة على أبوي وحكوا
 له ان عبد الوهاب بده يجي يصالحه ويسلم عليه ويبارك لابنه..
 ووافق أبوي على مضض..

 وبس طلع أبوي حكت لنا أمي قصة عبد الوهاب، قريبنا اللي
 عمرنا ما شفناه.. طلع هذا بكون ابن خال أبوي.. وكاين أيام
 المخيم يحب عمتي، وخطبها وطلع على ألمانيا.. هذا الحكي سنة
 ١٩٦٠.. وقعد هناك ٤٠ سنة ما حدا سمع عنه شي.. طبعا عمتي
 استنته ٥ سنين، قبل ما تيأس.. وصابها حالة اكتئاب ومرضت
 وماتت.. وسيدي الله يرحمه كان حالف يقتله لعبد الوهاب لو
 شافه..

 شفته لعبد الوهاب، وسلم علي وعلى أبوي.. وظل عنا لخلصت
 الحفلة.. كان اله في عمان سنة.. اشترى بيت وعايش فيه لحاله..
 وما تزوج طول عمره.. ختيار في السبعين.. لكن بتشوفه بتحكي
 عنه ٥٠.. كان مبين أصغر من أبوي مع انه بينهم ١٥ سنة.. وأمي
 كانت تحكي انه مليونير كبير في ألمانيا بس تقاعد ورجع عشان
 يموت هون.. واله شركات هناك..

 في وسط الحديث، سألني واحد من القرايب شو ناوي أدرس..
 طبعا انا ما كنت مفكر بشي.. بس ميّال للصيدلة.. تدخل عبد
 الوهاب وحكى "مهو خلص دراسة الصبي! مش بتعرف تقرأ
 وتجمع وتطرح!؟ بكفي! لازم يشتغل الولد.. التعليم مضيعة
 للوقت وتخريب للفكر!" وقام نقاش حاد بين عبد الوهاب من جهة
 والقاعدين من جهة ثانية.. عبدالوهاب مع انه بكفي تعليم ولازم
 أشتغل شغل حر كمان.. وأبوي وباقي الناس مع التعليم.. وبس
 حمي النقاش، تحدى عبد الوهاب الجميع انه لو أشتغل معه شهر


 واحد بس.. راح أطلع راتب أبوي في سنة.. طبعا أبوي وقتها كان
 أستاذ وكالة.. وبطلع في السنة حوالي ٧٠٠٠ دينار..

 وتراهنوا.. وحكى لي أبوي، من بكره بتروح مع عبد الوهاب.، شهر
 كامل.. وبدي أشوف كيف بدك ترجع ب ٧٠٠٠ دينار! بآخر الشهر
 بكون عندك جامعة..

 وأنا بصراحة تحمست.. وثاني يوم فعلا.. كنت عند عبد الوهاب
 في بيته.. وصلته ٨ الصبح.. كان مشتري بيت طابق واحد بس
 معه حديقة كبيرة.. فتح لي الباب وهو لابس روب زي اللي في
 الأفلام.. وشربنا قهوة.. وطلعنا عالحديقة..

 طلب مني أنكش أرض الحديقة كلها وبآخر النهار بحاسبني..
 وفعلا.. من شجرة لشجرة وبالفاس والطورية طول النهار لما
 انفتح ظهري! بس خلصت.. وهو بس قاعد بتفرج علي وبشرب
 قهوة وبدخن.. وبلعب مع ببغاء أزرق وأحمر عنده..

 آخر النهار أعطاني ١٠ دنانير، وحكى لي.. انه اليوم اشتغلنا
 بالجسد، بس بكره شغل العقل.. وراح نشوف مين بكسب.. وطلب
 مني آجي ثاني يوم وأنا لابس شورت وطاقية ونظارة شمسية..

 روحت وأنا كلي غبرة وتعبان وحاسس حالي أكلت مقلب.. وأبوي
 شمت في.. بس كنت مصرّ أكمل.. وحاسس في شي راح يطلع من
 عبد الوهاب..

 ثاني يوم كنا في طريقنا للبترا.. ومعنا الببغاء وكاميرا حديثة
 بتطبع الصور فورا.. وقفنا مكان ما بنزلوا الباصات السياحية..
 ونصبنا يافطة انه تصور مع الببغاء بدينار.. طبعا عبد الوهاب كان


 في شخصية ختيار أوروبي.، ويمزح مع السياح والسائحات
 ويحكي لغتهم وكثير حبّوه.. وأنا بس أصوّر وأعد فلوس في
 عقلي.. ولدهشتي روحنا ومعنا ١٨٦ دينار..

 واحنا في الطريق فهمني عبد الوهاب انه في ألف طريقة وطريقة
 عشان تعمل فلوس.. منها الصعب زي مبارح، ومنها السهل زي
 اليوم ومنها المملة اللي هي طريقة أبوي، وكان لازم أعمل الصعبة
 عشان ما أكررها، لان الانسان بتعلم الغلط وبتعلّم الصح..

 وداومنا شهر ٨ كله في البتراء.. نصور السياح مع الببغاء..
 ونخليهم يطعموه.. وآخر النهار الغلة تكون دنانير وعملات
 أجنبية.. وتعلمت فيها من عبد الوهاب انه الاقتصاد عرض وطلب
 صح.. بس في طلب، وفي قدرة على الطلب.. وفي رغبة في
 الطلب.. والسائح بجمع كل هدول.. وان الفلوس مرمية على
 الارض، بس بدك مين يعرف يلمها..

 في آخر شهر ٨ كان معنا ٩١٢٥ دينار.. غير اللي صرفناه أكل
 وشرب.. طبعا طلع لي هندسة في التكنو.. وأبوي كان مستني
 أخلص مغامرتي مع عبد الوهاب وأداوم.. ويوم ما اجتمعنا مع
 أبوي وورجيته الفلوس مع ابتسامة نصر من عبد الوهاب.. عصّب
 أبوي وحكى انه هيك هيك راح أكمّل جامعة.. وهون قرر سعيد
 النحس يتحدى أبوه.. ورفضت أكمل جامعة.. وقررت أشتغل مع
 عبد الوهاب..

 بعد مشاكل عنيفة، أبوي كرر لإمي اني نحس من يومي..
 وتركني.. وبدت أكبر مغامرة في حياتي..

 كان موسم السياح خلص.. ولازم نشتغل في شي ثاني.. وعبد


 الوهاب اقترح نعمل مطعم شاورما وحمص وفول.. لأن على
 رايه.. الاكل والجنس ما بوقفوا.. أخذنا محل في الخامس (كان
 عبد الوهاب بآمن انه لازم نخدم الأغنياء بالبضاعة، ونخدم
 الفقراء بإنا نشغلهم معنا).. وجهزناه.. وبدينا.. وربنا فتح وبارك
 في المحل.. وصرت أكسب كثير.. طبعا عبد الوهاب ما دفع شي
 ولا طلب شي اله.. كان بس بساعدني.. وكل شي باسمي.. بآخر
 السنة كان عنا ٣ فروع..

 وفي يوم طلب مني عبد الوهاب خارطة لعمّان.. وصار يشرح لي
 ان الانسان لازم يفهم مدينته.. ووين ممكن يكون تمدد العقار..
 وبعد ما درس الخريطة، شرح لي ان الناس ما راح تروح شمال
 عمان لأنه بارد.. ولا شرق عمان لأنه فقير، ولا جنوب عمان عشان
 في مطار.. ما في الا غرب عمان.. وتحت حي الصناعة تحديدا..
 وشفنا طبربور كمان.. كانت جديدة وسعرها مقبول..

 فهمني عبدالوهاب اني لازم أزور دائرة الأراضي مرتين على الأقل
 كل سنة.. وما أكون بياع.. وفعلا.. صرت كل شي اربحه من
 المطعم أشتري فيه اراضي في طبربور.. وفي مرج الحمام.. كانت
 ببلاش أيامها.. واقترح علي عبد الوهاب انه اي قطعة أرض
 أشتريها.. أزرعها شجر مثمر عالأطراف وأسيجها.. عشان نعطيها
 قيمة مضافة.. وتوقع انه أي حرب في المنطقة راح تفجر أسعار
 العقار..

 اشتغل المطعم سنتين وصار له ٦ فروع، وصار اسم تجاري..
 وهون اقترح عبد الوهاب انه لازم أتركه حاليا.. لانه كان يؤمن انه
 المصلحة مثل الطفل الصغير.. لازم تعلمه المشي وتتركه.. حطينا
 مدير للمطعم واتفقت معه على مبيعات معينة ونسبة اله


 وطلعت..

 في الأثناء هاي كان أبوي بدأ يغير رأيه في إني أنا شخص نحس،
 خصوصا مع الفلوس اللي كان يشوفها معي..

 وبدأت حرب العراق.. وكانت أكبر كنز الي.. كل الاراضي اللي
 اشتريتها ضربت في ٢٠.. وأول ما بدأ تدفق اللاجئين، فتحت
 بمشورة من عبد الوهاب شركة إسكان ومقاولات.. وعيننا
 مهندسين.. وبدأنا نبني على أراضينا ونبيع.. وصارت حركة هائلة
 في سوق العقار والمقاولات..

 طبعا عبد الوهاب ما كان معي في كل خطوة.. نتيجة عمره
 ومجهوده.، بس كنت لازم أمر عليه كل يوم او يومين في البيت
 آخذ نصائحه ومشورته.. ومشورته في شركة المقاولات كانت اني
 مش لازم أعين مهندس شريف، لازم يكون حرامي.. وأعطيه أقل
 من ما بستحق، عشان أجبره يسرق مني.. ورأيه كان انه السراقين
 بربحوا الشركة أكثر لأنهم مبدعين.. بشرط تكون محدد له كم
 يسرق.. وفعلا كانت ارباح شركة المقاولات كبيرة..

 وفي ٢٠٠٦.. كنت مليونير حقيقي.. كان حسابي في البنك حوالي
 مليون و٤٠ ألف.. ولما ورجيت عبد الوهاب كشف الحساب..
 أخذني عالمطبخ.. وصار يقلي بطاطا وانا معه.. وبس خلص..
 مسك بطاطا سخنة بالمغرفة وحطها في ايدي حرقني.. وحكى
 لي "هاي الفلوس.. Hot potato.. حرام تظل في ايدك.. واحنا
 بنشرب قهوة ما بعد العشا، حكى ان المسلمين تعلموا كل شي من
 الرسول، بس ما تعلموا انه كان تاجر.. وانه صار وقت أقتدي
 بالرسول وأصير تاجر..


 وتحامل على نفسه وطلعنا على تركيا.. ومن اسطنبول ركبنا
 العبارة لبورصة.. طلع عبد الوهاب بحكي تركي منيح من أيام
 ألمانيا.. واتفقنا مع ٧-٨ مصانع نستورد منتجاتهم.. ملابس
 وقطنيات وعدد ومواد غذائية.. وفتحت شركة استيراد وتصدير
 وبنيت مخازن ومستودعات.. كنت بتضخم تضخم سرطاني..

 وصار عندي مجموعة قابضة، فيها مطاعم.. ومقاولات وإسكان
 وتجارة ومطبعة ومجمعات تجارية ولسه ما كملت ثلاثين سنة..
 كان كله بفضل توجيهاته وفكره في الاستثمارات الناجحة..
 وأقنعني عبد الوهاب في جلسة مسائية أفتح مدرسة انجليزية..
 لأن الأردنيين على قولته بموتوا في التعليم.. وفساد الدولة راح
 يفسد التعليم، فلازم يكون في بديل خاص مربح خصوصا انه
 الشعب الأردني بحب المستعمر ومنتجاته..

 ثاني يوم افتتاح المدرسة.. كان شهر ٨/٢٠١٠.. كنت بعرف عبد
 الوهاب الي بالزبط عشر سنين.. ومع انه كان شعلة نشاط ومش
 مبين عليه التعب والهرم.. الا انه دخل المستشفى في أزمة
 قلبية..

 زرته وظليت معه.. وطلعته من المستشفى.. كان بالكاد يقدر
 يحكي أي كلمة.. كأن شي سحب روحه.. كتب لي اني أظل
 أزوره.. ووعدته ما أتركه أبدا..

 وصرت فعلا أزوره كل أسبوع.. بس مع اندلاع الثورة السورية
 وبدء تدفق اللاجئين.. كانت إمبراطوريتي بتكبر وتتوسع..
 وأخذت عقود توريد معونات، وعقود إغاثة.. وبنيت عمارات
 كثيرة في اربد وعمان.. وفتحت خط مع الصين وصرت مشغول


 جداً جداً.. بالكاد أزور عبد الوهاب مرة في الشهر وكنت فعليا
 استغنيت عن نصائحه وصارت مكررة وأزهق وأنا أسمعها،
 خصوصا بعد ما مرض.. وبس أزوره يمسك ايدي ويهمهم بكلام
 مش مفهوم.. وبس يكتب لي أشياء..

 السنة الماضية كنت بجهز حالي أطلع اجتماع وكلاء في دبي.. ولا
 بوصلني شحنة أرامكس.. فتحتها لقيت فيها تمثال صغير لأسد
 أبيض من العاج.. كنت أشوفه في الصالون عند عبد الوهاب.. بس
 شفت التمثال تذكرت انه كان لي تقريبا ٥ شهور ما زرت عبد
 الوهاب..

 مع الأسد كان في الرسالة التالية..

 "ابني سعيد.. أنا لما وصلت ألمانيا وأنا صغير كنت شاب طموح
 مثلك وناوي أكمل دراستي وأصير موظف.. احتضنني ختيار
 ألماني كانت الحرب دمرت كل شي بملكه.. سكنت عنده واعتنيت
 فيه.. وكل شي علمتك اياه هو علمني اياه.. وكانت فلسفته في
 الحياة ان المتعلمين بقضوا حياتهم يدرسوا الجذور، بس الأذكياء
 هم اللي بقطفوا الفاكهة.. ومثلك تماما.. ساعدني أبدأ من الصفر
 وبنيت امبراطورية كبيرة في ألمانيا.. أنا بعمري ما كان عندي
 عائلة.. الشيء الوحيد اللي عملته على مدى ٤٠ سنة هو اني أعمل
 فلوس.. ولما تعبت.. تركت كل شي وراي وجيت عشان أعمل
 عائلة.. و شفتك.. و قررت انك تكون ابني.. وأعلمك تعمل فلوس
 وتكون فعلا سعيد.. وما كان بدي منك شي، الا انك تحبني
 وتزورني.. وانا مش زعلان منك..

 قبل ما يموت الألماني أعطاني هذا الأسد لأني كنت آخر انسان


 اهتم فيه ومنحه السعادة قبل ما يموت.. ولما توصلك هاي
 الرسالة وهذا الأسد.. اعرف اني أنا ميت.. وبشكرك لاهتمامك فيّ
 في آخر عمري. "

 السنة كنت بستنى مباراة ألمانيا والأرجنتين.. بس قبل المباراة
 بساعة.. اجا مرتي الطلق.. ونزلت مية الراس.. ومع انه راحت
 علي المباراة وخسرت الارجنتين.. الا اني كنت سعيد جداً بابني
 البكر.. عبد الوهاب..

 تمت


قاع المدينة


 كثير ناس بتفكر انه الفقر هو مجرد انه ما يكون معك فلوس
 تشتري ملابس أو أكل.. بس الفقر فعليا أعمق من هيك بكثير..
 الفقر صبغة حياة.. بفرض عليك وين تسكن.. ومين هم جيرانك..
 وطبيعة علاقاتك مع أهلك وعائلتك.. وبفرض عليك وين تدرس
 وإذا تدرس أصلا أو لأ.. وشو تشتغل ووين تشتغل.. ووين سقفك
 بالحياة.. وشو طبقتك اللي مسموح لك تتعامل معها.... بل حتى
 بفرض عليك قيمك وطبيعة علاقتك مع ربك ونظرتك بشكل عام
 للحياة والمجتمع والدين...

 ما بدي أحكي انه الفقر كان سبب للي أنا مريت فيه.. بس يمكن
 هو اللي وفر الأسباب..

 اسمي جهاد.. وعمري 24 سنة.. سكان منطقة الجبل الأبيض في
 الزرقاء.. طبعا في ناس كثير منكم ما عمرهم عاشوا في منطقة
 مثل الجبل الأبيض.. ولا بعرفوا شو يعني انك تعيش في منطقة
 خارج القانون والمنطق والزمن وخارج نطاق الاخلاق أساسا..
 أكبر مشكلة عندنا في المناطق الشعبية هي ما يعرف بالزعران..
 والزعران عبارة عن ناس خارجة عن القانون.. على الأغلب مش
 متعلمين.. وكل واحد منهم اله لقب يميزه "الطُجّ، الزرافة، الغاوي،
 أبو الليل، وهيك" ممارساتهم اليومية هي البلطجة والسرقة
 والاعتداء على الناس بأسلحة بيضاء والترهيب وسب الرب
 والدين علنا.. والسكر.. والزنا والمخدرات والدعارة والقائمة
 تطول.. طبعا في أي مكان ثاني.. هؤلاء المجرمين مكانهم
 السجن.. لكن في حي مثل الجبل الابيض.. هؤلاء هم جيرانك..


 ولازم تعرف تتعامل معهم..

 عشت عمري كله في حالي.. بحاول أبعد عن الشر قدر الامكان..
 وما أتعاطى مع حدا فيهم.. وحتى لو تعرضت لمضايقات.. أحاول
 أنهي الموضوع بهدوء وبدون ما يكبر مع الحفاظ على الكرامة..
 والسبب الاساسي انه الازعر ما عنده شي يخسره، وأي نزاع معه
 انت الخسران.. وعشت وكبرت وأنا بدعي الله انه يخلصنا منهم..
 ولما ما تحقق دعائي، صار همي الأكبر اني أدرس وأتعلم وأقدر
 اطلع أهلي من هذا الحي الموبوء.. قبل ست سنوات خلصت
 توجيهي.. انا وفوج كامل من الناس اللي بتقدم امتحان الوزارة
 لعل وعسى يقدروا يكملوا جامعة ويطلع لهم احتمالات شغل
 ومستقبل أفضل.. ومع كل طموحي، الا انه قدراتي الدراسية ما
 ساعدتني أجيب معدل يأهلني أدخل جامعة حكومية.. ولو جبت
 يمكن ما كنت أقدر أدرس.. الوضع المادي أسوا من سيء..

 وعشان أساعد أبوي في مصاريفي انا وأخواتي الاربعة.. كان لازم
 أشتغل.. وبما انه ما عندي أي حرفة أو مؤهل.. وبما انه الرزق عند
 تزاحم الاقدام.. قررت أشتغل أبسط شي ممكن يشتغله انسان..
 بسطة.. فصلت طبلية خشب.. وب 50 دينار تدبروا بصعوبة..
 اشتريت بضاعة بسيطة، أمشاط وبُكَل واكسسوارات بنات صغار
 ودبابيس وأشياء زي هيك.. واخذت معي دعا الوالدة وطلعت
 السبت الصبح على مجمع الزرقا واخذت مكان بعيد عن الناس
 وبسّطت فيه..

 اول يوم، ومع انه كان يوم سبت.. والحركة قليلة.. الا اني بذلت
 كل شي بقدر عليه.. ابتسم للرايح والجاي.. واحكي مع الستات
 واقنعهم يشتروا.. وبفضل من الله.. تمكنت اكسب 8 دنانير رزق


 حلال.. وباخر النهار.. حملت بسطتي وبضاعتي وروحت وانا
 بحلم ببيع أكبر بكره، وتماديت في حلمي انه البسطة تنجح
 وأحولها محل أكسسوارات وأشتري لإمي وخواتي اللي بدهم
 إياه..

 ثاني يوم كنت في المجمع من ال 6 الصبح.. والحمد لله كانت
 الحركة أحسن.. بس حوالي الساعة 10.. ما شفت الا هالبنت جاي
 علي.. وشكلها أصلا غريب ولابسة مثل الشباب.. وبدون اي سابق
 انذار.. سالتني "مين سمح لك يا ابن ***** تبسّط هون؟" من
 الصدمة والرعب وقفت على اجري وتطلعت فيها.. ولا حواليها 4
 شباب.. واضح انه زعران.. واحد فيهم قرب علي.. وحط ايده ع
 كتفي وحكى.. "شكله غشيم الشاب.. جديد يا حبّة عين إمه.. "
 وصاروا يضحكوا.. وانا لسه ساكت ومش فاهم.. قام واحد مسك
 فكّي بين ايديه وقرب وجهه على وجهي وحكى.. "هذا المجمع
 كله للمعلمة هون.. اي واحد ببسّط لازم يبوس اجرها قبل ما
 يبسّط.. واجار البسطة كل يوم ليرتين.. فاهم يا @$&$&$&(؟!!"
 اشرت براسي اني فاهم.. وطلت ليرتين واعطيته.. قبل ما تروح
 هي وجماعتها.. دفشت البسطة كلها برجلها وراحت وهي تسب
 وتلعن الزمن..

 وانا بلملم بالبضاعة من الارض.. قرّب علي واحد ببيع كعك..
 ختيار.. وصار يساعد في ويفهمني.. حكى لي انه هاي البنت
 كاسرة وزعرا.. ومعها حوالي 50 واحد.. كلهم بشتغلوا معها..
 وبتوخذ فلوس من كل محل وبسطة ومن كل باص.. والكل بخاف
 منها وبعمل لها ألف حساب.. ولازم أدفع وأنا ساكت.. والشرطة
 نفسها شايفينها وساكتين.. كلهم بخافوا منها..


 ما اقتعنت بكلامه.. بس استغفرت ربي ولمّيت بضاعتي وقعدت..
 واعتبرت اللي صار جزء من ان الواحد يكون في السوق.. وقررت
 المسا أروح أشكي عليها.. وفعلا.. الساعة 8 رحت شكيت.. وكتب
 الشرطي الشكوى ووعدني خير وروحت..

 ثاني يوم الصبح.. فتحت البسطة وقعدت أستنى الشرطة تيجي..
 الشرطة ما اجت، البنت اجت، وانا كنت مجهّز ليرتين.. وناوي
 يكونوا آخر ليرتين..، بس بدون أي كلمة بلشت تضرب في هي
 وجماعتها وانا بحلف إلها انه راح أدفع.. لغاية ما كل وجهي صار
 دم.. وهم يضربوا وهي تسب علي اني شكيت عليها.. وتتحدى
 الشرطة والملك والحكومة وربنا كمان.. أكلت ضرب ما بتحمله
 انسان.. وبكيت من كثر القهر والألم.. شالوهم الناس بالرجا عني..
 واجا لي الختيار تبع الكعك يمسح جروحي ويراضيني.. رتب لي
 البسطة.. وصار يلوم في.. يا ابني مش حكيت لك ما حدا بقدر
 عليها؟ يا ابني ادفع لها وانت ساكت الله يرضى عليك..

 واستلمتني.. كل يوم الصبح تمر توخذ ليرتين ومرات ثلاث..
 ومرات 5.. غير انه اللي يعجبها من البسطة تشيله.. ويوم عن يوم
 صرت أعرف عنها أشياء أكثر.. انه امها انسجنت وهي صغيرة..
 وعاشت بين البيوت.. وفي عمر 20 سنة، في شخص اغتصبها
 وحملت منه.. ورمت ابنها في مركز أيتام.. وعايشة على النصب
 والسرقة والبلطجة.. وعليها قضايا كثير بس ما حدا بقرب عليها..
 اي شرطي بتعرض لها بنفس الليلة بكونوا الزعران هاجمين على
 عيلته كلها.. وبطلع هو الخسران.. حتى أحكام السجن ضدها ما
 بتتنفذ.. وانه الله بحبني انهم ما ضربوني بموس على وجهي او
 تهجموا على عيلتي..


 كمّلت شهر في المجمع وأنا خاضع لها.. بس كل مرة كانت تمر
 علي كنت أنظر لها نظرة المظلوم للظالم.. ومرة سألتني.. "ليش
 بتتطلع في هيك ولا؟" تأسفت لها وقلت لها "ما في شي.. حقك
 علي".. وفي يوم امي تعبت.. واخذناها عالمستشفى.. ووصفوا لها
 دوا حقه 26 دينار ما كان معنا نشتريه.. وأصلا خالص من عند
 الحكومة.. ولازم نشتريه من بره.. ودعيت الله يزيد رزقي عشان
 أقدر أشتريه لامي..

 ثاني يوم ما اجت البنت الصبح.. وبعت كثير منيح.. والعصر مرّوا
 خواتي عندي عالبسطة يشوفوني ويشوفوا لو معي ال 26 دينار
 حق الدوا.. وكان معي منهم 15.. قلت لهم المسا ان شاء الله
 بشتري لها الدوا لإمي.. وكثير انبسطوا ودعوا لي.. وصدفت
 وأخواتي عندي اجت.. وبدون اي مقدمات بلشت تسب علي
 بكلام وسخ.. انه ليش ما جبت لها المعلوم.. خواتي تفاجأوا منها
 ومن كلامها.. وأنا حاولت أحتوي الموقف.. وقفت لها.. وقلت لها
 بكره بعطيك بس اليوم عندي ظروف.. وصارت تسب بصوت
 اعلى.. قامت أختي صرخت عليها.. وصارت تسب على أختي..
 بكلام وسخ.. طبعا انا انجنيت.. وروحت خواتي بسرعة وطلعتهم
 بالباص ورجعت لها.. لقيت جماعتها كلّهم واقفين معها.. ضربتني
 هي وجماعتها كمان مرة وكسروا البسطة.. واخذوا كل الفلوس
 اللي معي وراحوا.. وتركوني وأنا مرمي عالارض ووجهي منفخ
 واواعي كلهم دم..

 ما روحت عالبيت يومها.. ظليت قاعد بالمجمع.. بس بفكر.. والنار
 بتوكل قلبي من جوا.. ورحت اتداينت من بياع الكعك 5 ليرات..
 واشتريت موس.. وقعدت أستناها.. وأفكر بحالي وبأهلي


 وبالمجمع والشرطة اللي ما إجت وبالبنت وبخواتي وأبوي وأمي
 وبالله وبكل شي.. وما وعيت على حالي الا الساعة 3 الصبح
 صارت وانا على نفس القعدة.. قمت من مكاني وفتحت الموس
 وخليته في جيبتي مفتوح.. وصرت أتمشى في المجمع زي الضبع
 الجوعان.. كان لازم أشوفها!! ومع أذان الفجر شفتها.. ماشية
 لحالها كانت.. قربت منها.. وفي عيوني نفس النظرة اللي كانت
 تشوفها بعيوني.. ضحكت بس شافتني وحكت لي تعال.. مشيت
 لعندها وبدون ما تكون متوقعة أي شي.. وبأسرع ما يمكن.. قربت
 عليها ولفيت ايدي وراها ونحرتها من رقبتها.. وقعت ووقعت
 فوقها ومثبتها كنت، وصرت أمشي الموس يمين يسار وأضغط..
 كنت بقتل كل الخوف والرعب والظلم اللي عشته.. والدم يعفر
 من رقبتها وهي تقاوم وكأنه بطهرني أنا.. لما هديت حركتها
 تركتها وقمت.. كانوا في شوية ناس واقفين ومصدومين.. لما
 شفت عيونهم كلهم علي صحيت.. رميت الموس ووركضت للبيت
 ركاض.. من الخوف ما دخلت عالبيت، ظليت قاعد ورا البيت
 ومن التعب والخوف نمت وانا قاعد عالارض..

 الصبح كانوا الشرطة في البيت والتهمة كانت القتل العمد.. مع
 سابق الاصرار والترصد.. كل الدنيا كتبوا عن القصة،وصار في
 مطالبات بالافراج عني وتبرئتي.. واني انا عملت اللي لازم
 الحكومة عملته من زمان.. وحاول المحامي يطلعني مختل عقليا
 عشان تنزل العقوبة.. بس القانون اللي غمض عيونه عنها فتحهم
 علي.. ومع الأسباب المخففة أخذت 15 سنة سجن.. وصاروا سبع
 سنين ونص بعد ما أبوها تنازل.. ودخلت السجن أقضي
 محكوميتي.. والي ست سنين فيه.. وان شاء الله الشهر الجاي
 بطلع من السجن وبرجع عالجبل الأبيض..


 لو رجل قانون يطلع على قصتي من بعيد، بحكي اني قتلت
 انسانة.. ويمكن كان لازم أنعدم. أو أقل ما فيها آخذ مؤبد.. ولو
 رجل دين يطلع على قصتي بحكي انه القصاص لازم، أو أقل ما
 فيها اتوب وأستغفر ربي.. والناس اراءها كانت مختلفة.. بس
 شخصيا، لغاية الان.. ولغاية 100 سنة جايات.. أنا مقتنع انه ربّنا
 لما شاف قصتي كان رأيه اني عملت الشي الصح.. ويمكن لما
 يشوفني يكون مبسوط اني قتلتها..

 تمت


  - القصة حقيقية 100%.. مع اضافة بعض التدخلات الادبية.
 الشاب اسمه "جهاد بني خالد" والفتاة تدعى "لبنى الكوشية"..
 نبذة عن أبطال القصة في التعليقات..


حُبّ وأشياء أخرى


 صحّ انه أسعد أيام حياتك بكون يوم ما يجيب أهله يخطبوك
 وأهلك يوافقوا؟ صحّ هو هذا اليوم اللي بكون أوفى بوعده فيه؟
 وما شمّت حدا فيكِ؟ وفيه بتنتهي فيه كل الأوجاع والانتظارات
 واحتمالات خيبة الأمل؟ وصحّ انت هيك بتفكّري!؟ لأنك هبلة!
 وأنا كنت مثلك..

 قصّتي مش غير عن الناس.. حبّيته مثلي مثل أي بنت.. كنت سنة
 ثالثة جامعة.. هو للأمانة ما كان أولّ حب بحياتي، كنت داخلة
 قبله قصتين حب صغار عالفيس، بس خلصوا بسرعة.. وتدمّرت
 زي اللي عن جد.. وعبيت بروفايلي دموع وحكم وصور ذئاب
 وهيك.. بس هو كان غير، كان أول حب حقيقي.. أكبر مني بثلاث
 سنين.. موظف قطاع خاص، حليوة نوعا ما.. وفهيم.. بحكي من
 هذا الحكي الصعب والمصطلحات الغريبة هاي، الرأسمالية
 والشيوعية والكبّة نيّة وهيك.. وبفتح عيني على شغلات ما كنت
 فاهمتها..

 المهم، اتدهولت على عيني وحبيته.. وبدينا نطلع مع بعض.. كنا
 كثير نتمشى في الجامعة أولها.. وبعدين صرنا نتمشى برّا
 الجامعة.. أولها كان حلو المشي، ورومانسي وإيد بإيد وهيك..
 بس بعدها تعبت وصرت أطلب نقعد في كافيه أو مطعم.. وقتها
 عرفت انه كان مفلّس.. وانه المشي كان خياره الاقتصادي الوحيد
 لمواجهة الوضع القائم.. فكنّا نخاف ندخل مطاعم.. لما نجوع
 نجوع، كنا نوكل سندويشة فلافل عالطاير.. ولما نطبشها نطبشها
 واحتفال يكون، نوكل KFC.. ونركب بالباصات العمومي..


 والسراڤيس.. التكسي كان رفاهية ما بنقدر عليها.. برجوازية على
 رأيه.. وكل مرة أرجع من رانديڤو معه، أنقع اجري بمي وملح..
 ويومين وانا أعرج.. طبعا انسي موضوع الهدايا وفالنتاين
 واينشتاين.. رجس من عمل الشيطان هدول.. ويوم عيد ميلادي
 طلع لي قصيدتين من نزار قبّاني.. قصيدتين كاملات..
 وساندويشة فلافل صاروخ.. مع شطة حمرا.

 يمكن لو رجع في الزمان، كان ممكن أفركها عالبكّير.. بس وقتها
 كانت المسلسلات التركي ومستغانمي مخربين عقلي.. والفقر
 يليق بك والقصص هاي.. وكنت حابّة ألعب دور البنت المضحّية
 اللي بتوقف مع حبيبها في أزماته.. وإنه ما دام الحب موجود، أي
 شي ثاني مش مهم.. وبصراحة كنت كثير أحبّه ومش شايفة
 غيره.. المهم بالجمعيّات وسلف الشغل وقرض النقابة وألف يا
 ويلاه.. تدبر معه ٢٥٠٠ دينار يجي يخطبني.. وحكى لي انه الجمعة
 بالليل جايين أهله يشوفوني..

 طبعا انا حبّيته هو كشخص مستقلّ، وما عمري فكّرت بأهله...
 صحيح كانوا موجودين في الخلفية، بس عمري ما فكّرت فيهم
 انهم شيء مهم.. كانوا بالنسبة الي شيء مؤقت مرتبط بحبيبي..
 زي ما بتشتري بنطلون وبيجي معه بطاقة المصنع، بتشيلها
 وبتستمتع بالبنطلون.. عادي يعني.. ما عمري فكرت او تخيلت انه
 هم يكونوا البنطلون اللي راح ألبسه.. وحبيبي بس البطاقة..

 يوم ما كانوا بدهم يجوا.. صحيت الصبح وانا مبسوطة انه الحمد
 لله.. راح تكمل فرحتي.. وأبطّل مشاوير السرّ وكنكنات السرّ والله
 غفور رحيم يعني... وقررت أتحمم عشان أجهز حالي وأكون على
 سنجة 10.. نسيت أحكي إني سكان منطقة شعبية، ولأنا في قفا


 هرم اهتمامات الحكومة، في منطقتنا بتيجي المي بس يوم
 الجمعة الصبح ولمدة ٣ ساعات.. ويا بتلحق تعبي التنكات
 وتشغل الماتور يا ما بتلحق.. يومها تأخرت المي.. انه يخرب
 بيتكم.. ع حظي تاخرت المي؟؟ ووقفت تحت الدش الساعة
 تسعة الصبح أصلي استسقاء وألعن في الحكومة.. بعد صلاة
 الجمعة ربنا استجاب صلاتي واجت المي وتحممت.. ولبست
 وتجهزت..

 ورتبنا الصالون انا واختي.. وقعدت أستنى على جمر.. وقلبي بين
 الخوف والأمل... وعالسبعة رن الجرس في بيتنا وفي قلبي..
 وكنت أول مرة بلتقي بالوالدة باشا.. السلطانة الام.. هند بنت
 عتبة.. ومساعداتها.. نجلاء وشيماء.. خواته.. أنا للأمانة ما كان
 في قلبي شي تجاههم.. ولا أي حكم مسبق ولا شي.. وقابلتهم
 بابتسامة بريئة...

 طبعا احنا ناس بسطا، وأثاثنا قديم نوعا ما.. يعني اشتراه أبوي
 الله يطول بعمره بعد حرب أيلول بشوي، بس مريح.. ويبدو
 كاينات موزعات الواجبات والأماكن قبل ما يدخلوا ومحددات
 وين كل وحدة تقعد وشو تعمل.. اختاروا الكنباية الثلاثية، شيماء
 ماسكة ميسرة الجيش ووظيفتها تتفحص أهلي.. نجلاء قائدة
 الميمنة ووظيفتها تتفحص بيتنا.. وأنا وجها لوجه مع هند بنت
 عتبة.. تفحصتني بعيونها ولا أجدع طبيب باطنية ونسائية
 وتوليد.. وكل سؤال تسألني إياه أمرّ من الثاني.. طبعا بالليل كذب
 علي وحكى لي اني كثيييير عجبت أهله.. بس أنا كنت عارفة إنها
 الحرب..

 وبعد مفاوضات جنيف عالمهر والمتأخر والاشياء هاي، تحدد


 موعد الخطبة.. وأنا من طيب نيّاتي ومن اللي كنت أشوفه
 عالانستغرام عند صاحباتي، اقترحت نعمل الخطبة في صالة..
 مش شرط البنفسج او النعمان أو هيك.. أي صالة بقبل! ان شاء
 الله صالة وادي النسناس! أو جمعية كفر راعي! بس والله يا
 حبيبي بيتنا صغير وما بوسع..

 المهم، جبنا طاولة كبيرة من جيراننا، وحطينا كنبة أيلول فوقها
 وانصمدت أنا وحبيبي في صالون بيتنا أبو ٤*٤.. خطبتنا كانت
 بسيطة جداً.. تلبيسة صغيرة هي نقتها.. ذهب يكاد يكون شفّاف
 قد ما هو رقيق.. ويمنع منعا باتا تعرضه للشمس أو للغبار..
 وفستان مستأجر من عند صاحبة شيماء.. بشبه فستان فاتن
 حمامة وهي عروس،في فيلم لا أنام.. نفس الموديل تقريبا..
 وطبعا خالته لحبيبي اللي كانت متولية التصوير.. ونصيبي
 بالزبط كان ٤ صور.. ثنتين وانا مغمضة.. بس قلت يلا بنعوضها
 بالعرس..

 طبعا طول الخطبة وإمه مبسوطة.. كل شي صار عمزاجها وأنا
 مغلوبة على أمري.. بس ماشي الحال، قلت بدي اعتبرها معركة
 أحد.. بس العرس أنا راح أرتبّه.. فتح مكة جاي يا هند..

 وصرنا مخطوبين.. وصار يزورني كل فينة وفينة.. وصحيح ما
 عمره جاب لي شي واحنا حبيبة.. بس قلت واحنا خاطبين غير..
 الا ما يجيب يعني.. واجا عيد ميلادي.. ويوم الاستقلال، وعيد
 الشجرة.. وعيد ميلاد الملك.. وذكرى طهور ولي العهد.. وصاحبنا
 مش هون.. ولا في باله الموضوع.. وانا مش مادية، وتربيت
 عالقناعة.. بس الله يصلحك تذكرنا بشغلة.. شغلة أخزق فيها
 عينين صاحباتي.. بديش عطر وذهب واشي غالي.. بس أي اشي..


 سحارة بندورة.. جاجتين.. طبق بيض! اثنين كيلو قرشلّة! أي
 شي! فش.. مش هون الزلمة.. واجا عيد الاضحى.. وقلت فش
 فيها.. الا ما يعيدني يعني.. أكيد ما راح يمر العيد هيك.. اجا
 وجاب معه كيس هدايا.. وكلّ عام وانت بخير يا حبيبتي.. من
 هبلي فتحته قدام اختي.. بيجاما صفرا عليها فراشات زهري،
 وكل فراشة قد راسي.. ما عليه حبيبي ما عليه.. الفقر يليق بي
 أصلا..

 بعد العيد، كان موعد نبدا نحضر للعرس، وطبعا من أجمل ذكريات
 الخطوبة.. انك تكوني متفقة مع حبيبك على اشي، وبس يروّح
 على بيتهم وينام هناك.. الصبح بكون رأيه "اختلف".. سبحان مغير
 الأحوال والآراء..

 بدون طول سيرة، تقرّر انه أنا والوالدة باشا ننقي كل شي
 مناصفة.. الجهاز والصالة والذهب والفستان والتجهيزات
 الأخرى.. وطلع مش حبيبي لحاله اللي بحبّ المشي.. طلع المشي
 عندهم تراث عائلي.. صفة جينيّة.. رياضتهم المفضّلة، أو
 طريقتهم لتعذيب الآخرين..

 طلعنا نشتري الكندرة - أجلّكم الله - دخلنا السوق قبل صلاة الظهر
 وكانت نمرة إجري 39.. طلعنا منه بعد المغرب وأنا 42.. بس
 موفرين ليرتين بحق الكندرة عن أول حل شفناه.. ألف حمد
 وشكر يا رب..

 الفستان طبعا من عند صاحبة شيماء.. ووديناه عالدراي كلين ٣
 مرات عشان تروح ريحته.. والذهب أصفر أصفر أصفر زي ذهبات
 ستي هيجر.. (مهو إمي ما بدها الذهب يخسر يا حبيبتي).. طيب


 يا نضوتي ماشي.. يا بلوتي من الزمان.. والله شكلكم ناويين
 تبيعوني إيّاه من أول أسبوع..

 الصالة صالة أسيل.. جاتوه بوليسترين والبيبسي حلّ.. بس طلع
 لنا ليلة بفندق.. يا فرحتي يا هناي.. (بعوض لك اياها حبيبتي.. ما
 انت عارفة، كلها ساعتين وخلينا نوفر فيها.. ووعد وعد
 أعوّضك).. الله يعوضني فيك بس..

 والسيارة المرسيدس الكشف اللي طول عمري بحلم فيها..
 تحوّلت بقدرة قادر لنيسان صني تبعة صاحب جوز نجلاء (والله
 يا حبيبتي حلوة السيّارة ومدهونة جديد) يحلي وبرك ووبر إمك
 يا حبيبي..

 والكروت طبعهم ابن خالته.. أرخص بثلاث قروش من اللي
 اخترته أنا (كريمته).. شو ظل كمان؟ آه صح.. تركولي الصالون
 أختاره الله يبارك فيهم.. مع ميزانية ٥٠ ليرة.. حطيت عليهم كمان
 ٥٠ مع وعد أسدّهم من نقوطي.. ورحت عند صالون على راس
 الشارع.. وطلعت شبه ميريام فارس بس وجهي ملوّن..

 وجاء اليوم اللي طول عمري بحلم فيه.. وطلّيت بالأبيض اللي
 أكله الدراي كلين.. وجاتوه خشب وبيبسي حلّ، وأبوه أخذ
 النقوط، وما حدا رقص على جثة فرحتي إلا نجلاء وشيماء..
 وهند قاعدة بعيد بتبتسم.. ونابها الذهب بلمع... وأنا واختياري
 والفقر يليق بك، قاعدين عاللوج.. والناس يرقصوا وبغنّوا وأنا في
 عالم ثاني.. بتطلع فيهم وبفكر باللي عملته بحالي وباللي
 مستنيني.. حتى وقت الصورة الجماعية لما ابن شيماء مسح
 شفايفه اللي كلهن كيك وبيبسي بفستاني ما اهتمّيت..


 ممكن انت تفكّري انه أنا ببالغ.. أو انه ممكن نعتبر انه هاي مشاكل
 مؤقتة وراحت لسبيلها وممكن تصير مع أي بنت.. وإنه كل
 البدايات صعبة، والمهم انكم تزوجتوا.. وانت بايدك هلأ تغيريه
 وتشكليه وجوزك على ما بتربيه.. وإنه ما دام تسكّر علينا باب
 واحد، خلص ما حدا بتدّخل بشي وما بظل بينك وبين أهله إلا
 الزيارات.. بس حياتكم الكم وانتوا بتقرروها.. صح؟

 ما أنا قلت لك من الأول إنك هبلة!

 تمت


تويكس أبيض..


 لو عمرك وقفت على بلكونتك بالليل، وألقيت نظرة على عمّان،
 راح تشوف شبابيك كثير ضوها مطفي، ومنها ضوّه خافت.. ورا
 كل شباك فيهم، في بنت حاطّة راسها عالمخدة.. وبتطلب من ربّنا
 شي خاصّ بجمالها او بحياتها.. هاي بتقول.. يا ربّي طوّلني ٥ سم
 بس.. يا رب يا رب.. بس ٥ سم وبوعدك لأصلي وما أقطع ولا
 فرض!! وهديك بتقول.. يا ربّ ليش إخواني بيض وأنا سمرا
 طيب!؟ يا ربي هم شو بدهم بالبياض؟؟ والله انا حلوة وما
 ناقصني الا شوية بياض؟ ليش طيب!؟.. وغيرها طالعة من
 الحمّام وبتمسك خصل شعرها وبتتحسر.. وبتقول.. يا ربّ هاد
 سلكة جلي اللي عندي ولا شعر؟! ليش يا رب هيك طيب؟؟..
 وهاي أبوها فقير، وهاي حبيبها حقير، وهديك صدرها
 صغير...وهلمّ جرّا.. وآلاف الدعوات والأماني والعتابات بتصعد
 كل ليلة من الارض للسما.. وبتتكرّر..

 ولو أرخيت سمعك شوي، ممكن كنت تسمعني وأنا بدعي.. يا رب
 يموت الميزان يا رب!! يا ربي متى أنحف!!!!!

 طبعا لا يتهيأ لك عزيزي القارئ او عزيزتي القارئة انه أنا من
 الدراما كويينز هدول اللي بكون وزنها 60 وبدها 2-3 كيلو وبتبكي
 عليهم وعاملة مناحة.. لا لا... الموضوع أعمق من هيك بكثير، أو
 بتعبير أدقّ، الموضوع أثقل من هيك بكثير..

 مشكلة السمنة قديمة جداً معي.. يعني أنا من أول حياتي وأنا
 سمينة.. يهيأ لي كنت بويضة سمينة حتّى! انولدت وكان وزني 4
 كيلو و300 غم.. خروف صغير يعني.. وبتروي خالتي انه في عمر


 ست شهور كنت آكل صحن مقلوبة وفخدة جاج! وتراكم الجاج
 فوق الرزّ والرزّ فوق الجاج لوصلت الصفّ الأول ووزني 30 كيلو..
 صحيح كنت طويلة، بس برضه مليانة.. كان واضح انه عندي
 مشكلة سمنة.. وكل الكلام المجاملة انه أنا بيبي ملظلظ بطّل
 ينفع.. صار لازم الكلّ يعترف بالحقيقة.. أنا سمينة...

 طبعا انا مولودة في عائلة ميسورة.. عنا فيلا كبيرة مع حديقة
 ومسبح.. ومزرعة، وبابا عنده استثمارات كثير.. وفي طبقة زي
 هاي، حاصلة على كل شيء.. المظاهر بكون لها أهميّة كبيرة..
 فشكلي كان بسبّب لماما نوع من الاحراج أمام سيّدات المجتمع
 المخملي هذا.. وكان هذا واضح من تعاملها معي..

 ما بعرف هي كانت تخجل مني زي ما كنت أحسّ، أو بدها
 مصلحتي زي ما كانت تحكي، بس بكلّ الأحوال، كان كلامها معي
 دائماً قاسي..

 كانت بدأت تعاني وهي تجيب لي أواعي..

 دايما تجيب مقاس أكبر بسنتين أو ثلاث وبرضه يطلع صغير..
 وتقول "يا ماما ارحميني والله ما في شي على قدّك" ومرّات لمّا
 تشوفني آكل حلو كانت تحكي "خليك كلي والله لتصيري مثل
 البقرة!! فضحتينا!! " وكنت مرّات أحلم إنّي جد صرت بقرة زي
 اللي في المزرعة! وأستغرب انه هذا ممكن يصير!! وأبوي من جهة
 ثانية كان يحميني.. وما يخجل مني، ويحبّني مثل ما أنا..
 ويحاول قدر الإمكان يلعّبني الالعاب اللي بلعبّها لأختي الصغيرة..
 ويحملني على كتافه مثلها عشان ما أحسّ باختلاف.. وياما
 سمعته بعاتب إمّي على كلامها معي.. وهي تحكي انه ما حدا


 مخربها غيرك.. وكنت إذا ماما بكّتني وزعّلتني أروح على غرفتي
 أبكي.. ويجي بابا على غرفتي يحضنني ويراضيني... ومع هيك
 كان بس يطلع، أمسح دموعي وأطول الأكل وآكل..

 ودخلت المدرسة، أول لقاء الي مع مجتمع غريب.. وكانوا الطلّاب
 والطالبات أولها بين ساخر ومستغرب.. وشوي شوي بطّل في
 استغراب، صار كلّه سخرية لو مبطّنة.. في الصفّ الثاني بدأت
 الألقاب في الظّهور.. بنصة.. دبّة.. برميل.. فيل، إم كرش.. وصار
 عندي نوع من الانطواء.. وما كنت أقدر أتشاكل مع حدّ.. لأنه
 سلاحهم دايما أقوى من سلاحي.. بسخروا مني وأنا ما بقدر
 أسخر منهم.. وعشان هيك كنت أركّز بس بدراستي، وصرت
 شاطرة.. وبس أرجع عالبيت، أبعد عن ماما.. بس الأكل ما كنت
 أقدر أبعد عنّه.. وكنت أحاول كتير ما أحكي لها شو يصير معي..
 لأنّه جرّبت وحكيت وكان نصيبي البهدلة.. صحيح أولّها كانت
 تحاول معي بلطافة وهيك.. "ويا حبيبتي ويا عمري، وأنا بحكي
 عشانك". بس لو تجرّأت ثاني يوم وطلبت شي فيه سكّر، أو
 شوكولاته، كانت ترجع تبهدل وتصرّخ.. فبطّلت أحكي لها شي..
 بس ما بطّلت أكل.. كنت بحب الأكل مش بإيدي.. وخصوصي
 الشوكلاته.. وبحبّه أكثر لمّا حدا يزعّلني.. بظل آكل لأرضى أو
 أتعب.. وعشان أهرب من كلامها، صرت آكل بالسرّ.. بس شو
 الفايدة إذا أكلت بالسرّ ونصحت بالعلن!؟

 ووصلت صفّ ثالث ووزني 50 كغم (على وزن فَغِمْ) واللي باكله
 في الليل بلبسه في النهار، ومع كل سنة في المدرسة كنت أزيد
 شوية وزن.. وأفقد ممارسة أنشطة معيّنة.. على الرابع بطّلت أقدر
 أسبح قدام الناس.. صرت أسبح بس في بيتنا.. عالخامس.. كان


 الركض أو ممارسة نشاط بدني صعب جداً علي.. فطلعت من
 حصة الرياضة.. واكتفيت بالتشجيع.. وفي عطلة الصف الخامس
 اللي طالع على سادس.. كنت بشوف منال لأول مرة.. كانوا
 اشتروا بيت جمب بيتنا.. كانت من عمري.. وقضينا الصيف سوا..
 وسجّلوا بمدرستنا.. هي وأخوها محمّد.. كان محمّد أكبر منّا
 بسنتين.. ودخلت الصفّ السادس وهمّ أصدقائي..

 صرنا صاحبات أنا ومنال.. وكانت تحبّني وأحبّها.. بس التأثير
 الأكبر في شخصيتي كان لمحمّد.. عمره ما عايرني إنّي سمينة..
 ومع هيك عمره ما شفق علي.. كان يعاملني كإنسانة عادية.. حتى
 لما كان يسمع حدا يسخر مني في المدرسة كان يبهدلهم.. بس
 عمره ما راضاني، ولا عمره حكى لي أنحف! وإذا شافني بكيت،
 كان يقعد ساكت وما يحكي شي.. ولا عمره أعطاني نصيحة
 تشعرني اني ضعيفة ولازم أتعلّم كيف أتصرّف.. كنا كتير نضحك
 سوا، ومرات نزعل من بعض، بس عمره ما طيب خاطري او حزن
 علي لأني سمينة، وعمره ما خلق حاجز الشفقة هذا اللي كان بيني
 وبين أبوي مثلا.. كان يعاملني بالزبط زي ما كنت بحبّ.. ومع
 هيك ما كنت أحبّه ولا كان يحبّني.. كنا أصدقاء بالمعنى الحرفي
 للكلمة..

 وجود منال ومحمّد، وخصوصا محمّد بحياتي ساعدني كثير..
 وبدأت منال تعطيني نصائح كيف أدافع عن نفسي، وأردّ الاهانة..
 وتحسنت شخصيتي شوي.. وصرت جريئة أكثر.. بس كرشي ظل
 زي ما هو.. بل كبر.. عالسابع ما كنت أقدر أصلّي إلّا وأنا قاعدة..
 زي ستي إسعاف.. عالثامن صار لازم أفصّل كل ملابسي.. لأنه
 بطّل الجاهز يمشي حاله.. عالتاسع.. كانت آخر مرة بشوف فيها


 سحّاب البنطلون بدون مراية.. وعالعاشر كانت آخر مرة بقرأ فيها
 وزني من خانتين.. وداعا للوزن ذي الخانتين.. وهاي السنة اللي
 في آخرها طلع محمّد من حياتي.. خلّص توجيهي وراح يدرس
 في ألمانيا.. صحيح افتقدته، بس شخصيتي كبنت قوية وجريئة
 ومرحة كانت تشكّلت.. على الأقل في المدرسة..

 خلصت توجيهي ودخلت الجامعة الاردنية أدرس إدارة.. ومنال
 راحت عالتكنو تدرس صيدلة.. وكان لازم أواجه هذا المجتمع
 الجديد لحالي.. طبعا في الجامعة فش حدا بحكي بنصة وفيل
 وأم كرش.. مرّات كنت أسمعهم يتخوّتوا طبعا.. بس مش
 بوجهي.. بس كان عندهم هناك طريقة ثانية يعبّروا فيها عن
 رفضهم الك كمختلف.. بستبعدوك..

 في أوّل سنة ما قدرت أعمل صحاب.. مع إنّي كنت خفيفة دمّ..
 وهون لازم أحكي شي عن خفّة الدم.. الناس دايما بقولوا.. انه
 الشاب السمين او البنت السمينة خفيفين دم.. وكأنه بالفطرة..
 هاي مو فطرة.. انت كشخص سمين، بتنجبر تكون خفيف دمّ..
 لأنّه ما بنفع تكون ثقيل وثقيل دمّ كمان! وبتضطر تطوّر هاي
 المهارة لسببين.. أول شي، عشان تعمل جو للسخرية بعيد عنّك..
 أو تسخر من نفسك قبل ما يسخروا منّك.. والثاني، انه بدك شي
 الناس يحبّوك عشانه! لأنه انت مش محبوب لذاتك.. في أكوام
 وأكوام من الرز والدجاج المعالجين.. واقفين بينك وبين انك
 تكون محبوب.. بينما الناس العاديين ما بطوروا هلي المهارات
 عشان ما بحتاجوها..

 طبعا خلصت سنة أولى وأنا لحالي.. وكنت كثير أنقهر لمّا أشوف
 شابّ وبنت بحبّوا بعض.. وأحسدهم.. خصوصا البنات الحلوات


 الخفيفات.. كنت أتصور انها لو ركضت بسرعة شوي ممكن تطير!!
 بس شو بفيد الحسد؟! كنت أنا كمان بحاجة حبّ.. وكل ما أفكر
 أتأمل بشي، عقلي يرجعّني للواقع... مين راح يتنيل على عينه
 ويحبّ بنت وزنها 120؟ حتى البنات كان يحاولوا يبعدوا عنّي بلا
 ما تطولهم المسخرة.. بس قلبي ما كان راضي يسمع الكلام، كان
 بدّه حبّ يعني بدّه حب!! وما كان في إلّا النت..

 وشكرا للفيس بوك انه بخليك تخلق الشخصية اللي بدّك اياها..
 فكنت أنا "أميرة القمر" وحطّيت صورة بينولوبي كروز.. وما
 ضفت أي حدا من صاحباتي أو العائلة.. وصرت أشارك في
 الصفحات.. وخلقت لحالي حياة موازية ممتازة.. عوّضتني عن
 خواء حياتي الحقيقية..

 وصرت أضيف شباب.. وأحكي معهم.. ولأول مرة كنت بسمع كلام
 غزل في حياتي!! صحيح ما كانوا شايفينني.. لكن غزل بعد كل
 حساب! وصار قلبي يتحرّك! وطلع ورا الدهون هاي كلها في قلب..
 وصرت أشتاق وأعرف الشوق واللهفة.. وصرت أفهم نظرات
 البنات بس يحكوا عن اللي بحبّوهم.. صار عندي نفس النظرات..
 ونفس اللهفة ونفس الشوق..

 طبعا العلاقات ما كانت تطوّل.. لأنه الشباب طمّاعين.. وبعد فترة
 من الكلام المعسول.. بصيروا بدهم أشياء ثانية.. وأنا ما بقدر
 أعطيها.. بس بنفس الوقت ما كنت بدي أخسر هذا الاهتمام اللي
 عمري ما حصّلته.. فصرت أعطي هذا الشيء بحدود.. وبدون
 صور أو شي.. وفي كل مرّة أحتقر حالي وأحتقر ضعفي.. كنت
 كثير أفهم وأحسن من الي بستغلّوني، بس كنت أضعف منهم..
 وأبكي وأبكي على مخدّتي.. كان لازم أبيع شي غالي، عشان آخذ


 كلمة غزل البنات بوخدوها بدون شي.. كنت أحسّ حالي محاصرة
 جوّا هذا الجسد.. وهو قاتلي ومقتلي بنفس الوقت..

 وبعد فترة من الانهيارات النفسية المتتالية.. ونهضات وسقطات
 ومدّ وجزر.. لغيت حسابي.. وسكّرت باب هاي الحياة الموازية..
 لأنها بس جرّحتني بزيادة وشوهت احترامي لنفسي.. ورجعت
 لحسابي الحقيقي.. صورتي الحقيقية.. وقررت اني أقبل أكون
 مكروهة بشكل حقيقي، ولا أكون محبوبة بشكل كاذب.. ونار
 الواقع ولا جنّة الوهم.. وحكيت بس أشتغل يمكن أتسلى وتكون
 البيئة غير وواعية..

 وتخرّجت.. ورحت أشتغل في شركة إعلانات ودعايات لبابا..
 ومسكت منصب إداري.. وهناك كمان كان في نوع ثاني من
 التمييز.. بس ما كان في سخرية.. كان في نظرة نمطية مصحوبة
 بشماتة تجاه الأغنياء.. إنّه الغني ما بطلع له كل شي.. صحيح
 غنيّة بس دبة.. والحمد لله على الفقر والصحة وهيك.. أشياء ما
 بتقدر تعطيها أسماء.. بس بتلمحها في أطراف التصرّفات
 ونظرات العيون.. بس من كتر ما كنت شايفة، ما تفاجأت كتير ولا
 تأثرت.. ومع هيك تعبت.. وصرت أداوم وأروّح وأنا منكّدة.. لغاية
 ما شفت مالك..

 شاب أكبر مني بثلاث سنين.. كان موظف مبيعات في الشركة
 وأول ما داومت كان بإجازة.. لطيف جداً ونحيف وطويل!! ما كان
 ذكي يعني، او مثقف او هيك.. بس جذّاب.. وشوي شوي صار
 بيننا اهتمام.. صحيح انا كنت مساعدة المدير وبنت صاحب
 الشركة وهو موّظف.. وأنا سمينة وهو حليوة.. بس حسّيت في
 اهتمام منه.. واللي مريح في الموضوع انه شايفني.. وبعرف


 شكلي.. يعني ما في داعي أكون أميرة القمر ولا همس الأحزان
 ولا شي.. بس كان في شي منغّصني حوالين مالك..

 كان في هبه... مصممة دعايات.. ناعمة ونحيفة.. بس لئيمة.. من
 هدول البنات اللي أول ما تشوفهم بتكرههم! بتحسّ اللؤم انولد
 معهم.. نفس الشخصيات اللي كانوا يجرحوني في المدرسة!!
 والمصيبة انها حلوة ونحيفة وشايفة حالها!! وكنت أكرهها! وأكثر
 شي أكرهه فيها انها مهتمّة بمالك... وكنت بس أكون مع مالك،
 أشوف السخرية مني في عيونها.. (انه بده يتطّلع عليك انتِ!؟)

 وغمضت عيوني عنها وعن احتمال انه مالك ممكن يكون
 يجاملني أو بتقرّب لي لمصلحة.. واخترت اني أصدّق انه مهتم
 جد.. ويوم عن يوم صرت أحبّه.. كان هو الحبّ اللي لازم
 يعوضني عن سنين خيبتي الطويلة.. وصرت أستنى منه
 يصارحني بحبه.. وصارت المعجزة.. في يوم سكّر ما صفقة مهمّة
 واجا ع مكتبي يبشّرني وحامل شي ورا ظهره.. فكّرت ورد أو
 شي.. وابتسمت له ابتسامة غريق شاف سفينة.. فتح ايده ولا هو
 جايب لي تويكس بيضا.. طبعا هاي شوكلاتتي المفضّلة.. وبما انها
 مش دايما موجودة.. فكنت عندي استعداد أتعامل مع إسرائيل
 عشان أجيبها.. كيف عاد لمّا اللي بحبّه هو يجيبها!؟ فرحة للقلب
 والمعدة سوا.. وهو - بالصدفة أكيد - جاب لي اياها..

 طبعا هو ما كان بعرف انها شوكلاتتي المفضّلة.. فاعتبرت انها
 عربون حبّ منه، وإشارة من ربّنا إنّه أحزاني على وشك تنتهي..
 وقررت أردّ المبادرة بأكبر منها وأعمله هديّة مفاجئة.. وأنا
 مروحة، مريت جبت له آيفون 4.. كان جديد وقتها.. ولفّيته بورق
 هدايا.. ورفعت راتبه 300 دينار وحطيت رسالة الشكر والزيادة


 في ورق هدايا كمان.. وجهزت كل شي لثاني يوم.. وما بعرف لأن
 الدنيا شتا كانت وقتها والروح بتكون خفيفة.. ولا أنا من حبّي اله
 كنت حاسّة حالي خفيفة.. بس لمّا وصلت الشركة ثاني يوم
 الصبح على بريك الفطور ومعي الهدية كنت في قمّة السعادة
 والخفّة.. وكأني كنت بطير مش بمشي..

 دخلت مكتبي خبّيت الهدايا ورحت بسرعة

 عال lounge أشوفه وأناديه على مكتبي عشان أعطيه إياهم..
 وبس دخلت لقيت هبه لابسة جكيتات الناس - عشان تبيّن
 ناصحة - وبتقلدني كيف بهزّ وأنا بمشي.. والموظفين بضحكوا
 بهستيريا وهو بضحك معهم.. وانطبقت السما على الأرض..

 بعد أسبوعين كاملين من البكا والأكل.. قررت أتغير.. بكفّي.. كان
 لازم أطلع من قدري اللي اسمه سمنة.. كان لازم أتغير لو بدي
 أموت.. وقبل ما تبرد ناري، اتفقت مع مدربة شخصية تعيش معي
 ست شهور في المزرعة.. كنت بدّي انعزل عن العالم.. ودفعت لها
 ضعف المبلغ الخيالي اللي طلبته! بس المهمّ أنحف!!

 ورحنا عالمزرعة.. وسكنت أنا وإياها هناك.. وكان برنامج مكثف
 وبدور حول رياضتي المفضّلة.. السباحة.. كنت أسبح ٦ ساعات
 كل يوم.. ومع ريجيم قاسي جداً.. وياما بكيت واشتقت للرز
 واللحمة والمنسف والتويكس وكل شي.. بس كل ما أضعف أتذكر
 مناظرهم وهم بضحكوا.. بترجع لي ارادتي.. وأفرّغ عصبيّتي في
 السباحة.. وأنا أصلا كثير بحب السباحة، من وانا صغيرة.. لان
 المي هي المكان الوحيد اللي كنت أحس حالي خفيفة فيها..
 وبرضه نفس المكان اللي بقدر ابكي فيه براحتي وما حدا


 يشوف..

 وبعد عزم لا يلين، وبعد صمت الأقوياء الصابرين القادرين..
 قدرت اني أنزل من 125 ل 75 في 6 شهور!! كانت معجزة
 حقيقية.. شيء سحري.. شيء خلاني شفت أشياء كنت ناسييتها
 او مش متخيلة انها موجودة..

 قدرت أشوف سحّابي وحزامي!! بدون مراية!!.. وأصلي وأركع
 وأسجد براحتي.. وقدرت أحطّ رجل على رجل!!! وأنطّ حبلة!
 وأطلع درج بدون ما ألهث.. وآكل وأشبع! وألبس ملابس جاهزة!
 أقيس جينز ويجي على قدي!! وأربط ربّاط البوط!!! لحالي!!!
 وطلعت حلوة! أصلا طول عمري حلوة! بس كنت سمينة!! وأهمّ
 شي كان.. اني تصالحت مع جسدي وصرت أحبّه!! وفخورة فيه!!
 وحانت لحظة الحقيقة والانتقام!

 لبست لبسة حلوة.. ورحت عالشركة.. ودخلت وقلبي بدق بدق
 بشكل كبير!! كنت بدي أشوفه للكلب مالك والحرباية هبه! وبدّي
 أفنَشهم بعد البهدلة!! دخلت الشركة وانصعقوا الموظفين بس
 شافوني، ومنهم ما عرفوني وما صدّقوا.. بس ما كان بهمني..
 كانوا عيوني رادارات بدوّروا على شي واحد!! مالك وهبه!!
 وتطوعت موظفة الاستقبال تعطيني الحقيقة المرّة.. ما كانوا
 موجودين.. طلعوا تاركين الشركة.. وخاطبين..

 ومن هناك عالمزرعة كمان مرّة!! بس المرة هاي بدون ريجيم ولا
 شي.. بدون أكل بالمرة.. بس قهوة ودخان.. تعلّمت عالدخّان..
 وقعدت شهر هناك وأنا حزينة وأنفث همومي.. وجبت المدرّبة
 تعيّط معي.. دموع مكلفة كانت... صحيح كنت مبسوطة على


 جسمي الجديد.. وبصحى كل يوم متفاجأة فيه.. بس برضه
 حزينة.. بفكّر بعلاقتي مع جسدي وكيف شكّلت كل حياتي
 وعلاقاتي.. وبراجع كل حياتي ووين كنت وشو صرت.. وشو
 خسرت وشو كسبت.. واكتئاب ماله آخر.. ما طلّعني منه إلّا
 تلفون..

 منال صاحبتي القديمة تخرّجت.. وعزمتني على عرسها.. وقالت
 لي محمّد جاي من ألمانيا يحضر ونفسه يشوفني.. كان خلص
 دراسة وبشتغل هناك.. وجاي يحضر عرسها..

 تشجّعت أشوف محمّد ورحت عالعرس.. وشفته لأول مرة من 8
 سنين.. كان نفسه محمّد القديم.. بس صاير زلمة.. وكان مربي
 لحية طويلة وحالق عالصفر.. وبس شفته حكيت له:


  - hey! Your head is upside down!!

 ضحك كتير، وتفاجأ انه أنا نحفانة.. وقال


  - hey، where is your other half?

 انبسطت كتير بشوفته.. وطول الحفلة واحنا قاعدين ونحكي،
 وانبسطنا كتير.. في آخر الحفلة، . تطلّع في نظرة طويلة ما
 فهمتها، بعدين مسكني من ايدي.. وحكى لي تعالي. وراح عند
 أبوي.. وقال له، انه منال تزوجت وبطل عندهم في البيت حدا
 يغسل ويجلي ويشطف.. ولو ما عند أبوي مانع وفاضي ثاني يوم،
 بده يجي هو وأهله يخطبني عشان آجي أغسل وأجلي عندهم..


 الأسبوع الجاي خطبتي على محمّد.. بس في مشكلة صغيرة..
 محمّد طول عمره رياضي وبكره السجاير.. والمشكلة انه أنا بشهر
 الحزن الأخير في المزرعة.، اكتشفت انه المارلبورو الأبيض أزكى
 من التويكس الأبيض..

 تمت


الريّاضيّات في حياتنا..


 عمرك رحت عند ناس والأب جاب ابنه الصغير وصار يستعرض
 مهاراته في الحساب قدّامك؟ وصرت انت تسأل الولد وبس
 يجاوب صح، الأب ينبسط وانت تتضايق من هذا الهبل ؟؟ وان
 كل الأولاد هيك!؟ هذا الولد الصغير هو أنا.. بس ما كان معك حق
 تتضايق.. أنا فعلا كنت شاطر.. وكنت غير.

 تعلمت العدّ قبل ما أتعلّم الكلام، وفي عمر 5 سنين كنت أجمع
 وأطرح خانتين.. وفي كلّ سنة في الابتدائي كنت أخلّص منهاج
 الرياضيات لحالي، وبدون أستاذ، وعلى العكس، أحسّه جداً سهل
 وبسيط، وأستغرب كيف يشوفوه الطلاب صعب.. في نهاية
 الصف التاسع كنت أعجوبة تفاضل وتكامل ومعادلات مرتبطة
 بالزمن.. وكنت أحلّ أسئلة التوجيهي بمنتهى السهولة..

 في التوجيهي جبت 95.4 ومع حسرة من إمّي اللي قضّت عمرها
 تبخّرني وتقرأ عليّ، وتقبّل من أبوي اللي قضّى عمره يفاخر
 الناس في، وافقوا اني أتخلى عن مقعد الصيدلة وأدرس
 رياضيّات في التكنو..

 في الجامعة ما كنت أعرف حدا، لا شباب ولا بنات.. ما كان عندي
 وقت أصلا، كانوا صحابي هم أساطير الرياضيات.. ريمان، هودج،
 بوانكريه، جيلبريث، ومعهم عشت كل سنين جامعتي..

 كانت الرياضيات بالنسبة الي أسلوب حياة، وكل شي أشوفه أنظر
 له بصيغة رياضية..

 كانت كل مادّة بتفتح آفاق لا محدودة جوّاي..


 كنت بشوف حالي الخوارزمي الجديد.. جزري القرن الواحد
 والعشرين.. كان عندي يقين كبير اني أقدر أربط الرياضيات
 بالاقتصاد مثلا، وأخلق منظومة رياضية تعالج اختلالات
 الاقتصاد بدالّات لا نهائية.. أو أربط الرياضيات بالهندسة
 المعمارية، ودرست واجهات قصر الحمراء على أساس رياضي..
 حتى التوزيع الغذائي ومواجهة المجاعات، كنت بفكر باستقراءها
 رياضيا.. كان عندي إيمان ان الرياضيات قادرة على حل كل
 مشاكل الحضارة لو وظفت بشكل صحيح..

 كان دكاترتي مبهورين في بشكل كبير.. ومبهورين بآفاق
 الرياضيات التطبيقية اللي بطرحها.. وكلّهم شجعوني أكمّل
 ماجستير..

 تخرّجت الثالث على الدفعة.. وكنت مصمم أكمّل ماجستير.. لكنّ
 لمّا طلعت نتائج القبول، كانت صدمتي هائلة... ما طلع لي منحة..
 طلعت لطلّاب ثانيين أقلّ مني مستوى.. كان لازم أكمّل على
 حسابي لو بدّي.. وهذا كان مستحيل...

 ما يئست ولا شي.. واعتبرته حل خاطئ لمعادلة.. وقررّت أكمّل
 مسيرتي.. قدّمت للحكومة، وقلت بشتغل وبحوّش وبدرس..
 ومش أنا أول واحد بلاقي عوائق في طريقه.. وطلع لي تعيين
 في مادبا.. أدرّس صفّ رابع.. أعلّمهم جدول الضرب.. كانت صدمة
 كبيرة الي ولأحلامي..

 ومع هيك تقبّلتها في سبيل هدف أسمى.. وهو الماجستير
 وبعدين الدكتوراه....


 راتب الحكومة كان جدّا ضعيف، كانوا يعطوني 210 دنانير،
 نصيبي الشهري من الخزينة الأردنية.. وبعد أول راتب،
 وباستخدام ابسط مبادئ الرياضيات التطبيقية اكتشفت إنّي بين
 مواصلات وأكل وشرب.. قاعد بخسر في الشهر 12 دينار.. يعني
 اليوم اللي بعطل فيه بكسب فعليا.. وهاي الحسبة البسيطة..
 خلّتني أتخلى عن أحد أهم مبادئي (العلم لا يباع)، وبدأت على
 مضض بالتدريس الخصوصي لطلّاب التوجيهي.. ولشباب بس....

 وبعد 4 سنوات كاملين من المعاناة، وبفضل طموح أهل طلّاب
 التوجيهي اللي مش حافظين جدول الضرب وبدهم يختموا
 الرياضيات ليلة الامتحان، كنت حوّشت مبلغ محترم.. كافي
 بمقاييس العالم المادّي النقدي انه يمنحني فرصة أدرس
 ماجستير، وأساهم في نهضة وطني ومجتمعي..

 وكنت راح أبدأ أحقق حلمي.. لولا الإنفلونزا..

 في ربيع 2005 أصبت بإنفلونزا.. ومريت على صيدلية في
 طريقي للبيت.. ولأول مرة في حياتي، كنت بشوف شي أجمل
 من التفاضل والتكامل وأجمل من حدسية بوانكريه..

 كنت يبدو لأول مرة بشوف بنت.. جمال من نوع أخّاذ.. انحناءات
 هندسية ذات اربع أبعاد.. ناولتني الدوا وهي بتبتسم.. وما عرفت
 اني طبت بس من ابتسامتها.. صيدلانية خريجة جديدة يبدو..
 وروّحت من الصيدلية وطيفها في بالي..

 ولاحظوا علي أمي وأخواتي اني كنت مبسوط.. وبخجل شديد
 وبعد اسبوعين كاملات حكيت لهم.. وانبسطوا أمي وأخواتي
 كثير.. انه أخيرا عرفت انه في بنات في الدنيا.. وأخيرا اينشتاين


 بفكّر بشي غير الرياضيات.. يمكن كان عندهم شكوك تجاهي ما
 بعرف..

 وأصرّت أختي الكبيرة يروحوا يشوفوا البنت في الصيدلية على
 إنّهم زبائن.. وفعلا راحوا خواتي وشافوها.. وأثنوا على اختياري
 وانه لو صار نصيب راح يجمعوا أولادنا بين الذكاء والجمال..
 وصارت البنت هاي حديثنا المرح في البيت، وتقرر انه في بداية
 العطلة الصيفية نروح نشوفها وأروح أنا معهم.. جلسة مبدئية
 يعني.. نطلب البنت.. ولغاية ما اجت العطلة، كانت هي شغلي
 الشاغل، وشفتها بصدف مصطنعة أكثر من 4 مرّات.. وفي كل مرّة
 كان قلبي يطلع من مكانه...

 واجا يوم ما نروح نشوفها، وحلقت شعري، ولبست بنطلوني البنّي
 القماشي الجميل، مع قميص أبيض.. ولمّعت نظارتي ونظفت
 نقاط ارتكازها على أنفي.. وتعطّرت.. وفي الطريق كنت بفكّر انه
 معلش لو تأجل مشروع الماجستير شوي.. أكيد هي راح تتفهم
 طموح زوجها الرياضي، ولما نتزوج أول شي بعمله راح أكمّل
 ماجستير.. وتخيلتها زوجة العالم الكبير، وبشكرها في كلمات
 التكريم واستلام الجوائز.. وخصوصا جائزة فيلدز..

 وصلنا بيتهم حسب ما سألنا.. ما كانوا عارفين انه احنا.. وما
 عندهم تفاصيل.. بس انه جماعة جايين نشوف البنت.. ودخلنا..
 وكان فؤادي خاويا زي فؤاد أم موسى.. مش لأنه بدنا نطلبها..
 لأني بدي أشوفها بس.. ولاحظت أمي اني متوتر، فكانت تطمنني
 وتحكي.. ليش متوتر؟ مين راح يلاقوا أحسن وأفهم منك؟!

 قعدنا في صالون كبير.. وجابوا لنا عصير ما عرفت شو هو..


 واستنيتها تيجي بس ما اجت.. كانت امها وأختها بس.. وتكلمت
 إمّي في الموضوع.. انه ابني طول عمره شاطر وذكي، وتخرّج
 الثالث على الدفعة، وبدرس في الحكومة في مادبا، ومقدم على
 نقل، وبدرّس خصوصي وبده يكمل ماجستير.. وشاف هديل في
 الصيدلية وعجبته.. واحنا بنفوت البيوت من أبوابها.. وحماتي
 المستقبلية قاعدة وبتسمع بس..

 لما خلصت أمي كلام.. سألت حماتي.. كم بعطوك في الحكومة؟
 أنا جاوبت " 330 دينار.. وبدرس خصوصي وان شاء الله السنة
 الجاي بدي.. " قاطعتني، وتطلعت بأمي وحكت بكلام حازم..

 "ابنك ما بتعيّب يا ام كامل، وما شاء الله مبيّن ذكي.. لكن انت
 عارفة طبيعة الحياة والمصاريف، ووضع موظفين الحكومة،
 وبصراحة، ال 300 دينار ما بكفّوا بنتي شوكولاته.. والدنيا قسمة
 ونصيب والله يبعت له أحسن من هديل"..

 بتذكر انه أمي ردت عليها بكلام معيّن، بس مش متذكر
 التفاصيل.. كانت الصدمة أكبر من الاستيعاب.. كنت بعد عمر
 طويل من التقدير،لأول مرّة بحسّ بهذا القدر من التحقير الي
 كشخص.. وفي مكان كنت أستنى فيه سعادة حياتي..

 كانت بدأت العطلة الصيفية.. وقضيت حوالي شهر كامل، في
 حالة من الصمت.. بس قاعد في غرفتي وبراجع حياتي كلها..
 موقف موقف وحدث حدث.. واكتشفت إنّي غفلت عن أهمّ
 معادلة في حياتي.. وإنَّ المعادلات اللي كنت متصوّر انها راح
 تقودني للمجد.. قادتني إلى لا شيء.. وإنّي كنت ماشي في اتجاه
 والناس في اتجّاه آخر..


 وقتها العائلة كانوا متحاشيين يحكوا معي.. وتاركينني في
 عزلتي.. وطلعت من غرفتي لأول مرة بعد شهر تقريبا.. بنفسية
 مغايرة تماما.. كنت متعطش للتغيير.. بالصدفة كانت أختي
 مروّحة من السوق.. كانت بتجهّز لعرسها.. ودخلت عليهم المطبخ
 ووسمعت إمّي بتحكي لها.. "هذا ب 15 دينار!؟.. مش كثير يمّا!؟"..
 كانت إمّي ماسكة قميص نوم عرايسي خفيف جداً.. مسكته أنا
 وصرت أتطلع عليه..

 طبعا أختي استحت وحاولت توخده مني، بس إمّي أشرت لها
 تسكت.. وصرت أقلّب فيه.. وسألت أختي "هذا ب 15 صحيح؟"..
 هزّت رأسها.. وأرجع أسأل!؟ ضحكوا عليك ولا هاي جد ب 15؟
 وتأكد هي انها ب 15 وبعد المفاصلة!!

 مسكتها وأقلّب فيها.. كان هذا الشيء التافه المصنوع من قماش
 رخيص، واللي وزنه ١٠٠ غرام وغرضه تافه وببيعه شخص تافه،
 قيمته بتعادل قيمة شغل شخص مثلي لمدة 4 أيّام!!!

 سهرت ليلتها عالإنترنت.. ما نمت وأنا بتطلع على الملابس
 الداخلية الحريمي، وبشوف أسعارها.. وبقارن بين هون وهون..
 وثاني يوم كنت في السوق، بلف وبسأل على الأسعار..

 خلال أسبوعين، وبمساعدة من ابن خال الي بشتغل في الملابس،
 فتحت سجلّ تجاري لاستيراد الملابس الداخلية.. وبفلوس
 الماجستير اللي تحولت لفلوس زواج ما تمّ، اشتريت أول شحنة
 وكانت من فيتنام.. وكون علاقاتي قليلة، وما عندي أي خبرة،
 تغلبت فيها كثير أولّها.. ولفّيت أنا وابن خالي كثير عشان
 نسوّقها.. بس إصراري كان بدون حدود.. ولأنها كانت مش


 موجودة في السوق، وسعرها مناسب.. مشي حالها..

 واستقلت من الحكومة، وصرفت نظر عن الرياضيات، وعن
 الماجستير، وتفرّغت لتجارة الملابس الداخلية.. نظرة عائلتي الي
 تغيّرت.. كانت أمي خايفة علي.. وخواتي مستغربين.. وخايفين
 ومستحيين من هذا الانقلاب.. ويمكن في السر كانوا يدعوا على
 هديل.. بس أنا كنت مصرّ على هذا التغيير.. وشايف انه قرار
 صحيح بل متأخر كثير... وشوي شوي طلبت طلبية ثانية، وثالثة
 ورابعة.. وصرت أجيب من تايوان، ومن الصين، وسريلانكا..
 وفتحت محلّ.. وصرت أبيع فيه وأوزّع للمحلّات.. ومشيت
 التجارة.. واكتشفت انه في مجتمع محدود الذكاء، أي شخص
 بستخدم عقله ومعرفته شوي، ممكن ببساطة ينجح في أي عمل
 تجاري..

 والغضب اللي دفعني في أولّها راح.. وصار محله رضا بالوضع
 الحالي وشماتة وكره لشخصي السابق.. وصارت شخصيتي تتغير
 شوي شوي.. من جوا ومن برا كمان.. تركت بلاطين القماش
 وقمصان القماش.. وصرت ألبس من Springfield.. وعملت ليزك..
 وغيرت قصة شعري.. وسجلت بنادي حديد.. وحملت ايفون
 ونظارات لاكوست.. وصرت أتابع أغاني ومسلسلات وأي موضة
 دارجة.. وصرت بشبه تماما الشخص اللي كنت بدي اياه.. أو
 بتعبير أدقّ اللي الحياة بدها إيّاه.. والسّوق علّمني أحكي وأمزح
 وأبتسم وأنا كرهان اللي قدّامي.. وصرت أحكي منيح مع البنات،
 وما أخجل أبداً.. بالعكس، صار في مغامرات حتّى.. وبعد 4
 سنين.. كنت شخص مختلف تماماً.. حتى نظرات عيوني تغيّروا..

 وفي عمر 30.. قررّت أتزوج.. واخترت صيدلانية برضه.. بس


 المرّة هاي ما رحنا بتكسي، ولا ببنطلون قماش بني ونظّارة
 ووظيفة مدرّس رياضيات.. رحنا في سيارة بي ام جديدة.. وبدلة
 ماسيمو دوتتي.. وبدون الرياضيات..

 وحكيت انا اني تاجر ملابس جملة، وبحضّر نفتح خط مواد
 تجميل.. وعندي سيارة وشقّة.. إمّها للبنت كثير انبسطت.. البنت
 سألتني بخجل، انت شو دارس؟ حكيت لها اني معي شهادة في
 الرياضيات، لكن عقلي تجاري.. وبحبّ التجارة من زمان وربّنا
 بارك في التجارة.. ضحكت الأمّ وحكت.. "الزلمة ما بعيبه الا
 جيبته.. وانت ما شاء الله عنّك شغيل.. وبرضه يعني الشهادة
 مهمة.. " ابتسمت لها بكل وجع قلبي وشماتة في الرياضي القديم
 حكيت.. "أكيد عمّتي أكيد.. أهمّ شي الشهادة"..

 لمّا كنت ناوي أكمّل ماجستير.. كان عندي قناعة جازمة اني راح
 أحلّ فرضية ريمان.. وأحل سر الجذور غير البديهية للدالّة زيتا..
 وكنت بحلم أكون أولّ عربي يحلّ واحدة من مسائل الألفية
 وأساعد في فك سر الأعداد الأولية.. لكن هذا مش مهمّ، لا إلكم
 ولا للبلد ولا لإمّ هديل ولا إلي كمان.. المهمّ فعلا ان كونتينر
 الملابس الداخلية النسائية بنباع في شهر.. وبكسب 8000 دينار..

 تمت

 ملاحظات:


  - فرضية ريمان هي أعقد مسألة رياضية غير محلولة إلى الآن..
 يعتقد أن حلّها سيساهم في فهم الأعداد الأولية..
  - جائزة فيلدز هي أعلى جائزة تمنح لعلماء الرياضيات، وتعادل


 جائزة نوبل في العلوم الأخرى..
  - الخوارزمي والجزري علماء مسلمين قدامى
  - قصر الحمراء هو أكبر أثر إسلامي قائم، وصممت واجهاته بناء
 على معادلات رياضية وهندسية تعتمد على أقطار الدوائر.


دي ماريا


 في العادة كل أيامي بتشبه بعض، زي ما الخنزير بشبه الخنزير!
 بصحى الصبح، بشرب كاسة شاي، بأدي دوري كمواطن داعم
 لمسيرة الصرف الصحي في البلد، بدخن سيجارتين أمريكيات
 دعم للصهاينة وبسحب حالي وبطلع عالشغل في كيا سيفيا هي
 كل ما املك..

 مش مميز بشي، مثلي مثلك، تخرجت بالدفش، وبايع حالي
 لشركة جرافيك ديزاين بالتقسيط.. كم بوخذوا مني كل شهر،
 بعطوني مقابله القسط اللي بكفي انه يبقيني على قيد الحياة
 عشان أشتغل شهر ثاني.. مش أكثر من هيك..

 علاقاتي بالجنس الآخر عادية، أردنية نمطية.، بعرف ثنتين ثلاث،
 بضحك عليهم وبضحكوا علي، بنكنكن عالتلفون شوي، واللي بدها
 تتزوج بتحلق لي وبيجي غيرها وهيك..

 عندي عيلة زي قاع الكيلة، أخ مغترب ومعه فلوس وشايف حاله
 علينا، مرته حرباية وولاده بحكوا انجليزي.. اخت متزوجة من
 شاب الحياة مطلعة عينه، الصبح بدبغ جلود بقر، وفي الليل بدبغ
 جلد اختي، نص حياتها حرد.. اب متقاعد عصبي غضبي غضوب
 متفجر، ممنوع التصوير او الاقتراب.. معظم وقته فاتح الجزيرة
 mute وبلعن بشار الاسد، وأم بتتنقل بين المطبخ وسجادة الصلاة
 والمسبحة.. ودوا الضغط..

 وعندي أخوي قيس بن لادن، شيخ وحامل السلم بالعرض،
 دعدوش صغير، بسب عالحكومة الكافرة اللي مستأجريته عشان


 يدرس عربي لولاد ما بدهم يدرسوا.. وبده يتزوج بنت شيخه في
 المسجد، ابو لحية الدمنهوري..

 عندي 3 أصحاب، عبد الجبار، ترك المدرسة بكير وبشتغل طبيع
 في مطبعة لواحد سكرجي.. أعرج وبطل شطرنج واشقراني
 وعنده عين أكبر من الثانية.. وعايش مع امه الأرملة..

 حاتم، صيدلي ومسؤول عن مستودع كبير في شركة أدوية،
 بسرق منهم بما يرضي الله وكل سنة في الجرد السنوي بصيبه
 إسهال ومراجعة.. بشبه احمد زكي بس قصير..

 ضرار، ابن خالته لحاتم وجاره وضرته في نفس الوقت.. مهندس
 ميكانيكا فاشل وبشتغل في معمل صغير لعبوات البلاستيك،
 شعره مهيش وعنده كرش ونظارات زي نظارات ستي، قارئ
 كتابين وبهت على الناس فيهم.. هو وحاتم بحبوا نفس البنت..
 ميسم بنت خالتهم، طالبة تغذية في الجامعة وبتشبه دي ماريا!

 هذا أنا.. باختصار.. وهاي هي حياتي.. اه صح، شهادة ميلادي
 ضاعت في التعزيل للعيد الكبير، بس تقريبا عمري ٢٧ سنة.. شو
 في في الأفق ؟ ما في شي.. كل الأيام بتشبه بعض زي ما الخنزير
 بشبه الخنزير.. الا يوم واحد.. كان مختلف شوي..

 كان يوم خميس وكنا رايحين عند عبد الجبار نحضر مباراة
 برشلونة وريال مدريد.. خسروا برشلونة المهم.. وبعد ما حللنا
 المباراة ولعننا ام امه للحكم وللفيفا والمدرب وفرانكو، سكتنا
 شوي.. حلت لحظة رحمانية شيطانية نطق فيها عبد الجبار
 بالشي اللي غير حياتنا الأربعة..


 حكى عبد الجبار انه في ناس بطبعوا ستكيرز لشاي لبتون عندهم
 في المطبعة، وبعبوه شاي مقلد وبييعوه لبتون.. طبعا الفكرة
 كانت جديدة علي.. الكل صار يناقش وانا أفكر.. شايفهم بحكوا
 ومش سامع شي.. بسمع بس لشيطاني.. فجأة قلت لهم اسكتوا
 كلكم..

 "عندي فكرة راح تنشلنا احنا الأربعة من براثن الفقر كله! بس بدها
 شجاعة وتركيز منا كلنا! متفقين؟!؟" سكتوا هم وخافوا.. وانصتوا
 وكأن على رؤوسهم الطير.. قعدت في الكرسي مثل دون كورليون
 وشرحت انه بدنا نتاجر بالدوا.. جماعة عبد الجبار بطبعوا
 ليبتون.. بس احنا بدنا نطبع علب دوا.. انا بعمل تصميم العلب،
 ضرار بطبع العبوات وبعبيها! عبد الجبار بطبع البكيتات وحاتم
 بسوقها!

 كانت فكرة بتلايمنا كلنا! وكل واحد دوره مركب اله بالزبط!
 استغربوا هم بس اتفقنا كل واحد يدرس الموضوع من جهته
 وونلتقي بعد أسبوع..

 ثاني خميس اجتمعنا، الكل وافق على الفكرة بشرط ما تكون
 حرام.، اقنعتهم أنا انه احنا ما راح نمرض الناس.. احنا بس راح
 نعطيهم مي وسكر.. ما راح يموتوا يعني! وحاتم حكى انه الدوا
 مش اكثر من هيك، ونتائجه معنوية اكثر منها طبية.. واهم شي،
 ما في مضاعفات جانبية! المهم الشيطان أقنعنا كلنا.. بس كنا
 بحاجة راس مال عشان نبدأ.. ومنتج نبدأ فيه.. ومكان للتخزين..

 بعت الكيا سيفيا بدموع عيني وعيني عالمستقبل، وحاتم دفع
 الف دينار محوشهم عشان ميسم، وتبرع يصير التخزين في


 مخزن قديم لابوه في الحزام الدائري.. مخزن فاضي، وضرار
 جاب ٣٠٠٠ دينار من تحت البلاطة.. طلع مقرش النصاب.. عبد
 الجبار اعتذر عن المساهمة كونه مفلس، ويا دوب الاكم ملطوش
 اللي بوخدهم بصرفوا عليه وعلى امه..

 قسمنا الحصص، انا الي ٤٠٪ كوني راح أكون مدير المشروع واترك
 شغلي والبقية ٢٠ ٢٠ ٢٠.. واشهدنا الله وأشهدنا الشيطان على
 الاتفاق.. وحانت ساعة التنفيذ..

 حاتم قرر شو الدوا اللي بدنا نبدأ فيه.. اوجمنتين للاطفال..
 شراب.. وضرار قعد أسبوعين لعرف يعمل العلبة.، صممت البكيت
 انا، وحاتم صمم التعباية وعبد الجبار طبع البكيت.، بعد محاولات
 مضنية استمرت شهرين.. وصلنا لعلبة مطابقة تماما للحقيقة..

 وبدأنا الإنتاج.. ضرار اقنع صاحب المصنع اني انا صاحب معمل
 سكاكر وطبع لنا ٣٠٠٠ عبوة.. وتعبوا فعلا بشراب سكري ابيض..
 وعبد الجبار رشى عمال المطبعة وطبعنا البكيتات في الليل من
 ورا ظهر السكرجي. وراحت البضاعة عالمخزن!

 الشحنة الاولى باعها حاتم لتاجر دوا في السوق السودا ب ١٨ الف
 دينار على أنها اوجمانتين أصلي! كان كنز بالنسبة إلنا! بس انا
 رفضت نتصرف بالمبلغ! كان لازم نستعمله استثمار.. وافقوا على
 مضض.، كوني مدير المشروع..

 عملنا شحنة ثانية وثالثة ورابعة.. وبدت الفلوس تنهمر كالمطر!
 استأجرنا مخزن كبير في الحزام وجبنا مكينة طباعة إلنا.. عشان
 نطبع ليل نهار.. واشتغل عليها عبد الجبار! وجبنا مكائن تعبئة
 وتغليف.. شغل عالاصول.. واشترينا المعمل اللي بشتغل فيه


 ضرار! وباص للتوزيع.. وكل شي صار عنا.. الكل ترك شغله وصرنا
 بس في هذا المشروع..

 ومع التدفق النقدي الهائل، قررنا نخدم الشعب الأردني العظيم
 بزيادة، وتوسعنا، صرنا نطبع دوا وبرسيل وشاي وسيريلاك وكل
 شي بنقدر نزوره.. عبد الجبار مسك الطباعة، وضرار التصنيع
 وحاتم التسويق وأنا الإدارة..

 الناس حبّوا المنتجات، وصرنا مليونيرات في اقل من سنتين..
 صار عندي مرسيدس وكالة.. وجوزت قيس لبنت ابو لحية
 الدمنهوري في عرس إسلامي.. واشتريت لجوز اختي محل
 اواعي يشتغل فيه بدل ما هو شغال في المرة، وحججت أبوي
 وأمي وقلت له يدعي على بشار في الحرم....

 وصرت اقضي عطلة في شرم وعطلة في دبي.. وأشرب من
 كاسات العصير اللي عليها مظلة صغيرة.. والأوكرانية اللي ما
 بتعجبك في ٢٠ بدالها.. وشقق وأراضي وأسهم وذهب.. اشتريت
 شقة في الخامس عملتها عش غرام! بس الي، وحطيت فيها
 أفخم فرش وشغالة فلبينية مزة خزة.. وأخرجت هارون الرشيد
 المخبى والمكبوت جواي.. وكله بالمي والسكر.. وكله بما يرضي
 الله..

 طبعا كنا على وشك ننمسك اكثر من مرة.. بس الرشاوى عملت
 كل شي، وصرت شخصية مهمة، وأقعد مع ناس مهمين.. والحياة
 كانت جداً سعيدة.. وكنت بديت أبني فيلا ورا وزارة الخارجية مع
 حديقة ومسبح.. وبدي اتزوج بنت من طبقة عالية.. وأصير رجل
 أعمال محترم..


 فتحت شركة مقاولات ومطعمين.. وشركائي فتحوا مصالح
 ثانية.. كان لازم يكون في غطا قانوني للفلوس.. والحياة كانت
 أجمل ما يكون..

 لغاية ما في يوم.. قرر حاتم يوخذ خطوة مجنونة!! كنت انا
 وضرار في الصين، رايحين نجيب مكينة بتصنع علب دوا الربو
 advair.. ونستكشف نساء المشرق عن قرب.. كان هذا خط
 انتاجنا الجديد.. واللي لازم يضاعف أرباحنا..

 رجعنا من الصين لقينا السيد حاتم خاطب بنت خالته دي ماريا!
 وكاتب كتابه عليها. وقامت القيامة.. واختلف هو وضرار
 عالموضوع ووصلت للضرب.. حاولنا انا وعبد الجبار نهدي
 الموضوع بس عالفاضي.. صارت قطيعة..

 انا الموضوع ما كان يهمني.. كان يهمني الشغل ما يخرب.. كلها
 بنت.. بس ما كنت حكيم كفاية استوعب غضب ضرار.. قلت
 آخرهم يتصالحوا..

 غاب ضرار أسبوعين. تركته قلت بهدا.. ورجع بعدها وهو هادي
 فعلا.. فكرته نسي الموضوع.. بس طلع عامل عملته السودا في
 لحظة انتقام انتحاري مجنون...

 ثاني يوم كبست علينا الحكومة.. واحنا بنطبع اول شحنة ادفير..
 كانوا اكثر من إنا نقدر نرشيهم.. دخلوا علينا مثل الضباع، أنا
 ولعت سيجارة وقعدت أتفرج بكل هدوء وهم بصادروا بأحلامي..

 توقفنا في الجويدة، والقضية صارت قضية راي عام.. وانطبلت
 فيها كل المواقع الاخبارية.. وكل اللي بعرفوني وياما رشيتهم،


 انسحبوا.. وترقى مدير رقابة الغذاء والدواء.. وطالب الناس
 باعدامنا لأنا عملنا لهم سرطان بالمي والسكر.. امي انجلطت
 وماتت.، وقيس تبرا مني.. وابوي قاعد عالجزيرة mute.. بسب
 على بشار والسيسي وعلي، وجوز اختي الكلب طلق البنت، قال
 أخوها حرامي..

 اعترف ضرار بعدين انه نادم وطلب نسامحه.. بس كانت ولات
 حين مندم... حاول اكثر من محامي بس التهمة كانت لابسيتنا
 لابسيتنا..

 بعد ٨ جلسات.. أخذنا كل واحد ١٥ سنة.. الا عبد الجبار ١٠.. يمكن
 شفق عليه القاضي عشان أعرج..

 تصادرت كل أموالنا.. ودي ماريا خلعته لحاتم بعد ٣ شهور من
 الحكم.. ضرار صابه زي مرض نفسي ونقلوه من عنا.. وعبد الجبار
 صار دائماً قاعد في السجن لحاله، وبلعب شطرنج ضد حاله....
 وحاتم كل ما يشوفني وأشوفه بنتقاتل.. فاعتزلنا بعض.. وبعدها
 صار شيخ ويصلي.. وصار ابو لحية الدمنهوري..

 وانا زي ما أنا.. والأيام بتشبه بعض، زي ما الخنزير بشبه الخنزير..
 بصحى الصبح في السجن.. بشرب كاسة شاي، وبساهم في دوري
 كمواطن اردني في دعم شبكة الصرف الصحي.. وبدخن
 سيجارتين دعما للصهاينة..

 تمت


متغربين احنا..


 في كثير أشياء بالدنيا.. ما بتعرف كم هي جميلة وحميمة إلا لما
 تفقدها... وما بتتخيل كم كنت محظوظ بوجودها الا لما تروح
 منك.. لما تترك هذا الفراغ في الروح اللي ولا شي بعبيه..
 وشخصيا.. يمكن أجمل هاي الاشياء في حياتي كان عبد الرحيم..

 انولدنا أنا واياه في نفس الشهر.. وامي وامه جارات وصاحبات
 من زمان.. لعبنا سوا وتربينا سوا.. ودخلنا المدرسة سوا.. ومن
 صف أول للتوجيهي واحنا الاثنين على نفس الدرج.. حتى لما
 راهقنا حبينا نفس البنت.. مها أكواسال.. هيك كان لقبها لأنها
 نحيفة.... وما حدا حكى للثاني.. ولما عرفنا.. سمعنا أغنية عبد
 الحليم "ضحكت تاني".. وضحكنا سوا.. بس للأمانة، عاملته هو
 بشكل أفضل مني شوي.. لما أعطاها الرسالة.. ما رضيت توخدها..
 ولما أعطيتها أنا الرسالة أخذتها.. ومشيت مشيت لوصلت
 الحاوية.. ورمتها فيها.. محافظة على البيئة اسم الله..

 ومع كل التشابه في تفاصيل الحياة، الا انه شخصياتنا كانت
 مختلفة شوي. كنت متسرع وهو كان هادي.. أنا ما كنتش أحسبها
 بالمرة، بس هو كان واعي ويحسب كل خطوة ويتطلع لقدام..
 حتى لما كنا نلعب فطبول في الحارة. كنت أنا هجوم وهو دفاع..
 وفي الصلاة، كنت أخلص قبله.. كان دايما يطول شوي زيادة
 عني.. وحتى في الشطرنج والتريكس.. كان دايما يوخذ وقته في
 اللعب والتفكير.. وأنا لأ..

 في التوجيهي جبت أكثر منه بعشر واحد بس.. ودخلنا
 البوليتكنك ندرس هندسة كهربا.. وتخرجنا.. وعمل نفس السيرة


 الذاتية.. ما كنت تقدر تميزها الا من الصورة والاسم.. بس
 التفاصيل كلها نفس الشي.. نفس الدراسة، نفس الجامعة، نفس
 الكورسات ونفس التوفل حتى.. نفس السيرة الذاتية وبدون
 كذب أو مبالغة.. لأننا فعليا كنا شخصين ملتصقين.. حتى لما بدأنا
 نقدم لوظائف كنا نشتري الجريدة ونرسل لنفس الفاكس.. الحياة
 كانت رابطة أقدارنا سوا بطريقة غريبة.. لغاية اليوم المشؤوم..
 الاربعاء الأسود.. 20-7-2000

 كنا متخرجين النا شهر وبندور على شغل.. وشركة الكهرباء
 الوطنية نزلت اعلان انه مطلوب عدد 20 مهندسين كهرباء
 حديثي التخرج.. رحنا عند أبو ياسين صاحب المكتبة.. وبعت
 عبد الرحيم الفاكس تبعه.. وبعتت أنا الفاكس تبعي.. وروحنا
 واحنا بنحلم نشتغل سوا.... يوم السبت كنت عند عبد الرحيم..
 والساعة 10 الصبح تماما.. رن تلفون عبد الرحيم ال talk about..
 كانت شركة الكهرباء.. وطلبوه على مقابلة.. وفرحنا.. ولما سكر
 التلفون.. صرنا نتطلع على تلفوني.. متوقعين يرنوا علي.. زي ما
 بصير دايما.. ومرت 10 دقايق ونص ساعة وساعة.. وما حدا رن..
 روحت من عنده وانا بحكيله.. لما يرنوا بحكي معك عشان نروح
 سوا.. بس ما حدا رن.. وصرت أفكر.. ليش رنوا على عبد الرحيم
 وما رنوا علي؟؟ السيرة الذاتية نفس الشي يعني! فش شي مميز
 بيني وبينه! وصورتنا كبيرة ومختلفة.. ما راح يغلط السكرتير
 ويفكرهم نفس السي في يعني.. ونمت وأنا بفكر.. ليش السكرتير
 رن على عبد الرحيم وما رن علي.. والموضوع ما كان حسد لا
 سمح الله.. بقدر ما هو استغراب.. لأنه ما في فرق بيننا.. وانا كنت
 بدي أكون معه ونشتغل سوا..


 ومع انه ظل موضوع السكرتير اللي ما حكى معي محيرني.. إلّا
 إنّي قررت أمشي بحياتي، وصرت أقدّم لوظائف يمين ويسار..
 وناوي أقبل بأي شغل يجيني.. حتى لو الراتب قليل، المهمّ أبدأ
 حياتي العملية، وأكسب خبرة.. وبدأت حياتي العملية مع أبو
 ربحي في مصنع شيبس الأبطال..

 طبعا أنا تعيّنت هناك كمهندس كهربا للماكينات.. لأنه كانوا دايما
 يتعطلوا وأبو ربحي بدفع صيانة كثير.. فقرر يعين مهندس كهربا
 أوفر له.. بس اللي صار اني في أول أسبوع زبّطت المكاين
 وصرت أظل قاعد.. وصار بس يمر ويشوفني قاعد يتضايق.. وأنا
 عارف انه متضايق، بس هاي طبيعة الأمور..

 بعد أسبوع ما تحمّل، كانوا الشباب بحمّلوا نقلة كراتين
 عالشاحنة.. فقال لي بودّية مصطنعة، ساعدهم يا باش مهندس..
 انت شباب وكلك حيل.. وعلى مضض قبلت.. وحمّلت الكراتين
 معهم.. بس كان قلبي مقبوض..

 وعرفت ثاني يوم الصبح ليش قلبي كان مقبوض.. كان في
 تنظيف لماكينة الشيبس الصبح، وبكلّ ثقة طلب مني أنزل جوّاها
 أنظفها مع العمّال.. وكلمة مني على كلمة منه.. تطلقنا بدون مؤخر
 ولا نفقة.. وروحت من سحاب، وأنا بلعن ابو ربحي والشيبس
 والحكومة والبلد والسكرتير اللي ما حكى معي..

 وبعد هاي التجربة الفاشلة، عملت عدة مقابلات بس عالفاضي..
 ومع ضغط البطالة ونظرات الناس، بدأت وأنا متردد، أقدم لشغل
 برّا البلد.. وطلع لي شغل فعلا.. وخلال شهرين بس، كنت على
 متن المخلوق العجيب بوينج 747.. ومتجه إلى أرض الحجاز...


 بعد ما هديت من خوفة الإقلاع وارتباك الشخص المسافر في
 طيّارة لأول مرة والبصبصة على المضيفة.. قعدت أفكّر في اللي
 عملته.. كان قرار صعب جداً اللي اتخذته أنا.. لكن ظروفي كانت
 أصعب... كان عندي إخوان صغار، وكوني أنا الكبير، كان لازم
 أساعد أبوي في مصاريف الحياة اللي بتزيد قاعدة وأبوي بطّل
 ملحّق.. في إخوان وأخوات بدهم أكل ولبس وشرب، وبعد شوي
 راح يدخلوا جامعة.. كانت الغربة مرّ علقم، بس الفقر ما كان كنافة
 هو الثاني..

 ووصلت المطار وكانت شهر 8، وأنا بنزل من درج الطيّارة تهيأ لي
 انه هاي سخونة محركات الطيارة.. وبس أبعد شوي بتحسّن الجو
 أكيد، بس طلع هذا هو الجو المحيط.. وأهلا بك في الخليج ولات
 حين مندم.

 وداومت في مشروع للشركة في أطراف الرياض، وبدأت حياتي
 كمغترب عزابي من الجيل الثاني للمغتربين الأردنيين.. وبين
 مندي برياني كبسة، وكبسة برياني مندي، وبين جمس الهيئة
 وسواليف سواقين التكاسي مشيت الأيّام..

 طبعا أيّامها ما كان في فيس بوك ولا واتس اب ولا شي.. بس
 أشتاق لامي وأبوي أروح أكلمهم من البدّالة.. وأسمع وما أشوف..
 وأشم وما أذوق، وصارت الأشياء اللي كانت بديهية في الوطن
 مشتهاة ومهمّة في الغربة..

 كنت بشتاق لبيتنا، وحارتنا، وأهلي وأصحابي.. وحتى دكّانة أبو
 عيسى كنت أشتاق لها.. واشتقت لسريري ومخدّتي.. وقرايبنا..
 حتى اللئيمين منهم.. وصارت أكلات بسيطة مثل الحمّص والفول


 والحاملة، والكنافة.. تيجي على بالي وأشتهيها.. وشغلات ثانية
 ما بتنلمس ولا بتنحسّ صارت أماني.. الصوبّا وريحة الارض بعد
 المطر.. ومنظر طلّاب المدارس في الزيّ والمراييل والبرد في
 ليالي الشتا.. والثلج، حتى الباصات والكونترولية اشتقت لهم..
 ومشتاق لعبد الرحيم كنت.. وأيّامنا وضحكاتنا سوا..

 ليالي الجمعة كانت هي ليالي الحزن العظيم بالنسبة الي.. أظل
 أفكّر وأسأل حالي.. يا ترى مستاهل الموضوع؟! مستاهل أكون
 هون أنا!؟ مستاهلة الفلوس!؟ وأظل أفكّر وأفكّر لأنام.. وفي
 الحلم أشوف السكرتير واقف جمب عبد الرحيم وبتطلع علي
 وبضحك.. مع اني عمره ما شفته، بس كنت أعرف انه هو..

 وصرت أحوّل لأهلي مبلغ محترم كل شهر.. وفرحهم بالمبلغ
 ينسيني همومي شوي.. وما بنكر اني مرات كنت أفكّر أترك
 وأرجع، إلّا إنّي كنت كل مرّة أنزل إجازة.. ومن كثر الشكاوي من
 وضع البلد، أخاف وأرجع أسافر.. الوحيد اللي ما كان يشكي
 عبدالرحيم، يمكن عشان شخصيته هادية ويمكن عشان شغله..
 وضعه كان منيح نوعا ما.. كان مشتري أرض بالتقسيط من
 النقابة، وبسدد فيها وعايش بقليله ومبسوط.. وأشوفه وأقول
 كان ممكن يا ترى أكون هيك؟ وأرجع ألعن السكرتير..

 ومرّوا أربع سنوات عجاف، انفصلت فيهم عن الاردن تماما....
 صحيح قدرت أحسن وضع أهلي فيهم، وأعلّم أختي في الكلية،
 وأسدّ ديون متفرقة هون وهون.. وحوّشت مبلغ عشان أتزوج..
 بس كنت غريب تماما عن البلد، وعن الناس، وعن أهلي، وعن
 الشخص اللي كنته أنا زمان.. كنت زي شجرة بتنمو، بس في بيئة
 غير بيئتها.. شجرة بتنمو على سطح المي، بدون جذور.. جذوري


 كلها اقتلعت.. وأسوأ شي كان، اني فقدت القدرة على الحديث مع
 أي حد.. ما في مواضيع مشتركة.. بس تهليل ومجاملات وبقايا
 حب قديم.. وأهلي اللي هم أهلي، صرت أحس حالي غريب
 عنهم.. نظراتهم الي غير نظراتهم لبعض.. انه هذا هو أخونا، بس
 أخونا المغترب...وكان في دفء صح، بس غير.. انفصلت تماما
 عنهم، وهذا الشعور كان جداً جارح.. حتى لقاءاتي بعبد الرحيم،
 فقدت حميميتها وصدقها.. وسنة عن سنة، كان وقتها يقل،
 ويعتذر عنها لأبسط الأسباب..

 وفي 2004 وعشان أهوّن هم الغربة على حالي، تزوّجت.. زواج
 تقليدي من بنت تقليدية وأنا أصلا يعني تقليدي.. وفي نفس
 السنة تقاعد أبوي.. وأخوي دخل الجامعة.. وبدأت مشوار زواجي
 بإني حملت مسؤولية مصروف بيت أهلي كامل، والتعليم،
 ومصروف بيتي الجديد.. ومرتي من جهتها ساهمت في الحمل،
 حملت بأول ولي للعهد..

 طبعا زوجتي الله يحرسها.. ما حبّت تناقشني في المواضيع
 الماديّة أولها.. من جهة مش عارفة الطابق كلّه، ومن جهة لسه
 عرسان جداد، وبنستحي من بعض شوي يعني.. بس لمّا تقريبا
 خلصت السنة واحنا ما معنا شي، بدأت المناكفات.. انه انت ليش
 بتشتغل ما دام ما بتوفّر؟ وشو المستقبل اللي بستنى ولادنا؟
 وشو العرس الرخيص اللي عملته؟ ووين شهر العسل اللي
 وعدتني نطلعه؟ وبدأت معاتبات النساء التي لا تنتهي.. ودخلت
 نادي المتزوجين بأفضل صورة ممكنة..

 وإمّي الله يسامحها حرصت في أول إجازة الي كمتزوج، انها
 تطين عيشتي.. مرتك عملت ومرتك سوت.. ويا ريت سمعت


 كلامي وأخذت بنت خالتك، وانت تغيرت بعد الزواج.. وبدك تبيع
 أهلك.. وبطّلت تحوّل زي زمان.. وأبوي من جهته.. أنا غلطت اللي
 تقاعدت.. أنا لازم ما تركت إخوانك الك.. وبدي أرجع أشتغل عند
 الناس.. ومن هذا الحكي اللي بحفر في الروح.. وبركزّ عقدة
 الذنب.. وصرت أنا الابن الضالّ..

 والزواج اللي كان لازم يريحني، ذبحني.. وصارت حياتي بين
 المطرقة والسندان.. بين زوجتي ومصاريف بيتي، وبين متطلبات
 أهلي.. وترتيب الأولويات صار أصعب من صعب.. ودخلت موّال
 السلف والديون.. وفوق كل هذا همّ الشغل والغربة والنكد في
 الشغل.. وأهرب من همومي للنوم، ويلحقني السكرتير، وهو
 يضحك..

 ومشيت السنين، وأنا عايش شهر بشهر.. يا دوب ملحق اللقمة..
 بشتغل طول السنة والطايح رايح، وآخر السنة بنزل على عمّان
 حامل معي شوية دشاديش وعبايات وعطور مقلّدة، وبرسيل
 أصلي، لأنه برسيل عمّان بنظفش.. وآخر الإجازة بكون مديون،
 وبرجع عالسعودية، وهكذا دواليك.. والصيت متغرب ومعه
 فلوس.. وحتى لو ما اشتريت شي في الإجازة، كانت نظرات
 الناس كلها بتحمل نفس المعنى، هذا مدكّن..

 وفي 2008 تخرج أخوي ودخل اللي بعده.. ووصلت مع المرة
 مواصيلها.. خصوصا انه في كل إجازة، كان حدا من صحابنا
 المغتربين أو حتى الاهل والقرايب يشتري شقة.. واحنا بس نهنّي
 ونبارك.. وكلّ مرة وحدة من هالنسوان تورجيها صور شقّتها
 يشتغل عندنا مسلسل "ما عنّا شقّة".. وينتهي بوعود منّي، وتهديد
 منها، وتذكير بفضيلة الصبر.. وبابتسامة السكرتير الساخرة..


 طبعا مسلسل "ما عنّا شقة" كان يعرض يوميا في إجازة الصيف..
 والحلقة تنعاد مرتين وثلاث في اليوم..، كان لازم مشاكل أمي
 ومرتي.. وبما انه ما عنّا بيت.. كانت الإجازة موزعة بين بيت
 أهلي وبيت أهلها.. وطولت عند أهلها.. وما بدها نشوف الولاد،
 وجايبة كل الهدايا لأهلها، واحنا جايبة النا شراميح، وانت بدك
 تتخلى عنا.. وهي ما صحيت من النوم لقيتك مهندس.. وهلم
 جرّا..

 ومن جهة مرتي، أمك ما بتحبّني ولا بتحب ولادي، بتظل تزت لي
 حكي، وأهلك مستغلينك.. واحنا مش مجبورين نعلّم أخوك.. وأنا
 مش ماخذة راحتي في بيت أهلك، وهاي آخر سنة بنزل عندهم..
 وأنا مش خدّامة، ونزّلنا بشقّة مفروشة.. وفلان راتبه أقل منك
 واشترى شقة.. وفلانة مش أحسن مني، ويا حسرة على جوز
 نصرة..

 وقررت عشان سلامتي العقلية، اني أشتري شقة لو بدي أبيع
 معلاقي كلّه، مش كليتي بس.. وبعد مفاوضات ومناقشات عائلية
 وزوجية.. توزعت المصاريف بيني وبين أخوي اللي تخرّج
 واشتغل.. ولأول مرة من عشر سنين، بتوفّر معي شي من راتبي..

 وصرنا أنا وزوجتي نوفّر مبلغ كل شهر.. ونحط الريال فوق
 الريال، ونقتصد من هون ونوفر من هناك.. وأهلك بصرفوا كثير
 ومرتك هي المصرفجية.. وبعد ثلاث سنوات من شدّ الحزام،
 وتحمّل زعل الطرفين ومعاتباتهم، وطوش الواتساب الدائمة،
 واطلع من الجروب وارجع على الجروب، توفر معي 30 ألف دينار
 كافيين كدفعة أولى..


 سنتها لما نزلت عالصيف، كان عبد الرحيم فتح شركة مقاولات مع
 أخوانه.. وبدأوا بأول إسكان.. وعرض علي أدفع اللي معي دفعة
 أولى وبكمّل على سنتين.. كان الشقة سعرها 50 الف..
 وعالمخططات منيحة، ومكانها مناسب.. بس لامي ما كان
 مناسب.. كان قريب على بيت حماي.. بالمقابل، كان في ابن خالي
 فاتح شركة إسكان مع واحد صاحبه.. وبدأوا في عمارة قريبة
 على بيت أهلي.. الشقة أصغر شوي، وتوزيع الغرف مش بزيادة،
 بس حقها 45 ألف.. وقامت حرب المائة عام..

 زوجتي بدها هديك الشقة كونها أحسن، وإمّي بدها الشقة القريبة
 عليهم.. وصرت بين خيار أكون طرطور لإمّي أو أكون طرطور
 لمرتي.. وفي الحقيقة، أنا مش طرطور لحدّ.. بس قد ما بضغطوا
 على أعصابك بتبطل تفكّر بذاتك وانت شو بدك.. وبصير بس بدّك
 تفزّع بينهم وتتفادى تهمة الطرطرة..

 وبعد ما انجلى غبار المعركة، وبعد ما انجلط أبوي (جلطة كذبية)
 وأنا العاقّ كنت السبب، وبعد ما مرتي طلبت أطلّقها.. أعطيت ابن
 خالي ال 30 ألف.. تحويشة عمري الحزين الضائع في الصحاري..
 واتفقنا انه هاي دفعة أولى للشقة، وبكمل الفلوس الصيفية الجاي
 وبنسجلها.. وقلت أوّل على آخر، براضي مرتي.. بس ما يزعلوا
 الأهل..

 ورجعنا على ديار الاغتراب.. وكانت أهدأ سنة في زواجي.. مرتي
 تجاوزت أزمة مكان الشقّة وركّزت على فكرة وجودها أساسا،
 ونفسيتها ارتاحت، وبلّشت تشتري أشياء صغيرة للشقة، طقم
 تيفال، صواني تقديم، مفارش طاولات، سكريّة ومن الأشياء
 الصغيرة هاي اللي كل ست بتزين فيها مملكتها وبتورجيها


 لصاحباتها في كل زيارة..

 وأنا بدأت أحس انه أخيرا راح نطلع من الغربة بنتيجة.. صحيح
 إنّه عشر سنين غربة ما راحوا بلاش، وساعدت فيهم أهلي.. بس
 عشان توازني النفسي، كنت بدوّر على شي إلي وإسمي عليه،
 ويكون ملموس، يعني لو حطينا عليه فرشاية الدهان بتغير لونه!
 وكان هذا الشيء هو الشقة.. واكتشفت سنتها، انه أنا مفهوم
 الملكية الفردية عمره ما كان بحياتي.. يمكن لأني جاي من عائلة
 فقيرة، بس فعلا عمره ما كان لي شي.. حتى نقوط التوجيهي
 والجامعة كنت أعطيهم لامي عشان مصروف البيت.. ما عمره
 كان لي شي.. ما عمره..

 ومرّ عام الخير على خير، وكل شهر تقريبا أمي تبعت لنا صور
 البناية، وصور الشقّة، لما خلصت عظم، ولما خلصت طوب، وهي
 بتتبلط.. وكان لازم على الصيف تكون جاهزة، وندفع باقي
 الفلوس ونسجّل.. ولأول مرة من سنين.. بطّل السكرتير يزورني
 في أحلامي..

 روّحنا الإجازة واحنا مبسوطين.. وطول ما احنا في طريق البرّ،
 والمرة مبسوطة وبتخطط شو تدهن غرفة الأولاد، وأي ثلاجة
 بدها تشتري، وصار بدها تحط حوض سمك في الصالون، وأنا
 بسوق ومبسوط.. وبنتظر وصولنا لعمّان على أحرّ من الجمر.. لكن
 لمّا وصلت بيت أهلي، كان في في عيونهم نظرة غريبة، ما خبّتها
 فرحتهم باستقبالي.. وبعد ما نزّلنا الشنط، والاحضان والقبلات
 والعشا.. قعدنا سوا.. شو في يا ناس؟ شو في يا عالم؟ وتبرّع
 الوالد بصوت متهدج يحكي لي المفاجأة المرّة.. طلع ابن خالي
 محبوس، وشريكه هارب، وكاينين ناصبين على ناس كثير،


 والبنك حجز على العمارة..

 وكانت ليلة وكأنها ميتم.. الكلّ عنده حكي، بس الكلّ قاعد
 وساكت.. وكلّ شوي بتطلع حوقلة أو استغفار أو تنهيدة وبرجع
 الصمت بسود.. ما في إلّا الصغار قاعدين بلعبوا وصوتهم طالع..
 ومرتي ما تحمّلت.. صارت تضرب بالصغار، وتفش غلّها فيهم..
 ولمّا إمّي عاتبتها.. قامت القيامة.. ابن أخوك ضيّع تعبنا! وأصلا
 شكله من أوّلها نصّاب! وهاي مشورتك انت!! وعلى الجهة المقابلة،
 شو قصدك ولي؟! إنت أصلا كنّة نحس، ومن يوم ما خطبك ما
 شفنا الخير.. وصراخ ومشاكل انتهت بفصل القوّات وبإنّه أخذت
 مرتي تنام في بيت أهلها في نص الليل.. وقضّت الليلة تبكي هي
 وصواني التيفال..

 ثاني يوم، وبعد مشاورات مطوّلة مع الأهل، قررت أشكي على ابن
 خالي من باب حفظ الحقّ على الأقلّ.. صحيح الشقّة طارت، بس
 على الأقلّ الفلوس ما تروح مع الحمام البرّي..

 ورحت أسهر عند نسايبي عشان نصالح المرة.. وبعد شدّ وجذب
 وجذب وشدّ، حلفت بالعظيم ما ترجع لي على بيت، لا بيت أهلي
 ولا السعودية كلّها.. وأهلها وقفوا معها..

 نزلت من عندهم بعد نص اللّيل وهموم الدنيا فوق راسي.. ويلي
 تعب عمري اللي راح، وويلي مرتي الحردانة، وأمي اللي زعلانة
 عشان بدي أشكي على ابن أخوها.. ونزلت من بيت حماي وناوي
 بس أروح أقعد في مكان لحالي أهدا.. أو بس أتمشى بالسيارة
 لحالي في هذا العالم الكئيب اللي متآمر علي وعلى أحلامي
 البسيطة.. انه معقول بعد هذا العمر الضائع في الغربة ما أطلع


 بشي؟! لهالدرجة الوطن غالي وغني؟ ولا أنا اللي فقير ورخيص؟!
 وشو كان ممكن أعمل أكثر من اللي عملته؟! وين غلطت أنا؟ وين
 قصّرت!؟ صار عمري بده يصير 40 ولسه لا أملك من حطام الدنيا
 إلّا سيارتي العجوز!؟.. وفي خضمّ هذا العتاب القاسي للنفس
 ومن عميان ضوّي نسيت وين صاففها أصلا.. بس بعد نصّ ساعة
 تدوير، طلع لا عميان ضوّ ولا همّ.. طلعت السيارة مسروقة.. بس
 الحمد لله مش كلها انسرقت، المفتاح ظل معي..

 اللي باقي من قصتي تاريخ.. شكيت على ابن خالي، وبلّغت عن
 السيّارة في نفس المخفر.. طبعا شكاوى بلا أمل في استرداد
 الحقوق، إنما إسمي شكيت.. لكن ولأني مواطن كذّاب ابن كذّاب،
 ما صدّق القانون انه سيّارتي انسرقت، الحكومة قررت اني بعتها
 قطع، أو هربتها للعراق، أو دفنتها في حديقة بيت أهلي.. وبحسب
 "القانون" كان لازم أدفع جمركها للسيارة.. يعني الحرامي سرقها،
 وأنا جمركت له اياها..

 وبعد شهر من الأسى والحزن، ومحاولات فاشلة مع الحكومة
 الرشيدة المؤمنة الداعمة للمواطنين، دفعت اللي كانوا ظايلين
 معي للشقة كجمرك السيارة المسروقة.. وتركت مرتي وولادي
 عند أهلها.. ورجعت لحالي عالسعودية، ربّي كما خلقتني.. بدون
 شقة ولا سيّارة ولا مرة ولا ولاد.. سافرت زي ما سافرت أول مرة
 من 14 سنة.. بس المرّة هاي سافرت بباص..

 وأنا في الباص، ما كان خوف من الإقلاع، ولا فيه مضيفة
 أبصبص عليها، فكان معي وقت أفكّر.. وفي نقطة ما على الطريق،
 وفي خضمّ التفكير المرهق، شيء ما أضاء في عقلي، وانفتحت
 نافذة الغيب، وعرفت السر اللي أرّقني طول حياتي.. عرفت ليش


 السكرتير ما حكى معي زمان.. التفسير الأرجح اللي وصلت له،
 انه السكرتير لمّا وصل فاكس عبد الرحيم، كان حشران، وصل
 الفاكس، حطّه عالمكتب وراح عالحمّام.. ما لقي فاين هناك.. رجع
 على مكتبه يدوّر على فاين، ما لقي.. شاف السيرة الذاتية تبعتي
 بتطلع من جهاز الفاكس.. اتطلع حواليه، ولمّا تأكدّ إنّه ما حدا
 شايفه، أخذها معه عالحمّام ومسح مؤخّرته بشهاداتي ووجهي
 المبتسم..

 ليش بتضحكوا؟!؟ مش عاجبكم التفسير!؟ شو تفسيركم طيّب؟
 إذا في تفسير ثاني احكوه!!

 تمت

 Top of Form


سيمون دي بوفوار


 " التنمية مش مصانع ولا مزارع ولا شركات قابضة ومعدلات نمو
 اقتصادي بتتطاير رذاذ على الجماهير.. التنمية حرية! حرية الفرد
 في معتقده وفكره وحقه في التعبير عن نفسه!! التنمية هي حرية
 الفرد في لباسه وعاداته بما لا يتعارض مع مشاعر مجتمعه!!! هي
 حرية المرأة في نظرتها للعالم وطريقة تربيتها لأطفالها.. التنمية
 هي مكانة المرأة في مجتمع ذكوري يلبس التقاليد لبوس الدين!!
 الحرية هي لبنة البناء الأولى في أي وطن متحضر! وبعد ضمانها
 للناس من الممكن أن نبني فوقها أي لبنة حضارية أخرى!!.. لكن
 بدونها.. فنحن نسير إلى الهاوية.. بغض النظر عن كل الكذب الذي
 نعيشه ونسميه تنمية.. "

 عجبكم الخِطاب؟ أنا كمان عجبني.. وهذا كان الخطاب اللي
 وقّعني بشرّ أعمالي، وربط قدري بقدر حبيب قلبي وشرياني
 التاجي سند.. بس قبل ما أحكي عن سند، خليني أحكي لكم شوي
 عن حالي..

 إسمي لين، ومضى من عمري يا إخوتي 24 رأسا هجريا وترتيبي
 الثانية من 4 بنات.. بابا تاجر كبير، وماما - الله يخليها- ربّة بيت
 مترامي الغرف في إحدى ضواحي عمّان الراقية.. عنا حديقة
 كبيرة ومسبح، وعنا كمان على باب البيت هذا الشجر الملولو تبع
 الاغنياء..

 والعلاقة بين بابا وماما والتناقض الجميل في شخصياتهم كان
 هو أساس حياتنا.. بابا شخص مكافح وبسيط، بدأ حياته من
 الصفر وأسس لنفسه تجارة رابحة.. لكن مع كل فلوسه، ظل


 محتفظ بأصوله ولهجته الفلاحية وطريقته البسيطة في الحياة
 ونظرته المتواضعة والواقعية للدنيا وروح الدعابة العالية اللي
 ورثنا إيّاها.. ماما من جهة ثانية ست مدنية من عائلة مرموقة
 وأصول تركية زي ما بتقول.. ساكنة في برج عاجي من يوم ما
 انولدت، ومع أخلاقها العالية وطيبة قلبها إلّا إنّها كثير بتهتم
 ببرستيج العائلة ومظهرنا قدام الناس والمجتمع.. وكل خلافاتها
 مع بابا على هذا الموضوع، باختصار، أنا بنت العمدة سليمان غانم
 ونازك هانم السلحدار.. بس ميّالة أكثر لبابا..

 خلصت توجيهي، وطلع لي صيدلة.. بس بما إنّه أنا أكثر شي
 بكرهه في العالم الكيميا.. خصوصا الكيمياء العضوية!! وأصلا
 هادا السؤال اللعين تبع "أذكري تركيبة ميثيل اثيل كبريتيد الفلفل
 بالفسفور المثلّج"ضيع علي 12 علامة بالتوجيهي!! فرفضت
 أدرس صيدلة رفضا قاطعا..

 وبعد مناكفات ماما، ومستوى العائلة وشو بدهم يقولوا الناس
 عنا، وشوفي بنات خالتو عفاف، وكل الشكاوى الطبقية هاي، بابا -
 الله يسعده - حسم الموضوع وقال "بنتي بتدرس شو ما بدها"..
 ودرست إدارة أعمال.. وعشت حياة جامعية هادية وسعيدة...

 ولأني ما كنت بآمن بعلاقات الجامعة.. قضيت فترة الجامعة وأنا
 بقرأ كتب وروايات.. خصوصا لكتاب أمريكا اللاتينية، ماركيز
 وماريو بارغاس يوسا، وغيرهم، . وتشكلت عندي ثقافة بتناهض
 كبت الحريات.. وبتشجع الفرح والجنون الواقعي في الحياة..
 ولأني من عائلة ميسورة، فكانت أقصى همومي اني أحصل رواية
 مفقودة أو أتسلى بمشاكل ماما مع الشغّالة لمّا تعمل لنا فنجان
 قهوة الصبح في الحديقة ويكون بدون وشّ..


 خلصت جامعة، وبمساعدة من بابا، اشتغلت مع هيئة تابعة للأمم
 المتحدة في عمّان.. الهيئة هدفها المعلن نبيل، بس بعدين
 اكتشفت انها مختصة بخربطة الاقتصاد وزيادة الفقر، المهم، كان
 شغل مكتبي وسهل ودوامه قصير.. وسمح لي إنّه بعد الدوام
 أكون ناشطة اجتماعية على تويتر وفيس بوك.. وأكتب عن
 الحريّات وحقوق المرأة..

 ولأن الحياة كانت طول عمرها لذيذة وحلوة معي، بعد شهرين ما
 اشتغلت، وذات يوم شتوي غائم رمادي جميل، عزمتني صديقتي
 منى على حفل لشي اسمه انكتاب.. جمعة شبابية لناس "مثقفين"
 بناقشوا فيه كتب وبشربوا فيه قهوة.. وهناك شفت سند لأول
 مرة..

 كان في نقاش حول الكتاب، وتفرّع منه نقاش حول الحرية
 والتنمية الاقتصادية وأيهما أهم.. والخطاب اللي قرأتوه بالأول
 كان كلام سند، ورده على خصمه واللي علّقني فيه..

 كبنت من عائلة غنية ومتحررة نوعا ما، ومع الأخذ بالاعتبار
 شخصيتي اللي شكلتها قراءاتي، كان أهم شي بدي اياه في زوج
 المستقبل هو انه يكون مثقف ومتفتح ويؤمن بحرية المرأة، ما
 كنت بالمرة بدور على حدا يخنقني.. كنت طير حرّ وبدي أظل
 طير حرّ.. وتفاجأت انه في شاب بفكّر هيك.. حسّيته كثير بشبه
 بابا.. بواقعيته وصراحته وبساطته وتفهمه العميق لطبيعة المرأة..
 وبالإضافة لفكره، كان أسمراني وطويل وبشبه تشي غيفارا..
 ولبسه عصري وجميل وغمازات ما يبلوا.. وتعلّق قلبي فيه..

 حكيت معه بعد النقاش، وتعرّفنا.. طلع مخلص اقتصاد، وبشتغل


 مع والده في العقارات والأراضي.. وضفنا بعض عالفيس بوك..
 وبدون تخطيط من حد، حبّينا بعض ومشيت في دورة حياة
 العشق بكل سلاسة.. يرقة، شرنقة، عشيقة، خطيبة، ومع أول
 نجمات أيلول، وبرغم تحفظات ماما، وتحفظات بسيطة من أهل
 سند.. تم الزوّاج الميمون..

 شهر العسل كان في تركيا، أفطرنا في البوسفور، تغدينا في
 التوب كابي، وتعشينا في تقسيم.. وكنا واحنا نتمشى على خليج
 القرن الذهبي نناقش السياسة والاقتصاد والحرب والحب وحتى
 أسماء ولادنا.. كان نفسي كثير أسمّي سليمان، لأني بحب النبي
 سليمان وبحب سليمان القانوني.. وسند تفهّم الموضوع، وكان
 فعلا مثال الرجل اللي بدور عليه طول عمري.. مثقف متفتح
 وبحترمني وبقدرني.. وكان بهمّني كثير كشخصية منفتحة، انه ما
 أشعر بأي قيود.. وأمارس حرية مسؤولة ضمن أطر... وسند كان
 فعلا سند في هاي الناحية.. وأكدّ لي انه راحتي وحريتي
 وسعادتي فوق كل شيء..

 ورجعنا من ضيافة سليمان القانوني لضيافة عمّي أبو مصطفى
 (أبوه لسند).. سكننا في شقة سند في عمارة أهله.. كانت شقة
 عالطابق الثالث، حوالينا إخوانه والطابق الأرضي بيت حماي..
 ودخلت عالم سند الحقيقي..

 طبعا اكتشفت بعد ما رجعت، انه المجتمع بعد الزواج بصير
 يراقب فيه.. بده يتطمن على نجاح هذا الزواج بمعاييره هو،
 وكأنّه هو المسؤول عنّه.. بدهم يتأكدوا من فحولة الرجل
 وخصوبة المرأة.. طبعا أول شغلة ما فيهم يتأكدّوا منها.. بس
 الثانية براقبوها.. ومن أول شهر كانت النظرات الغريبة تلاحقني..


 وبدأت بعدها الأسئلة اللي أولها ما فهمتها.. "ما حوشتوا شي يا
 عمّتي؟".. "عمّتو، سند شغله منيح.. وبصراحة ما بتدخل بالأمور
 المادية"..

 كان في اثنين من اخوانه متزوجين، وخلفتهم كانت بنات.. ومع
 انه كنا متفقين أنا وسند إنّه أول سنة ما أحمل، عشان ننبسط
 سوا.. إلّا إنّه بعد مرور شهر تقريبا.. أصرّ إنّه أحمل.. وانه متفهمني
 بس بتمنى يكون هو صاحب أول حفيد.. وقبلت هذا التغيير
 لأسباب خارجية على مضض..

 وحملت بسرعة، ولأنه ولا سلفة قبلي جابت ولد.. كانت التوقعات
 مني عالية.. وكان كرشي محور اهتمام ومراقبة الجميع.. كلهم
 في انتظار ولي العهد الأول.. وجاء السونار المبارك في الشهر
 الرابع ليتوجني كابتن فريق السلفات.. واحتفالا بالشاهزاده
 القادم.. عملت حماتي عزومة كبيرة للجميع.. وتصدرنا أنا وسند
 القعدة وسط نظرات الغبطة والحسد والتوقعات الملهوفة..

 وانا باكل، ولا حماتي بتحكي "نذرٍ علي يا أبو لطفي بس يجي
 الصبي على خير، إلا أذبح عجل لوجه الله!".. طبعا انا تطلعت
 حوالي عشان أعرف مين أبو لطفي اللي بتحكي معه حماتي، ولا
 جوزي بكل ثقة بردّ.. "الله يسلمك يما".. وعلقت سفينة الجاج اللي
 كنت باكلها بحلقي.. وزوْرِتْ وصرت بدي أموت.. ولحقوني لحوق
 بالمي... ومسكت حالي لرجعنا عالشقة.. حبيبي مين لطفي؟!؟
 ومين أبو لطفي؟!؟ انا أم لطفي!!؟؟ وبكل برود أعصاب وظهره
 الي رد علي.. "إمّي حابّة تسمّي الولد باسم أبوي.. وأنا وافقت"
 وكانت أكبر صدمة في حياتي!! وقلت له "سند.. متذكر الخطاب!؟
 هذا ابني.. ملكيتي.. أنا وإنت بنسميه.. ؟! شو تغيّر؟ مش اتفقنا


 على سليمان!!؟ مين لطفي!؟" وبعصبية ونفاذ صبر حكى... "بلا
 خطاب بلا بطيخ.. هاي الأمور ما فيها نقاش.. ويمكن أنا وافقتك
 على أشياء زمان.. لكن يتغير الرأي بتغير الحال".. وراح..

 ماما بس عرفت، غيّبت.. بابا ابتسم وما علّق.. وصار اسمي في
 موبايلات خواتي "ام لطفي تضوي وتطفي".. أنا اللي كان
 مموتني.. مش الاسم بحد ذاته.. مع انه بلوة مصبّرة، بس انه
 يعني أبسط حقوق الست انها تسمي ابنها.. اللي بتحمل فيه..
 الطفل مش ملكية حدا غير إمّه.. ويمكن أبوه.. بس مش ملكية
 جدّه وجدّته!! وكيف تغيّر سند!! وليش؟!

 ورجعت أتناقش معه مرة ثانية.. وثالثة ورابعة.. طيب.. فكّر شو
 راح يحكوا له الاولاد في المدرسة!؟ ما راح أسمح حدا يتمسخر
 على إبني!!! طيب حبيبي نستخير؟!؟ يعني أنا أحمله وأتعب فيه
 9 شهور وأربّيه عمر!! وغيري يسمّيه؟! ما حزرتوا!! طيب حبيبي
 نعمل قرعة!؟ يعني شو دخلها إمّك تسمي ابني أنا!؟ مش هي
 سمّت ولادها!؟؟ شو بدها بولادي؟!!!!! طيب نسمّيه محمد لطفي؟!
 وبدون فايدة..

 لا الترغيب فاد، ولا التهديد فاد.. ولمّا يئست مرحليّاً إنّي أقنعه..
 قررّت ألجأ لحلول ثانية.. شو رأي الدين!؟ طلعت الفتاوى انه الأب
 له حق التسمية.. ما اقتنعت ومسكت القرآن أفتش فيه..، طلع رب
 العالمين هو اللي سمّى النبي يحيى.. ما زبطت معي هاي.. دوّرت
 في السنّة لقيت انه الرسول (ص) سمّى الحسن والحسين..
 وناقشت سند.. وعالفاضي.. قال أبو طالب كان ميت.. لو عايش
 كان سمّى هو.. وصرت أنا بدّي أبوه يموت..


 والموضوع مع انه ضحّكني أوّلها.. خصوصا اسم لطفي.. انه شو
 بدي أدلّعه.. لطّوف؟ لطّوط!؟ فطفوط؟؟ فطبل!؟ يا لطيف
 الألطاف نجّنا مما نخاف!! بس إنّه مع مرور أيّام الحمل صار
 كابوس حقيقي!! الولد راح يجي.. وراح أصير أم لطفي!! وقررت
 ألجأ لبابا.. بس بابا قال انه ما بده يتدخّل بين الست وزوجها..
 وماما كالعادة سمّعتني كلمتين على سوء اختياري.. ومن يأسي
 الشديد قرّرت ألجأ لصاحبة القرار وغريمتي.. حماتي.. قلت هي
 الوحيدة اللي ممكن تغيّر شي..

 زبّطت حالي، ومسكت أعصابي.. وتدرّبت عالكلام، وبكل جهل
 مصطنع وحبّ مصطنع بدأت معها الحوار.. بيني وبينك يا عمّتو،
 سند بدّه يسمّي الولد على اسم عمّو.. إنّه عمّو أبو مصطفى في
 قلوبنا.. واسمه كثير حلو، بس انت عارفة شقاوة الأولاد الأيّام
 هاي.. وممكن ممكن ممكن يعني، يسخروا من الولد، وهاد مش
 منيح لصحّته النفسية.. ومن كل هذا الكلام المنمّق.. والعجوز
 ساكتة وبتتطلع علي بس.. ولمّا خلّصت.. ابتسمت ابتسامة زرقاء
 وقالت بهدوء.. "ما يهمّك حبيبتي، ما بصير إلّا كلّ خير".. وطلعت
 على غرفتي وأنا عندي شويّة أمل..

 كنت في السابع وقتها.. وبس رجع سند من الشغل، فتح باب
 البيت وهو يصرخ ويسب ويلعن وينادي علي.. وعرفت شو عملت
 العجوز.. وطلعت أنا مزعّلة إمّه ومستعرّة من اسم أبوه.. وكلامي
 مرّض عمي أبو مصطفى.... وبعد الكلام القاسي والجارح اللي
 عمري ما توقّعته ولا سمعته.. حكى لي سند بصريح العبارة.. هذا
 اللي عندي، واللي مش عاجبه الله معه.. وتركني ونزل...

 طلع كل شي قرأته أو سمعته عن حرّية المرأة كذب.. حتّى اللي


 أنا كتبته لمّا كنت ناشطة، كذب.. تنظير بس.. حتّى خطاب سند
 كان تنظير.. في مجتمعنا المرأة ما إلها حقوق.. والزواج هذا
 سفينة.. وانت كزوجة لو اعترضت على شي هو حقّ أساسي الك..
 أسهل شي انك تنرمي من هاي السفينة.. أو بتقعدي ساكتة..

 وكرهت سند وإمّه وأبوه وابني والزواج والسفينة كلّها.. بس ما
 قدرت آخذ قرار أطلع منها زي ما ماما بدها، أو زي سيمون دي
 بوفوار بدها.. واقعيتي اللي علّمني إيّاها بابا، وحبّي لسند
 منعوني.. وقررّت أظل في السفينة.. حتّى لو في الطابق السفلي..

 ومشي الحمل، وما ظل لي إلّا ربّي ينجّيني من اسم لطفي، ومع
 إنّه السونار خزق عيوني، إلّا إنّي وصلت التاسع وأنا أدعي دعاء
 اليائس إنّها تطلع بنت.. ولو سمّوها على إسم حماتي ماشي..
 إيمان أحسن من لطفي.. مقبول شوي..

 واجت لحظة الولادة كأنّها لحظة الموت.. وربّ العالمين اللي
 بسمع نداء المظلومين استجاب.. وكان كلام الممرضة ماء غمام
 بارد على قلبي.. "مبروك.. اجتك أحلى عروس".. ونمت بدون حتى
 ما أشوف البنت.. نمت نوم محارب بحارب إله أشهر.. وبس وصل
 لحفّة الهزيمة، فجأة انتصر..

 مبارح كمّلت لطفيّة حبيبتي سنة.. وأخذتها تتطعّم.. وكثير بكيت
 حبيبة قلبي.. بدي آخذها بكره عند ماما تلعب هناك.. ومنه بشرب
 لي فنجان قهوة بلا وش.. وبسمع عتاب ماما وشماتتها الطبقية
 شوي..

 وسيري يا سفينة الحياة.. سيري..


 تمّت

 ملاحظات:


  - سيمون دي بوفوار هي ناشطة اجتماعية وكاتبة فرنسية
 راحلة.. كتبت كثيرا عن اضطهاد المرأة..
  - شكر خاص لصاحبة مصطلح كبريتيد الفلفل بالفسفور المثلج..
  - أنا دائماً ما كنت ضد السخرية من الناس وأسمائهم.. وأحاول
 أن لا أعبر الخط الفاصل بين الكوميديا السوداء والسخرية من
 الناس.. لكن جزئية اختيار الأهل لاسم لطفي مبني على قصة
 حقيقية.. لذلك لا يقصد أي إساءة لحاملي اسم لطفي أو لطفيّة..
 وأعتذر لأي شخص قد تسبب له القصة أدنى حرج.. وأطلب منه
 أو منها السماح..


لننثر الرمال ذهبا..


 كل واحد فينا عنده ناس عالفيس بوك ما بطيقهم.. ووجودهم
 وبوستاتهم المستفزة خطر عالجهاز العصبي.. ومع هيك انت
 مجبر تخليهم عندك وما تشطبهم.. منهم خالتك اللي بتنزل صورة
 الجرادة اللي ساجدة في الحرم وبتزعل إذا ما عملت لها لايك..
 ومنهم صاحبتِك أيام الجامعة، المكيودة اللي ضافتِك بس عشان
 تعرف أخبارِك وتقارن بين أوضاعكم وتشوف مين أحسن.. ومنهم
 ابن عمك الداعشي باقية وتتمدد.. ومنهم مرة خالك ظهير أيسر
 كاندي كراش اللي كل يوم لازم تطلب 20 روح.. ومنهم صاحبك
 أبو جمعة مباركة اللي بغتالك بالتاغات..

 لكن في شخص أخطر من كل هؤلاء وإنت مش منتبه له.. هذا هو
 الصديق المتفائل اللي بحاول يغيرك ويغير واقعك للأفضل زي ما
 هو بعتقد.. وبحط لك بوستات من قبيل " شوف وين كان ستيڤ
 جوبز ووين صار" "أنت تستطيع" "لا بد من المخاطرة لتحقق
 أحلامك".. هذا هو اللي لازم تحظره فورا.. وأنا بحكي لك ليش،
 بس خلينا نرجّع الشريط لورى شوي..

 في ال 94.. خلصت توجيهي.. ودخلت هندسة مدنية.. مش لإني
 بحبها أو هي خياري.. لكن لأنه الحكومة اجتمعت وقررت انه
 الطلاب اللي جايبين من كذا لكذا في التوجيهي.. هم أصحاب
 الميول الهندسية وبنّائين المستقبل.. وتقبلت قرار الحكومة بصدر
 رحب..

 ومع إنّها ما كانت اختياري، إلّا إنّي حبّيت الهندسة.. وبدأت أدرس
 موادّها بعمق.. استمتعت بقوانين الاتزان وخصائص الموادّ..


 والتحليل الإنشائي والتصميم الخرساني..

 لكن اللي ما استوعبته.. هو ليش بتم الفصل بين الهندسة
 المعمارية والمدنية!! هذي الجسد وهذي الرّوح.. كانوا توأمين
 بالنسبة إلي..

 ومن باب الفضول، بدأت في أوقات الفراغ أحضر محاضرات في
 كلية الهندسة المعمارية.. وشجعني على الموضوع انه كليتهم
 كانت أطرى شوي من كليتنا.. وأكثر اخضرارا وانحناءً وياسميناً..

 تخرجت كمهندس عادي.. لا نابغة ولا شي.. كليّة الهندسة المدنية
 أعطتني الشهادة والتحليل والتصميم والعلم الصلب الجامد،
 وشلة من الأصدقاء الخناشير خشني الصوت والملمس والملامح
 واللحية وكل شي.. بينما كليّة الهندسة المعمارية أعطتني الفن
 الجميل والتخيل الابداعي الانساني وصاحبتين ناعمات كالرخام
 رقيقتين كياسمين الشام..

 ودخلت سوق العمل.. طبعا سوق العمل هون كلمة فضفاضة
 وكاذبة.. لأنه انت بس تسمع كلمة سوق، يهيأ لك انك داخل
 تشتري كالعادة يعني... لكن في هذا السوق الافتراضي
 اللعين،انت مش زبون.. انت بضاعة.. وأصحاب شركات المقاولات
 الأوغاد هم الزبائن اللي بفحصوك من فوق لتحت، وبحسسوا
 عليك زي ما بحسسوا على بطيخة.. وبقلبوك يمين ويسار وفوق
 وتحت.. وإذا.. وفقط إذا.. عجبته.. ببدأ يفاوض فيك على المبلغ
 الشهري اللي بده يعطيك إيّاه عشان يحرث عليك شهر شمسي
 كامل..

 وقلت معلش يا ولد.. والحياة كفاح وإنت بدأت كفاحك.. وبدكّ


 تنسى سكوير ال C وتنسى سكوير المعماري.. وجلسات القهوة
 والقمح.. ومرايا يديكِ وكحل عيونك والقصص هاي كلّها، الحياة
 صعبة.. بس إنت قدّها..

 طبعا وقتها، بعض زملائي طلعوا بره البلد.. انه شو بدك في
 الوطن العربي.. وتعال معنا كندا أو أستراليا.. بس أنا رفضت..
 وقلت إنّه درهم الوطن ولا دينار الغربة.. وخليني في بلدي
 أحسن.. والناس ببالغوا شوي في تقدير سوء البلد وظليت..

 وعلّقت ال سي ڤي على ظهري.. وصرت كل يوم الصبح أبعت
 فاكسات.. وأزور مشاريع قيد الإنشاء أدوّر على شغل.. وطبعا
 أضعف واحد في العالم، هو المهندس المدني الباحث عن عمل..
 لأنه لمّا يدخل موقع البناء، ما بكون عارف مين هو مين في
 الشركة.. فممكن ببساطة المراسل يتمقطع فيك.. أو واحد فورمان
 يسوق عليك انه مدير المشروع.. وحتى المهندسين القدامى
 بكونوا شايفينك صعلوك بدون خبرة.. وفش منك فايدة..

 بدون طول سيرة، بعد 4 شهور من البحث المضني وانحناءً لواقع
 الحياة وبحثا عن الشيء السحري اللي اسمه خبرة.. اشتغلت
 تحت مسمى مراقب عمّال في مشروع عند الدوّار الثامن،
 وبمرتب وقدره 125 دينار أردني أخضر فقط لا غير..

 وعشت حياة المهندس المدني في شركة المقاولات.. طبعا
 كمهندس حديث التخرّج، كل واحد في الورشة بعرف أكثر منّك،
 حتى حمدي المصري اللي بعمل الشاي والقهوة بيجي بدّه يعلّم
 عليك ويعلّمك كيف القصارة والبلاط والدهان.. والدوّام بدايته
 محددة.. لازم تلتزم فيها.. بس نهايته مفتوحة.. والراتب الهزيل


 مثل المطر.. ما بتعرف ايمتا بنزل..

 ومع كل هاي المثبطّات، إلّا إنّه إرادتي كانت أقوى من كل شيء..
 وأكملت 10 سنوات كاملة متنقلا بين المشاريع وشركات
 المقاولات المحلية، . نضجت جدا كمهندس.. وراتبي نضج شوي
 معي.. لكن عمري ما ارتحت في شركة مقاولات.. شو ما كانت
 الشركة منيحة أو صاحبها منيح.. (أو خليني أكون دقيق.، فش
 شركة منيحة، بس أقل سوءا من الأخريات).. المهم، شو ما كانت
 منيحة، إلّا لمّا تيجي تتركهم يكون الطلاق مؤلم.. وتروح عليك
 حقوق، وتطلع انت ما عملت لهم شي.. وهكذا دواليك..

 لغاية ما الحليم الكريم ذي العرش العظيم.. وفّقني واشتغلت مع
 شركة انجليزية ماخدين مشروع مستشفى.. وبدأت وقتها أعرف
 شو يعني شغل.. الدوام محددة بدايته ونهايته.. الراتب معروف
 متى بنزل.. التعامل راقي وهادي.. الشغل بمشي بدون صراخ
 وبدون هستيريا.. كل شي محسوب حسابه.. فش أسافين ولا
 أزاميل ولا قنابل موقوتة.. فش عيون للمدير.. ما حدا بسرق شغل
 حدا.. ولا في محاسب بعامل الموظفين كأنه بعطيهم من جيبة
 أبوه.. في إدارة.. في حقوق.. في كل شي.. عالم غريب تماما
 ضمن عالمنا الأعوج..

 وكانوا سنتين من أجمل ما يكون.. وحوشت فيهم عن عمري
 السابق كلّه.. بس شاء المولى ورجعوا الإنجليز على بلدهم..
 ووقتها كنت حالف ما أرجع موظف عند العرب.. فكان لازم أعمل
 شي جديد.. وهون اجا دور صديقي تبع الفيس بوك اللي حكيت
 لكم عنه بالأول.. تبع ستيڤ جوبز..


 بعد حوار بسيط على بوست نزلّه عن واحد بفتح بزنس بسيط
 وبصير اشي كبير.. قعدت معه.. وبعد حوار مطوّل.. أقنعني أفتح
 مصلحة شخصية.. ومع إيماني العميق المدعّم بتجارب الآخرين
 بانعدام أدنى معايير نجاح المشاريع في بلدنا.. إلّا إنّه أقنعني أنني
 أستطيع.. وممكن أغيّر وممكن أنجح.. ويطرح لي أمثلة عن
 ناجحين ورواد من الغرب آمنوا بنفسهم ونجحوا.. ولو طرحت
 فكر جديد في المقاولات راح أكون شخص رائد وناجح.. وننثر
 الرمال ذهبا..

 ورجعت لي ذكريات أيّام الجامعة.. اللي كانت السنين العجاف
 تبعة الشغل نستني إيّاها.. رجعت لي نظرياتي الخاصة بدمج
 الهندسة المعمارية بالمدنية.. ونظريات فرانك لويد رايت..

 ومع إنّي طول عمري مقتنع بكوني موظّف، إلّا إنّ الحماسة كانت
 عالية..

 وبدون تردد.. قررّت أكون مختلف ورائد في مجالي... فتحت
 مكتب، وطلّعت رخصة مقاولات.. وقررّت أتخصص ببناء الڤلل..
 وكان طابع الشركة هو الهندسة العضوية.. وهي الهندسة اللي
 بتآمن إنه البيت كائن حيّ.. ويجب تصميمه وتنفيذه تبعا
 لشخصية صاحبه وبيئته المحيطة.. وإنّه البيت شخصية فريدة..
 الخ..

 وعملت ويب سايت.. وطبعت منشورات.. وجهزت المكتب
 بطريقة عصرية.. وبدأت رحلة البحث عن مشاريع.. واكتشفت بعد
 فترة.. إنّه كل مشاريع الڤلل في البلد هي بايدين الاستشاريين..
 وعشان تحصّل أي مشروع منهم.. بدّك تدفع من تحت الطاولة..


 أنا ما عمري كنت شيخ ولا راح أصير.. بس بخاف من ربّي وما
 بدفع رشاوي.. فرفضت.. لكن مع طول البحث غير المجدي عن أي
 مشروع نظيف فوق الطاولة.. وانقضاء أشهر بدون أي مردود..
 كان لازم أغيّر توجهي.. ما قدرت أغيّر السوق..

 وبدأت آخذ مقاولات من الباطن من شركات المقاولات الكبيرة..
 وهذا أشبه بإنك توكل من ورا حدا.. الربح الكبير الهم.. وإلك
 العظم.. بس مع هيك استمرّيت.. وبدأت أشتغل.. وبلا هندسة
 عضوية بلا همّ..

 وبدأت آخذ مشاريع صغيرة من الباطن.. بس مشكلتي الأكبر
 كانت الدفعات.. بتوقّع عقود رسمية.. وبتشتغل نظامي.. وبس
 يجي وقت الدفع.. الكل بأجّلك.. وبدأت أعاني.. ورأس مالي
 يعاني كمان.. وأهل بيتي يعانوا.. والحياة الرتيبة اللي كنت
 عايشها أيّام ما كنت موظّف اختفت..

 وبدأت أفاعي صفراء في صدري تحكي لي انه ممكن اللي عملته
 أنا غلط.. ممكن لازم ظليت موظّف.. بس كنت أعتبرها مجرد
 أفاعي صفراء.. وبدأت ولازم أكمّل وأنجح.. وآخرتي أوصل
 حلمي..

 وبعد عدة تجارب سيئة مع مقاولين.. ودفعات متأخرة.. شاء
 القدر اللذيذ، ألتقي بأبو البراء.. صاحب شركة الإحسان
 للمقاولات.. رجل فاضل.. النور طالع من وجهه.. يندر تشوف مثله
 في هذا السوق المليئة بالضباع..

 وبعد ما حكينا سوا عن أزمة الدفعات في البلد.. وسوء أخلاق
 المقاولين.. وأعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه.. عرض علي


 أبو البراء مشروع العمر.. 4 ڤلل هو ماخذهم وأنفذهم أنا من
 الباطن.. وأعطاني سعر مرتاح فعلا..

 وحسّيت إنّه ربّنا راح يوفقني أخيرا.. وما يشمت في الناس اللي
 قالوا لي انت مش قد السوق.. خليك موظف أحسن..

 وبدأنا العمل.. والدفعات كانت فعلا في موعدها.. وأنا بذلت قمة
 جهدي في المشروع.. وتوازنت أموري.. وأبو البراء كان غاية في
 الروعة.. كنت بس أزوره في المكتب.. يقوم يصلي فينا العصر..
 من الإيمان والتقوى أكون بدّي أصلي العصر مرتين وثلاث معه..

 وقرّبنا نخلّص المشروع.. وسافر أبو البراء عالسعودية.. كان بده
 يعتمر، ويبدأ مشروع هناك.. واستأمنني أخلص المشروع بوقته..

 وحطيت في المشروع كل وقتي وجهدي.. ودفعت للناس مني..
 وأعطيتهم شيكات مني، بس نخلص في الوقت.. وخلصناه فعلا..
 بس معه كانت خالصة كل فلوسي.. وبستنى دفعتي الختامية
 الدسمة..

 والاستشاري استلم المشروع من هون.. واختفى أبو البراء من
 هون.. في المكتب مش موجود.. وما برد عالتلفون.. ومرة
 مسافر.. مرة ما أخذ فلوسه.. مرة ابنه مريض.. والوقت بمرّ علي
 وأنا مفلس والناس بدهم منّي فلوس..

 وتدهورت أوضاعي بشكل متسارع.. بدأوا الناس يقدموا
 الشيكات ضدي.. وبيتي بدون مصروف.. وتحويشة عمري
 وأرباحي كلهم مع أبو البراء.. وتحت الضغط الهائل.. رفعت عليه
 قضية بضمان العقود.. والنظام القضائي طبعا.. بطبعه حكيم


 ومتمهّل.. يتريث.. بس التريث ما كان في صالحي..

 بعت ذهب مرتي.. وسيارتي.. وأثاث مكتبي.. خليت بس كرسي
 ومكتب ولابتوب وطابعة.. بيتي بدون مصروف.. عمّالي بدون
 رواتب.. مش دافع إيجار المكتب.. ولا دافع إيجار البيت ولا شي..

 واكتأبت وقعدت في البيت أستنى النظام القضائي العظيم يجيب
 لي حقّي المثبت والواضح.. أو يحبسني.. أيهما أسرع.. وبدأت
 دائرة الديون والشيكات تضيق شوي شوي علي.. وأبو البراء اللي
 قبض حق المشروع.. بصلّي في الحرم.. والمحامي بحكي لي، إنّه
 خلال سنة أو سنة ونص.. بنجيب الفلوس..

 بهاي الأثناء كان في شركة فرنسية حاكيين معي على مشروع..
 ومن يأسي سعّرته بغالي.. وبعتت السعر.. لكن للمفاجأة حكوا
 معي.. رحت وقعدت مع المهندس العربي اللي عندهم، وطلع
 الشغل كبير.. وافق على سعري.. وعرض علي دفعة أولى كبيرة..
 كانت بتنشلني من مصايبي بشكل كبير.. لكن في آخر الجلسة،
 وبعد ما رجع لي الأمل.. طلب نقعد بره نشرب قهوة قبل ما نوقّع
 العقد.. وفهمت شو بدّه بس ما قدرت أحكي آه أو لأ.. طلبت مهلة
 أفكّر..

 ليلتها ما نمت.. كان أصعب قرار ممكن آخذه بحياتي.. كنت بموت
 فعليا.. وأحلامي بتنهار.. وبيتي بنهار.. وبيني وبين السجن أيام..
 وبين وبين حقّي عند أبو البراء شهور وسنين.. والأهمّ.. كان بيني
 وبين الإنقاذ، تلفون لهذا المهندس..

 فكّرت بحالي وبمرتي وبأولادي وبأصحابي اللي في كندا.. وفقه
 الواقع والحلال والحرام.. ويا ترى ربّنا شو رأيه.. وشو لازم أعمل..


 وفكّرت كثير بالبلد.. وطلع علي الصبح وأنا بفكّر.. وعالساعة 8
 الصبح.. كنت ماخذ القرار.. اتصلت فيه، وحدّدنا موعد في كوفي
 شوب..

 أخدت دفتر شيكاتي.. ورحت عالموعد.. قعدنا وطلبنا قهوة..
 وبعد شوية أحاديث جانبية هدفها كسر الجليد.. حكيت له بصوت
 واضح.. "مهندس.. أنا ما راح أدفع عالمشروع هذا ولا فلس.. هذا
 ضد مبادئي.. لكن هاي دفتر الشيكات.. لو محتاج.. ممكن
 أداينك".. ابتسم ابتسامة المتفاجئ.. وحكى لي.. "توقعتك أذكى
 من هيك.. عموما، لا تغلب حالك.. في شركات كثير غيرك".. وقام
 بدون ما يشرب قهوته..

 لمّا قام وتركني، كان شعوري بالزبط زي واحد أعدم حاله.. أو
 أطلق الرصاص في فمه.. كان قلبي بدق بشكل كبير.. ودموعي
 في عينيّ.. بس كنت راضي وفخور بنفسي..

 بعد اربع أيام.. حكوا معي شركته.. وطلبوا مني ثاني يوم الصبح..
 أجيب الختم وآجي أوقع العقد وأستلم الدفعة الأولى وأباشر
 العمل.. وبكيت من فرحتي..

 ثاني يوم الصبح كنت في مكتبي.. كانت الكهرباء قطعت فيه..
 بس مش مهم.. كنت مبسوط جدّا.. وناوي من الدفعة الأولى أرجع
 كل شي زي ما كان.. أخذت الختم وأوراق الشركة وفتحت الباب
 عشان أطلع وأروح أوقع العقد وأستلم شيك الدفعة الأولى..

 لمّا فتحت الباب لقيت شرطيين.. جايين يوخذوني لتنفيذ حكم
 قضائي.. وللصدفة، واحد فيهم كان بشبه أبو البراء وواحد بشبه
 صديقي اللي أقنعني أفتح شركة.. ابتسمت لهم بكل أسى..


 ضحكت حتى.. ورحت معهم..

 إلي يومين طالع من السجن.. لسه ما أحصيت الأضرار بشكل
 كامل.. ولا عارف شو راح أعمل.. بس أوّل شي لازم أعمله إنّي
 أروح عند صاحبي.. وبعد ما أنطّ في كرشه.. بدّي أفهمه، انك
 ممكن تجيب حكم الدنيا كلها وقصص نجاح الغرب كلها وتعمل
 لها كوبي بيست عالفيس بوك.. بس ما بتقدر تعمل كوبي بيست لا
 لبلادهم ولا لنظامهم ولا لمجتمعهم.. ما بتقدر..

 تمت

 ملاحظات:


  - مبني على قصة حقيقية
  - إذا أغضبك استخدام أبو البراء كشخصية رجل يخفي نواياه
 السيئة خلف ستار ديني.. فأنت تدافع عن نموذج سيء.. بطل
 القصة مسلم ملتزم أيضا ودافع عن مبادئه حتى نهايته البائسة..
  - القصة ليست تمجيدا للغرب، بقدر ما هي إدانة لعيوب
 مجتمعنا، وخصوصا في جزئيتي الإئتمان والنظام القضائي الذي
 يحمي المحتالين.
  - فرانك لويد رايت هو مهندس أمريكي جمع بين الهندسة
 المدنية والمعمارية (دراسة ذاتية) وساهم في تطوير مفهوم
 الهندسة العضوية.


تنويعات على مقام الزواج..


 1- بيرة وسمَكْ

 من حكمة ربّنا ورحمته إنّه دائماً بعرض لك مثال حي عن تجربة
 الزواج قبل ما تخوضها.. وأنا التجربة اللي شاهدتها وعشت
 فصولها كانت أسوأ من سيئة..

 حاولت وأنا مراهق ألاقي أسباب ومبررات لسوء العلاقة بين أبوي
 وإمّي.. وكنت أفترض إنّه لو إمّي سكتت هون، أو لو أبوي
 استوعبها هناك كان ممكن الأمور تنحلّ.. لكن كلّ افتراضاتي
 كانت عبث.. والنتيجة اللي وصلت لها بعد طول معاناة، إن الزّواج
 نفسه هو الخطأ.. وأي محاولات لإصلاحه من الداخل هي
 محاولات محكوم عليها مسبقا بالفشل..

 عشان هيك كان هدفي السامي وشغلي الشاغل وأنا في الجامعة
 إنّي أطلع من بيت أهلي بأسرع ما يمكن.. وأعيش حياة العزوبية
 اللي بحلم فيها..

 ما كنت بدّي أكرر تجربة أبوي في المعاناة من أجل توفير الطعام
 والوقت لأولاد هو اختار إنه يجيبهم.. وكان ممكن كثير يعيش
 حياته مرتاح بدونهم... ولا إرضاء زوجة ضحّى بشبابه وحريّته
 وروحه عشان يأمّن متطلباتها.. وبنفس الوقت ما كنت بدّي أحوّل
 إنسانة لماكينة تفريخ وشغالة وغسّالة وطباخة مدى الدهر مثل
 إمّي..

 تخرّجت.. واشتغلت بشركة منيحة.. وبعد أشهر بسيطة.. بدأت


 أحضر للخطوة الأولى في مشوار حياتي المخطط مسبقا..
 الخروج السريع من بيت أهلي وبدء حياة العزوبية الطويلة..

 وفي غضون سنة، ومع استدانة بعض الفلوس، وجمعيات كنت
 مرتبها.. كنت موفر الدفعة الأولى لشقة أحلامي.. الشقّة اللي
 بحلم فيها لحياة العزوبية.. شقة طابق ثالث، غرفتين وصالة
 كبيرة مع بلكونة شايفة بانوراما عمّان.. وموقعها بين السادس
 والخامس.. جنّتي المفضلة في عمّان.. مقابل ال HSBC..

 الشقة كانت قديمة شوي.. جددتها وقررت أفرشها وأزبّطها مثل
 ما أنا بدّي.. عملت أرضياتها خشب باركيه غامق بيعطي انطباع
 القدم والعراقة.. والجدران دهنتها بألوان مختلفة.. منها الأخضر
 البارد الكئيب.. ومنها الأزرق الفاتح ومنها الأحمر الشهواني..
 وعملت لها باب خشب معتق..

 أول ما تفتح الباب بتدخل عالصالون المضاء إضاءة خفيفة.. على
 يسارك بتلاقيك طاولة بلياردو.. قماشها أزرق.. وعليها من فوق
 ضواو نازلين في حواضن من القصدير القديم.. وجمبها في
 كرسيين عاليات.. بينهم رف رخامي عالي وفوقه صورة بالأبيض
 والأسود لجود لو وهو بلعب بلياردو..

 لو تطلعت عاليمين بتشوف مطبخ مفتوح عالصالون.. بلاطه بني
 معتق.. في وسطه طاولة خشب خشب.. مبينة عروق الخشب
 فيها... لا مدهونة ولا مزوقة ولا عليه مفرش مستفزّ مخرّم
 مستفز غبي!!.. طاولة خشب!! وحواليها اربع كراسي خشب
 بسيطين.. ومعلّق على جدار المطبخ صورة كرتونية لبحّار اله
 كرش كبير وماسك غليون..


 وقدامك بس تمشي شوي في درجتين بنزلوك على القعدة..
 القعدة بسيطة جداً.. كنبايتين مريحات وواسعات بتقدر تنام
 عليهم لو بدك!! وفي الضلع الثالث كرسي فيكتوري هزاز..

 كنبايات مش مخصصة للنفاق الاجتماعي والفشخرة بقدر ما هي
 موجودة للراحة.. عليها مساند (cushions) ملونين ومش طقم!!
 مش متجانسين!! وما في حد فارق معه انه المساند مش من
 نفس العيلة.. وعلى جدران القعدة صور كبيرة لتشي غيفارا
 وماركيز وعبد الناصر وصور إلي بأحجام مختلفة وبدون أي
 ترتيب.. وصورة لسيارة مرسيدس كلاسيك!!

 والطاولات الصغيرة اللي بين الكنبايات عليها كواوير فيها شجر
 بونساي صغير وتماثيل نحاسية عارية لرودن.. وكتب.. ومكتات
 اسطنبولية مخرّمة..

 مقابل الكنبايات فيه مكتبة بتوسطها تلفزيون كبير محطوط بس
 عالجزيرة الرياضية.. وحواليه عاليمين واليسار كتب وصور
 وشوية تحف أعجبتني..

 وبعد الممر في غرفتين.. وحدة منهم غرفة نوم بسيطة.. والثانية
 فيها عدة الحديد.. ومرسم صغير وتريد ميل.. وحمّام..

 هاي كانت شقّتي حلمي.. شقة لعزابي.. مش ملتزمة بشي.. مش
 لابسة چرافة ولا بدلة.. ولا ممشطة ولا منشية ولا بتحاول تثير
 إعجابك.. شقة ما بتخليك تحس أنك على أعصابك وإنّه كل شي
 فيها لازم يكون منظم ومرتب.. بتقدر تستقبل ضيوفك فيها
 ويقعدوا وهم مرتاحين.. والهدف منها بس راحة الساكن فيها
 مش إثارة إعجاب الضيوف..


 وعشت فيها.. حياتي اللي أنا بدّي إيّاها.. ومش ناوي أتزوج لو
 طال الزمان.. كنت بداوم وأنا مرتاح وبروح وأنا مرتاح.. مش
 عايش تحت ضغط أي ساعة لازم أروّح ومش مرهون لساعة
 ايدي.. ما حدا بتصل في ايمتا أرجع وشو أجيب معي بس أرجع..
 وتأخرت أو ما تأخرت.. ما حدا فيها بطلب مني أنام وقت ما هي
 بدها تنام.. وإذا سهرت لازم أفسّر سهري وأقدّم كشف حسن
 نوايا..

 عندي أصدقاء وصديقات... بحضر مباريات برشلونة مع أصحابي
 في البيت.. وبندخن وبنصرخ بدون ما نخاف نصحي حد.. أو
 يضطروا يروحوا أول ما تخلص المباراة... وبلعب شدّة معهم
 للصبح.. وبسافر ومش عارف ايمتا راح أرجع..

 بتحمم زي ما بدي.. وباخذ الوقت اللي بدي اياه.. وبترك المي في
 الحمّام لأنه آخرتها تنشف!! باكل في مطاعم.. ولمّا بدي أتعشى
 بمزاج.. بحضّر أنا عشاي المفضل.. بيرة (بدون كحول) وسمك..
 وبطلع عالبلكون أقعد عالكرسي القش وأدخن وأفكّر..

 ما بنكر إنّي كنت مرتاح، مع هيك كنت مرّات لمّا أشعر بالوحدة
 أتذكر كلام الناس اللي بنصحوني أتزّوج.. وإنّه مش كل النسوان
 زي بعض، وممكن ما تكرر تجربة أبوك.. وتتزوج وتتهنى.. وأفكّر
 وأسرح..

 (يفتح باب البلكون الزجاجي)


  - حبيبي!! انت متجوزّني ولا متجّوز المسخوط التلفون!؟ دير


 بالك تتركه من ايدك دقيقة وتتذكر انه إلك مرة وولاد!! دير بالك..
  - (تنهيدة) تفضّلي....
  - الله يزيد فضلك إلهي.. أنا رايحة أنخمد!!.. بس تنساش تطلع
 الزبالة، لأنه كلها سمك، وريحته بتطلع.. وبس عشان تعرف، مش
 ظايل عنا لا بندورة ولا خيار ولا ليمون ولا شي، والبنت مش
 ظايل عندها بامبرز، والحليب بآخره..
  - حاضر.. بكره بجيب ان شاء الله..
  - إن شاء الله يجي بكره!! تا نشوف.. خليك على تلفونك
 حبيبي.. دير بالك تغلط وتيجي تنام مع مرتك مرة!!
  - حوقلة مكتومة..

 (يغلق باب البلكونة)

 (يفتح مرة أخرى)

 وتنساش تترك لي فلوس قبل ما تطلع الصبح.. حكت معي سهام،
 في محل جديد فتح وبدي أروح أشتري مفرش للطاولة..


  - (تنهيدة طويلة)

 تمت

 2- شطرنج وشدّة

 مرحبا كاتبنا..

 شوف.. أنا ما عندي قصة ولا شي.. حياتي أبسط من إنّها تكون
 قصة.. أحداثها عادية وقليلة وما فيها أي مغامرات ولا شي زي


 اللي إنت بتحكيهم.. أنا بس جاية أحكي لك شوي عن حالي
 وأروح بسرعة عشان بدي ألحق أراب آيدول..

 إسمي هناء، بنت عادية جداً زي أي بنت بتشوفها في الشارع كل
 يوم، سمينة بمقاييس الناس... بس هذا ما بهمّني.. زمان كان
 يحرجني شوي بس لما بابا حكى لي انه اللي بحبوني بحبوني
 هيك، بطّل يهمني الموضوع..

 في المدرسة كنت طالبة عادية.. يعني مش عادية عادية..
 بصراحة كانوا المعلّمات يشدّوا شعرهم منّي.. بس شو أعمل؟
 والله هاي قدراتي.. من وين أجيب طيب!؟ خصوصا مس
 الرياضيات.. كانت بدها تترك من وراي... عمري ما فهمته
 الرياضيات هاد.. كانت تعقدني الأرقام والمعادلات.. وكل سنة
 عندي إكمال رياضيات وأنجح تلقائي.. وما صدّقت على الله وأجا
 العاشر ورحت أدبي..

 بس الأدبي كمان ما طلع سهل.. خلص، أنا ما إلي بالدراسة أبدا!!
 وخلّصت توجيهي بصعوبة وبمعدل جداً قليل.. مع انه في ناس
 كثير زي ما حكت لي ماما كانوا متوقعين أرسب..

 بست إيده لبابا عشان ما أكمّل جامعة.. بس قلّي اختاري أي
 تخصص لو موازي ولو الساعة بألف دينار راح أدرّسك.. بس ما
 بصير ما تدرسي.. واخترت آداب.. ومع هيك كانت صعبة علي..

 وضليت أدعي انه الجامعة تموت بس ما ماتت، الله نجّاني منها
 بطريقة ثانية.. بعد أول فصل خطبت.. وثاني يوم خطبة تركت
 الجامعة كلّها!!.. وقلت لبابا إنّي بدي أتفرّغ لخطيبي وأجهز بيتي
 وهيك.. وخطيبي الله يحميه ويخليه ما مانع.. أصلا هو ما بحبّ


 الشغل للست وبقول إنه الست مكانها بيتها.. وأنا هيك رأيي
 برضه!! إنت هيك بتفكر كمان!؟

 المهم، عالصيف تزوجت.. وزوجي شاب منيح ومتعلم ووسيم
 وفهمان وشغله ممتاز.. صاحباتي لمّا شافوه انجنّوا!! ورحنا شهر
 عسل على ماليزيا!! بتجنن ماليزيا!! وعندهم أسواق هناك بتموت..
 رحت ماليزيا انت!؟...

 طيب طيب.. رجعت على بيت زوجي.. بيت زي بيت بابا.. بس
 حديقته أصغر شوي.. وحملت بعد شهر.. وإلي متزوجة 8 سنين
 وعمري 26 سنة وعندي بنتين وولدين وحامل.. انت عندك ولاد
 صح!؟

 حاضر حاضر راح أكمل.. المهم، أنا كثير مبسوطة مع زوجي
 وأهلي.. وحماتي كثير بتحبني وبتحكي اني وجه الرزق..

 هاي حياتي بشكل عام من بره.. ما فيها أحداث زي ما قلت لك ولا
 مغامرات.. من جواي أنا إنسانة بسيطة.. كثير بكره الكتب.. ما
 عمري قرأت كتاب، بوجعني راسي لو قرأت.. ما بفهم كيف بقرأوا
 الناس!! ممل كثير الموضوع!! وما بحب السياسة ولا بفهم فيها..
 وزوجي مرات بضحك علي لما أسأله عن شي.. مرة سألت عن
 دارفور، انه زي كارفور هاد ولا شو!؟ مات من الضحك علي!! وقال
 لي انها بلد بعيدة.. وجديد عرفت عن مدينة الزعتري اللي داعش
 بذبحوا السوريين فيها.. الله يبعدهم عنا.. بخوفوا والله..

 ما بحياتي اشتغلت بشي.. بصحى عال 12 كل يوم.. لأرتاح
 وأفطر وأصلّي وأحضر شي عالتلفزيون بكونوا اجو بناتي من
 المدرسة.. بطعميهم الموجود، وبس يرجع زوجي المسا بكون


 طبخت له.. بس مش كل يوم بطبخ لأنه غلبة والله.. مرات كثير
 بجيب معه أكل من بره.. والمسا بقيّل شوي وبس أصحى بسهر
 على mbc.. وعندي شغّالة هي بتنظف البيت.. وزوجي بدرس
 البنات بس يرجع..

 هاي أنا وهاي حياتي.. بس عندي مشكلة واحدة متعبيتني..
 وأتمنى إنك تفهمها.. مشكلتي هي نظرة الناس الي، وخصوصا
 صاحباتي وبنات العيلة..

 في كل شي عملته في الحياة، كانوا الناس بحسدوني أو غيرانين
 مني.. ما بحكوا لي شي بوجهي بس بحسهم انهم شايفين انه أنا
 ما بستاهل أمتلك اللي أنا بمتلكه.. لأني ما عندي اللي عندهم..
 وهم ما بستاهلوا ينحرموا من اللي محرومين منه لأنه بمتلكوا
 أشياء كثير مش عندي.. خصوصا لو بنات مش متزوجات أو
 متزوجات ووضعهم المادي تعبان وبشتغلوا بره البيت.. أو عندهم
 مشاكل مع بيت حماهم وزوجهم..

 وصلني كلام زي على شو أخذها زوجها وهي ما بتعرف الخمسة
 من الطمسة؟ والله بستاهل يوخذ ست ستها.. بالله ما بجرح هاد
 الكلام!؟

 وشو بدهم فيّ بنام للظهر ولا لأ!؟ يعني عارفة انه هاد غلط
 شوي.. بس شو أسوي؟ هيك أنا!!

 مش صح كل واحد الله خلقه شكل!؟ شو بدهم طيب!؟ وتخيل
 حاسدينني حتى على حب حماتي الي.. لما حماتي جابت لي
 طقم ذهب على آخر ولد، انجنّوا صاحباتي!! هستروا!! تخيل!! قال
 لو أنا عند حماتهم كان خنقتني..


 في الآخر قلت الحمد لله على كل شي.. وما حدا بشوف قديش
 الثاني بتعب والله.. بس أنا بشر ونفسيتي تعبت من كلامهم..
 فشكيت لصاحبة عندي.. ما عمرها حكت لي هيك شي..

 بتعرف شو قالت!؟ قالت شغلة غريبة.. قالت لي "الناس يا هناء ما
 بحبوا يلعبوا شطرنج.. لأنها بتبين مين الذكي ومين الاقل ذكاء..
 بحبّوا يلعبوا شدّة لأنه فيها حظ.. واللي بفوز ممكن يحكي فزت
 بشطارتي.. واللي خسر بقدر بسهولة يلوم الحظ.. وما يطلع حاله
 ما بعرف يلعب.. والحياة تقسيم الرزق فيها هيك.. زي الشدة..
 عشان هيك، مع كل الكلام اللي بحكوا لك اياه صاحباتك أو
 بحكوه من ورا ظهرك.. إلّا إنه وجودك في حياتهم مهم جداً
 لتوازنهم النفسي.. لأنه بقدروا يحكوا انه انت الحظ.. الحياة لو
 كانت زي الشطرنج وكل واحد فيها برتزق على حسب عقله
 وإمكاناته بتكون صعبة كثير.. ما حدا بتحملها.. هيك أحسن"

 حلو كلامها صح؟ أنا ما فهمته كلّه، إنت أكيد راح تفهمه لأنك
 كاتب ومثقف وهيك..

 بس ريحني شوي كلامها.. خلص خلص ما راح أطول عليك..
 وأصلا بدي أروح أحضر أراب آيدول..

 بس آخر شغلة قبل ما أروح.. أمانة أمانة تحمّلني.. عندك فكرة
 حسن الشافعي ليش ما بطلع بمسلسلات ؟؟ ولا عمري شفته!!

 تمت


كاندي كراش


  - بتعرف؟ الإنسان بشكل عام مغرم بالنهايات.. شو ما كان
 المشهد.. مباراة كرة قدم، أو فيلم سينمائي أو رواية.. أو حتى
 مصارعة ديكة.. بنحب البدايات المحايدة البسيطة الحبلى
 بالفضول.. وبنستمتع بتشابك وتتابع الأحداث، لكن اللي بنكون
 نستناه هي النهاية.. النهاية اللي بتعطينا الحكمة أو الفرح أو
 الحزن.. وبتلاقينا بشكل لا إرادي بنتأثر في نهاية كل شيء
 وبنعتبر نفسنا صرنا أكثر حكمة وأكثر نضج ولازم نختم المشهد
 بتنهيدة تعقبها "يا اللللله!!".. وبنرجع لحياتنا اليومية وبنرجع ندور
 على مشهد آخر ونهاية جديدة..

 بس بتعرف وين المشكلة بتكون؟؟، لمّا إنت شخصيا تكون داخل
 هذا المشهد وإنت البطل فيه.. وبايدك وقعت على البداية..
 وعايش تتابع الأحداث.. وعايش الحبكة.. بس مش عارف ايمتا
 النهاية اللي لازم تحكي بعدها.. "يا الله!!".. وهذا هو الزواج..


  - متذكرة البدايات طيب؟
  - البدايات.. هممم.. متذكرة لحية المأذون.. كانت حلوة.. سودا
 وفيها شوية شعرات بيض.. مع طاقية حمرا.. وبس شفته فكرت
 إنه لما أحمد يصير بعمره بدي أخليه يربي لحيته زيه.. بس ما راح
 أخليه يلبس طاقية حمرا سخيفة.. كنت بدي ألبسه عمامة
 خمرية.. عشان أشوفه زي الخضر.. هلقد كنت بحبّه..

 بتعرف؟ الناس بفكروا البنت بتوخد جهازها معها على بيت


 زوجها.. أنا ما أخذت كثير جهاز.. أخذت حبّي.. كان نبتة صغيرة
 وقوية جوا قلبي.. وكنت مؤمنة إنّه هاي النبتة راح تكبر وتصير
 شجرة..

 بس شو الواحد بده يحكي!؟ انتوا الرجال بتفهموش.. الله خلقكم
 بتفهموش.. بفكر الواحد فيكم إنّه لو زعل مرته عشان إمّه أو
 أخته ورجع راضاها في الليل إنّه الموضوع انتهى.. ما بتفهموا انه
 كل مشكلة.. حتى لو انتهت في السرير، بتحفر في قلب الست،
 وبتوخذ من رصيد زوجها عندها.. من حبها إله.. بس احنا بنمثل
 انه الموضوع عادي وسامحناكم.. وانتوا بتصدقوا..


  - شو قهوتك صح؟ أحط لك سكّر؟
  - لا شكرا.. بشربها سادة..
  - سادة سادة.. أحمد كمان بحب السادة.. بتعرف؟ صحيح
 مشاكل حماتي وحماي كانت عامل محبط.. بس ظل حبّنا
 موجود.. مجرّح بس موجود.. وكان في أمل يطيب يمكن.. ما
 بعرف..

 النكسة الحقيقية كانت لمّا ما حملت.. خمس سنين كاملة ما
 خلّفت فيهم.. اختبار صعب كان.. زعزع كل كياني.. يا أخي شو
 المجتمع ظالم لمّا الست ما تخلّف!! بس الاختبار الأقوى ما كان
 الي.. كان لأحمد.. وللأسف..

 لمّا بتطلع الأيّام هاي على حالتي وحالته بحاول أتذكر متى بدأ
 حبّنا يتسرب مثل ساعة الرمل.. أتوقع بدأ التسريب من هديك
 الأيام..


 أولها كان منيح معي، ومتفهم انه هاي شغلة من ربّنا.. بس لمّا
 ضغوطات المجتمع زادت عليه.. ما قدر يتحمّل.. رجولته كانت
 أضعف من هيك موقف..

 مستحيل شاب يحسّ بهذا النقص الهائل اللي بتحسّه الست لمّا ما
 تكون تخلّف.. أزمات نفسية متتالية وما إلها حلّ.. وكل ما
 تتحسن نفسيتي شوي، ترجع تتدمّر.. البسة.. بتعرفها البسة!؟
 كنت بس أشوفها خلّفت أبكي..

 وما كنت بدي منه إلّا شوية مواساة.. وقتها خسرته.. بس ما كنت
 عارفة يمكن..


  - ولادة ياسمين ما غيّرت الأمور؟
  - غيّرتها بالنسبة النا الاثنين.. بس مش بشكل مشترك.. بشكل
 منفرد.. أنا فرحت لأنّي رجعت أقدر أواجه مجتمعي القذر اللي
 شبّعني معايرة.. وهو أكيد فرح لأنه واجه مجتمعه.. بس اللي كان
 بيننا وانكسر، خلص انكسر.. في أشياء ما بتتصلح.. شو ما كذبت
 على حالك وعلى الناس.. العيون.. كل شي بتقدر تشوفه في
 العيون.. العيون تغيّرت..

 ومع هيك ما يئست.. حاولت بعد ولادة ياسمين إنّه نبدأ من
 جديد.. وكنا رحلنا من عند بيت أهله.. وسكننا في بيت لحالنا..
 بس الجفا اللي كان متخبي في بيت أهله، بيّن لمّا صرنا لحالنا..

 سنتين كاملين وأنا وهو نحاول.. بس الفقر والمصاريف وضغوط
 الحياة ما تركت مجال لشي.. في الليل نحبّ بعض وفي النهار
 ترجع الدنيا تبعدنا.. حتى ولادة سيف ما غيّرت شي.. زادت


 المصاريف بس..

 وصارت الحياة مجاملات وبس مجاملات.. محاولات لإرجاع
 شيء ميت.. بس من سنتين وجاي وقفنا مجاملات خلص.. وكان
 لازم نعترف ولو بشكل ضمني وصامت انه الزواج بيننا انتهى..
 ولازم نكمّل الحياة كأب وأم بس.. كزوج وزوجة كنا انتهينا..
 خلصت ساعة الرمل.. ما ظل شي ثاني ننزفه.. وتم الانفصال..


  - انفصال كامل!؟
  - لا.. عايشين في نفس البيت.. بنلتقي مرات.. عند الحمّام
 الصبح.. عطاولة السفرة عالغدا.. بنشوف بعض يعني.. بس كل
 واحد في حاله.. والتكنولوجيا كمّلت مشهد الخرس الزوجي
 بشكل كامل.. وأعطتنا عذر نتخبى وراه.. وصار كل واحد ماسك
 تلفونه وعايش في عالم لحاله..
  - ما في أي تواصل ثاني من أي نوع؟!
  - فيه.. بنطلب من بعض أرواح في كاندي كراش..

 تمت


أسوار الكُدْس


 ملاحظات مهمة قبل قراءة النص..

 ١- القصة لشاب يجلس عند قبر والده ويحادثه.. النص مكتوب
 باللهجة الفلسطينية الفلاحية، لذلك قد يجد بعض المتابعين من
 خارج بلاد الشام صعوبة في قراءته.. للتسهيل.. استبدلت القاف
 كافاً..

 كبر = قبر

 كال = قال

 يحرك = يحرق

 ٢- النص يحاكي شخصية شاب يعاني من التأتأة.. وقدراته
 العقلية محدودة.. لذلك حاول أن تقرأه كأنك تسمعه، مع تأتأة..

 أسوار الكدس

 العواف يابا.. كيف حالك؟ ان شاء الله إنك مبسوط؟! وو وكيف
 الكَبِر اللي عملت لك إيّاه!؟ ان شاء الله عاجبك!؟ وسيع يابا وعلى
 كدّك!؟ مش مذايك رجليك يعني؟ مليح يابا.. مليح.. وإن شاء الله
 ما دلفت عليك مية الشتا وسكِعِتْ؟ احنا البلد غركت عنّا بالشتا
 يابا.. والله غركت.. بس رئيس البلدية كال، انه السنة الجاي ان
 شالله بدهم الامريكان يعطونا مصاري وبدّه يبني منهل كبير كدّ
 البلد.. ويجي الرئيس يفتتحه.. وانا بدي آخذ إمّي ونروح نتصور
 مع المنهل.. كصدي مع الرئيس..


 إمّي مليحة يابا.. مليحة.. بتسلم عليك.. وبتترحم عليك كل يوم
 الصبح.. كالت لي أسلم عليك وأكول لك انها اشتاكت لك.. بس
 يعني مش خاطرها تموت.. مع أنّه مش عارف ع شو اشتاكت لك..
 ما انته الله يرحمك ويصلحك كنت مكسّر عظامها.. تصبّحها بكتلة
 وتمسيها بكتلة..

 صبري؟ صبري مليح يابا.. بشتغل مع السلطة في التنسيك
 الأمني.. بعطوه الف وخمسمية شيكل.. شغلتهم بمسكوا
 المكاومين وبرموهم في السجون.. مسكوا سلامة البسّ الأسبوع
 الماظي ورموه بالحبس.. والله زعلنا عليه يابا.... كل البلد زعلت
 عليه.. سبع سنين واليهود مش كادرين يلكطوه للبسّ.. أخوي
 صبري في أسبوع لكطه.. مهو.. هاظا يابا.. خاين.. اه صبري ابنك
 خاين.. خاين للكظية.. ولا شو؟؟. شكله ابن حرام أصلا.. كل
 الناس في البلد بكولوا عنه ابن حرام.. معكول يابا؟.. معكول إمي
 كاينة تخمخم من وراك مع أبو جعفر الخظرجي؟! معكول!؟ وانت
 يابا باكي داير عالكهاوي الله يصلحك ويرحمك!؟ وهي كاينة مع
 الخظرجي وأجا هاظ الولد؟؟ معكول يابا؟!

 أنا مليح يابا.. أنا بشتغل مع اليهود.. لا مش عميل.. شو عميل انت
 الثاني!؟.. بتحسبني أنا كمان خاين للكظية؟ لا يابا.. أنا بركب
 بيوت بلاستيك.. حماموت.. في المستوطنات.. أنا وعزّ الأعور ابن
 فاطمة.. بنزرع بلادنا يعني.. بس مش احنا اللي بنكطف.. هم اللي
 بكطفوا.. بس برظه مش مشكلة.. آخرتنا نكطف يابا.. آخرتنا
 نكطف.. هيك بكول عز.. وأنا مسدّكه.. آخرتنا نكطف..

 شغلي مليح.. بطلع لي ثلاثمية شيكل ع كل بيت.. اه.. بس أمي
 بتوخذهن مني.. كال بتظبلي اياهن عشان تجوزني.. مع انه ما


 حدش راظي يجوزني يابا.. والله ما حدا راظي يجوزني.. صار
 عمري ثلاثين سنة ولسه فش عندي ولاد.. الأسبوع الماظي رحنا..
 ع دار أبو سميح طلبنا بنتهم هاي.. الخنفا.. عرفتها؟ الخنفا اه..
 هي منيحة البنت.. وبتعرف تطبخ وكل شي.. وتساعد امي في
 شغل الدار.. بس ما رظوش.. والله ما رظوا.. كال أنا!! كال أنا..
 ايش!؟ كالوا كلمة بس والله ما فهمتها.. نسيتها يابا.. بس اتذكرها
 بكولك اياها.. المرة الجاي بس أزورك..

 وانتا.. وانتا بعدين يابا شو هالعملة اللي عاملها!؟ انتا كاين ميت
 ومش تارك لنا اشي!؟؟؟ طلعت.. طلعت مم مهوّي يابا.. مفظي؟
 ولا من وراك ولا كدّامك!؟؟؟ وطول ما انت عايش وانت نافخ لي
 حالك مثل ديك الحبش ليش؟ وانت فش في كفاك آجورا وحدة!
 الله يحركك!! مليح؟؟ حركتني!! حركت كلبي على.. على
 هالعملة!!! حركت كلبي والله!! وانت.. من أول ما مرظت وأنا
 مستنيك تموت.. كلت بصير مليونير زي هذول اللي بنسمع عنهم..
 وبطلع عندك أراظي هون وهون.. وبنورثك.. طلعت مفظي!!
 مديون ب ٣٠ شيكل كمان!! ووين ولاعتي الزركا صحيح؟ اللي
 أخذتها كبل يومين ما تموت.. اه؟ وينها؟ كمان.. كمان هاي
 راحت!! ما استفدتش منك اشي! والله ما استفدت منك اشي
 يابا!! لا وانتي عايش ولا وانتي ميت! حتى.. حتى.. منيح اللي
 طلع لي الحمار الإبرص من وراك.. هظا الوحيد اللي طلع لي.. الله
 يحركك.. حركت كلبي.. هيك الواحد بترك ولاده بلا مصاري؟!؟

 أختي!؟ مين أختي؟ لطفية؟ هيها متودّرة بغزة زي ما هي..
 صاروا اليهود كاصفينهم اربع تالاف مرة.. كل سنة بكصفوهم
 يابا.. كل سنة.. كل سنة بموت لها ثلاث ولاد بتجيب اربعة


 بدالهم.. متشحتفة مسكينة.. من مخيّم لمخيم.. شو بدهم يعملوا
 يعني؟ الله يعين الناس يابا.. كظّوا هالعمر غلب في غلب..

 مهو.. مهو.. مهو الحكّ عليك يابا. انتِ اللي ودّرتها.. الله يحركك
 في كبرك ان شالله.. حدا بجّوز بنته لغزازوة؟ وبودرها عالموت!؟
 مهو إسرائيل ذبحتهم يابا.. ذبحتهم إسرائيل.. بس طلعوا رجال
 والله.. كدّها وكدود.. كصفوا تل أبيب بالكنابل الثكيلة..
 بالصواريخ والكنابل الثكيلة..

 مجدية؟ مليحة يابا مجدية مليحة.. كانت في مخيّم اليرموك ما
 انته عارف.. بس ما تحمّلتش الكصف هناك.. وكان عليهم حصار
 خانك.. ما كدروش يوكلوا.. جوزها طلع تحت الكصف عشان
 يجيب الهم خبز.. لا ما انكصفش الحمد لله.. بس وكعت عليه
 كرتونة مساعدات من طيّارة الوكالة.. هذول اللي بيرموا أكل من
 فوك.. اجت فوكه الكرتونة.. طكشت راسه كتلته.. شكلها كرتونة
 سردين كاينة.. بس ما صح لوش يوكل منها مشحّر.. ما لحّكش..
 فا مكدرتش مجدية تظل يابا.. تركت المخيم والكصف ونزحت
 هي وولادها عالزعتري.. وانكصف عمر اثنين من ولادها في
 الطريك.. ما تحمّلوش الجو المليح في الرحلة.. بس مش مشكلة..
 ظل عندها ثمن ولاد.، ومبسوطين في الزعتري يابا.. عندهم
 خيمة.. وسريرين وثلاث لحافات.. وصار معهم ربو كمان.. وبوكلوا
 سردين وبطاطا.. وكل يوم بتصوروا مع االصحفيين الشّكُر..
 وبطلعوا عالتلفزيون....

 عن مين بدك أكول لك كمان؟ نعيم؟ نعيم يابا زي ما هو.. في
 الدنمارك.. عند الشُّكُر هو الثاني.. مكيّف عالشُّكر.. ولا بدّه البلاد
 ولا أهلها.. لا يابا.. ببعتش مصاري.، بطّل.. وظعه صعب كال.. بس


 بعت لنا صورته لمّا انت متت.. كان زعلان عليك كثير والله يابا..
 كان زعلان في الصورة كثير.. حزنت عليه والله. ولابس إسود
 كان.. وسيارته كمان سودا... لو شفت الصورة وشفت كدّيش
 زعلان عليك كنت فرحت والله يابا.. وكال لنا نسلم عليك وعلى
 نظال (نضال) كثير السلام..

 ما كلت لكش عن نظال صحيح.. الحمد لله يابا.. ارتاح من
 التوكيف الإداري أخيرا.. وحكموه اليهود الحمد لله.. حكموه اربع
 تالاف. وخمسمية سنة.. بفكروا أخوي هاظ ديناصور.. بس
 تكلكش عليه يابا.. رحنا زرناه الأسبوع الماظي في عوفر...
 وأخذنا له جرزاية صوف خظرا.. عشان ما يسكعش.. وكلت له ولا
 يهمك يا أخوي.. ولادك كنهم ولادي.. ومرتك عايشة عنّا... وان
 شاء الله بعد يوم الكيامة بشوي بتطلع.. وأصلا الشيخ فرج كال
 انه الكيامة كرّبت.. يعني هانت ان شاء الله يا أخوي.. هانت..

 مين ظل من ولادك أخرّفك عنه يابا؟! انبرى لساني وأنا أتخرّف..
 ما انتا مخلّف كبيلة ما شا الله عنّك.. كاين فش وراك غير
 هالشغلة.. اه.. كاين تارك شغلك وكاعد تخلف بس.. وانا بكول
 ليش مفلس كاين..

 مؤمن اه.. مؤمن مليح يابا.. بكرا في المِدرَسة.. بكول له.. اترك
 المدرسة وتعال اشتغل معي مش كابل.. بدّه يكّمل كال.. وبكول
 لي التعليم هو الأمل.. معكول يابا في أمل؟ ممكن يطلع من كفاه
 خير في البلد هاي يعني؟ ممكن يابا؟...

 خلص يابا تردّش خلص.. لا أكون وجعت لك راسك!؟ حكّك عليّ..
 أصلا بديش اتخرف عن إخواني يابا.. انا.. انا.. انا مش جاي


 اتخرف عنهم.. انا جاي اتخرف معك انت.. اشتكت لك يابا.. والله
 اني اشتكت لك.. اخواني بحبونيش يابا.. بظلهم كالبينني
 مِسخرة.. بالاخص هاظا العرص صبري..

 متذكر يابا لما كنت انا صغير ويجي صبري يكتلني وتشوفني
 بعيط.. وتكعد تراظي في وتطعميني تين!؟ بعدين تركبني على
 الحمار الإبرص وتوخذني عند إسوار الكدس؟؟ متذكر يابا؟
 وتكول لي.. إنت راح تكبر وتصير مثل صلاح الدين يا عايد!!

 متذكر ؟؟ والله إنّي بحبك يابا.. والله إنّي بحبك..

 بتكدرش يابا ترجع يوم واحد ؟ بتكدرش؟ كول لهم.. بس يوم
 واحد يابا.. بس يوم.. وبرجعك أنا عالكبر.. والله.. كول لهم.. كول
 لهم تخافوش.. إبني عايد برجّعني.. بس بدي آخذه مرة واحدة
 عند إسوار الكدس وأشتري له دورادو..

 بس مرة واحدة..

 بطلع لكش يابا بس مرة واحدة؟ كول لهم يابا.. أمانة عليك إنّك
 تكول لهم!! وشو ما بدهم بعطيهم.. بعطيهم الحمار الإبرص
 والولاعة الزركا كمان.. وبدناش منهل ولا بدي أتصور مع الرئيس..
 بديش اشي يابا.. بس أشوفك مرة واحدة..

 كول لهم.. ابني الصغير بعيّط.. وبدي آخذه مرة واحدة عند إسوار
 الكدس..

 تمت


فاميليا (مشاركة من قارئ)


 زمان، كان حلم أي طفل مغترب مع أهله في الخليج، انه أهله
 يستقرّوا بالأردن.. لأن هذا الطفل كان يعيش أجمل لحظات حياته
 في إجازة الصيف.. جلسات عائلية شبه يومية.. لعب دائم مع
 أولاد عمّه وأولاد خاله.. مفهوم الحارة وألعاب الحارة المفقودة
 في الخليج.. برامج الأطفال اللي بسمع عنها سمع بس.. وغير
 هيك من الملذّات اللي بشوفها بس بالصيف.. وفي آخر الإجازة
 يبكي هذا الطفل وهو يدعي انه أهله يستقرّوا في الأردن ويعيش
 هاي الجنّة بشكل يومي..

 وفي حرب الخليج 90 شاء الله أن يلقي الملك حسين خطابه
 الشهير بشأن الحرب.. وفي ظرف ٢٤ ساعة، تكفّل هذا الخطاب،
 بإنّه يحقق أحلام مئات آلاف الأطفال ويرجعوا مع أهلهم على
 عمّان في أكبر حملة انهاء خدمات للمدرسين الأردنيين في
 الخليج.. وأنا كنت منهم..

 وتركنا القرية الصحراوية المنفية خارج الزمان والمكان،
 واستقرينا في بيت واسع جميل في الحارة الحلم... والتمّ شملنا
 بالأهل والأحباب..

 وكنّا العائلة المفضّلة في المحيط.. حاضرين في كل مناسبة..
 وفي العزائم لازم يكون أبوي وولاده في صدر القعدة.. ولو في
 خطبة أو جاهة.. يكون أبوي الأوّل.. وحبّ عائلي أحاطنا من كلّ
 جهة.. وأنسانا سنين القحط الاجتماعي في الصحراء القاحلة..

 وبعد سنة من الانتظار والمشاورات، ومتسلّحا بخبرة عشرين سنة


 من التدريس الابتدائي في قرية معزولة، وبتشجيع من الأهل
 والأقارب قرر الوالد يستثمر مدّخرات عمره ويخوض تجربة
 العمل الحرّ في شغلة ما بعرف فيها نهائيا.. وبمشورة من أحد
 الأقارب، ووعوده انه هاي الشغلة بتقصّ ذهب، بدأ الوالد في
 تجارة حديد البناء..

 ودخلنا مدارس الوكالة، وبدأنا في التأقلم مع طبيعة الحياة في
 الأردن، أو هيك فكّرنا.. وكان في شويّة صعوبات أوّلها.. لكن
 تواجد العائلة حولنا كان يسهّل علينا كل شي.. كان بيتنا خليّة
 نحل.. لا يكاد يخلو يوم من زيارة عائلية من عم أو خال أو خالة..
 والجمعة لازم لازم لمّة عائلية كبيرة.. ووليمة كبيرة للجميع..

 ومرت ثلاث سنوات في الأردن، وبهجة البداية راحت.. لأنه كل
 الأشياء اللي كانت أحلام صارت يومية وعادية.. وظهرت
 منغصات ما عمرنا شفناها.. بدأنا نشوف أبوي يعصب.. ويتناقش
 مع أمي بصوت عالي..

 وشوي شوي، بدأت حياة الرفاهية اللي كنا عايشينها تتغير
 ملامحها شوي شوي.. صرنا نلبس ملابس العيد لأكثر من عيد..
 والفواكه اللي كانت ما تختفي من بيتنا صارت ألوانها تقل
 وكمياتها تقل.. والعزايم والطلعات كمان تقل..

 واكتشفنا من خلال التقشف اللي بدأ ومن خلال كلام عابر بين
 الوالد والوالدة انه التجارة بدأت تخسر، وصرنا نسمع كلام مثل "
 ولاد الحرام كثير، والواحد ما كان حاسب هالحساب، والناس في
 الأردن غير، والواحد مش لازم يثق بحد".. وحتى علاقاتنا مع
 محيطنا كانت بدأت تنحسر.. صار خلاف شديد بين أبوي وعمّي


 وانتهى بقطيعة.. وصارت زيارات الناس لبيتنا أقل كثافة وأخف
 حميمية..

 مع دخولي الثانوية، كان الوالد سكّر تجارة الحديد تماما..
 والخسائر حسب فهمنا في تلك المرحلة كانت كبيرة.. وبرغم
 معارضة الوالدة، استخدم الوالد باقي مدّخراته للبدء في تجارة
 خشب البناء.. مع وعود بإنّه يكون أكثر حذراً وانه تعلّم من
 دروسه السابقة، وان شاء الله يكون في جبر للخسارة...

 لكن لأن أفضل طريقة لاستقراء المستقبل هي النظر للماضي..
 اللي صار في المرة الأولى تكرر في الثانية.. خسارات كبيرة
 وتعرض للنصب وثقة عمياء وشيكات بدون رصيد.. وعتب على
 الدهر والناس..

 في هاي الفترة، كان التقشف واضح جداً جداً.. الفواكه اختفت..
 وملابس العيد اختفت.. وصيانة البيت انعدمت تقريبا.. والأثاث
 اللي كان بدأ يصير قديم، كان يتعرض للاهتراء لكن بدون
 تجديد.. والفقر بدأ يدخل بيتنا.. ومع علاقاتنا مع العائلة كانت
 تسوء أكثر فأكثر.. وزياراتنا معهم تخف بشكل هائل..

 كانت إمّي تحكي انه الناس شمتانين، والدنيا مع الواقف.. وعمرها
 ما تخيلت هيك.. ويا خسارة اللي عملته زمان.. وأبوي صار
 عصبي جداً.. ونقل عصبيته النا كلّنا.. كان الفقر وعصبية أبوي
 بخلّوا جو البيت لا يطاق..

 حتى علاقاتنا كإخوة وأخوات كان بشوبها توتّر كبير.. مرات خفي
 ومرّات معلن..


 ومع دخولي الجامعة، أغلق الوالد تجارة الأخشاب بخسارة مدوية
 انتهت ببيع سيارتنا.. وبدأ الوالد في استخدام خياره الأخير..
 أراضي الضفة الموروثة فلّاحاً عن فلّاح..

 ودخلت الجامعة، ومعها دخلنا مرحلة الفقر الحقيقي.. انعدم
 الدخل تماما.. وأراضي الضفة الصغيرة القيمة والمساحة ما كانت
 كافية لسد الديون.. هذا عدا عن الشماتة الكبيرة في اللي باع
 أراضي أبوه.. وانعزلنا عن العالم.. وما حدا برن جرس بيتنا الا
 اللي بدهم منا فلوس، أو بعض القرايب اللي ما تغيروا بتغير
 الزمان.. والجنّة اللي كان اسمها الأردن تحولت لجحيم فقر وعوز
 وشماتة..

 ووصلت الأزمة ذروتها في نهايات 2003 اللي كنت فيها على
 وشك التخرّج.. وعرضت أترك الجامعة وأشتغل أساعد أبوي، لكنه
 رفض بشكل قاطع.. وأصرّ إنّي أكمّل وأصير مهندس.. وكان دائماً
 يردد ان أولاده هم استثماره الأكبر..

 وقبل تخرّجي بشهرين، كان لازم نوصل للحظة الحقيقة.. كان
 لازم ندفع ثمن استغلال خبرة التدريس في تجارة الخشب..
 الشرطة داهموا البيت وقبضوا على أبوي.. كان تجّار الخشب
 شكوا عليه عشان الديون.. وتخرّجت وأبوي في السجن..

 وبرغم كل شيء، خياري الأول والوحيد كان أقاربنا.. ولجأت لهم
 أستدين منهم عشان أطلّع أبوي، وكله بضمان شغلي.. وكلّ ما
 أنصدم بواحد فيهم أتأمّل في الثاني، وأحكي يمكن يتذكّروا أيّام
 الجمعات الحلوة، يتذكروا اللي عمله أبوي، أو إمّي، لكن ما لقيت
 إلّا كل شماتة وتشفّي مخبيين تحت قناع التعاطف الكاذب


 والعين البصيرة والايد القصيرة..

 و قررت ما أعتمد على حد.. وزرت كل المحامين المشتغلين
 بالقضايا اللي على أبوي.. وكتبت كمبيالات وتعهدات وأقساط..
 وقبلت كل استغلال المحامين وضرب رسومهم في ثلاث بس
 عشان أطلّعه..

 وطلع أبوي من السجن، وأنا خريج جديد وعلي أكثر من خمسين
 ألف دينار ديون وكمبيالات.. وما معي إلّا ربّنا وشهادتي وموهبتي
 وأمل بمستقبل أفضل..

 ووفقني ربّنا واشتغلت بسرعة في شركة كبيرة.. وبنفس الوقت،
 كنت عرضت خدماتي كمصمم حرّ على كثير من الشركات
 والأفراد.. وبدأت عجلة الإنتاج..

 بدأت أشتغل من 12-15 ساعة يوميا.. وبسبب موهبتي في
 التصميم، صار يجيني شغل حرّ كثير.. وصرت أكسب منيح، أكثر
 بكثير من أي شاب في سنّي.. بس الدّين كان كثير كبير..
 والكمبيالات كانت همّ بطاردني وبهدّدني كل نهاية شهر.. وعملت
 لهم جدولة وإعادة جدولة أكثر من 4 مرّات.. بس التزامي بالدفع
 لو بمبالغ بسيطة.. كان يصبّر الناس علي..

 وتمكنت اني أوقف مسلسل الانهيار.. ووقفنا حفر في حفرة الدين
 العظيم.. وبدأنا نردم فيها.. ومع تعاوننا كلنا كعائلة، كنا نسدّ
 ديوننا دين دين.. وكل دين نسدّه نشطبه من الدفتر.. وشوي
 شوي.. بدأنا نستقر.. وبدأنا نستعيد علاقتنا مع المجتمع..

 وبعد خمس سنوات كاملة من العمل الشاقّ والمربح مني، ومن


 اخواني اللي تخرجوا بعدي، تمكنّنا نسدّ كامل ديون أبوي....
 وفتحت شركة صغيرة لشغلي الخاص، وطلعنا فوق الصفر أخيراً..

 وبدأت عجلة التصحيح تدور.. وبدأت أحسّن حياتي وحياة
 أهلي.. بعد سنة اشتريت لأبوي سيّارة بدل اللي انباعت.. وعملنا
 صيانة للبيت.. وتزوّجت.. وشوي شوي، صارت علاقتنا بالعائلة
 تتحسّن.. وصرنا ننعزم على جاهات، وأعراس.. ويوخذوا رأينا في
 مشاكلهم.. وصاروا الناس اللي ياما شمتوا فينا، يزورونا ونزورهم
 ونضحك سوا..

 السنة الماضية وصلت لعشر موظفين عندي في الشركة.. ولأول
 مرة كنت باخذ مشاريع إقليمية.. وتحسّن وضع أهلي بشكل
 مشابه لوضعهم أول ما إجينا عالأردن.. ورجع بيتنا خليّة نحل..
 ورجع أبوي يقعد في صدر المجلس.. ويكون رأس الجاهة.. وبعد
 ٢٤ سنة تقريبا كانت الدائرة دارت دورتها الكاملة..

 تجربة الفقر مش سيّئة عموما.. بتطهّرك من الداخل من أشياء
 كثير.. وبتعلّمك أشياء كثير... عن نفسك وعن عائلتك وعن
 الآخرين..

 أنا الآن معي فلوس، ومرّات بسمع الناس بحكوا إنّه من عيوب
 الفلوس لمّا تكون معك، إنّها بتخبي عنك وجوه الناس الحقيقية،
 وإنّك بتتعامل مع أقنعة.. لكن عن خبرة بحكي لك.. أحسن لك ما
 تشوف هاي الوجوه.. استمتع بالأقنعة..

 تمّت


الجن


  - الآن.. هنا..

 سواء كنت بنت أو شاب.. بدي منك تغمض عيونك.. وتتخيل
 الآتي.. تخيل انك بتواجه عملاق غاضب طوله أربع أمتار، وانت
 بتواجهه وحدك.. وبعد ما يصرخ فيك بصوته الجهور.. يمسكك
 هذا العملاق الغاضب ويضربك وانت مش فاهم ليش.. تخيلت!؟

 هذا هو بالضبط شعور أي طفل بعنّفه أبوه.. وهذا هو الجوّ اللي
 نشأت فيه..

 لمّا بسترجع الشريط الضبابي لذاكرتي الحزينة، بتذكر إنّي كنت
 دائماً طفلة خايفة ومرعوبة.. أي صوت بحسه علي.. وأي شي
 بعمله بحسه غلط.. وأي واحد بناديني بصير أرجف وبجهز نفسي
 لعقاب، حتى لو مش عاملة شي.. وبتذكر إنّه في كل مشكلة بين
 أبوي وإمّي كنت أحس إنّه أنا سببها.. ومجرد ما يبدأوا النقاش
 أهرب لغرفتي وأسكر الباب وأتخبى في الخزانة وأغمض عيوني..
 لغاية ما تهدأ الأصوات وتضع الحرب أوزارها.. وغالبا ما كانت
 المشكلة تنتهي ببكاء محموم من إمّي وشوية كدمات.. وخروج
 الوحش اللي اسمه أبوي من البيت....

 خوفي من مجتمعي المصغر وفشلي في التعبير عن نفسي فيه..
 كان لازم ينعكس خوف وفشل في مجتمعي الأكبر.. المدرسة..
 وفي الصفّ الثاني تقريبا، كنت بدأت مشوار معاناتي مع بني
 البشر.. وبدأت أفهم حالي وأتضايق منها.. في أي تحدّي أو


 مواجهة مع بنت، حتى لو كانت أصغر مني، كنت أنضرب بس
 أخاف أضرب.. أخاف أدافع عن حالي.. وألجأ للبكاء والانعزال..
 وألجأ للمعلمة عشان تجيب لي حقي.. اللي غالبا كان يضيع
 وينتهي بتربيتة على كتفي.. وشماتة من المعتدي....

 مع تكرار الموضوع، صرت أكره الأطفال مع حاجتي اني ألعب
 معهم.. كنت أحبّهم لأني بدي ألعب معهم وفي نفس الوقت كنت
 بكرههم لأنهم بتمسخروا علي وبضربوني.... مع انه ما في إشي
 يسخروا مني عليه.. بس كانوا دايما يلاقوا شي.. ويدفشوني
 ويوقعوني على الأرض.. ومرات أقرر إنّه أتصدى لهم.. بس لمّا
 يجي الوقت وأحاول محاولاتي اليائسة.. يصير جسمي يرجف
 وأخاف.. وأرجع أتعرض لنفس الموقف.. مرة ورا مرة....

 كنت أخاف أحكي لإمّي أو أبوي.. عشان ما أتبهدل بزيادة.. أكتم
 في قلبي وبس.. وكنت كل سنة أدعي البنات - غير المؤدبات-
 يروحوا من صفّي السنة الجاي، بس كل صفّ كان في بنات
 جداد.. يمارسوا نفس الدور.. وكأنه مكتوب على جبيني
 مستضعفة....

 فعليا، كانت أي مواجهة معي توضح من أولها إني ضعيفة.. وهم
 يعرفوا ويستغلوا هذا الموضوع.. كنت أحسدهم لأنّهم أقوياء،
 حتى لو علي.. وأحسد الطالبات اللي بدافعوا عن حالهم.. كان
 نفسي أعرف أدافع عن حالي.. أو عن برّايتي أو محايتي.. أو
 سندويشتي حتّى.. وفي لحظات يأسي القاتلة، أكذب على نفسي
 إنّي بنت مؤدّبة.. مش ضعيفة....

 فكّرت في حلول بديلة.. وصرت أحاول أتذلل لهم عشان نصير


 أصدقاء.. بس ما كان ينفع.. كانوا يستغلوني بس.. ويرجعوا
 يهينوني ويسخروا منّي.. فاعتزلت كل شي.. حتّى النشاطات
 المدرسية.. ما عمري شاركت فيها.. وصرت دايما لحالي.. وكنت
 مع هيك أخاف أكون لحالي.. الصبح لازم آجي مع الناس عشان ما
 حدا ينفرد في.. والظهر أروّح أول وحدة عشان برضه ما حدا
 ينفرد في.. لأنه المرات اللي صارت وانفردوا في كانت مؤلمة
 جدا....

 وكبرت، وكبر ضعفي وخجلي وخوفي معي.. وكم تمنّيت لو
 أموت.. أو تنحرق المدرسة.. أو يصير أي شي ينجّيني من عذاب
 الاستضعاف هذا.. كان مجرد الصحوة من النوم الصبح عشان
 أروح على المدرسة كابوس كبير.. يا الله شو كنت أكره المدرسة..
 وأكره نفسي الضعيفة العاجزة أكثر..

 وأنا في الثانوي.. زاد الموضوع كثير.. كان يصير رمي كلام
 جارح.. وسخرية.. واستغلال وتخويف.. وضرب.. وكم عاتبت
 قلبي الجبان الخوّاف وكم كرهته وكرهت حالي وأبوي وإمّي
 والناس والدنيا أجمعين.. كان نفسي أفهم شو اللي بخوّفني..
 ليش أنا من دون الناس!؟... ما كانت أجسامهم أكبر مني، ولا شي
 عندهم أحسن مني.. بس كنت ضعيفة.. عصفور خايف مكسور
 الجناح....

 كان بكفّي انه بنت من الشرّيرات تصرخ في، أو تجحرني عشان
 أخاف منها وأحل لها الواجب، أو أعطيها مصروفي.. كنت أعمل
 أي شي عشان أتفادى غضبهم.. وبس أروّح أنفجر في موجة من
 البكاء المرير اللي كان يقطّع نياط قلبي من جوّا....


 وكثير وقفت قدام مرايتي.. واستجمعت شجاعتي.. وقررت أرد
 وما أسكت.. وأدافع عن حقّي.. حتى عالمراية وأنا لحالي.. وأنا
 بمثل ردّي عليهم وكيف بدّي آخذ حقي وأدافع عن نفسي.. كان
 قلبي يدق يدق يدق.. ورجلي يرجّوا.. عضلة الفخد تصير ترجّ
 لحالها.. وأنبسط من حالي إني رديت.. وأتخيل وجوههم وهم
 خايفين مني.. وبس أرجع أتذكر شو صار.. أسكت شوي وأنهار
 قدام مرايتي وأبكي.. ما في فايدة.. كنت جد ضعيفة....

 آخر سنة في التوجيهي كانت زي آخر سنة في السجن.. كنت بعدّ
 الأيام عدّ عشان أخلص من المدرسة والاستعباد اللي كنت فيه..
 كنت بدي أهرب للجامعة المنيحة اللي بسمع عنها.. وكنت بدي
 اياها تكون بداية جديدة في حياتي.. ناس جداد.. ما بعرفوني..
 ما راح يستغلوني أو يخوفوني.. وقررت أكون قوية الشخصية..
 ويكون عندي أصدقاء جداد وحياة جديدة وأطوي الماضي الأليم
 الضعيف...

 ودخلت كليّة التربية.. وفعلا، أولها كان الموضوع عادي..
 والجامعة غير المدرسة.. الناس أوعى وأكثر أدبا وهيك.. مع هيك
 كنت أنا هي أنا.. أخاف أطلب من الناس أي شي لو كان حقّي.. إذا
 الكنترول نسي أو تناسى يرجع لي الباقي.. أستحي أطلبه منّه..
 وإذا تجرّأت تجرأت يطلع صوتي خافت جداً جداً ووجهي أحمر
 أحمر وأكون أرجف.. ومرات كثير أنزل بدون الباقي.. عشان هيك
 صرت دايما أخلي معي فراطة عالقدّ... ناهيك طبعا عن التحرش
 الجنسي في الباص اللي أبداً ما عرفت أحمي نفسي منه إلّا
 بالهروب..

 في ناس كانوا يشوفوني مؤدّبة وخجولة.. وبنت ناس ومربّية..


 بس أنا كنت عارفة حالي أكثر منهم.. ومع هيك، مرّت علي فترة
 أقنعت حالي بهذا الشي.. إنّي مؤدّبة وشاطرة وما بأذي حدّ..
 وحاولت ألجأ للدين عشان أرتاح.. إنّه المسلم من سلم المسلمون
 من لسانه ويده.. وإنّه العفو من صفات المسلم الحقّ.. وإنّه الأجر
 في عدم ردّ الإساءة وأحاول أقنع نفسي انه هذا إيمان وتقوى..
 مع إنّي كنت عارفة من جوّاي انه كل هذا ضعف بس.. لكن كنت
 بواسي نفسي.. على الأقل لأخلص جامعة..

 وحاولت أيامها أقرأ عن الموضوع على الانترنت.. في تنمية
 الذات وتوكيد الذات وكل هذا الكلام.. في كان كثير كلام ملخصه
 "زيدي ثقتك بنفسك".. بس كيف أزيدها يعني؟ كان كلام فضفاض
 ومطاط وما بفيد.. يمكن ريح ضمير اللي كتبه بس ما كان يحل
 المشكلة....

 تخرجت ولقيت شغل في مدرسة ابتدائية.. وحمدت ربي إنّي
 بالآخر راح أتعامل مع أطفال ما بيجي منهم أذى.. وقررت أبذل
 جهدي إني ما أخلي أي طفل يتعرض للي تعرضت له..

 بس اللي فاجأني هم المعلمات وجوّهم.. والمديرة وتسلّطها..
 بدأت علاقتي معهم كلّها بودّ كبير.. بس ما أخذ الموضوع أكثر من
 شهر عشان يميزوا إنّي ضعيفة ويتعاملوا معي على هذا الأساس..
 المديرة كانت تبهدلني على أقل شي، بينما في معلمات ثانيات ما
 تسترجي تيجي ناحيتهم.. وإذا حكت معهم تحكي بأدب.. بس أنا
 تصرخ علي بصوت عالي وإهانات.. وآجي بدي أرد أخجل كثير
 كثير ووجهي يحمرّ ودموعي ينزلوا غصب عني.. والمعلمات
 الثانيات يبتسموا على وضعي وحالتي.. وجواتهم سخرية كاملة
 مني.. ومع إنّه يكون الحق عليها، أرجع ثاني يوم وأنا أعتذر منها..


 والمعلمات.. حتى العاديات منهم.. مش الكاسرات.. كانوا
 يستضعفوني.. ويشغلوني شغلهم.. بالمخاجلة.. وأخجل حتى
 أعتذر أو أتحجج.. أخاف أزعلهم بأقل شي.. وأتحمل أنا كل شي..
 بس ما يزعلوا مني....

 وجو التعليم النقي اللي عشانه دخلت كلية التربية، وكنت مفكرته
 هو المهرب طلع مصيبة..

 وفقدت الأمل بكل شيء.. بالدنيا والناس والبشرية كلها.. كلهم
 صاروا وحوش بالنسبة إلي.. لغاية ما شفت محمد..

 اتصلت إمه في أمي يوخدوا موعد يشوفوني.. عجبته لمحمّد
 أنا.. وعجبني كثير.. ثقته بنفسه وصوته الجهوري وجسمه
 الضخم كانوا هم أماني اللي بدور عليه....

 خلال أسبوع خطبنا.. وصرنا لمّا نطلع نتعشى بره كنت لأول مرة
 في حياتي، بشعر بالأمان وسط المجتمع اللي طول عمري شايفته
 غابة... بشعر إنّي مش خايفة.. مش ممكن أتعرض لأذى.. كان
 الأسد اللي بحميني وبحبّني وسط غابة البشر القذرة هاي....

 في بداية العطلة السنوية تزوجنا.. ومحمد ما كان غبي أبدا.
 فهمني من أولها.. وشاف كم موقف بيني وبين اخواته أثناء
 الخطبة.. وشاف كيف سكتت انا.. دافع عني بس ما بهدلني على
 ضعفي ولا شي.. ظل ساكت.. ولما رجعنا من شهر العسل قعد
 معي قعدة طويلة.. وحكى لي انه حاسس اني عندي مشكلة في
 التعامل مع الناس.. وبده يساعدني أتغلب عليها.. بكيت له من كل
 وجع قلبي لما فتح الموضوع.. وعلى مدار ساعات.. كنت أبكي
 واحكي وأحكي لأول مرة بحياتي.. حكيت كل قذارات نفسي


 وذلي لشخص بحبني وما راح يحكم علي ولا يصرخ علي..
 ساعات من البكا اللي بقطعوا الكلام أو الكلام اللي بقطعوا البكا..
 لما انهرت تماما.. ونمت في حضنه..

 ثاني يوم.. قدم اجازة شهر.. وظل معي في البيت.. وقرر انه نبدأ
 برنامج علاج نفسي بسيط.. شرح لي محمد انه مشكلتي
 الأساسية كانت اني كنت مش مستوعبة الأذى كمفهوم.. ولا
 متقبلته في الدنيا.. وبتمنى يختفي ولا اني أواجهه.. مع إني أكثر
 واحدة تعرضت له.. برأيه.. أنا ما كنت عاجزة اني أرد الأذى.. بس
 كنت خايفة لو رديت.. يجي أذى أكبر منه.. عشان هيك كنت
 أتخبى ورا ضعفي ودموعي.. زي ما كنت أتخبى في الخزانة..

 شرح لي كمان انه رب العالمين ما خلق الحيوانات وتركها على
 الفطرة عبث.. الحيوانات موجودة عشان نتعلم منها لو توّهنا عن
 الفطرة.. والحيوانات بتتقبل حقائق الحياة والأذى المجتمعي أكثر
 منا.. عشان هيك كل الحيوانات بتدافع عن نفسها.. بدون
 استثناء..

 الخطوة الأولى في علاجي كانت اني أشوف الأذى عشان أقبله
 كمفهوم.. انه شيء موجود وما راح يزول ولا بنقدر نهرب منه..
 وبدأ محمد يورجيني مشاهد افتراس على اليوتيوب.. أسد
 بفترس حمار وحشي أو غزال.. فهد بفترس قرد.. ومشاهد مثل
 هيك.. أولها ما كنت أقدر أشوف.. ما أتحمل الألم.. لكن مع ضغطه
 الشديد.. صرت أتفرج وأكمل.. وكان قلبي يتقطع على الحيوان
 الضعيف.. ودموعي ينزلوا.. بس كنت أكمل وأحضر..

 شوي شوي.. صار قلبي يقسى.. وصار محمد يورجيني فيديوهات


 أقسى شوي.. فيديوهات الضباع.. اللي بتفترس ضحاياها أحياء..
 ومع كل فيديو كانوا دموعي شوي شوي ينشفوا.. ورجفة قلبي
 تروح.. وصرت أحضر بقلب ثابت ما يهتز.. شو ما كان الألم..
 وامتحان هاي المرحلة كان اني أشوف فيديو لضبع بيوكل صغير
 حمار الوحش من وجهه وهو عايش.. وحضرته وانا ثابتة.. كنت
 خلص.. تقبلت وجود الأذى..

 المرحلة الثانية من علاجي كانت تدريبي على التعرض للأذى
 والرد عليه.. بدأ محمد يمثل انه هو الجلاد وأنا الضحية اللي
 بتتعرض لاعتداء لفظي.. وصار يمثل انه بأذيني في الكلام..
 ويعلمني كيف أرد.. مسلي كان الموضوع.. ومع أول رد الي.. كان
 فعلا رائع الشعور.. وأسبوعين كاملات من التدريب.. صار عندي
 بعدهم القدرة على امتصاص الأذى وسرعة في الرد على تقريبا
 أي إساءة..

 وقتها وصلنا للمرحلة اني أطبق عملي.. وعلمني محمد أكون دائما
 متحفزة ومستعدة لهجوم الناس.. لأن هاي هي الغريزة اللي
 بتحمي الحيوانات وقت الخطر.. وانه لو وصلت أي مكان بتوقع
 فيه الإساءة، التحفّز هو اللي راح يقويني ويسرّع ردود أفعالي..

 والامتحان كان انه عزم أخواته وأهله عنا عالعشا.. وطلب مني
 أرد على أي كلمة بحكوها بحقي زي ما تعلمت.. لأنه برأيه الانسان
 لو ما قدر يدافع عن نفسه أمام ناس بهتم فيهم، مستحيل يدافع
 عن نفسه أمام ناس بكرههم.. ووصلوا بيت حماي عالعشا.. وكان
 موقف صعب.. بس محمد طمنني وقبل ما يجوا حضرت فيديو
 الضبع وصغير حمار الوحش كمان مرة.. ورجعت لي قوتي..


 واحنا عالعشا.. رمت أخته كلمة انه "شو هالأكل الزاكي؟ من أي
 مطعم هذا؟ مش مبين أكلك!".. استجمعت قوتي وتقبلت الأذى..
 ورديت لأول مرة بحياتي وقلت لها " هذا طبيخي.. إذا ما بتعرفي
 تعملي زيه.. تعالي بعلمك حبيبتي.. راح تحتاجيه لما تتزوجي"
 وأعطيتها ابتسامة زرقا... طبعا هي كانت فوق الثلاثين ومش
 متزوجة.. فكلمتي ضربتها في مقتل.. وكملت أكلها في صمت..
 ونجحت في الامتحان.. ويا الله الشعور شو كان رائع!!!

 قبل ما أرجع للدوام ومحمد يرجع لشغله.. اشترى لي محمد
 اسوارة ذهب منقوش عليها "الآن هنا".. وحكى لي، لمّا تتعرضي
 لأي إساءة شوفي الإسوارة.. وتذكري إنك لازم تردّي الآن وهنا..
 وإلّا ما راح تسامحي نفسك على جرح كرامتك..

 ورجعت من العطلة عالمدرسة بشعور رائع.. كان في رهبة.. بس
 كنت متحفزة ومستنية اي وحدة ترمي أي كلمة... ومن أول يوم
 بدأت الاعتدءات وبدأت الردود.. تغلبت أولها صح.. وصارت
 مشاكل.. بس محمد كان معلمني ما أخاف من شي نهائيا وكان
 معي يوم بيوم.. ويمكن مرّات ما كنت ألاقي الرد المناسب.. بس
 كنت أرد على أي حال.. وشوي شوي صرت محترفة ردود.. وقلّت
 الاعتداءات..

 الي سنتين وشوي متزوجة الان.. بيت حماي بعتبروني كنة
 كاسرة تمسكنت لما تمكنت.. وفي المدرسة أنا المعلمة الكاسرة
 اللي ولا معلمة بتستجري تيجي في طرفها.. ولا ولية أمر طالب
 بتحب تيجي تشوفها.. والمديرة نفسها ما بتحب تحضر لي
 حصص.. وفي العيلة.. الكل بحسب حساب يرمي لي أي كلمة بلا
 ما يسمع مكانها عشرة.. متحفّزة وجاهزة دايما للرد.. محمد هو


 الشخص الوحيد في العالم.. اللي بكون في حضرته أنثى هادية
 طيعة..

 لما بتطلع على صوري زمان.. بحس حالي غريبة عن حالي..
 العيون هاي مش عيوني.. النظرة البريئة هاي مش نظرتي... حتى
 ملامح وجهي اختلفت.. وجهي القديم كان رخو ولزج وضعيف
 ومسكين.. كأنه بلا عظم.. بس وجهي الجديد كأنه قُدّ من حجر..
 والرّوح غير الروح.. ما ظل منّي إلّا إسمي..

 بس كل هذا مش مهم.. المهم إنّو انا مبسوطة اني وقفت كثير
 ناس عند حدهم... ولسه عندي رسائل قديمة كثير لازم أرد عليها..
 وراح أرد عليها الآن وهنا.. والزمن طويل والحياة واسعة.

 تمت


لودفيچ إيرهارد (عليها السلام)


 يمكن من أصعب الأسئلة اللي بتواجه الإنسان أو بوجهها لنفسه
 بالأحرى، هو هل هو مخيّر أم مسيّر؟ هل حياته والوضع اللي
 وصله اله كان نتاج فكره واختياراته الحرّة؟ أم ضحية ظروفه
 القاهرة؟ يمكن الإجابة بالظروف بتكون ذات وقع أسهل على
 النفس، وبتريح الانسان من لوم ذاته.. لكن هل هذه هي الحقيقة؟

 أول شي بتذكره كان واحد من أكثر المواقف اللي بتحفر بذاكرة
 أي طفل.. كنت في الصف الخامس، وكان تقريبا فصل الربيع..
 وفي غمرة انتباهي مع الاستاذ وتركيزي في درس اللغة العربية،
 دق باب الصف.. انفتح الباب وشفت المدير ومعاه عمّي... وبعيون
 كلها دهشة وخوف، راقبت الحديث الهامس بين الرجال الثلاثة
 اللي غادرت على اثره غرفة الصف.. في أجزاء من الثانية، كان
 احساس مخيف بملأني انه صار شيء أكبر من الفعل والفاعل
 والمفعول به، وأكبر من حصة العربي، ويمكن أكبر من المدرسة
 كلها.. وقبل حتى ما أعرف شو صاير، كانت دموع الخوف من
 المجهول بدأت تنزل..

 وفاة والدي وأنا في الصف الخامس كانت يمكن هي عنوان
 لحياتي فيما بعد.. وحياة والدتي بالضرورة.. لكن ما كانت هي
 التغيير الوحيد.. في نفس السنة وفي الصيف، وبعد عدة مناكفات
 بين جدتي وأمي، طلعنا من الشقة في بناية سيدي، وانتقلت أنا
 وأمي للعيش في بيت جديد.. لكن في نفس المخيم..

 بيت مكون من غرفتين وصالة صغيرة مع سطح واسع.. في
 إحدى الشرايين المتعرجة اللي بتشكل مخيم الوحدات..


 طبعا اليتم والفقر والترمل وغياب المعيل والمعين هي أسباب
 كافية لجعل أي حياة مثل حياتنا شيء تعيس.. ومادة خصبة لأي
 رواية بتتحدث عن حياة المهمشين.. لكن واقع حياتنا كان
 مختلف تماما.. والفضل كله بعود للسيدة العظيمة اللي تربيت
 وتتلمذت على أيديها..

 بعد ما انتهى مسلسل الترحيل لأثاثنا البسيط، ورتبنا بيتنا الجديد
 المتواضع، جلست أمي معي، وبكل حكمة وهدوء فهمتني انها
 اشترت هذا البيت عشاني وعشانها.. وانه ما راح نرجع على البيت
 القديم، بس راح نشوف سيدي وستي وأعمامي.. وانه ما النا غير
 بعض، وانه احنا بحاجة نشتغل عشان ما نستنى فلوس من أي
 حد.. وانه الشغل مش عيب ولا هو شيء سيء.. على العكس،
 متعة الحياة هي في العمل والاجتهاد.. وهذا هو اللي بعطي
 الانسان قيمته.. وهاي كانت المقدمة عشان تخبرني انها راح تبدأ
 تشتغل في لجنة زكاة المخيم.. وأبدأ أنا كمان في العمل..

 أمي ما كانت امرأة متعلمة تعليم عالي، كانت مخلصة للصف
 العاشر بس، وكانوا بسموه على زمانها "المترك"، لكن كانت ذكية
 بالفطرة.. وأسلوبها في الحياة عموما، ومعي خصوصا كان بتسم
 بالمرح والذكاء.. ومقنع تماما..

 بدأت أمي شغلها مع لجنة الزكاة، ومعه علمتني اني أنا وإياها لازم
 نصير تجار.. وأصحاب مشاريع صغيرة.. وفهمتني انه هذا ذكاء
 وتميز.. وأنها من زمان كان نفسها تعمل هيك، بس الوالد الله
 يرحمه كان معارض..

 زبطنا السطح عنا، وعملنا بيت "خم" دجاج.. وجبنا فيه 4


 دجاجات وديك كانوا رفاق طفولتي.. وكنت أنا مسؤول عنهم..
 ومعهم، ما كنا أبدا نشتري بيض من الدكان.. ومع شوية تشجيع
 من أمي، بدأت أبيع حلاوة سميد وهريسة كانت امي تعملهم في
 البيت..

 في البداية كان الموضوع محرج ومخجل، لكن فرحة أمي بالمبالغ
 البسيطة اللي أجيبها كان يشجعني ويحمسني إنّي أشتغل أكثر
 وأصير منتج أكثر وما أخجل أبدا..

 ومشيت حياتنا على هذا المنوال، وكل شوي نضيف نشاط
 جديد.. صرنا نزرع البقدونس والفلفل والبصل والنعنع في تنك
 على سطح البيت.. وكثروا الدجاجات.. والبيض اللي يزيد عن
 حاجتنا كنت أنزل أبيعه في سوق النادي..

 وبالإضافة لهيك، كانت في مواسم البندورة تشتري كميات
 كبيرة.. تعصرها وتعملها رب بندورة عشان نستخدمها لأيام الغلا..
 وفي مواسم الخيار والجزر.. كانت تشتري كميات كبيرة، ونخللها
 سوا في برميل كبير ونبيعها للسوبر ماركت اللي في شارع
 الثلاثين.. وطبعا الخبز واللبن واللبنة والجبنة والمخللات
 والمربى.. كانت كلها صناعة منزلية..

 كانت تدابير بسيطة، ما عملتنا أغنياء، بس مع راتب اللجنة
 البسيط، كانت كافية انها تساعدنا نمشي بحياتنا.. وكنا فعلا
 سعداء.. وبرغم انه الفلوس كانت عالقد، عمري ما حسيت انه
 ناقصنا شي، أو احتجنا نتداين من انسان.. على العكس، كان دائماً
 في فلوس شوي زيادة.. والجمعيات اللي كانت أمي تدخلها..
 كانت ما تخلص..


 بس بعيدا عن هاي التدابير، كان أهم شي نجحت فيه أمي هو
 انها ما خلقت عندي ولا عندها بالضرورة، عقدة الفقراء في الحقد
 على الأغنياء أو تمني ما عندهم، والشعور الدائم بانعدام
 المساواة..

 كانت دايما تحكي لي انه نقص الدخل حقيقة ثابتة، لكن الفقر
 مجرد شعور اختياري.. وانه الفقراء بغضبهم وحقدهم هم بخلوا
 حياتهم أسوأ بخياراتهم الشخصية، يعني الفقير من وجهة نظرها
 مش لأنه فقير لازم يكون بيته وسخ، أو ملابسه قذرة.. أو أخلاقه
 سيئة.. ولا بالضرورة لازم يكون غاضب وناقم.. وإنه لو قدر
 يخرج من وهم الغضب والخوف اللي هو فيه، ويدخل في مظلة
 العمل والقناعة، ممكن كثير يقدر يستمتع بحياته بأبسط الأشياء..
 وأنها من خلال خبرتها في الحياة والعمل، اكتشفت انه الانسان
 دائما بتهيأ له انه بحتاج فلوس أكثر ما هو فعليا بحتاج.. وفي
 أشياء كثير ممكن يعملها بدل ما يشتريها.. والفلوس هون بتكون
 كسل وأنانية مش أكثر..

 وأنها كثير حاولت تحكي هذا الكلام للعائلات اللي بتتعامل معهم
 في لجنة الزكاة، بس ما حدا بسمع..

 كمثال، كان بيتنا -على تواضعه وتواضع أثاثه- جميل، ومرتب
 ونظيف.. ودائما نظيف وريحته حلوة.. وكانت صاحبة ذائقة
 فنية.. كل ما تشوف شي يعجبها في بيت من اللي في
 المسلسلات المصرية تحاول تعمله عنا في البيت.. كان عنا تحف
 مثلا.. وتحف حلوة كانت تتعب وهي تدور عليها في أسواق
 المستعمل، وتجيبها بأقل الأسعار.. وكان عنا شجر زينة في
 البيت.. ومن إحدى الجمعيات اشترت لنا مكتبة وحطيناها في


 الصالون...

 وكبرت، وكانت هاي هي الطريقة اللي تربيت ونشأت عليها، واللي
 ما بتعتمد بشكل أساسي على وجود النقود، بل على العمل
 والجهد وصناعة الأشياء.. كان كأنه اقتصاد غير نقدي.. يعني في
 بيتنا، على تواضعه.. كنا قليل جداً ما نحتاج نشتري شي... كنا
 بنحتاج الفلوس بس عشان الملابس.. او المواصلات.. وكانت أمي
 دايما تحكي.. انه الانسان بطبعه قوي ومتفائل وشغيل، وما
 بكسره إلا الجهل والمرض.. وهذا هو الفقر الحقيقي، بس
 باستثناء العلاج والتعليم، كل الناس بخير..

 في الجامعة طلع لي اقتصاد.. وبدأت دراسة، . طبعا الجامعة
 كانت غير تماما عن المخيم، خصوصا كلية التجارة.. لكن تهيئتي
 النفسية أبدا ما خلتني أتأثر بالتفاوت الطبقي.. أو أشعر بأي
 مركب نقص.. موضوع الفلوس نفسه.. بحياته ما عمل لي
 مشكلة..

 في الجامعة درست كل تاريخ الاقتصاد.. الكلاسيكي والحر
 ونظريات آدم سميث وكينز وكارل ماركس والاقتصاد الإسلامي
 وغيرهم..

 وما قدرت أوافق على أي نظرية فيهم بدون تحفظ.. كانت كل
 النظريات موجهة لمصلحة الرأسماليين.. وكلها باستثناء الاقتصاد
 الإسلامي - إلى حد ما - كانت بتركز على فكرة النقد والفائدة
 كأسس للاقتصاد.. وبتعتمد على الربح كقيمة عليا عند الإنسان..
 على حساب العمل والإنتاج..

 الصيغة اللي كانت بتوافق تطلعاتي وآرائي والتربية اللي تربيت


 عليها لقيتها عند الاقتصادي الألماني لودفيچ إيرهارد.. نظرياته
 كانت واقعية وعادلة، وتحابي الفقراء ومتوسطي الدخل.. فكرة
 اقتصاد السوق الاجتماعي القائمة على تأمين التعليم والعلاج
 المجاني للجميع مع فتح باب المنافسة الحرة للجميع، كانت
 تجسيد لكل شيء آمنت فيه وعلمتني إياه أمي.. وهذا دفعني
 أحكي لها.. أنت لودفيچ ايرهارد الشرق..

 خلصت بكالوريوس، وطموحي كان أكمل الماجستير وأعمل
 رسالة حول نظرية اقتصادية بتدمج كل شي بفكر فيه.. من
 نظريات لودفيچ ايرهارد حول العدالة الاجتماعية ونظرياتي
 الشخصية حول الفقر والاقتصاد غير النقدي وفكرة الملكية
 الخاصة الموجودة وغير الموجودة في الإسلام..

 لكن الوالدة حبت إني أتزوج وتشوف لي أولاد.. وفعلا، بعد
 التخرج اشتغلت في شركة شحن في عمّان، وبدأت مشوار
 التوفير عشان الزواج.. بعد سنتين كنت أنا وفداء (فتاة بسيطة
 من محيطنا ومن ثوبنا، اختارت لي اياها أمي) زوجين سعيدين
 عايشين مع أمي..

 حملت فداء.. وفي اللحظة اللي تأكد فيها حملها.. بدأت أمي
 حملة محمومة للتحضير للطفل القادم.. كانت كأنها هي اللي بدها
 تولد.. كانت تدلل فداء دلال غير طبيعي.. وتمنعها تعمل أي جهد..
 وأجبرتني أبدأ أجيب سرير للطفل وأحضر له خزانة، وعرباية
 حتى.. وصارت بدها تتخلص من الدجاج والحمام عشان ما يأثر
 على الطفل..

 مشاعرها العميقة والمفاجئة تجاه الطفل القادم عكست لي


 حرمان قديم كان في نفسها تجاه الأطفال.. وكشفت لي "جدتي
 لأبوي" في إحدى الزيارات، انه إمي كان عندها مشكلة في ثبات
 الجنين.. واني أنا الوحيد اللي كملت مشواري بين ستة أجنة
 حملت فيهم..

 وشاء الله انه فداء يكون عندها نفس مشكلة إمي.. أجهضت
 ثلاثة مرّات.. وفي كل مرة كانت أمي اللي عمره ما هزها شي..
 تفقد أعصابها وتنهار وتلوم علي وتطلب مني أشوف أطباء
 أحسن.. وفي الحمل الرابع، تعاملنا مع أحسن دكتورة نسائية
 وتوليد.. وتكلفة إبر التثبيت كانت عالية، لكن عشان "أمل"
 وعشان إمّي كان كل شي بهون.. واقتربت بنتي أمل من الشهر
 السابع كجنين..

 في هديك الأيام.. ومع قلق أمي المتزايد.. وصحة فداء اللي على
 المحك، وأزمتي المالية اللي سببتها أجور الأطباء، كان الهدوء
 اللي ميز كل حياتنا اختفى.. صار عنا قلق وخوف الفقراء اللي
 دائماً كنا بعاد عنّه.. كنت بستدين لأول مرة في حياتي.. وصرت
 عصبي أكثر.. وبسهر أكثر.. وبفكر أكثر وبقارن أكثر.. وبحسب
 اللي في محفظتي أكثر.. كان الخوف والغضب اللي ياما أمي
 حكت عنه مستوطن بداخلي.. خوف من المستقبل والمجهول..
 خوف الفقراء..

 رتبت جمعية لولادة فداء بتستحق في الشهر الثامن.. لكن أمل
 كانت أسرع.. ولدت بشكل مفاجئ في الشهر السابع، وطبيعي
 كانت تدخل الخداج..

 عملية الولادة كلفت ٨٠٠ دينار تقريبا.. وبدأ عدّاد الخداج يعدّ..


 كان عندها مشكلة في عدم انتظام دقات القلب بسبب عدم
 اكتمال أنسجة القلب.. كنت بين المطرقة والسندان.. بين حالة
 البنت الصحية واللي اجت بعد انتظار.. وبين تكاليف العلاج اللي
 بتزيد يوم عن يوم في المستشفى اللي اضطرينا نروح عليه
 عشان الدكتورة..

 كل ليلة كانت ليلة عذاب فعلي.. انا وفداء نتناوب عند الصغيرة،
 وإمي تظل معها من الصبح لليل.. بس بتدعي وبتصلي لسلامتها..

 بعد أسبوعين، كنت عارف اني ما راح أقدر أدفع تكاليف
 المستشفى أكثر من هيك.. وما كان في أي شاغر عشان أنقلها
 عالبشير.. وقررت أترك الأمور لربي وأهتم بس بسلامة البنت اللي
 تحت الأجهزة.. كانت الدنيا قاسية وباردة وحقيرة.. وأنا كنت في
 منتهى الضعف والذل.. وتحت رحمة أي شيء.. وكل شيء..

 كنت مجرد رجل فقير..

 في الأسبوع الثالث من الخداج، وفي ليلة باردة توفت أمل.. ما
 تحمل قلبها الضعيف جهد البقاء على قيد الحياة.. في تلك
 اللحظة كانت مشاعري مختلطة ومؤلمة.. لكن ألمي كأب وكزوج
 كان لا يقارن بألمي على أمي اللي انتظرت هاي البنت من كل
 قلبها.. وكأنها بنتها.. أمي يومها ما بكت.. كانوا عيونها مثل
 الجمر.. والدموع محبوسة فيها.. لكن ما بكت.. كانت بس تحمد
 الله وتسترجع..

 المأساة الحقيقية كانت انه المستشفى احتجزوا جثة الصغيرة
 لحين تسديد المبلغ.. اللي وصل لحوالي 2000 دينار، غير أجور
 الولادة..


 مع كل المشاكل اللي عملتها معهم ومحاولاتي لأخذ بنتي بالقوة
 وبكاء أمي المرّ إلا انهم ما أفرجوا عن جثمان البنت الا بعد
 يومين.. لما دفعت لهم ١٧٠٠ دينار وقسطنا الباقي..

 كانت الحجة انه المستشفى مؤسسة استثمارية، ودفع فيها
 الملايين، ومن حقهم ضمان فلوسهم.. وانه ممكن يتبرعوا من حر
 مالهم، لكن مش من عوائد المستشفى..

 يوم الدفن، أمي ما رضيت حدا غريب يجي عالمقبرة.. دفنت أمل
 بإيديها.. حضنتها أكثر من ساعتين عشان تدفى ويروح برد
 الثلاجة.. وغنت لها أغاني الأطفال لما بدهم أمهم تنيمهم وقرأت
 عليها ما شاء الله أن تقرأ من القرآن ودفنتها..

 بعد وفاة أمل بعدة أيام أمي كانت شخص ثاني تماما.. شالت كل
 الدجاج والحمام وطيرت العصافير.. وتركت شغلها نهائيا.. كانت
 بس تجلس على السطح وتتطلع في المجهول.. حاولت قدر
 الإمكان أخفف عنها بدون فايدة.. وفي أول رمضان توفت على
 سريرها وهي نايمة..

 يمكن مشيئة ربّنا هي اللي أخذت روح أمل.. لكن أنا واثق انه
 خوف وقهر الفقراء اللي أمي عاشت عمرها تحاول تقضي عليه
 هو اللي قتلها.. كانت فكرة انه تروح من المستشفى ومش قادرة
 توخذ معها جثمان حفيدتها أكبر من احتمالها.. عاشت عمرها تهزم
 الفقر واقعا وفكرا.. لكن في اللحظات الأخيرة من حياتها هزمها..

 لكن أنا ما انهزمت.. والروح اللي تركتها في ما راح تموت.. راح
 تحمل فداء وراح تجيب أمل وراح تعيش أمل.. وراح أكمل


 ماجستير وأعمل رسالتي.. وراح أهديها لروح لودفيچ ايرهارد
 الشرق.. عليها من قلبي السلام..

 تمت

 ملاحظات؛


  - مبني على وقائع حقيقية
  - لودفيج ايرهارد هو أول وزير اقتصاد في ألمانيا الغربية بعد
 الحرب.. ساهمت سياساته في اقتصاد السوق الاجتماعي القائمة
 على العدالة الاجتماعية في نهوض ألمانيا وتحويلها من بلد
 مدمّرة إلى أقوى اقتصادات العالم في أقل من 20 عاما فيما عرف
 بالمعجزة الاقتصادية..


الطّيْف..


 -1-

 حبّيته وأنا سنة ثانية جامعة.. آخر الفصل الأول.. في هاي الفترة
 من الشتا اللي بكون فيها غشاء القلب أرقّ ما يمكن.. وطائر الروح
 أرقّ ما يمكن.. بتهيأ لي كل قصص الحب العظيمة بدأت في
 الشتا.. ما بتخيل في حب ببدأ في الصيف.. الحب برعم أخضر
 سحري.. بده مطر وبده برد.. وبده هاي الخفّة في الرّوح اللي ما
 بتيجي إلّا في الشتا.. وخصوصا بعد العصر أو في الليل.. لما
 الانسان يحس حاله أضعف من ريشة.. ويكون القلب في منتهى
 الوحدة..

 التقينا بالصدفة.. كان أكبر منّي ب ثلاث سنين.. متخرّج جديد
 وشغله على قده.. مش جميل زي أغلفة المجلّات ومش غني زي
 أمراء الحكايات.. ما معه إلّا أحلامه وإيديه اللي راح تبني أحلامه
 زي ما كان يحكي.. بس بتعرفي ؟ كان في شيء خلّاني أحبّه..
 كان بسيط وممتدّ مثل حقول القمح.. كان بتكلّم بهدوء ويصمت
 كثير.. ومعظم كلامه بعيونه.. ضحكه تبسّم.. وشروده تفكير..
 وربّنا معطيه حكمة يشوف بواطن الأشياء ويتكلّم بجوامع الكلم..

 وعشت معه سنة بس أتعرف عليه.. وأغرق شوي شوي في
 مجاهيل حبّه.. وأكتشف شخصيته زي كأني بمشي في غابة
 مقدسة أو بفتح كتاب سحري قديم.. كان شي تاني..

 وبعد سنة بالزبط من موعدنا الأول وتحت نفس المطر وعند
 نفس الشجرة قال لي انهم جايين يخطبوني..


 ما حدا يومها كان فرحان مثلي.. مين كليوباترا ؟ مين بلقيس؟
 مين ماري أنطوانيت!؟ كنت أنا ملكة الكون وسيّدته.. ودخل بيتنا
 كأنه السيف اليماني.. غمامة ملائكية على شكل رجل.. راسي رسوّ
 الجبل.. فيه حزن وجلال نبي.. شديد كخيط حرير، مضيء مثل
 صلاة الصبح ورقيق مثل المطر.. كان لابس قميص خمري
 وبنطلون أبيض، ومع وجهه الشاب وحكمة عيونه اللي عمرها ألف
 سنة كان كأنه سيدّنا الخَضِرْ دخل بيتنا..

 وخطبني.. وكتبنا الكتاب ولحظة توقيع العقد كانت عندي أهم
 من فتح القسطنطينية وأهم من إعلان الاستقلال.. كان توقيعي
 على الوثيقة بمثابة توقيع عقد مع الجنّة.. وزغاريد الفرح اللي
 طلعت من بيتنا كانت مقدسة مثل تكبيرات العيد.. ومع أنها كانت
 شتا ومطر.. إلّا اني كنت متأكدة انه حتى حمام مكة طار واجا
 يرفرف عند بيتنا..

 وبدأت خطبتنا.... كنا نطلع كل أسبوع مرة أو مرتين تقريبا،
 ويسهر عنا مرات.. بس نطلع، نروح نتمشى في شوارع جبل عمّان
 القديمة.. ونوكل بطاطا وذرة.. كان بسيط جدّا.. وعميق جدّا.. كان
 يعرف شو بدي قبل ما أحكي.. ويعرف كيف يخلّيني أحكي كل
 شي بقلبي بدون خوف أو عقد أو خجل.. كنت معه أشجع من ما
 أكون لحالي.. وكان عنده قدرة يبسّط الأشياء بحيث ما تبين
 عيوب.. ما كنت أخاف من وزني أو طولي أو شكل أنفي.. كنت
 ملكة متوجة على كل النساء من الصين إلى المغرب..

 ولمّا كان يسهر عنا في البيت، كنت أنبسط أكثر.. كنت أحسه
 أقرب إلي.. وكنت أراقبه كيف يتدفى عند الصوبّا.. وكيف يقشّر


 كستنا وكيف يقحمش خبز مع زيت وملح.، كان يحب الزيت
 والملح.. وكانت قعدات البيت عنا بروڤا للحياة اللي بدي أعيشها
 في كنف هذا الخضر العظيم..

 أول ما تخرجت تزوجنا.. وسكننا في هذا البيت... رحنا مصر
 بشهر العسل.. كل أيامي معه كانت عسل.. 14 سنة كانوا هم كل
 عمري.. شو بدي أقول لك لأقول لك؟

 لا تحكي هيك.. ولا تصدقي شو بحكوا لك الناس.. قاسم بعده
 عايش معي.. بنفطر سوا كل يوم وبنشرب قهوة سوا.. وبنلقط
 الورد سوا.. قاسم لسه معي.. وأنا أكيد معه..

 -2-

 شو بدي أقول لك عنه يا خالتو؟ أنا عارفة شو أقول! الله يرحمه
 بس.. من يوم ما ولدته لقاسم وهو برَكِة فوق بركة.. من وهو
 صغير وهو حنون حنون عالجميع.. والله في هالأرض كلها ما كان
 في متله ولا في قلب أبيض متل قلبه..

 الله يرحمه قد ما كان باسطني ومهنيني.. من ما وعي عالدنيا ما
 عمره قال لي لأ.. دون عن كل إخوانه.. وبس كبر واشتغل بعمره
 ما نقص علي أو على أبوه أو اخوانه شي.. كان يزعل ينجن لو
 عرف انه ناقصني شي وما حكيت له.. ومش بس لاهله، لكل
 الناس والله..

 ايده كانت دايما مفتوحة للخير واللي في جيبته مش إله! وكنت
 دايما أقول له.. يا ماما خلي معك شوية فلوس.. كتير هيك..
 يقول لي يا إمي هاي فلوس ربّنا، احنا بس المهم نساعد الناس..


 وان شاء الله ربنا يتقبل.. وين بدي ألاقي مثله ابني هاد يا
 خالتو!؟ وين!؟

 ما كان في حدا ما بحبه.. طوب الأرض بكي عليه.. الله يرحمه
 ويتقبل منه.. ويصبرنا على فراقه.. آخ بس آخ.. برجع الواحد
 وبقول هاي إرادة ربّنا.. شو بدنا نعمل؟..

 -3-

 بقولوا الموت ما فيه شماتة، وما بتجوز عالميت إلا الرحمة، بس
 مش قادرة أدعي له بالرحمة.. قلبي مش مطاوعني..

 من أول ما دخل بيتنا وخطب أختي وأنا عرفت من عيونه إنه
 مش مزبوط.. كان في شي ثعلبي في نظراته.. اشي بنحسّ ما
 بنقال..

 كنت كثير ألمحه بتطلع علي بطريقة غلط.. وقلت يمكن هاي
 شكوك وهواجس بس.. وبلاش أحكي لحدا يقولوا هاي غيرانة من
 أختها عشان هي لسه ما تزوجت.. بس الأيام أثبتت إنها لا شكوك
 ولا هواجس..

 من بعد ما تزوجوا بثلاث شهور يمكن، استغل أول فرصة كنا فيها
 لحالنا وتحرش في على شكل مزح.. بس ما كان مزح!! نهرته
 طبعا.. بس كان ذكي وعارف انه ما راح أحكي لأختي شي.. فصار
 يستغل أي فرصة نكون لحالنا عشان يتحرش في.. مفكر يعني
 عشان ما تزوجت إنّي رخيصة.. والمشكلة كل الناس مخدوعين
 فيه! وأولهم أختي..


 لا طبعا ما قدرت أحكي لها! عبث كان أحكي لها.. كانت مستحيل
 تصدق!! ولا حدا أصلا راح يصدق! كانت راح تطلع إنّي مكيودة
 وغيرانة وبتبلّى عليه!! كل الناس بحبّوه كانوا.. ولو صدّقوا
 وكشفته؟ شو كان راح يصير!؟ كنت راح أخرب بيتها بس..
 فاختصرت الموضوع وتجاهلته قدر الإمكان.. الله يصطفل فيه..

 بس والله ما حارق قلبي إلا أختي وولادها.. خصوصا البنات،
 حارقين قلبي حبيباتي.. كثير زعلانين عليه..

 -4-

 بداية، الله يرحمه ويغفر له ويجعل مثواه الجنة.. رحيل أبو طارق
 كان فعلا خسارة كبيرة إلنا للشركة ولأصدقاءه وعائلته أكيد.. أنا
 ومجلس الإدارة وكل الموظفين مصدومين تماما.. ومش قادرين
 نصدق..

 ما بدي أحكي عن نزاهته وأمانته وتفانيه في عمله لأنه هذا
 واضح للجميع وما بحتاج شهادة.. والنمو والأرباح اللي حققها
 للشركة في فترة إدارته كانت مضرب المثل.. لكن قبل هذا كله،
 فأبو طارق من لمّا دخل الشركة لآخر يوم فيها وكان أخ وصديق
 للجميع.. الصغير قبل الكبير..

 لا يعوض حقيقة.. لا يعوض.. لكن هذا حال الدنيا.. الله يرحمه..

 -5-

 لشو جاي تفتحي جروحي يا خالتو انت؟ شو بدك أقول لك؟! بشو
 بفيد الحكي هلأ ؟!


 طيب راح أقول لك.. وأنشري ما تنشري ما بهمني.. توخدي لك
 سيجارة؟

 علاقتي فيه قديمة.. هي كل حياتي أصلا..

 ما بتذكر أي شي قبله.. من أول سنة في الجامعة واحنا سوا..

 طبعا قبل ولاء.. ولاء عرفها متأخر.. أنا حبه الأول والأخير.. هي
 حيا الله مرته..

 لا لا.. هلأ هم بقولوا انه العشيقة دايما بتكره الزوجة.. بس وحياة
 قهوتي اللي عمري ما حلفت فيها كزب إنه أنا عمري ما كرهتها
 لولاء.. بالعكس.. كنت أنبسط انها باسطيته..

 مع إنّه أنا عرفته قبلها وكان لازم أنا أكون مرته.. بس برضه ما
 كرهتها..

 قاسم استغلني.. واحنا الاثنين عارفين هذا الكلام.. بحبني بس
 استغلني.. وأنا كمان استغليته يمكن ما بعرف.. بس هو كان عنده
 شغلة غريبة.. كان وقح وعارف انه وقح بس يبين انه ما عمل
 شي.. يعني قبل ما يخطبها اجا قال لي.. بدي أخطبها.. قال هي
 رومانسية كثير وهو هيك بحب.. وما بتوجع راسه.. بعكسي أنا..
 مزاجية ومجنونة.. زي ما بقول..

 هاد سؤال كبير.. قال لي وقتها لو تزوجتك راح أكرهك.. وراح
 أطلقك.. وعشان نضل سوا.. لازم تكوني حبيبتي وبس.. بس
 هيك أحسن أضل حبيبة بس..

 لا ما سكتت له طبعا!! أرغيت وأزبدت وهددت ولعنت.. بس


 عالفاضي.. ما قدرت أتركه.. كنت بحبه ولهلأ بحبه ولبكره راح
 أحبه.. في شباب هيك.. انت يمكن صغيرة ومش فاهمة.. بس في
 شباب أنانيين.. بحبك بس ما بده يتزوجك.. ولا بده إياك تروحي
 منه بنفس الوقت.. وبكون عارف أديش بتحبيه.. وبستغلك وانت
 راضية..

 أكيد مش منطق.. ليش هو الحب أصلا فيه منطق!؟

 شوفي أقول لك.. بتمر عالوحدة فترة.. بتقدر فيها تتزوج.. حتى
 لو من حدا تاني غير اللي بتحبه.. بس بعد التلاتين خلص.. ما
 بتقدر.. نفسيا ما بتقدر.. القلب بتعب مهو.. كم مرة بده يحب
 القلب فكرك!؟

 وأنا كنت مرتاحة بالصيغة اللي وصلت لها معه.. كنت سكرتيرته
 وحبيبته وكل شي.. زوجة ثانية تقريبا كنت.. بس مش تحت
 مظلة القانون.. وهو كان كتير كريم معي وبحبني.. وبس أزعل
 أزعل.. يوخدني معه في سفرة من سفراته ويراضيني.. وهاد كان
 نصيبي وأنا رضيت فيه...

 مش عارفة.. بس يعني.. مش عارفة.. هو أنا قدام الموت شو
 ممكن أعمل؟ وكمان ضروري دايما نكون منتصرين وسعيدين في
 الحياة؟! ممكن ننهزم مرات.. في ناس بنهزموا بهاي المعركة اللي
 اسمها الحياة..

 لا مو ندمانة.. عشت معه أحلى سنين عمري.. وهاد بكفي.. أخدت
 نصيبي من السعادة.. كمان هو راح بس القهوة ما راحت.. قهوتي
 لسه معي..


 الله يسلمك حبيبتي.. ما شربت قهوتك..

 -6-

 والله يا أختاه، إنا لفراق هذا الرجل الصالح لمحزونون.. لكن
 عزاءنا أن هذا أمر الله.. "لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون"..

 أعرفه منذ جاء إلى هذا الحي.. قبل أربعة عشر عاما تقريبا
 قضاها هذا الرجل في حيّنا، كان فيها مثالا للمؤمن الحقيقي
 المدافع عن دينه وأمته.. المساعد الصامت لإخوته في الإسلام..

 لا.. كانت مشاغله تمنعه وأنا أجد له عذرا في ذلك.. لكنه كان معنا
 في كل جمعة.. وكان في كل رمضان، يأتي إلي ويسألني عن
 المحتاجين من أهل الله.. يساعد هذا ويعلم هذا ويقضي دين
 هذا.. ويصر تمام الإصرارأن لا يعرفه أحد.. وأن يبقى هذا الأمر
 بيني وبينه وبين الله.. كان رجلا نادرا يا ابنتي.. قل أن يجود
 الزمان بمثله..

 رحمه الله وتقبل منه وندعو الله أن يسكنه فسيح جنانه..

 -7-

 أكيد كل الجيران مدحوا لك فيه.. صح!؟ ما أنا عارفة! شوفي
 أقول لك.. ما بتسجلي انت صح!؟

 منيح.. هذا أبو طارق اللي الكل بحلف بحياته كان أوسخ واحد
 عنا في الحارة.. لا تتفاجئي ولا على بالك! سيبك من اللي بقولوه
 الناس عنه!! هذا كلب مخبى بقشوره!! بس كان عنده طريقة


 يخدع الناس ما بعرف كيف!!.

 بوجهين كان!! جوزي لو تسأليه عنه ليقول لك هذا إمام الحرم..
 بس أنا اللي بعرف وساخته.. وخداع وغشاش كمان.. ووقح
 لدرجة ما تتخيليها..

 لا، ما بقدر أقول لك تفاصيل..

 أكيد.. لسانه أقوى شي فيه كان.. ولا شو خلاه.. أنا عارفة.. الله
 يغفر للجميع بس..

 ما أنا قلت لك لأ!! على فكرة انت وحدة وقحة! بتعرفي
 هالحكي!؟ اطلعي بره! ما بدي أشارك معك بشي! خلص اللي
 عندي قلته!! أصلا مش مضطرة أقول لك شي أنا!! وأشطبي كل
 شي قلته!

 ما عصبت ولا شي.. مش شغلك.. اطلعي بره لو سمحت!!

 -8-

 والله يا اختي، احنا الناس المسخمطين ما حدا متطلع علينا.. لا
 حكومة ولا وكالة ولا همّ.. والله لولاه كان علينا الله يرحمه ولا
 هالولاد ولا عمرهم تعلموا.. من وين كنت بدي أجيب؟ ما انت
 شايفة الحياة والغلا!؟

 الله يرحمك يا ابن خالتي.. والله انه نعم القريب.. وبقول لك
 القرايب عقارب.. لا والله ما هم عقارب!! الله يرحمك يا ابن
 خالي.. بس.. الله يرحمك..


 -9-

 يا زلمة هذا أبو طارق ما حدا بعرفه قدّي! من أول يوم دخل فيه
 الشركة وكان مسؤول بس يأمن سيارات وأنا عارف انه غويط..

 بس كان جدع! غير الموظفين كلهم!! أخطبوط كان!! كان يعرف
 يحكي ويصاحب الناس كثير!! كنت تقعد معه تحسه إنه أخوك..
 ولا كيف ترقى لمسك الشركة كلها؟ شاطر كان..

 والله أنا عمري ما شفت شي.. الزلمة في دار الحق صار.. عيب
 الواحد يكذب يعني.. كانوا بحكوا انه السكرتيرة كانت تحبّه.. بس
 أنا ما شفت شي..

 شوف! أنا محاسب هون من 12 سنة.. عالورق، ما حدا بقدر
 يحكي عليه كلمة.. بس أنا يعني كمحاسب شبه متأكد إنه كان
 يطلع.. بس مش زي هالمدراء الغشما.، لا.. كان حويط.. وما بخبط
 إلا خبطات ماكنة!! تأمين كارفور مصر متذكره؟! آه يوم ما
 المصريين سرقوه في الثورة، مهو كانوا مأمنين عنا ولا شو!؟

 في خبطة كارفور أنا متأكد إنه طلع له فيها كثير.. لأنه بنفسه كان
 ماسك الملف.. ما حدا اشتغل فيه غيره!! وقال لي بشير إبن
 عمتي.. بشتغل في البنك العربي مهو، قال لي بعدها بشهرين
 يمكن انه أبو طارق حط في حسابه ٩٠٠ ألف.. بلوة كان!! وكان
 يشتغل في البنوك والتمويل كمان! أخطبوط بقول لك!!

 -10-

 مش انت حكيتي مع أبوي وقال لك إنه كان قريبنا الواو والروعة


 وكل شي؟ شو بدك مني؟!

 شوفي.. ما راح أحكي شي عنه.. بس بدي أقول لك انه الأغنياء
 ما بعطوا شي ببلاش.. بعطوك فلوس صح.. بس هادا لأنها أرخص
 شي عندهم.. بس مقابلها بوخدوا أغلى شي عندك!!

 فشر!!.. ما لمس شعرة مني!! خلص، غطّ على قلبي ما بدي أكمل!!
 لو سمحتِ خلص!!

 -11-

 أهلا وسهلا.. تفضلي.. شرفتيني..

 لا لا لا.. ما بقدر أحكي إنه أبو طارق هو مريضي، لأ.. أبو طارق
 صديق عمري.. من أيام المدرسة واحنا أصدقاء.. خلصنا توجيهي
 من الشاملة سوا.. ما انقطعنا إلا فترة الجامعة كوني درست
 بمصر.. لكن أصدقاء من فترة طويلة.. وبيننا زيارات عائلية..
 وزوجتي صديقة زوجته وأولادنا أصدقاء.. صداقة كبيرة..

 في الحقيقة، كطبيب نفسي، لا يمكنني نشر أسرار مرضاي..
 ناهيك عن أصدقائي.. لكن كون البحث مبهم ولأغراض علمية..
 فممكن أتفق معك في الجزئية اللي انت وصلتي لها، مع اختلاف
 التفسير..

 شوفي، أبو طارق عاش طفولة صعبة.. وأهله كانوا من أفقر
 الناس.. طبعا حاليا هم غير، لكن طفولته كانت صعبة.. وتكلم
 عندي هون في العيادة عن ذكريات مريرة في طفولته.. تعرض
 لانتهاكات عديدة زمان وأكيد تركت أثرها فيه.. بس ما كان يبرز


 أي ضعف.. ونتيجة عمله المكثف وعلاقاته الاجتماعية الواسعة..
 كان عنده نوع من إدمان

 الإدمان.. كان لازم يكون مدمن على شي!! كان من داخله كرة
 كبيرة من التوتّر.. فالادمان كان بريحه.. بس من بره ما ببين شي..

 شوفي أحكي لك يا نجوى.. في نظريتين أنا بعرفهم لتفسير أمور
 مثل هاي.. النظرية الأولى أنا بسميها التفكير الخطي.. بمعنى إنه
 عقلك ما بستوعب التناقضات هاي.. بتميل إنك تغلب وجهة نظر
 واحدة تجاه إنسان وتثبت عليها.. يا إنسان خيّر يا إنسان شرير..
 فإن اخترت أن يكون خيّر فسقطاته هفوات.. وإن اخترت أن
 يكون شرير ففضائله تمثيل.. ما بتقتنع إنه الإنسان بحمل
 الوجهين.. وهذا موجود فينا بشكل كبير.. وأتوقع نهجنا التعليمي
 ساهم إلى حد ما في هذا التفكير..

 يعني أطرح لك مثال بسيط.. حسان بن ثابت كان شاعر الرسول
 (ص).. وهو شخصية محترمة لدى المتدينين.. لكن بتعرفي انه
 كان ممن خاضوا في حادثة الإفك لكلامه عن السيدة عائشة
 وطبق عليه الحد؟ فهل هو خيّر أم شرير؟! هذا السؤال تجيب
 عليه النظرية الثانية..

 النظرية الثانية هي ما بسمّيه أنا، نظرية الطيف.. نحن طيف
 متداخل من الخير والشر.. وليس لنا وجه واحد.. يعني شخصية
 مثل أبو طارق ممكن نسميها شخصية مكعّبة، ذات عدة أوجه..
 مكعب كروي لو صح التعبير.. لا يمتلك ستة وجوه فقط.. لكن
 عدد لا نهائي من الوجوه كلهم أبو طارق.. وقلب هذه الكرة هو
 شيء مختلف أيضا، إنت ما بتعرفيه.. هذا هو الإنسان.. طيف..


 والتناقضات هاي هي عير متناقضة في الحقيقة.. هي الألوان
 المختلفة اللي بتشكل الطيف..

 أكيد.. في هاي الحالة راح يكون صعب عليك تشكلي عن هذا
 الإنسان وجهة نظر خطية.. لكن يمكن مش ضروري تشكليها..
 لازم كل إنسان نحكم عليه ونصنفه ونعطيه تقييم؟!؟ مش شرط..
 ممكن نقبل وجوده وبس..

 ولو.. لا شكر على واجب يا نجوى.. أنا طبيب، وقسمي الطبي
 بحتم علي مساعدة أي طالب علم في بحثه.. خصوصا لو كانت
 بنت شطورة وأمورة ومميزة مثلك.. وأنا كلي ثقة إنه بحثك راح
 يكون شيء مميز..

 العفو العفو.. بس بدي تسمحي لي أعتبر هذا الحوار عربون
 صداقة.. هذا كرتي وعليه رقمي.. وإذا احتجت أي استفسارات
 أخرى في هذا المجال أو غيره.. لا تترددي تحكي معي في أي
 وقت.. ممكن نقعد ونحكي سوا في أي موضوع.. وممكن إذا
 الظروف سنحت نشرب قهوة كمان.. أنا بعرف محل عندهم قهوة
 طيبة..

 تمت


قواعد العشق الثلاثون


 1- أعلم تماما أن الإعلام الهابط هو من تسبب بشكل أساسي في
 أن تكوني ذات شخصية ضحلة وتافهة وسخيفة.. أتعاطف معك،
 وأعلم أنه ليس ذنبك أنت.. لكن بغض النظر عن المتسبب، لا
 يمكنني تحمل النتيجة..

 2- لماذا أنت متزوج!؟ هذا ليس عدلا!! لماذا لم ألتق بك قبل أن
 تتزوج!! هذا هراء!! لن أقبل بهذا التوزيع..

 سأضع كل مكونات العالم في كيس.. أقفله جيدا وأهزه ثم أنثر
 المكونات مرة أخرى.. وسأعيد العملية عدة مرات حتى يأتي
 توزيع ما تكون فيه عازبا.. ويفضل أيضا أن أكون أنا عزباء..

 3- أنا لست غبية.. أنا ناضجة بما يكفي لأعلم أنك لن تحبني بدون
 مقابل.. لكن من غير المنطقي أن يكون المقابل هو أن تستغل
 لحظة الضعف هذه لتنتهك إنسانيتي.. هذه حقارة كبيرة منك..
 لكنني أقبل على أي حال..

 4- لا تتعب نفسك.. أنا لا أحبك.. ولا أستطيع تفسير السبب.. لا
 تحاول البحث عن عيوب فيك.. لا يمكنك إصلاح الأمر.. أنت رجل
 طيب وفيك كل الصفات الجيدة، ولا أكاد أجد فيك عيبا واحدا..
 إلّا أنني لا أحبك وحسب..

 أعلم أن هذا شيء قاسي.. ومن المحزن لك أن ترى أنني أهتم
 بمن هو أقل منك.. ولربما أمنحه ابتسامة قد تموت أنت من
 أجلها.. لكن هذا هو العدل.. كل إنسان يختار من يحب..


 5- من فوائد التقدم في العمر، أن جمالك الأخاذ لم يعد كافيا للفت
 انتباهي.. يجب أن تكوني ذات شخصية مميزة أيضا.. الجسد
 وحده لا يكفي..

 من زاوية أخرى، هذا شيء سيء.. لا أريد أن أخسر كل
 حيوانيتي..

 6- بعد الزواج أصبح عندي قدرة عجيبة على فهم نظرات
 وإيماءات النساء وطريقة جذبهن.. وإنه لمن المؤسف أنني لا
 أستطيع استثمار هذه القدرة لإيقاع النساء في حبائلي.. علنا على
 الأقل..

 7- يجب أن تعلمي أن الجلوس على فوهة بركان مشتعل لثلاثة
 أيام، هو أهون عندي من الجلوس معك لثلاثة دقائق..

 لكنك تمتلكين جسدا وحشيا لا يليق بك.. ومن أجله أنا على أتم
 الاستعداد لأنافقك..

 حسنا، ربما لا يجب أن تعلمي ذلك..

 8- الذنب ليس ذنبك.. لقد مضى وقت طويل منذ أن كنت شخصا
 رقيقا.. وإن كنت قادرا الآن على كسر أدق أحاسيسك بدون أي
 وازع من ضمير، فإنني لم أكن كذلك من قبل..

 أعلم أن هذا ليس اعتذارا.. لكن هذا غير مهم..

 9- محاولاتك البائسة للتمثيل بأنني لا أثير اهتمامك تصيبني
 بالغثيان.. كل ما فيك يصرخ بأنك تسعين ورائي.. لكنني سأكون
 رقيقا بما فيه الكفاية لأتركك تستمتعين بلعبتك من جانب واحد..


 وعندما تنتهين من هذا العبث.. إلعنيني وأقفلي الباب..

 10- أنا لا أمثل.. عندما لا أحبك، فيجب عليك سحب كلمات الحب
 الباردة من قلبي كما تسحبين فيلاً من بئر..

 لكنني عندما أحبك، فلن أتوقف عن الغزل.. حتى لو بدوت سخيفا
 ومضحكا ومثيرا للشفقة..

 11- لا يمكنك تغيير مشاعرك بين الصداقة والحب وقتما تشائين..
 يجب أن تنسقي ذلك معي..

 12- لا.. هذا ليس سخيفا!! لا يمكنك أن تبتسمي لعامل النظافة! لا
 يهم!! لا تبتسمي له وحسب!!

 13- أنا عادة ما أحبك في الأوقات التي لا تخطر لك على بال..
 وغالبا لا تكونين موجودة..

 14- لا تحاولي هدايتي.. يبدو هذا سخيفا.. كما أن جغرافيا
 الإيمان ليست بالسذاجة التي تتخيلينها.. لا يجب أن أتوقف عن
 موبقاتي بالتدريج لأصعد جبل التقوى بالتدريج..

 في أقصى الجحيم السفلي هنالك باب يؤدي إلى الفردوس
 الأعلى..

 وحدث ذلك معي.. عدة مرات..

 15- لا أعلم لماذا تنفقين كل هذا الوقت وكل هذه النقود لتشتري
 الملابس!! الملابس لا تجعلك جميلة! العكس هو الصحيح!

 تقرأ على عدة أوجه..


 16- أنا لم أقل شيئا.. كل ما دار في ذهنك كانت استنتاجات
 شخصية منك أنت.. كان من السذاجة بأن تفترضي أنني رجل
 طيب القلب لمجرد أنني أتحدث بشكل جيد.. هذا يشبه تماما أن
 تفترضي أننا من الممكن أن نتزوج لأننا تناولنا الغداء معا..

 حسنا.. أنت أشد سذاجة مما كنت أعتقد..

 17-أنت تثيرين اهتمامي.. لكننني كلما هممت بالنهوض من
 مقعدي ومحاولة مطاردتك.. جلست مرة أخرى.. قد أفعل ذلك
 لاحقا.. وقد لا أفعله أبدا.. الجوع هو من يقرر..

 18- هل يمكنك تحديد أدنى عمر وأقصى عمر للمرأة التي تثير
 اهتمامك؟ (لا)

 19- لا تصدق كل ترهات النساء عن الحب.. في اللحظة التي
 تستكين فيها إلى حبها.. ستعاملك كقط أليف.. والنساء لا يعشقن
 القطط الأليفة..

 20- إذا قدر لي أن أكون مع امرأة في جزيرة نائية.. فليس لدي
 أدنى شك في أنني سأقتلها في نهاية الأمر..

 21- لئن كان لدي القدرة على اجتذابك، فلم يعد لدي القدرة على
 الاحتفاظ بك..

 22- قد يكون لدي الخطة لتحريك جيش كامل للظفر بقلبك.. لكن
 بمجرد أن تبادري أنت بالاستسلام، فسأرتخي في مقعدي
 وأتصرف كسلطان عثماني..

 لا تلوميني، أنت من كسر قواعد اللعبة..


 23- لا تتوقعي من حبّنا أن يدوم إلى الأبد.. لا تكوني حالمة.. كل
 شيء سينتهي في يوم ما.. يوما ما ستتوقفين عن إدهاشي.. ولن
 يكون بمقدور كلماتك أن تحركني.. ولن تضحكني أي نكتة
 تقولينها...

 24- في الغالب لا أسمع ما تقولين.. وأجهد نفسي في محاولة
 إبقاء عيوني تنظر إلى وجهك.. وإذا حدث ذلك، فأنظر إلى
 شفاهك فقط..

 تقرأ على عدة أوجه..

 25- في نهاية كل قصة عشق، أشعر بحاجة ماسّة لأخذ حمام
 طويل ساخن، لكن المشكلة أن الماء لا يغسل سوى جسدي فقط..

 26- من الرائع أن تمنحك مشاهدة فيلم رومانسي أملا بأن
 تتزوجي رجلا يحبك وتنجبي أطفالا رائعين.. ومع أن هذا قد لا
 يحدث، إلا أن الأمل شيء جميل..

 27- علاقاتي العاطفية تتكون بشكل أساسي من تخيل مواقف لا
 يمكن أن تحدث، وحوارات من المستحيل أن تتم.. ومع ذلك، فهي
 تفرحني بشكل ينتهي دائماً بالبكاء..

 28- كنت أعلم أنك تافهة وسطحية وإمرأة من الدرجة الثالثة،
 لكنني أحببتك.. وكنت أقبل الفتات الذي كنت تعطينني إياه كأنه
 كنز..

 29- جزء كبير من نجاحك في علاقاتك العاطفية ينبع من ثقتك
 بنفسك.. في الحقيقة، لا شيء ينجح بدون هذه الثقة..


 30- من المؤلم أنك لا تستطيع أن تشتكي لله من عذاب الحب..
 الموضوع مخجل نوعا ما.. مضحك في الحقيقة..

 الخاتمة


أسكتي يا شهرزاد


 أسكتي يا شهرزاد

 أنت في واد وأحزاني بواد

 فالذي يبحث عن قصة حبٍّ

 غير من يبحث عن موطنه تحت الرماد..

 أنت ما ضيعت يا سيدتي شيئا كثيراً

 وأنا ضيعت تاريخاً

 وأهلاً

 وبلادْ..

 ملاحظة: أنا من كتب هذا كله باستثناء الخاتمة.. ولكن هذا لا
 يعني أنه أنا..


كراكيب..


 في أشياء كثير، ما بتكتشفها إلا وانت بتمر بتجربة الترحيل من
 بيت لبيت.. مبدئيا بتكتشف إنه عندك كثير أغراض، وبتستغرب
 كيف كان البيت واسعها أصلا!! وبتكتشف إنه مرتك عندها 400
 زوج أحذية!! وولادك عندهم لعب بتفتح محل!! وإنه ولا صحن
 في المطبخ بقرب للثاني.. وبتلاقي كل الأشياء اللي متت وانت
 تدور عليها.. مقص أظافر.. غطا الريموت.. مفاتيح عملت بدالها..
 فردة حلق.. فردات الجرابات الضايعة.. وحتى شهادات الميلاد
 وكروت التطعيم!!

 لكن أهم شي بتلاحظه وانت بترحل.. انك بتكتشف أغراض إلك..
 كانت تعني لك كثير في زمان مضى.. لكن مع زحمة الحياة،
 خبيتها في درج من الأدراج ونسيت إنها عندك أصلا ونسيت
 حكاياتها... هاي الأغراض الصغيرة الحميمة بتكتشفها وانت
 بترحّل.. ولما تشوفها.. كل حكايات الماضي المرتبطة فيها بترجع
 لذاكرتك في غمضة عين..

 الأسبوع الماضي، كنا بنرحّل الأثاث على شقتنا الجديدة.. وأنا
 بركب الأغراض في كراتين.. فتحت كرتونة قديمة.. كان فيها أول
 زينة جبناها لرمضان.. وكان في لعبة شطرنج ناقصة حجارها،
 ياما معارك دارت فوقها.. ولقيت علبة خشبية بسيطة ما عرفت
 لشو.. لكن أول ما فتحتها.. ارتسمت على جوانب روحي ابتسامة
 طويلة.. وتنهدت من قلب قلبي.. كان فيها قطعة قماش مخمل
 أسود.. حجمها بحجم الكف.. ورجعتني القطعة هاي 10 سنين إلى
 الوراء..


 كنت أيامها طالب جامعة، خريج.. وكان خالي عنده محل صغير
 في القرية العالمية في عمّان ببيع فيه إكسسوارات.. أيام ما كان
 في قرية عالمية..

 يومها أخذت سيارة الوالد، ورحت أشوفه بالمحل، عشان أعطيه
 شغلة كان طالبها من إمي الله يرحمها.. وصلت السوق، وقررت
 أتمشى بالسوق شوي قبل لا أوصل عنده.. وأشوف الناس شو
 بتبيع...

 وأنا ماشي، لفت نظري ختيار.. كان لابس لبس فلسطيني
 تقليدي.. ورابط حطة بيضا وسودا على صدره.. صلعته فيها
 شوية شعر أبيض، وعنده كرش خفيف.. كان قاعد على كرسي
 وقدامه بسطة وبنادي.. "من ريحة البلاد.. من ريحة البلاد.. تراب
 القدس ومية عكّا.. من ريحة البلاد.. من ريحة البلاد.. "

 قربت أشوف شو هاي ريحة البلاد، ولا هو في جهة حاطط
 زجاجات صغيرة لطيفة، عليها علم فلسطين وجواها تراب أحمر..
 ومكتوب عليها "تراب مدينة القدس".. وفي الجهة الثانية كان في
 نفس الزجاجات، لكن فيها مية ومكتوب عليها "ماء بحر عكّا"..

 أيامها كنت جاهل.. بس كنت بسمي هذا الجهل، ظرافة وخفة
 دم.. بعد ما تفحصت الزجاجات.. قربت عالختيار وحكيت له..
 "شو يا حج!؟ شايفك بتبيع البلاد!؟ " وابتسمت له ابتسامة ندمت
 عليها..

 وعرفت فورا إنّي غلطت بالتعليق.. احمرّ وجهه للزلمة.. وبينت
 عروق رقبته.. وعيونه صاروا زي الجمر!! بده يحكي ويسب ومش
 قادر.. غضبه كان أكبر من الكلام.. اجا يقوم ما قدر يتوازن.. وكان


 راح يوقع..

 تفاديا للتصعيد، قربت عليه بسرعة.. حطيت ايدي عليه.. وبديت
 أعتذر بكلام مخربط عن اللي حكيته.. دفعني وما رضي يحكي
 ولا كلمة.. ظليت أتأسف وهو ساكت.. ولما شعرت إنه أسفي كان
 بدون فايدة.. تركته ومشيت..

 طلعت من عند خالي قبل ما السوق يسكر بشوي.. وضميري كان
 لسه مأنبني على الكلمة اللي حكيتها.. تنبهت إنّي ما كان لازم
 أسخر من إنسان بكسب رزقه بعرق جبينه، حتى لو بطريقة غريبة
 بالنسبة إلي... وقررت أمر من عند الختيار وأراضيه..

 لما قربت عليه.. كان حط أغراضه في كرتونة.. وبده يروح.. وبين
 لمّا وقف انه عنده عرجة في رجله الشمال..

 بدون ما أستشيره.. وبدون كلام.. حملت كراتينه عنه.. حاول
 يرفض، بس أنا أصريت.. ولما وصلنا بره.. حطيت الأغراض في
 السيارة.. وحلفت غير أوصله.. وطلع بعد نقاش قصير..

 كان ساكن في مخيم الوحدات، وطلعنا بالسيارة من المرج باتجاه
 المخيم.. بعد ما دخن سيجارة وهدي.. سألني عن إسمي.. وبلش
 يحكي..

 " شوف يا إبني يا جمال.. الإنسان مش لازم يحكم على الشغلة
 من آخرها.. لازم يشوف المشوار كله من أوله لآخره.. وبعدين
 يمكن يقدر يحكم ويمكن لأ.. البلاد اللي انت بتحكي اني أنا
 بعتها.. أنا عشت عمري عشانها..

 ولدتني إمي وهم نازحين من بيت محسير سنة ال 48.. وعشان


 مات ولاد كثير في النزحة.. وأنا عشت.. سمتني ناجي.. ما شفتها
 أنا طبعا بيت محسير.. وعيت على حالي وأنا بمخيم الدهيشة..
 كل بيت محسير وبيت نتيف وقطنّا.. كلهم كانوا هناك.. في
 الدهيشة.. بتعرف وين الدهيشة انت!؟ جمب بيت لحم هاي!!
 مخيم.. زينكو وخيم..

 عشت 18 سنة في الدهيشة.. أكثر شوي.. خلصت فيها توجيهي..
 وكنت ناوي أدرس في رام الله.. بس صارت الحرب وبس نزحوا
 الناس على عمّان نزحنا....

 وصلنا عمّان بعد الحرب، أنا وإمي واخواني.. وسكننا هون في
 الوحدات.. خرابة كانت وخيم.. وتهجير ورا تهجير.. كنت حاقد
 أيامها على الوضع كله!! شاب صغير كنت.. إذا بتنفس بتنفس
 نار!!.. دخلت وقتها مع الفدائية.. كنت صغير وبعرفش اشي.. بس
 بدي أحارب.. والمزاج العام أصلا كان مزاج حرب..

 أخذوني عالغور.. ودربوني شوي.. وصدف بعدها بكم شهر..
 صارت معركة الكرامة.. وكنت هناك أنا.. إذا بقول لك حاربت فيها
 وقتلت وطخيت بكون كذاب!! كنت بس بعبي كياس رمل!!

 بس شفت الدم والحرب والرصاص.. وشفت العدو أهم شي..
 اشي منيح تشوف عدوك وجه لوجه.. اشي كثير منيح..

 بتعرف يا جمال!؟ دايما خلي عندك عدو.. اللي بعرفش يعادي
 بعرفش يحب.. المهم..

 بعد الكرامة، قلت لحالي بدي أطلع بره.. بديش أظل في الأردن..
 وكان وقتها بلشت مناوشات بين الفدائية والجيش.. وصار في


 تجاوزات أدت بعدين لحرب أيلول سيئة الذكر.. فقلت لحالي، ما
 بدي أكون هون.. بديش أخربط في العدو..

 وفعلا طلعت.. طلعت على رومانيا.. كانوا وقتها بستقبلوا الطلبة
 الفلسطينية.. واشتراكية وحرية وكل هذا الكلام..

 وصلت بوخارست.. من هون.. ونسيت الأردن وفلسطين والقضية
 من هون.. شلحت كل جلدي.. طلعنا مش كاينين عايشين.. أنا
 مسخم قاعد بحارب في الغور وعايش عالسردين.. وكل
 هالنسوان الحلوات قاعدات هون!!؟

 دخلت الجامعة، حتى ناسي والله شو كنت رايح أدرس.. مكملتش
 أصلا.. هي سنة اللغة عشان أعرف أدبر حالي وبس.. سميت حالي
 أبو عرب.. واشتغلت مع فتح مسؤول اشي مش عارف شو هو..
 عشان أقبض ولا شو.. واندليت على شلة شباب يعجبوك.. وعشنا
 في جنة ربنا عالأرض.. وهم في الأردن يذبحوا بعض.. ماليش
 دخل..

 لغاية ما في يوم.. بعد سنتين أو ثلاث يمكن.. كنت سهران في
 بار.. ومعي هالرومانية بنت 17.. كانت مكيفة علي.. كنت أجيبلها
 جينز من إيطاليا.. عندهم كان غالي كثير.. المهم ومحسوبك أبو
 عرب برقص في البنت.... "

 لما وصل أبو عرب في حكايته لهون.. كنا وصلنا عند بيته في
 المخيم.. وحلف يمين إلا أنزل أتعشى عنده.. وأنا كان عندي
 فضول أعرف بقية قصته.. فنزلنا الكراتين من السيارة.. ومشينا
 شوي في الزقق لوصلنا عند البيت..


 دخلت بيته.. كان غرفة وصالة بسيطين.. ومطبخ متواضع من
 النوع اللي في مجلى مغطى بستارة.. وكان الصالون فيه براميل
 زرقا وشوالات..

 راح عالمطبخ.. ورحت معه.. وصار يحضر عشا قلاية بندورة
 وفول.. وقعد يكمل القصة..

 " كمل أبو عرب.. شو صار مع البنت!؟"

 " الرومانية.. آه.. بقول لك كنت برقص معها.. ولا في واحد يوناني
 وراها كان.. سكران.. قام نكشها.. وصرخت البنت..

 وهي صحيح رومانية.. بس الشرف غالي.. ولو كان روماني.. فا
 ما سكتتش أنا.. قمت ضربته.. وهبوا لك علي صحابه.. وصرت أنا
 أصرخ.. يا عرب الحقوني..

 كنا هيك في رومانيا.. بس نكون في البار وواحد عربي تصير معه
 مشكلة.. بس يقول يا عرب.. بفزع لك واحد تونسي.. يمني،
 سوداني.. أي اشي.. بس يسمعك عربي..

 كان في وحدة عربية.. ونخوة.. يضرب معك وهو أول مرة
 بشوفك..

 المهم، ما شفت إلا هالشاب بلش يضرب في اليونانية.. تفاجأت
 بس شفته.. عملاق كان.. قد الحيط.. كومهم كلهم.. وسحبني بره
 البار.. طلع شاب من الأردن.. اسمه حمزة.. طفيلي.. كان جاي
 يدرس هندسة..

 وتعرفنا على بعض.. وصرنا صحاب.. وسكننا مع بعض.. أبوه كان


 مستشهد في معركة الكرامة.. وانبسط كثير لمّا عرف إنّي كنت
 فيها.. أبوه الله يرحمه كان مربيه على حب العرب وفلسطين
 خصوصا..

 عشت أنا وحمزة 3 سنين سوا.. بس في ال 75.. كانت المنظمة
 ماخدة مجدها في بيروت.. وكان في بوادر لحرب وصار فيه
 هجوم عالمخيمات.. وصاروا يطلبوا شباب على لبنان.. وحكوا
 معي.. عشان أنزل على لبنان..

 أنا بيني وبينك وقتها.. حسيت إنه القعدة في رومانيا نستني
 قضيتي الأساسية.. والخمرة اللي كنت أشربها والنسوان، طفوا
 النار اللي في صدري.. فقررت أنزل أدافع عن المخيمات.. ووقتها
 حمزة كان ظايل عليه سنة.. بس كان ثار أبوه برضه بغلي في
 صدره.. وشاف إنه هاي فرصة يصفي حساباته.. فتعاهدنا
 عالموت وترك الجامعة ونزلنا سوا..

 أيامها كنا شباب كلنا حماسة.. وفش ورانا اشي.. لا مرة ولا ولاد
 ولا هم.. ولا سائلين عن إشي.. وعنا حلم.. وعنا عدو بدنا نحاربه..
 فسافرنا.. رحنا أولها الجزائر.. 3 شهور قعدنا هناك في معسكر
 تدريب.. بعدين وصلنا بيروت.. وحطونا من ضمن فريق حماية
 مخيم تل الزعتر.. كانت الكتائب بتناوش في المخيم وكان لازمه
 حماية.. وبعد ما دخلنا بأسبوع.. بدأ هجوم الكرنتينا وبدأ حصار
 المخيم..

 طبعا لو شو ما أحكي لك يا جمال.. ما راح أقدر أوصف.. لعنة
 الكلام إنه بختصر الحقيقة بحروف.. بس ما بنقلها زي ما هي..
 وزي ما انعاشت وانحست.. يمكن انت قريت عن المجزرة


 والحصار.. انه القصف استمر 52 يوم.. بسطر واحد بختصروا
 القصة.. بس على الأرض شو صار!؟أنسى الموت.. كم روح طلعت
 عند ربها من يأسها ؟ كم جرح نزف!؟ كم طفل راح؟ كم دمعة؟ كم
 قطرة دم!؟ وكم لحظة يأس وكفر وخوف مروا فيها الناس تحت
 القنابل!؟ كم ظلم وقهر صار؟ في حدا بعرف؟ ما حدا بعرف..
 الكلام بختصر كل شي يا جمال.. وما بعلق فيه لا رصاص ولا ظلم
 ولا دمّ..

 ست شهور والمخيم محاصر.. وأنا وحمزة جوا.. أولها كنا ندفن
 اللي بموتوا كل يوم.. بس لمّا بدا القصف.. بطل في اشي اسمه
 دفن.. القذائف زي المطر كانت!! في الساعة الواحدة يمكن 100
 قذيفة تنزل.. ما كانت حرب أو خسارة وانتصار.. كانوا بدهم
 يفنوك عن وجه الأرض.. بدهم اياك تختفي.. الجثث تكومت..
 وصاروا الناس يوكلوا جثث بعض.. وبعد شهرين يمكن.. وصلوا
 لاتفاق انه نطلع من المخيم.... طلعنا الناس في الباصات على
 أساس في حماية الصليب الأحمر.. بس كانت خدعة.. اقتحموا
 الباصات وقتلوا الناس فيها.. يمكن يومها الدم وصل للسما..
 متأكد أنا.... لغاية اليوم ما بعرف كيف ما متنا أنا وحمزة.. الموت
 كان في كل مكان..

 رحنا بعدها على بيروت الغربية.. كان حمزة متصاوب في ايده..
 تعالج.. ونزلنا على الجنوب.. كان لسه في مشاكل بس أخف
 شوي.. وظلينا هنالك ل 82.. في الجنوب قصدي.. في ال 82..
 دخلت إسرائيل.. وتحاصرت بيروت الغربية.. وكنا احنا هناك..

 واللي صار في تل الزعتر صار شي قريب منه هناك.. لكن هالمرة
 كان في قتال عنيف..


 والحرب ما كانت بالوكالة.. الضباع كلهم ومعهم إسرائيل كانوا
 موجودين..

 حاربنا كثير يومها.. وخسرنا كثير.. حمزة هذا كان ما ينام.. صيد
 يصيد فيهم.. وثمانين يوم حصار ودم وقتل.. وبالآخر صار اتفاق
 إنه المقاتلين يروحوا على اليونان ومنها على تونس والجزائر..

 كل شي انتهى خلص.. الحرب خلصت.. وكل واحد أدى دوره...
 سبع سنين من الدم كانوا كفاية.. بس ما طلعنا عاليونان..

 أبحرت السفن وانفك الحصار، وانسحبت إسرائيل.. أنا وحمزة كنا
 بدنا نرجع.. بس وقفنا على حاجز سوري.. وتلاسن حمزة مع
 الضابط.. ولمّا الضابط سبّ أبوه.. حمزة ما تحمّل.. خبطه بوكس
 وقعه عالأرض.. وبرك فوقه.. أنا توقعت يقتلونا.. بس ما قتلونا..
 بلشوا ضرب في حمزة.. قمت فزعت له وصرت أضرب أنا كمان!!

 أنا طخوني في إجري وحمزة أغمى عليه من الضرب.. وحبسونا..
 على أساس يومين.. نمنا يومها في لبنان.. وثاني يوم كنا في
 دمشق.. دخلنا السجن في 12-9-1982 وطلعنا منه في
 15-1-2002.. عشرين سنة تقريبا قعدوا اليومين..

 أول خمس سنين ما شفت حمزة.. فكرتهم قتلوه.. جابوه عندي
 بعد خمس سنين.. ما بحكي كان.. هسه بتشوفه.. موعده يجي..

 طلعنا من السجن ختايرة.. أنا إجري راحت وهو بحكيش في
 السنة كلمتين.. وجينا عالأردن.. أبوي وإمي كانوا ميتين.. وإمه
 كمان.. أنا سكنت هون.. أختي ساكنة تحتنا.. وهو راح عند أهله..
 بعد شهر ما تحمل.. ما شفته إلا جاي عندي.. فتح الباب وفات


 نام.. بدون ولا كلمة..

 وهاي إلنا سنتين سوا هون.. عمرنا كله ضاع ولا مال ولا ومرة ولا
 ولد.. فكان لازم نشتغل عشان نوكل.. أنا المنظمة بتعطيني 80
 ليرة.. وهو ولا شي.. اسمه مش مسجل.. بندفع فيهن آجار الدار..
 وبنشتغل عشان نوكل.. فصرنا نبيع اللي انت شفته..

 وهاي هي الحكاية.. قولي عاد.. شو طلع لنا من البلاد اللي بعناها
 يا جمال!؟ قلاية بندورة في مخيم!؟ خلص العمر.. وهي أنا
 والطفيلي جوز كراكيب ما حد داري فينا.. بكره واحد فينا بدفن
 الثاني وبموت وراه.. بس ان شاء الله أموت أنا قبل.. بقدرش
 أحمله ترى.. بقطم ظهري والله.. دنيا يا عمي يا جمال.. دنيا..
 الحمد لله على كل شي"

 لمّا وصل هاي المرحلة.. كنت مش قادر أحبس دموعي ومش قادر
 أحكي ولا كلمة.. قمت من مكاني.. وصرت بدي أغير الموضوع
 بأي شكل.. وهو راح يحضر الشاي....

 لما رجع عالصالون، كنت فتحت شوال من الشوالات.. كان في
 تراب أحمر.. مسكت حفنة تراب وصرت أشم فيها وسألته..

 "هذا هو تراب القدس أبو عرب!؟"

 "تراب القدس؟ وك شو تراب القدس انت الثاني!؟.. هذا من
 طبربور.. ابن اختي نظمية بجيبه.. بشتغل بليط في ورشة هناك...

 "وك شو مالك بتضحك!؟ مهو نفس التراب!! شو فرق تراب عمّان
 عن تراب القدس بالله!؟ مش الله قال في القرآن في سورة
 الللل.... قال في السورة.. هاي.. وباركنا في الأردن وفلسطين!؟


 مش هيك قال ربّنا!؟ فش فرق يعني.... أنا بغشش حدا..

 فتحت البرميل وأنا ماسك ضحكتي.. وقلت له.. وهاي المي من
 وين عمي أبو عرب!؟

 "هاي من العقبة.. نفس مية عكّا مهي.. شو بتفرق؟ مية البحر
 الأبيض مهي.. شم ريحتها حتى.. نفس الريحة.. أبو السعيد جارنا
 اللي بشتغل عالتريلا.. الله يخلف عليه هو اللي بجيب لنا إياها
 وهو مروح..

 وك شو مالك!؟ انت بتفكر عمّك أبو عرب بضحك عالعالم!؟ والله
 ما بضحك عليهم.. والله بنبسطوا كثير عليهم.. هيك بشتروا
 فلسطين وبحطوها في الصالون.. وبناموا مبسوطين.. وبس يجي
 عندهم الناس بورجوهم اياهم عشان يقاهروهم.. والله وبقاهروا
 بعض فيهن.. انه هاي عندها تراب القدس وهاي مش عندها.. انت
 مش مصدق؟ هن بحكن لي"

 وأنا ببتسم وبذوق مية البحر في البرميل.. انفتح الباب.. ودخل
 رجل عملاق، في الخمسين تقريبا.. ملامحه قاسية ونظراته
 حادة.. ما كان في شك انه هذا هو حمزة الطفيلي.. بس شافني
 نظر لي باستغراب.. بس أبو عرب.. حط ايده علي فيما بدا انها
 حركة طمأنة لحمزة..

 قمت ومديت إيدي أسلم عليه.. ما سلّم.. كان حامل شقفة قماش
 مخملية سودا كبيرة.. وحطها عالطاولة وفات عالغرفة وسكر
 الباب..

 وقتها أنا حسيت إنه لازم أطلع.. استأذنت من أبو عرب.. أصر


 أتعشى بس ما رضيت..

 "طيب استنى استنى.. بدي أعطيك شي.. "

 قام راح عند القماشة السودا وقص منها قطعة صغيرة بحجم
 الكف.. وأعطاني إياها..

 ابتسمت له وأنا بدي أحضنه.. وقلت له..

 "وهاي شو أبو عرب!!"

 " هاي ستار الكعبة.. راح نبدا نبيعها الأسبوع الجاي.. مبروكة هاي
 القطعة!! مش مصدق!؟ طب والله أحسن من الستار الحقيقي
 هاي! اشتغلتها الأرملة إم ربيع.. مرة مبروكة والله.. ما بتقوم عن
 الصلاوية.. كمان القماش مخمل أصلي وطبقتين.. 12 دينار كلف
 المتر!! مش رخيص.. وبمال حلال كمان!!

 خذ خذ تبارك فيها.. أعطيها لمرتك.. راح تعجبها.. متجوز انت يا
 جمال!؟ "

 حبيبي.. انت تارك العمال بحمّلوا غرفة النوم لحالهم!؟ قحطوها
 كلها وانت قاعد هون ؟ مشان الله اترك هالكراكيب من ايدك
 وشوفهم.. وبرواز القدس أمانة انت تحمله.. ما تخلي العمال
 يحملوه.. ما بدي إياه ينكسر..

 تمت


  - ناجي أبو عرب وحمزة الطفيلي شخصيات واقعية وليست
 حقيقية.. لكن تم رسمها من عدة شخصيات حقيقية عايشت


 الحرب والاجتياح..


عيد الحب


 كان بإمكاني أن أقول:


  - بينما تقرأ أنت هذا النص، فإن هنالك ما يقرب من 500 مليون
 شخص حول العالم مشغولون اليوم بتبادل الهدايا وممارسة
 الحب..

 وأنت؟.. أنت لا تجد حتى شخصا واحداً يشتاق إليك.. يا لها من
 حياة بائسة تلك التي تعيشها..

 تَنهّد.. إضحك ضحكة خفيفة.. إصمت قليلا..

 بإمكانك البكاء الآن...

 ولكنني اخترت أن أقول

  ۝ وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ۝ 195 - البقرة

  ۝ إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ۝ 222 - البقرة

  ۝ فإن الله يحب المتقين ۝ 76 - آل عمران

  ۝ والله يحب المحسنين ۝ 134 - آل عمران

  ۝ والله يحب الصابرين ۝ 146 - آل عمران

  ۝ إن الله يحب المتوكلين ۝ 159 - آل عمران

  ۝ إن الله يحب المقسطين ۝ 42 - المائدة


 ۝ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنهم بنيان
 مرصوص ۝ 4 - الصفّ

  ۝ قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم
 ذنوبكم والله غفور رحيم ۝ 31 - آل عمران

 -1- في صباي

 في صباي، كنت مفتقدا تماما لمبدأ الثقة بالنفس.. وكان شعوري
 بالرضا عن نفسي ينبع بشكل أساسي من رضا الناس عني..

 لذلك - ولكي أتوازن - كنت بحاجة ماسّة لإثارة إعجاب الناس، أو
 انتباههم على أقل تقدير..

 لكن المشكلة كانت تكمن في أنني لم أكن أمتلك أي شيء يثير
 الإعجاب.. لم أكن وسيما مثلا.. أو صاحب قوام ممشوق.. لم أكن
 رياضّياً.. سياسيّاً ولا متحدثا لبقا، ولا كازانوفا يوقع النساء في
 حبائله.. ولا حتى متميزا في المجال الأكاديمي.. باختصار، لم أكن
 بارزاً في شيء.. كنت مسطّحاً تماما كلوحٍ من الرخام..

 ولحل هذه المعضلة.. قمت بتقليد عدة شخصيات ممن رأيت أنهم
 يثيرون اهتمام الناس، والفتيات على نحوٍ أدقّ.. وغالبا ما كانوا
 من أبطال المسلسلات والأفلام.. قلدت طريقتهم في الكلام،
 طريقتهم في المشي، وحتّى طريقتهم في اللباس وتصفيف
 الشعر..

 كان شكلي يختلف باختلاف الشخصية التي أقلدها.. والفيلم الذي
 أشاهده.. فإذا كانت الشخصية لقائد عسكري قاس القلب.. تراني


 حليق الرأس واللحية، حادّ النظرات.. ومرتديا ملابس سوداء
 توحي بالشرّ.. وإذا كانت الشخصية لمثقف فنّان.. تراني مطلق
 الشعر واللحية.. ناعس النظرات، متهدل الملابس.. وأدخن كقطار..
 وأتحرك وأمشي كأن مشاكلي الوجودية أكبر من هذا العالم
 الصغير..

 وهكذا تنوع مظهري بتنوع كل شخصية قلّدتها واعتبرتها الأكثر
 جذبا.. كنت قاتلاً مأجوراً، قبطاناً بحرياً، جنديّاً.. فناناً.. رجل دين
 وقور.. بل حتى مهرجا في بعض الأحيان.. لكن كل تلك الألاعيب
 المثيرة للشفقة لم تصنع مني رجلاً.. ولم تجلب لي سوى
 السخرية.. والتي ربما تقبلتها بعض الأحيان باعتبارها اهتماما من
 نوع مختلف..

 وبعد فترة من الخواء الروحيّ القاتل، قررت أن أخلع جميع تلك
 الأقنعة.. وأن أكون نفسي فقط.. وسواء أثار ذلك إعجاب الناس
 أم لم يثر.. لا يهمّ.. المهم أن لا أقلّد أحداً وأن أصنع شخصيتي
 بنفسي..

 بدأت أقرأ كثيراً وأشاهد أفلاماً كثيرة.. وكلما وجدت شيئا جيداً
 التزمت به، وكلما وجدت خصلة سيئة ابتعدت عنها.. رويداً رويداً
 بدأت ملامح شخصيتي تتشكل.. وصار عندي بعض الأصدقاء
 الذين أعجبتهم كما أنا.. بل وبعض الصداقات من الجنس الآخر..
 ولم أعد ألهث وراء إعجاب الناس، مع أن المديح كان يسعدني
 جداً.. مهما حاولت إخفاء ذلك..

 اليوم، وبعد عشرين عاماً.. ينظر الرجل في داخلي إلى ذلك الشاب
 المهزوز مشفقاً عليه، وعلى اهتمامه المبالغ فيه بحصد الإعجاب..


 ويعتقد هذا الرجل الجالس الآن على قارعة منتصف العمر، أن
 الإعجاب البسيط الذي يتلقاه الآن بعد نضوجه، هو شيء جميل..
 وإن كان يأتي في قاع أولوياته وحروبه التي يخوضها على كل
 الصّعُد.. وربّما يطمح فقط ألّا يجرح من يحبّهم ويحبّونه.. ويحلّ
 مشاكله الكبرى بعيداً عن الحب والإعجاب..

 ومن يدري.. ربّما ينظر رجل عجوز بعد عشرين عاماً أخرى إلى
 الرجل والفتى بأسىً ويقول..

 "يا ليتني مِتُّ قبل هذا.. وكنت نسياً منسيا"

 -2-

 في صباي، نشأت في قرية صحرواية لا يتعدى عدد بيوتها
 المائة.. لذلك كانت كل طفولتي تتمحور حول قيادة دراجتي
 بعيدا عن القرية أو اللعب في بيت طيني مهجور..

 في تلك المرحلة، لم تكن النقود تعني لي أي شيء.. كان جل
 اهتمامي هو اللعب ومراقبة حيوانات الصحراء.. وخصوصا
 الضبّ..

 لكن عندما انتقلت للعيش مع جدّتي في عمّان.. ودخلت مدارس
 وكالة الغوث.. بدأت القطع المعدنية اللامعة تأخذ معنىً آخر..
 كانت تعني شطيرة كاملة بدلا عن نصف شطيرة.. أو علبة عصير
 أفضل.. أو ممحاة جيدة.. أو مسطرة..

 في سنين المراهقة، كنت أنا وأصدقائي من نفس الطبقة.. لذلك لم
 تكن النقود تعني لي إلا سجائر أكثر.. وربّما وجبة لذيذة من ذلك


 الدجاج الذي كنت أراح يتحمّر من خلف حاجز المطعم الزجاجي..

 إدراكي لأهمية النقود وتأثيرها في حياتي بدأ بشكل أساسي
 عندما دخلت إلى الجامعة.. هنالك كانت النقود تعني فروقا
 واسعة بين الناس..

 كانت تعني ملابس أفضل.. أحذية أفضل.. ساعة لمن لم يملك
 ساعة.. كانت تعني عدم الخوف من موعد التسجيل.. أو تأجيل
 الدفع.. وفي أحيان كثيرة.. كانت تعني أن يبيت المرء طاوياً..

 والجوع لمن لا يعرفه - أو يعتقد أنه جوع رمضان - شيء
 مختلف.. الجوع لا يعني أن لا تكون قادرا على تناول الطعام..
 الجوع هو أن تكون جائعا وتشم الطعام وأنت تعلم أنك غير قادر
 على شرائه.. بدون حاسة الشمّ لا يعمل الجوع.. بدون هذه
 الحاسّة لا يحس الإنسان بالجوع الذي يقترب من الانكسار..

 وكبرت.. وتخرجت.. وقررت أن أعمل وأعمل وأعمل حتى لا
 أجوع.. وحتى يكون لدي ما يكفي من هذه الأوراق السحرية
 المسمّاة النقود.. لكي لا أحلم بها في منامي مرة أخرى..

 عملت.. وكسبت نقودا وتزوجت.. وأصبحت موظفا يلعن مديره
 وقواعد مديره في كل صباح، يفكر في مستقبل أطفاله، ويتمنى
 لو كانت الرواتب ضعف ما هي عليه.. والإيجارات نصف ما هي
 عليه..

 لم أعد جائعا لكنني بقيت مرهونا لفكرة أن أجمع الكثير من
 المال.. ولهذا عملت من شروق الشمس حتى غيابها..

 الآن أنا على حواف الأربعين.. أمتلك سيارتين، بيتا واسعا، عملا


 خاصا، ومكتبا أنا أضع القواعد فيه.. ويذهب أطفالي إلى مدارس
 خاصّة مكلفة، ليمثلوا فيها مسرحيات تحث على مساعدة
 الفقراء..

 في صباي.. كانت النقود بالنسبة لي شيئا هامّا وأساسياً.. ومن
 أجلها ومن أجل ما تمثل.. عملت بجد طول عمري.. ولا أزال..
 وأخطط في العشر سنوات القادمة أن أشتري العقارات وأن أصل
 لحريتي الاقتصادية..

 لكن من يدري.. ربّما بعد عشرين عاماً من الآن.. قد يجلس رجل
 عجوز ما، وحيداً في حديقته.. يتناول عدة أقراص من الدواء
 ويحمل صور أطفاله الذين تزوجوا وتركوه، ليقول أنه طول
 الرحلة كان يحاول فقط أن يملأ سيارته بالوقود ويسبق
 الآخرين.. وفي غمرة انشغاله بالسباق، لم يلاحظ حتى كيف كان
 شكل الطريق.. والآن انتهى السباق.. لكنه لم ينته إلى السعادة...
 انتهى إلى لا شيء..

 -3-

 في صباي، كان مفهوم الله غامضاً تماما بالنسبة لي.. لم أستطع
 تخيّل كيف يكون الله موجوداً في كل مكان وكيف يرى كل شيء
 ويسمع كل شيء.. وفي نفس الوقت، أنا عاجز عن أن أراه..

 وعندما كبرت قليلاً، وبدأت مشوار ذنوبي بذنوب صغيرة مثل
 كذب بريء أو إفطار يوم في رمضان.. كان الأهل والمعلمون
 يخوفونني عقاب الله الشديد.. وناره التي تذيب الحديد
 والصخور.. فبدأت أتخيل الله كرجل عجوز غاضب، يمسك عصاً


 كبيرة ويجلس فوق الغيوم.. وهو جاهز في أي لحظة ذنب منّي
 أن يضربني بعصاه الغليظة لأهوي في جهنّم سبعين خريفاً.. وكان
 ذلك مرعبا جداً بالنسبة لي كطفل..

 وكبرت بعدها.. وكبرت ذنوبي معي.. ولكنني اعتبرتها حاجات
 بشرية أكثر منها تحديّا لله ولقوانينه.. وكنت عندما أذنب، أطلب
 من الله السماح على الذنب الحالي مع تفهّم الذنب القادم.. لأنني
 بشر ضعيف.. والبشر يخطئون..

 ثم جاء الشباب.. وجاءت مرحلة الفسق والفجور.، بل وكنت من
 السخافة أن بدأت أشك في وجوده.. وأدعوه لإقامة العدل..

 واستخدمت كل معرفتي الدينية السابقة وطلاقة لساني في
 مهاجمة الناس فقط.. وبدا لي أنني أذكى من أولئك العجائز الذين
 يمضون يومهم فوق سجادة الصلاة يقولون أشياء مكررة..

 وفي فترة ما.. توازنت روحيّاً ودينياً وتبت عن كل ما فعلت..
 وتقربت من الله حتى رجوته أن يستخدمني.. وأن يجعلني جنديّاً
 من جنوده الذين لا يعلمهم إلّا هو.. وأن يجعلني للمتقين إماما..
 كنت أصلّي كما لو أنني أصلّي يوم الحشر.. وأصوم كما يصوم
 الأولياء.. وأتقبل مصائب الدنيا بكل صدرٍ رحب.. ولا أنام إلّا على
 صوت القرآن.. وكنت على أتم الإستعداد للموت في سبيله ألف
 مرّة..

 ثم أخذتني زحمة الدنيا وملذاتها.. ونسيت الله.. ولم أتذكره إلا
 في المصائب.. كنت أدعوه لينجيني منها.. فإذا أنجاني منها،
 التزمت قليلا ثم عدت لما كنت فيه.. لم أكن أرتكب الكبائر، لكنني
 لم أكن "أرتكب" أي شيء آخر.. وعقب الجنازات أستغفر الله قليلا


 ثم أمضي..

 اليوم.. أنا كأي مسلم عادي.. أصلي عادة وأصوم مع الصائمين..
 وأتصدق بدراهم معدودة بينما أسأله الفردوس بلساني دون
 قلبي.. وأقرأ القرآن فلا "كهيعص" تبكيني كما كانت تفعل.. ولا
 "الرعد" تزلزلني" كما الأيام الخوالي.. وعلاقتي مع القرآن في أكثر
 الأحيان هي لتعليم بناتي قصار السور والكهف يوم الجمعة.. لكن
 القلب الذي تعبد في محراب الله فيما مضى، قسا فهو كالحجارة
 أو أشد قسوة...

 ومن يدري.. ربّما بعد عشرين عاماً من الآن سيجلس الشيخ
 العاصي ذي القلب القاسي فوق سجادة الصلاة، يتلو صلواته
 المكررة طالباً من الله المغفرة على ما ضيّع في حياته.

 وفي يوم ما.. سيراودني الموت عن نفسي وأقبل.. وستحصل
 المعجزة ويلتقي المخلوق أخيراً بخالقه.. وسيستقطع هذا الإله
 العظيم من وقته ليتكلم معي أنا المخلوق الضعيف..

 أتمنى - حينئذ- أن تكون لدي القدرة أن أجثو على ركبتي وأقول
 له.. "سامحني يا الله.. إنني كنت عبداً جهولا"..

 -4-

 " هل أنا كنت طفلاً

 أم أن الذي كان طفلاً سواي

 هذه الصورة العائلية


 كان أبي جالساً، وأنا واقفُ.. تتدلى يداي

 أو كان الصبي الصغير أنا ؟

 أم ترى كان غيري ؟

 أحدق

 لكن تلك الملامح ذات العذوبة

 لا تنتمي الآن لي

 و العيون التي تترقرق بالطيبة

 الآن لا تنتمي لي

 صرتُ عني غريباً

 ولم يتبق من السنوات الغريبة

 الا صدى اسمي

 وأسماء من أتذكرهم -فجأة-

 بين أعمدة النعي

 أولئك الغامضون: رفاق صباي"

 (من قصيدة الجنوبي - للشاعر العظيم أمل دنقل)

 تمت

 الحيوانات لا تمتلك أي منظومة أخلاقية.. وبالتالي لا تمتلك أي


 منظومة لا أخلاقية.. بمعنى أنه لا يوجد لديها غدر، لأنه لا يوجد
 لديها وفاء..

 كل شيء في عالم الحيوان واضح.. كل فرد يعبّر عن نواياه
 بوضوح.. فمثلا لا يمكن للأسد أن يتناول العشاء مع الغزال
 ويقتله في اليوم التالي.. هذا لا يحدث.. لأن كل فرد يعمل
 لمصلحته ومصلحته فقط..

 نحن البشر، لدينا منظومة أخلاقية ومنظومة لا أخلاقية عكس
 الأولى.. وهذه المنظومة مبنية بشكل أساسي من الافتراض
 الخاطئ أن الآخر "قد" يعمل من أجل مصلحتك لو تعارضت مع
 مصلحته لأسباب أخلاقية..

 ومع أن هذا الافتراض مبني داخلنا إلا أنه خاطئ.. فلا أحد يقدم
 مصلحتك على مصلحته.. وسيتناولك على العشاء لو أتيح له
 ذلك.. هذا هو الطبيعي.. ولو أنك أسقطت هذا الافتراض من
 حساباتك، لاستقامت أمورك.. ستسقط الأخلاقيات ومعها
 اللاأخلاقيات لتصبح الأمور واضحة.. وتنتهي الخيانات وخيبات
 الأمل..

 لكن ما يبقي هذا الافتراض قائما في نفوسنا.. هم القلة القليلة
 الذين قد يعملون من أجلنا بدون مقابل.. هم الذين يغشوننا
 لنعتقد أن البقية مثلهم..

 أيها الرائعون الصادقون.. توقفوا عمّا تفعلون.. أنتم سبب خراب
 هذا العالم.. توقفوا عن صدقكم وأخلاقكم لنرى العالم بوضوح..

 تنويعات على مقام سليمان شاه..


 - لا أعلم من منهما سببّ الآخر.. الوحدة والذكاء..

 لكن من المحزن رؤية أولئك الأذكياء الرائعين تائهين في
 صفحات مواقع التواصل..


  - على الأغلب، لا تهمّني المناسبة التي دعيت إليها بقدر ما يهمّني
 كيف أبدو عندما أحضرها.. وكيف سأبدو لاحقا في الصور..
  - فواتير المطاعم تدفع في غرف القياس داخل محلات الألبسة..
  - يوما ما سأتوقف عن التدخين.. وذلك قبل أن يتوقف قلبي
 بدقائق..
  - يجب علي أن أعترف أنني حين أنتظر شيئا ما من الله، فإنني
 ألجأ للتبرع بأوراق نقدية عوضاً عن العملات.. وأحاول الكذب
 على نفسي أن هذا التبرع ليس مرتبطا بأي أمر آخر.. وأنام ليلتها
 وأنا آمل أن يتم النظر لتبرعي السخي بعين العطف الإلهية..
  - عندما تعجب زوجتي، بأداء مطرب ما أو ممثل، فإنني أبدأ
 البحث فيه عما يمكن انتقاده فيه.. لكن مبدئيا، أتهمه أنه شاذ..
  - غالبا ما تبدو أصابع البطاطس المقلية التي تأكلها ابنتي
 الصغيرة شهية جداً.. لذلك فأنا أتظاهر بمساعدتها في الأكل
 لأقتنص بعض الأصابع..
  - لا أعرف إن كنا سنحاسب على أحلام اليقظة أو حديث
 النفس.. لكن إن حدث هذا، فأنا في ورطة كبيرة..
  - يوجد لدي في خزانتي بنطال قديم.. لم يعد مقاسه مناسبا
 لي.. لكنني أبقيه لأتذكر الأيام الخوالي السعيدة..
  - إذا ما حدث وصليّت بينما شخص ما يراني.. فإنني أحاول


 الظهور بمظهر الخشوع، وأطيل الصلاة أكثر مما أفعل عادة.. و
 في حال اضطرتني الظروف لأكون إماما في الصلاة، فإنني وبدلا
 من قصار السور، أقرأ بضع آيات من سورة الرعد، حفظتها
 خصيصا لهذا الغرض..
  - صوتي في الغناء يطربني.. وهذا كافٍ.. يحدث أن تسمعه ولا
 يعجبك.. الأشياء السيئة تحدث..
  - الفشل في العلاقات العاطفية ليس أمرا سيئاً.. تحتاج بعض
 الأسابيع للتغلب عليه وإضافة رقعة جديدة على قماش قلبك
 المهترئ.. السيء حقاً هو تلك الكيلو غرامات الإضافية التي
 تكسبها أثناء فترة حزنك.. لا تختفي بسهولة..
  - حدث أن قادتني محاولة الظهور كمثقف لقراءة رواية قلوب
 ضالّة للأديب الهندي "طاغور".. الرواية كانت طويلة، ومليئة
 بالمصادفات المستحيلة كأي فيلم هندي..

 لم تفدني الرواية أدبيا بشيء.. لكن في إحدى الفقرات كتب
 طاغور يصف العشب الذي نما في إحدى الساحات الترابية قائلا..
 الطبيعة تكره الفراغ.. ومع أنه كان يقصد العشب، إلا إن هذه
 كانت أهم نصيحة تلقيتها في حياتي بشأن العلاقات العاطفية..


  - لا أعرف تماما ما الذي يجب فعله عندما أذهب لبوفيه مفتوح..
 هل أضع القليل من كل صنف فأبدو شرهاً؟ أم أضع صنفا واحداً
 فقط وأترك الأطباق اللذيذة الأخرى لأبدو كرجل حضاري!؟ وكم
 مرة أستطيع إعادة ملأ الطبق؟
  - عندما يشتري الناس أشياء فارهة لا أقدر على شرائها، فغالبا ما
 أتهمهم بالتبذير..


 - التسوّق هو أفضل مضاد اكتئاب استخدمته..
  - ما لم أكن منهكا تماما.. فإنني عادة أبدأ في انتقاد ما قاله زوّار
 بيتي فور خروجهم من الباب..

 أما إذا كنت منهكا، فإنني أنتقدهم لنصف ساعة فقط..


  - هذه هي السنة الخامسة عشرة على التوالي التي أؤجل فيها
 الذهاب للنادي الرياضي شهرا بعد آخر..
  - في التجمعات العائلية غالبا ما أفقد نسق الحديث مع الناس
 لأنني أكون أنظر إلى وجوههم فقط بدون الإستماع للحديث..
 وفي معظم الأحيان أفكّر بأشياء غريبة!
  - كلما صعدت في المصعد مع امرأة، تحضر إلى عقلي جميع
 اللقطات السينمائية المشابهة، وتحضر شياطين الإحتمالات..
  - أستهلك وقتا ثمينا كل ليلة لاكتشاف أفضل وضعية مريحة
 للنوم.. لكنني أنساها في الليلة التالية..
  - باستثناء أميّ، فإن هاتفي لا يرنّ إلا لمصلحة الطرف المتصل..
 لذلك فأنا أرفع السماعة منتظرا منه أن يطلب ما اتصل من أجله..
  - مع أنني لم أسمع أبداً أن شيئا كهذا قد حدث، إلّا أنني عند
 الخروج من أي فندق أنزل فيه، أخاف أن يفتشوا حقائبي
 ويعثروا على أشيائهم الصغيرة..
  - أحزن كثيرا عندما أرى أشخاصا قالوا كلاما يعبّر عني.. وأتمنى
 أن كنت أنا من قاله..

 لكن شيئا لم يحزنني أكثر من جونتر جراس.. عندما سمّى
 مذكراته "أثناء تقشير البصل"


الصدقة


 هذا الأسبوع كان حافلاً جداً بالنجاح على أكثر من مستوى،
 وقعت عقداً جديداً واشتريت هاتفا جديداً لزوجتي، ونالت ابنتي
 جائزة في مدرستها..

 لذلك - وكنوع من الاحتفال- قررت الخروج مع زوجتي لعشاء
 فخم مساء الخميس.. إثر وصولنا لباب المطعم، وجدت على
 الأرض درهماً، فاعتبرتها إشارة من الله بمزيد من الرزق.. التقطته
 وحمدت الله ودخلت..

 بعد العشاء اللذيذ، ذهبت - أجلكم الله - لدورة المياه لأغسل يديّ..
 وبعد أن انتهيت، لاحظت على المرآة أن عامل تنظيف المراحيض
 واقف ينظر إلي.. فكرت أن أعطيه بعض المال، وتذكرت الدرهم
 الذي وجدته.. لكنني خجلت أن أعطيه هذه القيمة البسيطة.. ولمّا
 لم يكن في دورة المياه سوانا، ناولته إياه ومضيت دون أن أنظر
 إلى وجهه..

 عدت لطاولتي، كانت الفاتورة قد حضرت.. وكانت أكثر مما
 توقعت، لكنني لم أشأ حتى أن أتبرّم.. كان احتفالا على أي حال..
 دفعت حساب العشاء، ولئلا أبدو بخيلاً أمام زوجتي، تركت
 بقشيشاً جيداً وخرجت..

 لدى خروجنا، كان هنالك مدينة ألعاب قرب المطعم، وأقرب لعبة
 إلينا كانت أن تحاول إدخال كرتين في سطل كبير.. فإن نجحت
 حصلت على دبٍ محشوٍ كبير، وإلا فلا شيء.. وكل محاولة
 بعشرة دراهم..


 أنفقت حوالي خمسين درهماً قبل أن أيأس.. لم تعجبني الخسارة،
 لكنه كان يوم احتفال، وتذكرت الدرهم إشارة الرزق القادم، فلم
 أحزن..

 لدى عودتي للبيت.. بدّلتُ ثيابي، وجلست أقرأ وردي.. فقرأت في
 الحديث..

 " ياابن ادم، أستطعمتك فلم تطعمني، قال: يارب، وكيف أطعمك
 وأنت رب العالمين ؟ قال: أما علمت انه استطعمك عبدى فلان،
 فلم تطعمه ؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندى.. "

 فقلت، الحمد لله أني لست منهم..

 ثم فتحت كتاب الله فقرأت "

  ۝ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا
 لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا
 أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ
 يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ
 وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ۝ (268)

 فدعوت الله أن يؤتيني مغفرة منه وفضلا ويرزقني من الطيبات،
 بإشارة الدرهم الذي وجدته.. ثم حمدت الله أن جمع لي الدنيا
 والدين، ودعوته أن يرزقني الخير الوفير.. ونمت..


بدون عنوان


 اليوم صحيت كثير بكير.. عالستة يمكن.. صحيت إمّي الله
 يخليها.. غيّرت لي البامبرز، وعملت لي الرضعة.. في هالأثناء كان
 أبوي بعاتبني بحبّ على قلّة نومه.. لكنّه رجع استخطى حاله..
 باسني ولاعبني شوي على السرير المورّد، وطلع عالشغل..

 عالسبعة قمت من السرير.. وبعد سندويشة الجبنة الصباحية،
 حملت شنطتي وأخذني أخوي مصطفى معه عالمدرسة.. المس
 إيناس زبطت لي قبّة قميصي، ودخّلتني عالصف مع الأولاد..
 وبدت تعلّمنا كيف نرسم أنهار وورود.. وكيف نلوّن جوا الرسمة..
 وما نلوّن بره.. وحفّظتنا سورة الفيل..

 عالتسعة يمكن.. طلعت أنا ويوسف من المدرسة.. رحنا اشترينا
 كل واحد سيجارة ووقفنا بره مدرسة البنات، ودخنّا السجاير كإنا
 رجال كبار.. بس ما طولنا هناك.. كان لازم نروح نغيّر ونطلع
 عالجامعة... اليوم أول يوم كان.. ويا دوب لحقنا نسجل مواد
 الفصل الأول لحوق..

 بعد التسجيل، تركت يوسف ورحت أنا ومها على مكتبة قريبة
 نطبع بحث التخرج المسروق. وقضت الطريق وهي تحكي لي إنه
 أهلها ضاغطين عليها في موضوع العريس اللي جاي، وأنا أصبّر
 فيها شوي شوي.. وأوعدها نكون سوا..

 وصّلت مها عالجامعة وطلعت عالشركة.... وصلت مع أذان الظهر
 تقريباً.... بس والله ما قدرت أصلّي.. ما كان في وقت.. كان عنّا
 اجتماع مهمّ مع المدير النكد.. ويا دوب لحّقت أطبع التقرير


 الشهري وأسلّمه قبل الاجتماع، وتغديت أنا وإسراء وأحلامها
 وطلعت..

 من الشركة طلعت عند نسايبي.. ومن هناك طلعت أنا ونهى،
 حجزنا صالة العرس ومواعيد المشاكل الزوجية الموسمية
 ومشاكل الكناين والسلفات، ووصلتها عالمستشفى عشان تولد..
 وأنا لسه بدي أتوضى عشان أصلّي العصر في المستشفى.. ولا
 مدرسة البنت بحكوا معي عشان مسرحية طلاب الصف
 الخامس.. طلعت المسرحية عالأربعة وأنا ناسي..

 حضرنا المسرحية وصورنا شوية صور نقاهر فيهم الناس،
 وبوجهي من هناك عالورشة.. حاسبت اللي ركب المطبخ، ونزلنا
 الأثاث.. وأخيرا صار الواحد عنده بيت مملوك للبنك، وخلصنا من
 هم الإيجارات..

 طلعت بعدها، زرت إمي في المستشفى، وبما إني هناك، عملت
 قسطرة وتفتيت حصا وشلت المرارة.. بس والله ما قدرت أحضر
 دفن إمّي.. كان لازم أطلع فورا على المطار.. وأذّن المغرب علي
 وأنا في الطيارة...

 رجعت من الغربة مخبّي معي في الشنط، ضغط وسكري وعشيقة
 ثلاثينية وسيارتين ومزرعة، ومحلين تجاريات.. نعمة وفضل من
 الله.. وأول ما وصلت مطار عمّان، أخذت الضمان وعملت قلب
 مفتوح، وجوزت البنات.. وطلعت أحضر عيد ميلاد إيناس بنت
 إبني..

 أعطيتها هدية ملوّنة وزبّطت لي قبة القميص..


 في عيد الميلاد، حكى معي أخوي الكبير مصطفى.. إلنا فترة كنا
 بنحكيش.. من يوم ورثة إمي..

 وصلت عنده عالعشرة بالليل.. صالحته.. ودفنا أبوي.. وجوزت
 ابني الصغير لبنته.. ودفنته وطلعت..

 عال 12 أخيراً وصلت عالبيت.. إجت الشغالة حممتني، غيّرت لي
 البامبرز، شربتني الأكل، وورجتني صور ولادي، وحطتني في
 السرير المورّد وراحت..

 الله يلعن الشيطان.. والله ما أنا عارف هاليوم كيف خلص!


عن الحبّ والعصافير..


  - بعد تجربة عدة كاميرات، وتصوير من عدة زوايا، وبإضاءات
 مختلفة.. - تقريبا اقتنعت -، أنّ الخلل في صوري الشخصية ليس
 شيئا تقنيّاً...
  - عندما أخرج من صلاة الجمعة، أبدأ بالاستغفار عن كل كلمة
 آمين كاذبة قلتها أثناء دعاء الإمام..
  - أنا من نوعية الناس الذين - لو - قدّر لهم دخول الجنّة،
 فسيذهبون إلى النار ليسكبوا الوقود على أهلها.. ويرجموهم
 بالحجارة..
  - الإنسان الطبيعي هو الإنسان الذي يتمتع بمقدار "مقبول" من
 العيوب.. الإنسان الكامل غير موجود..

 هذه النظرية التي اخترعتها، ساعدتني كثيرا في أن أتصالح مع
 حقيقة أنني وغد..


  - لدي انعدام ثقة بالنفس يدفعني لمحاولة فرض نفسي في كل
 حوار، خصوصاً لو لم أكن أفهم فيه.. فإذا ما قلتَ لي يوما أنك
 شاهدت فيلماً فرنسياً، وبدأت بالكلام عنه.. وبدأ الناس يستمعون
 لك ويعجبون بكلامك.. فإنني سأقاطعك فوراً لأقول أن زوجة ابن
 عمتي درست هناك.. وسأسترسل في الكلام حتى يغيب
 موضوعك..
  - مع أن الأمرين يتطلبان تقريبا نفس المهارة، إلّا أنني بارع في
 انتقاد الناس، وعاجز أمام مدحهم..


 في الواقع، أنا أعمي عيوني عن كل محاسنهم، وأبحث عن أصغر
 خلل فيهم لأنتقده وأضخّمه.. هذا يشعرني بالراحة.. ولكنه في
 الوقت نفسه يمنعني من الاستمتاع بجمال أي شيء.. ربّما علي
 امتداح الجمال بصدق، لأتمكن من الاستمتاع به..


  - كان من المفترض أن تجعلنا التكنولوجيا نوفّر الوقت.. فمثلاً
 نوفّر ساعتين يومياً لنقضيهما في المشي ومشاهدة الأشجار
 والطيور.. هكذا كانت النظرية..

 الواقع، أن التكنولوجيا قتلت فضيلة الصبر، وجعلت لدينا هوساً
 مجنونا باستهلاك الوقت حتى آخر ثانية.. فلم نعد نتحمل أن
 نجلس "هادئين" ولو حتى لعشر ثوانٍ..

 صار مجرد الذهاب لدورة المياه، يستوجب أن تأخذ هاتفك معك..
 من يعلم.. ؟ قد تتأخر هناك..


  - أحتاج لتطبيق يجعلني أصلي وأنا ممسك بهاتفي.. ويفضل أن
 يكون مرفقاً بفتوى.. حسنا.. أقبله بدون فتوى..
  - قبل عصر التكنولوجيا، لم أكن أبدأ نهاري بتصفح هاتفي.. لقد
 نسيت ماذا كنت أفعل في الصباح، ربّما لم أكن أفعل شيئا.. لكن لا
 شك لدي أن هذا اللا شيء كان جميلاً.. أتذكر أنني كنت سعيداً
 في الصباح..
  - كيف أصبحت أحس أن قضاء خمس دقائق في مراقبة
 عصفورين فوق شجرة، مجرد مضيعة للوقت؟ بينما قضاء
 ساعتين في التجول غير الهادف على حوائط أناس لا أعرفهم،


 شيء مثير للاهتمام؟
  - بتكون بتحبّ "عصفور".. ولإنك بتحبّه، بتقرّب منه عشان تملّي
 عيونك منّه.. بروح بهرب.. بتصير تحكي.. يا ريتني ما قربّت
 عليه.. بس ظلّ قدام عيوني.. "العصفور"..

 بس خلص، الأشياء ما بترجع مثل ما كانت.. - أحمد الله أنني
 أحببتك قبل عصر وسائل التواصل الاجتماعي.. لم يكن قلبي
 ليحتمل أن أطاردك في كل تطبيق.. - ما لم يبتلعني حوت، أو
 يقسمني منشار كهربائي إلى نصفين، أو أتحول إلى فانوس أزرق..
 فإنني وبكل صدق أرغب أن تموتي معي.. لا أريد أن أسير في
 ممرّ الأبديّة وحدي.. يجب أن تكوني هناك.. ممسكة بيدي
 وبقلبي.. - قبل أحد عشر عاما، وفي ليلة زواجنا بالتحديد،
 وضعت مزاجي ونظارتي على الطاولة الصغيرة بقرب السرير
 ونمت.. وعندما استيقظت في الصباح، وجدت النظارة فقط..

 لم يكن من اللائق وقتها أن أتهمك بالسرقة، كنا نعرف بعضنا للتوّ..
 لكنني الآن، وبعد أن أصبحت أفرح فقط عندما تفرحين، وأحزن
 فقط عندما تحزنين.. لم يعد لدي أدنى شك أنك أنتِ من تسرّب
 في جنح الليل وسرق مزاجي..


  - لا شك لديّ أنكِ كنتِ قاتلة متسلسلة في حياة سابقة.. كيف
 تفسرين إذن أنّ يعاقب الله قديسة مثلك بالزواج من رجلٍ
 مثلي!؟.
  - عندما التقينا لأول مرة، حاولت قدر الإمكان أن أخفي عيوبي
 وأن أبدو جذابا ورائعا ولطيفا.. وأعطيتك الكثير من الوعود
 بحياة مذهلة.. وظننت وقتها أن هذه هي أفضل طريقة لإثارة


 إعجابك والحصول على حبّك..

 مع مرور الوقت، بدأت عيوبي تظهر، عيبا تلو الآخر، ومعها تنعدم
 قدرتي على الوفاء بوعودي، وعدا تلو الآخر.. وظننت حينها أن
 حبّك لي قد يقلّ أو يتأثر.. لكن ذلك لم يحدث، ولم تتخلي عنّي..

 واليوم، أجلس في منتصف صحراء هذه الدنيا بوجه يعلوه غبار
 السنين وأجزاء مبعثرة.. في يدي سيف مكسور صدئ.. وليس
 علي من رداء سوى حزني.. ولا زلت تقفين إلى جانبي بابتسامتك
 الملائكية، لتقولين لي أن الأمور ستصبح أفضل..

 لا أحد يعرفك.. لكن أنا أعرفك.. أنت إمرأة عظيمة.. وأنا بكل
 حرائقي ونزيفي وحماقاتي.. أحبّك..


  - يحدث أن تعجب بشخص ما.. وترفع منزلته في قلبك.. وإذا ما
 صار هنالك نوع من الحديث الودي والابتسامات أو التجاذب
 بينكما، فإنك تقوم برفع منزلتك في قلبه - افتراضاً -.. وتتصرف
 على هذا الأساس..

 في حال كان افتراضك خاطئ.. - وهذا يحدث كثيراً -، فإن
 السقوط من هذا الارتفاع مؤلم..


تنويعات على مقام الناس


  - كأرنب بريّ، يجب أن لا يكون لديك أي مشكلة مع الذئاب.. فهم
 وإن حاولوا قتلك، فإنهم يفعلون ذلك بإرادتهم الحرّة ولسبب
 وجيه جداً وهو الطعام.. وليس بسبب أحقاد أو دناءة.. وهذه
 منافسة عادلة على البقاء...

 مشكلتك الحقيقية يا بنيّ، هي مع كلاب الصيد.. تلك المخلوقات
 التي لا تتنافس معك على البقاء، وتعيش في مجال آخر مختلف
 عن مجالك.. ومع ذلك فهي لا تَكلًّ ولا تملّ في مطاردتك.. هؤلاء
 هم الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، ويبذلون أقصى الجهود في
 أذيتك، لا من أجل منفعتهم، بل لمنفعة أسيادهم.. ولا ينالون
 مقابل ذلك إلا بعض العظام والاحتقار..

 هؤلاء هم من يجب أن تحذرهم.. وهم كثر..

 (من وصايا الأرنب العجوز)


  - من المفيد أحياناً أن تسخر من نفسك ومن الأشياء.. لكن على
 المدى الطويل، فإن السخرية تعطي مفعولاً تخديرياً، ولا تزيل
 الألم..

 لذلك، حاول بين فترة وأخرى أن تجري لنفسك بعض العمليات
 الجراحيّة.. شقّ الجرح بدون تخدير.. تألّم كما لم تتألّم من قبل..
 إستأصل الدمامل، طهّر الجرح، وأغلقه...


 لن تعود كما كنت.. لكنك ستشفى..


  - ليس هنالك من قانون مكتوب يحدد نجاحك.. لا شيء يقول،
 أنك في عمر كذا يجب أن تكون قد فعلت كذا وكذا.. وفي عمر
 كذا يجب أن تمتلك كذا وكذا.. هذه كلّها أوهام..

 نحن مختلفون تماما عن بعضنا البعض.. ونجاحك لا يقاس
 بمقارنة ما تملكه بما يملكه الآخرون..

 قد تنجح بمقاييس الناس المادية وقد لا تنجح.. هذا لا يهمّ.. قد
 تبذل جهودا جبارة ولا تنجح كما تتوقع.. هذا أيضا لا يهمّ.. وذلك
 لأن النجاح بطبيعته مرتبط بتوفيق الله عز وجل.. المهم فعلا أن
 تعمل كثيرا وتلعب قليلا..

 ورددّ كل صباح..

 "وعليّ أن أسعى وليس عليّ إدراكُ النجاحِ"


  - فعليا، أنت لا تحتاج لتكون بارعا في اللغة والتشبيهات لتعبر
 عن حبك لشخص ما.. تكلم بصدق فقط، وكن واثقاً، أن هذا
 الصدق، سيتجاوز في نهاية الأمر كل شيء آخر..
  - أنا من البسطاء.. والبسطاء مني.. أنتم ورد هذه الدنيا وماء
 شتائها.. وأنتم ملح الأرض..


إلى كل أم تقف على ناصية الحياة..


 اللي كل يوم بتصحى والدنيا ليل عشان تلحق قطار الحياة
 السريع.. اللي عمرها ما شبعت نوم.. اللي بتفك بين بناتها كل يوم
 الصبح لمّا يتقاتلوا عالبكل.. وبنفس الوقت بتعمل فطور لجوزها..
 اللي بتترك ضناها اللي برضع وراها وبتطلع عالشغل لأنه الدنيا
 بدها هيك..

 اللي بتتطلع من شباك الباص على كل الناس اللي بسوقوا سيارات
 وبتتخيل حالها مكانهم، بس عارفة انه الحلم بعيد.. ويمكن
 بحياتها ما تخلص من هم المواصلات.. اللي بتشتغل في مكان
 بتكره فيه كل حدا.. ونفسها كلهم يموتوا.. بس مضطرة تجامل
 وتبتسم لأنه ما عندها رفاهية إنها تترك..

 اللي عايشة عالجمعيات وبتتكركب كل أمورها لو الراتب تأخر
 يوم بس.. اللي بتقسم كيلو اللحمة المفرومة أربع طبخات.. اللي
 بتتسلف من خواتها اللبسة للمرة الخامسة.. اللي بتاكل هم
 يوصلها كرت عرس أو حدا ينجح في التوجيهي.. اللي بتتحمل
 كلام حماتها وتلميحات بنات حماها.. بس عشان الحياة تمشي..

 اللي نفسها تحط ولادها بمدارس أحسن، وتشتري لهم ملابس
 أحسن.. وما يحسوا حالهم أقل من حدا.. بس مش قادرة.. اللي
 بتحضر مسرحية مدرسة الأولاد وبتشوف ابنها كان كومبارس،
 وفي ولاد ثانيين أخذوا كل الأدوار ومع هيك بتظل فخورة فيه..
 اللي بتتقبل مستوى بنتها المتوسط لأنه الناس قدرات..

 اللي بنجرح قلبها لما بتشوف صور اللي بطلعوا رحلات بره البلد،


 وعارفة انه صعب تطلب هيك من جوزها.. اللي ما بتلاقي وقت
 تمشط.. ولا تهتم بحالها.. وكل وين ووين لما تتطلع على المراية..

 عشان تكتشف إنه الحلوة اللي كانت زمان عم تختفي.. اللي
 نفسها تشتري لبسة أو جلباب جديد، بس دايما بتبدي حدا ثاني
 على حالها..

 اللي بترجع من شغلها حيلها مهدود، وبتوقف في المطبخ تحضر
 طبخة ليومين جايات.. اللي كل ما ولادها يطلبوا منها شي..
 بتأجله بأعذار واهية.. بس بدون ما يزعلوا..

 اللي بتراعي جوزها، وبتتفهم ظروفه.. وما بتطلب منه أكثر من
 طاقته.. ولا بتقارنه بحد.. وعارفة إنه مش أحسن زلمة موجود،
 بس بتحبه وبتحترمه وبتصونه.. اللي بزعجها شخيره بس عمره
 ما عرف إنه شخيره بزعجها..

 اللي بتبتسم لما تشوف الستات على التلفزيون.. بحكوا عن
 تحرير المرأة وحقها في العمل..

 اللي ما بوصل آخر الليل إلا مش قادرة توقف على رجليها.. ومع
 هيك بتقعد على سجادة الصلاة تشكر ربها على النعمة،
 وتستغفره، وتدعيه يرضى عنها ويوفق ولادها وجوزها..

 اللي صارت جدّة، واللي صارت أم، واللي كانت أم.. واللي نفسها
 تصير أم، واللي يئست تصير أم.. واللي راحت عند ربّنا.. إنتوا
 كلكم أمهاتنا..

 بتحبونا رغم كل شيء سيء بنعمله.. رغم عقوقنا كأبناء
 ومضايقاتنا كإخوة ونكدنا كأزواج.. لسه بتحبونا، وبتحملوا هم


 الحياة عنّا.. بكل صبر وقوة وجلد.. ووجودكم في حياتنا كإناث،
 هو اللي بعطينا التوازن.. وبخلي هاي الحياة القاسية أسهل..

 لكنّ مني، ومن كل رجل، كل التحية والاحترام... وكل عام وأنتنّ
 جميعا بخير..


تنويعات على مقام البياتي..


  - إذا ما زارني أحد في مناسبةٍ ما وأحضر معه هدية مغلفة،
 فإنني أتصرف وكأنه لا فضول لدي بمعرفة ما تحتويه الهدية..
 لكن - بمجرد خروج الضيف - فإن هذا التمثيل لا يدوم عادة أكثر
 من دقيقتين..
  - في معظم المرات التي تكلمت فيها للناس، عن دوافعي لفعل
 الأشياء، كنت كاذباً..
  - إذا لم يكن فيها شيء تخجل منه، لا يمكن تسميتها عائلة..
  - في الوقت الذي أبتسم فيه للنادل، وأقلب فيه صفحات قائمة
 الطعام، لأبدو كمن يختار وجبة يحبها.. يكون عقلي مشغولا
 بعمليات حسابية..
  - لدي فضول عجيب في استكشاف محتويات ثلاجات الناس..
 لا أريد أن آكل.. أن أنظر فقط..
  - أعتقد جازما أن معظم ما يكتبه الناس عن علاقتهم التجريدية
 التكعيبية السريالية المتفردة الرائعة بالقهوة، هو عبارة عن هراء..
  - في اللحظة التي آمنت فيها أنني لا يجب أن أنام قدر ما
 أشتهي، أو آكل قدر ما أشتهي، أو أتكلم قدر ما أشتهي.. بدأ
 نجاحي..
  - فرضية أن من يتمتع بجمال جسدي، يكون سطحياً، لا تستند
 إلى أوهام الحسد.. في الواقع، القبول الاجتماعي الذي يتمتع به
 الشخص الجميل لا يدفعه لتطوير أي مميزات أخرى.. وفي
 الجانب الآخر، ترى من هم أقل حظاً من الناحية الجمالية
 يطورون ميزات أخرى ليحظوا بالتنافسية..


 بعد كل حساب، تبدو الفرضية صحيحة.. أجمل الأرواح التي
 قابلتها كانت في أجساد عادية..


  - ستصل لمرحلة ما في حياتك، وأرجو أن لا تصلها متأخراً..
 تعرف حينها أن معظم الجهود والكلام والأعمال التي قمت بها من
 أجل الآخرين كانت مضيعة تامّة للوقت والجهد.. وأنك لو
 استثمرت هذه الموارد من أجل نفسك لكان أفضل بألف مرّة..

 حِينَئِذٍ.. ستتشابه الأنانية مع السعادة لدرجة أنك لن تفرق بينهما..


  - عندما تخطئ مع إمرأة، لا تراوغ ولا تحاول اختراع أعذار..
 تحمل المسؤولية وإعتذر بكل صدق وأسف.. وتذكر أن الذهب -
 قادر دائماً - على تحسين موقفك..
  - مهما كان حجم الجرم الذي ارتكبته، ولو كان قتل عشرة
 أشخاص، لا تنحني لأحد ولا تذل نفسك..

 قف كإنسان كامل الكرامة والعزة، واعترف بأنك أخطأت وتحمّل
 نتيجة خطأك.. حينذاك، لن يجرؤ أحد على إهانتك..


  - إياك أن تفرح إذا أخذت من الناس شيئا بدون أن تدفع مقابله
 نقوداً.. بطريقة أو بأخرى، ستدفع ثمن ذلك... والمسألة مسألة
 وقت..
  - إذا ما حدث وكرهتُ شخصاً ما، فأنا أكره أطفاله أيضا.. وأمه
 وأبيه، وقبيلته التي تؤويه..
  - أكره بقايا النقود التي لا أستطيع سحبها عن طريق بطاقة


 الصراف الآلي.. والله أحتاجها يا أخي..
  - أكبر عقاب لأولئك الذين لا يعجبهم شيء، هو أن لا يعجبهم
 شيء..
  - لو غاب عنك أخوك لمدة أسبوع، ثم قال لك أنه كان في
 باريس، لكن لم تتح له الفرصة لالتقاط صورة أمام برج إيفل، فإن
 احتمال أن تصدقه لا يتجاوز الواحد في الألف..

 رحم الله أبا بكر، لمّا قال له كفار قريش "إن صاحبك يزعم أنه
 أسري به من مكة إلى بيت المقدس، وعاد في ليلة" قال لهم..

 "إن كان قالها فقد صدق"..


  - ديك الجنّ! شو إسمك الحقيقي ياخوك؟
  - I am not at a liberty to disclose such information
  - أفحمتني.. You carbonized me..

 (حوار حقيقي)


عمَّار


 لمّا انولد عمَّار كان عمري ثلاث سنين.. وما بعرف إذا أنا فعليا
 متذكر لمّا إمي روحت من المستشفى حامليته على إيدها، أو إنه -
 مثلي مثل الناس - عقلي برسم هاي الذكريات الوهمية، وبهيأ لي
 إنّي متذكر.. لكن الشيء الأكيد إنّي مش متذكر أي شيء من
 طفولتي قبله..

 كنا أسرة سينمائية إلى حدٍّ ما.. أم شابة جميلة في منتصف
 العشرينات.. وأب ثلاثيني مقتدر، وعايشين في بيت جميل زي
 إمي، وبلد عربي مقتدر زي أبوي..

 وفي الوقت اللي أنا كنت فيها ماخذ ملامح أبوي القاسية وشعره
 الأجعد.. كان هو متشرّب كل جمال إمي.. ملامحها.. غمازاتها..
 عيونها الخضر.. شعرها.. كل شي فيها.. كان نسخة عنها.. كان
 عنده كل سبب يخليها تحبّه.. إلا إنّي لغاية الآن بعتقد إنها ما
 كانت تحبّه.. أو اللي صار بعدين هو اللي ما خلّاها تحبه..

 في عمر سنتين تقريبا.. اتضح انه أخوي عمَّار عنده مشكلة في
 الكلام والتصرفات.. كان كل كلامه صرخات متقطعة ما فيها أي
 حرف.. وتصرفاته بتدل إنه عايش في عالم ثاني.. وبعد فترة من
 التخمينات والتطمينات، التشخيص حسم الموضوع.. في عمر
 ثلاث سنوات.. تم تشخيصه - زي ما حكت لي إمي بعدين وعلى
 مراحل - بإعاقة عقلية شديدة.. وطيف من أطياف التوحد..

 بعد تشخيص حالة عمَّار واليأس من شفاؤه.. راحت السكينة من
 بيتنا.. وبدأت المشاكل تظهر رؤوسها الصغيرة مثل براعم


 الشيطان.... بدأت بتوتر بسيط على طاولة الغدا.. بعدين أصوات
 مكتومة ورا جدران غرفة النوم.. لكن شوي شوي طلعت الأصوات
 خارج غرفة النوم.. وزادت لدرجة إنّي كنت أتخبى وأخبّي عمَّار
 عنها، وصاحبها تكسير أواني ومزهريات وبكاء وعصبية.. وبعد
 فترة من المشاحنات، انتهى الزواج السينمائي بطلاق سينمائي..
 وأتوقع إنه كان مجزي ماديا لإمّي.. لأنها أبدا ما اضطرت تشتغل..

 انفصال أبوي عنّا، وحالة عمَّار الميئوس منها، دخلوا إمّي في حالة
 إكتئاب شديدة كانت تعّبر عنها بانعزالها وصراخها المستمر..
 ويمكن هذا عمل عندها نوع من ردة الفعل تجاه عمَّار بالذات..
 يمكن فكرت إنه هو كان السبب أو بشكل أدق، إعاقته كانت
 السبب.. لكن بكل الأحوال.. النتيجة كانت، إنها كانت تتحاشى
 تلعب معه بأي شكل وتتهرب من حبه البريء تحت أي عذر..

 ما طلعنا من البلد، ظلينا فيها.. لكن رحلنا على بيت أصغر.. وإمّي
 جابت لنا شغالة تدير بالها علينا.. وتفرغت لحياتها الخاصة..
 وكانت هاي أكبر فترة ربطت بيني وبين عمَّار..

 بغض النظر عن إعاقته، كانت حياتي معه جداً سعيدة.. ما قدر
 طبعا يدخل المدرسة.. فظل حبيس البيت.. وكونه أبوي كان
 اختفى تماما، وأمي طول نهارها بره البيت.. والشغالة ما بتحكي
 معه.. كنت أنا دنياه كلها.. وكان هذا الشيء يسعدني بشكل لا
 يوصف.. كنت أول ما أرجع من المدرسة، ألاقي بستناني بصرخاته
 اللي زي فتى الأدغال.. وأقضي نهاري كله معه..

 كنا كثير نلعب، طبعا ما كان لعب لعب زي ما بلعبوا الأولاد.. لأنه
 كان جاهل بأي نوع من القواعد.. كان تخبيص بس.. لكن كان


 وقت نقضيه سوا كإخوة.. وبرغم قدراته العقلية المعدومة
 تقريبا.. إلا إنه كان في نوع من التفاهم البسيط بيننا.. كان يفهم
 علي شو بدي..

 وكبرت.. وكبر عمَّار.. وفي الوقت اللي كان حبه لإمّي يكبر.. كان
 تجاهلها إله وخجلها منه يكبر.. كانت تنظر لي إنّي أنا الابن
 الشاطر المجتهد الذكي اللي بتفاخر الناس فيه، وهو الابن المعاق
 الغبي التي بتخجل منه وبتخبيه عن الناس..

 وهذا الشيء بالذات كان سبب الفجوة الكبيرة اللي بيني وبينها..

 كنت - برغم كل شيء - بحبه وما بخجل منه... لدرجة مرة - كنت
 في الصف الخامس يمكن- كان عندي تكريم في المدرسة، كنت
 من الأوائل.. وكانت حفلة التكريم بعد الظهر ولازم نروح أنا
 وإمّي.. ولمّا عرضت يجي عمَّار معنا ما رضيت.. كانت مانعة بأي
 شكل من الأشكال إنه يروح معانا أي مكان عام... فضحكت عليه
 بشي.. وطلعنا بسرعة بدون ما ينتبه، وما أخذناه..

 لمّا رجعنا.. كان واضح إنه مش موقّف بكا طول الوقت.. وخابط
 راسه في الأرض لمنزل الدم من راسه.. لمّا شفته والدم والدموع
 معبيين وجهه، نسيت كل فرحتي بالتكريم، وركضت عليه..
 تركني وراح عند إمّي.. ومع هيك تجاهَلته وصرخت عليه وراحت
 على غرفتها وسكَّرت الباب.. يومها قلبي انحرق عليه.. كان منظره
 وهو قاعد على باب غرفتها ببكي.. والشغالة بتحاول توخذه
 تغسله وهو مش راضي، أقسى من الاحتمال.. حتى أنا لما كنت
 أحاول أقرب عليه يضربني.. كان يحب إمي أكثر من روحه.. بس
 ما كان يلاقي منها إلا الصدّ.. يومها بالذات بدأت فعليا أكره إمي..


 وقررت إنّي بحياتي ما أتركه.. وأنا اللي راح أعوضه عن كل حب
 إمي.. وغصب عنها..

 صرت لمّا أروح من المدرسة أطلعه معي عالحارة.. عالم جديد
 بالنسبة إله.. وناس جداد.. ومع إنه الموضوع عمل لي مشاكل لا
 حصر لها مع إمي.. إلا إنها كانت ولا شي مقارنة بالمشاكل مع
 الناس..

 كانت طريقة عمَّار في إبداء إعجابه بالناس إنه يضربهم.. هيك
 كان بعمل معي، بس الناس ما كانوا مستوعبين هذا الأسلوب
 المبتكر.. خصوصا إنهم ما بعرفوا وضعه، وشكله الخارجي لا
 يوحي بأي شي.. ولغاية ما فهموا هاي الحقيقة، أنا اللي دفعت
 الثمن..

 كنت مرة ماخده معي مشوار لآخر الحارة نشتري شي من
 المكتبة.. وقتها شفنا ولدين سودانيين توأم، كانوا أكبر مني بسنة،
 وشرّانيين كثير وكانوا متحركشين في وضاربينني أكثر من مرة..
 كانوا ماشيين ومعهم أختهم الصغيرة حاملة آيس كريم..

 وبس شفتهم دعيت ربّنا ما يتحركشوا فينا..

 وفعلا ربّنا استجاب.. ومروا من جنبنا بسلام.. لكن من غامض علم
 الله، لمّا صاروا بمحاذاتنا تماماً، قام عمَّار خطف الآيس كريم من
 أختهم وضربها ووقعها على الأرض وهرب... حاولت أستغل
 صدمتهم من الهجوم الوقح والجريء وأهرب أنا الثاني بس ما
 لحقت.. عمَّار لحاله هرب.. وأنا مسكوني.. وتمكنت في ظل انهمار
 الضرب الثنائي بالأيدي والأقدام، تمكنت بنص عين أشوف عمَّار
 جاي بركض لعندي على هيئة منقذ.. وأول شي عمله لمّا وصل، إنّه


 بلش يضرب في معهم.. بس منيح على كل حال.. هذا اللي وقفهم
 من الضحك..

 ومع هيك، ما زعلت منه.. كان كل شي بعمله على قلبي عسل..
 كان أخوي.. دمّي ولحمي.. إبني كان.. أخذته كل مكان.. عالحارة،
 عالنادي القريب.. عالمسبح.. وعلمته السباحة وسبح كأنه طول
 عمره بسبح.. حتى إنّي مرة لمّا كبر.. قبل ما أدخل توجيهي
 بشوي.. أخذته عالمسجد..

 كانوا أصحابي إقترحوا علي آخذه عالمسجد يصلي.. وأنا أدعي
 له.. ممكن ربّنا يستجيب ويشفيه.. وفعلا اقتنعت بنصيحتهم..
 وساعدني إنه عمَّار كان يهدأ ويكنّ لمّا يسمع القرآن.. وكنت لمّا
 أصلي يوقف جنبي ويسوي مثل ما بسوي.. فتشجعت وأخذته
 معي..

 لكن من وحي تجارب سابقة.. أو مصايب سابقة.. اخترت أقل
 صلاة بكون فيها ناس.. كانت صلاة العصر في رمضان.. وفي
 مسجد صغير ما في حد.. ما بتكمل فيه الصلاة صفّين..

 دخلنا على المسجد.. وفعلا عمَّار ظل قاعد وساكت.. وأقاموا
 الصلاة وكنا ورا الإمام مباشرة.. وبدأت الصلاة.. طبعا أنا مش
 مركز نهائيا في الصلاة.. قلبي برجف من أي حركة بعملها عمَّار..
 لكن ظل هادي وساكت..

 كانت الدنيا رمضان والجو صيف، والإمام تعبان.. قرأ الفاتحة
 وسورة صغيرة يمكن وركع.. في السجود غمّضت عيوني ودعيت
 ربّي يشفي أخوي شفاء لا يغادر سقماً.. وفي غمرة خشوعي في
 الدعاء، واستحضار ألطف الكلام.. صحيت على صوت الأمام


 بصرخ.. كان عمَّار استغل سجوده ونطّ على ظهره وبلّش ضرب
 فيه وهو يصرخ بأصواته المميزة..

 طبعا فرطت الصلاة كلّها.. وبألف يا ويلاه، لفكيناه أنا والمصلين
 عن ظهر الإمام، وانطردنا شرّ طردة، وأنا بشرح للناس إنه
 مسكين.. ما بعرف إذا أفطر الإمام يومها، بس أكيد ما إنقبل له
 صيام من ورانا..

 وبمواقف شبيهة مشيت حياتي مع عمَّار.. وكبرنا.. وصار لازم
 أدخل جامعة.. ووقتها رحلنا كلنا على عمّان.. وهناك كانت حياتنا
 على موعد مع تغييرات كبيرة..

 وقتها إكتشفت إنه أبونا اللي ما شفناه من واحنا صغار.. كاين
 شاري بيت إلنا في عمّان وكاتبه بإسمي وإسم عمَّار.. وسكننا فيه..
 كان بيت كبير حلو ومعه حديقة وقريب من الجامعة الأردنية..

 دخلت هندسة ميكانيك.. وفي نهاية السنة الأولى عرفنا إنه أبوي
 مات والمحكمة حولت لنا ورثة محترمة.. وطبعا إمي كانت
 الوصي على فلوس عمَّار.. بعدها بأشهر، إمي قعدت معي وحكت
 لي قرارها الغريب.. حكت إنه في شخص مناسب تقدم لها وهي
 موافقة... وإنّه هي تعبت وضحّت عشاننا، وإحنا كبرنا وتطمنت
 علينا، وبدها تشوف حياتها.. كانت في منتصف الأربعين.. وطبعا
 هذا حقّها.. لكن العريس كان هو المشكلة..

 كان أصغر منها بعشر سنين.. ومع إنّي كنت وقتها شاب صغير، إلا
 إنّي ميزت من أول قعدة معه نوعيته.. كان من النوع اللي بستغل
 وسامته وكلامه المعسول ووحدة النساء للحصول على فلوسهم..


 طبعا ما كان مناسب إنّي أرفض ولا منطقي.. لكن خوفي
 الأساسي كان من ردة فعل عمَّار.. خصوصا إنه عريس الغفلة كان
 راح يعيش معانا في البيت..

 تزوّجوا.. وراحوا شهر عسل على تركيا.. وكانت لأول مرة بتترك
 عمَّار.. ومع إنه كان كبير وقتها.. إلا إنه الموضوع أثر عليه.. لكن
 الأثر الأكبر كان لمّا رجعوا من شهر العسل.. وعاش زوجها معنا في
 البيت.. بدأت الحياة الحقيقية وبدأت معاناة عمَّار..

 تم الجزء الأول.. غداً الثاني في نفس التوقيت

 عمَّار.. الجزء الثاني والثالث والرابع..

 ورجعت إمي وزوجها من شهر العسل.. طبعاً كشاب في الجامعة،
 كان صعب جداً علي أتأقلم مع حقيقة إنه في شاب غريب عايش
 معنا في البيت، وهو زوج إمّي!!! لكن لو أنا ساعدتني الحكمة
 وطبيعة الأشياء إنّي أتفهم الموضوع، فعمّار كان عاجز تماما عن
 فهمه..

 كان الوضع سيء للجميع، كان في شبه إحساس بالذنب - غير
 المفهوم - من جهة إمّي وعريسها وإحساس بالضيق من جهتنا..
 ومع إنه أنا ومصطفى (زوج إمّي) وإمّي كنا بنتصرف بنفاق الكبار
 ومجاملاتهم، عمَّار بطفولته كان مختلف..

 كانت نظراته لمصطفى قاتلة، وبتدلّ إنه في ردة فعل عنيفة
 تطبخ على نار حامية.. عشان هيك كنّا نظل دائماً على أعصابنا
 خوفاً من أي ردة فعل مفاجئة لا يحمد عقباها.. ومصطفى من
 جهته، كان ذكي وفاهم الموضوع تماماً، عشان هيك كان يتجنب


 أي حركة تقارب مع إمي بوجود عمَّار، وبوجودي بالضرورة، إنّما
 بصورة أقلّ..

 لكن التصابي والفرحة اللي كانت إمي عايشيتها في شهر العسل،
 نوعاً ما أعمت عيونها عن حساسية عمَّار.. وما أخذ الموضوع أكثر
 من يومين قبل ما يهاجم عمَّار مصطفى الهجوم المحتوم...

 كانت إمي في المطبخ بتعمل معجنات، وعمّار قاعد عندها، ماسك
 كتاب الطبخ بالمقلوب، وبلعب بمرقّ العجين.. دخل مصطفى
 المطبخ، غافل تماما عن ترتيبات القدر.. وإمّي الله يصلحها، يبدو
 إنّها حطت إيدها على خصره.. وكانت هاي إشارة البدء لعمّار..

 في أقل من ثانية، كان مرقّ العجين معبي وجه مصطفى دمّ
 وطحين.. ولولا سرعة تدخّل إمّي والشغالة، كان مصطفى راح
 فيها..

 لمّا وصلت المطبخ أنا كانوا بعّدوا عمَّار عن مصطفى، ومسكته أنا
 فوراً.. طبعاً مصطفى بيّن إنه الموضوع عادي، وإنّه عمَّار عقله
 عقل طفل وما عليه عتب.. لكن هذا ما كان مهمّ... موقف عمَّار
 بعد هيك كان هو الحدث الأساسي..

 كانت إمّي منحنية على عريسها وبتمسح عنه الطحين والدمّ..
 وبنفس الوقت كرهانة كل وجود عمَّار ونفسها تنشق الأرض
 وتبلعه.. كانت بتصرخ عليه وعيونها كلّهم حقد.. وهو لأول مرة
 كأنه بحاول يحكي حوار.. كإنه إعاقته كلها إختفت وما في شي
 بمنعه من الكلام إلا لسانه.. كان يصرخ ويأشر ويبكي بنفس
 الوقت.. ويحاول يحكي ويشرح بس لسانه خانه.. وشفت في
 عيونه إنّه ما كان فاهم شو صاير.. بالنسبة إله كان بحمي إمّي


 وهي بتبهدل فيه... هدّيته وأخذته على غرفته وأنا ماكل هم
 الأيام اللي جاي..

 بعدها صرت أحاول ما أتركه في البيت إلا مسافة ما أكون في
 الجامعة.. لأني عارف قديش بحبّ إمّي وقديش هي وزوجها
 بكرهوه.. وعلى قد ما كنت خايف من ردة فعله، كنت خايف
 عليه.. ووقتها صرت أشوف تغييرات على عمَّار بحياتي ما
 شفتها..

 كنت أرجع من الجامعة ألاقيه في غرفته.. ساكت ما بحكي شي..
 ولا بعمل شي.. الحيوية اللي كانت فيه اختفت.. حتى لمّا
 يشوفني ما يتحرك.. كأنه بعالم مختلف تماماً.. كان واضح إنه في
 إشي كسره.. بس أنا ما كنت عارف شو هو.. وحتّى لمّا سألت إمّي
 جاوبت بعصبية إنه يروح ينصرف عمَّار.. ما صار له شي..

 بعدها صار عمَّار لازم ينام معي على التخت كل يوم.. وتقريبا كل
 يوم يصحى من الكوابيس مفزوع.. كان وجود مصطفى في
 البيت عامل له أزمة كبيرة.. أو على الأقل هذا اللي كنت
 متصوره..

 بعد أسبوعين تقريبا من حادثة المرقّ، كان يوم جمعة.. أخذت
 عمَّار أحممّه.. كنت أنا متولي تحميمه من زمان.. وأنا بليف بإيده
 توجّع.. وصرخ.. تطلعت مكان الوجع منيح، ولا في أثر ضربة..
 كدمة صفرا كانت.. طبعا كنت متعود إنه عمَّار دايما جسمه
 كدمات كونه كثير حركة ونطّ.. ومن زمان بأذي حاله.. بس المرة
 هاي ما بعرف ليش شكيت إنه ممكن يكون مصطفى اللي ضربه..
 وطبعا ما في وسيلة نعرف.. لكن الشك انزرع..


 وكعادة الأيام اللي ما بتخبي شي.. بعدها بيومين من الجامعة،
 ولقيت عمَّار في غرفته وعينه زرقا ونافخة.. وإمّي وجوزها
 طالعين بره وتاركينه مع الشغالة..

 بدون وعي مسكت الشغالة، ومن خوفها مني حكت كل الحكاية
 بسرعة.. كاينة إمي بدها تطلع مع مصطفى، وعمّار مسكها عشان
 يمنعها.. ولمّا إشتد النقاش، عمّار حاول يضرب مصطفى، فراح
 مصطفى ضربه ودفعه وطلعوا..

 وبكل الحقد اللي في العالم استنيت رجعتهم.. ولحسن حظ
 الجميع إنه رجعتهم ما طوّلت.. أول ما حطّ المفتاح في الباب
 وهو بتضحوك مع إمي كنت فتحت الباب وتناولته..

 أنا فعليا ما كنت بضربه.. كنت بضرب كل لحظة إمي أهملتنا فيها،
 كل لحظة زعلت فيها عمَّار.. كل لحظة كرهت فيها جمالها
 وجسدها اللي شغلوها عنّا.. كل لحظة كنت أشوف ابتسامتها
 للناس وننحرم منها إحنا.. كل لحظة أكلنا فيها لحالنا.. وخفنا فيها
 لحالنا.. ونمنا فيها لحالنا.. كنت بضرب حبّها للرجال وضعفها أمام
 الرجال.. ابتساماتها القاتلة إلهم وأنا طفل مراهق.. كنت بضرب
 كل شي بكرهه فيها.. كنت بضربها هي فعلياً.. لكن في جسد
 مصطفى..

 طبعا من شدة الضرب، خافت هي إنها مجرد تقرب.. كانت واقفة
 ومصدومة!! حتى عمَّار كان خايف وتخبى ورا الكنباية.. ما قمت
 عن مصطفى إلا لمّا غيب.. وبدون ولا كلمة.. مسكت أخوي عمَّار
 وطلعنا من البيت..

 كان انفهم طبعا إنّه مصطفى ما ظل له قعدة معنا.. وبس رجعنا ما


 كان موجود.. وإمّي ما حكت معي ولا كلمة.. وهو طبعا كان أجبن
 من إنه يشكي عليّ.. لأني عارف شو كان بدّه.. كان بدّه فلوسها..
 وأنا مش مهم عنده..

 ثاني يوم برضه ما حكينا مع بعض.. واليوم الثالث، قعدت معها،
 وحكت لي بلهجة اللي اتخذ قراره، إنه حياتها خربت بِما فيه
 الكفاية، وإنّه هي ومصطفى راح يستأجروا بيت ثاني.. وراح
 تزورنا كل فترة.. وما حاولت حتى تعتذر عن اللي عمله
 مصطفى..

 طبعاً كنت متوقع ردة فعل شديدة منها، لكن مش لدرجة إنها
 ترحل مع زوجها.. ومع هيك، فإن سنين طويلة من برود العلاقة
 كانت كافية إنه ما يظهر عليّ التأثر بالقرار.. حكيت لها إنه أنا
 بتمنالها كل خير وما كان عندي مانع.. بس طلبت إنها ترتب
 شنطها وتطلع بدون ما عمَّار يشوفها.. وفعلاً.. أخذت عمَّار
 عالمسبح ولمّا رجعنا كانت رحلت..

 الوضع كان سيء أكيد على عمَّار.. لكن لأول مرة ما قدرت أفهم
 ردود فعله.. كان مرات يكون حزين وصامت.. ومرات عايش
 حياته عادي.. وعشان أسليه، جبت له حيوانات أليفة.. جبت له
 عصافير وسمك.. لكن كلهم كانوا يموتوا.. دفعني راتبي عصافير
 وسمك.. العصافير إما يطيرهم أو يقتلهم وندفنهم أنا وإياه..
 والسمك يوم أرجع ألاقيه فاردهم على الأرض وبلعب معهم.. أو
 معبي الحوض شامبو وبعمل فقاقيع..

 ما عاش عنده إلا بسّ بُنَي.. صار صحاب هو وإياه..

 عاشت إمّي مع مصطفى سنة وشهرين.. وكانت تزورنا خلالها..


 زيارات أسبوعية أولها، وشهرية بعد هيك... وفي آخر أيامها معه،
 كنت أشوف في عيونها بعيون الإبن إنها مش مبسوطة.. وإجا
 أخيراً اليوم اللي خلصت فيه مغامرتها ورجعت على البيت
 بشنطة أواعيها..

 طبعا ما كان في داعي تحكي لي شي.. كل شي كان واضح..
 طلّقها مصطفى بعد ما أخذ منها كل شي.. حتى ذهبها أخذه
 وباعه.. ما ظل معها إلا تاج ذهب أبيض كان أبوي جاب لها إياه
 على ولادة عمَّار.. هذا الوحيد اللي ما باعته.. كانت جداً تحب هذا
 التاج.. ومرات كثير تلبسه في البيت..

 بعد رجعتها كانت مكسورة كثير.. كإن الحيوية المفاجئة اللي
 أعطاها إياها زواجها من مصطفى، راحت وسحبت معها روحها..
 عيونها الخضر ذبلوا وإسودّ تحتهم.. عودها نفسه ذبل ونحفت
 كثير.. حتّى مشيتها وجسمها اللي ياما اعتدّت فيه كان أشبه
 بخيال.. وغطت الشيب بشال صوفي.. كان واضح إنها كبرت في
 هاي السنة عشرين سنة..

 واعترفت لي في لحظة صفاء روحي، من هلي اللحظات اللي ما
 بتتكرر، إنها أخطأت كثير كثير.. بحقّنا وبحقّ نفسها.. وطلبت
 السماح.. حضنتها وسامحتها، وكنت لأول مرة بحسّ فيها كإمّي..
 حتّى علاقتها مع عمَّار تحسّنت.. لدرجة كانت تنيمه عندها في
 الغرفة..

 لكن طبيعة الأيام اللي ما بتتبدل، ما أعطتها وقت كثير تكفّر عن
 ماضيها.. بعد رجعتها بأسبوعين كان طبيب شاب بشرح لي
 بأسلوب الأفلام المصرية في ممر أزرق من ممرات مستشفى


 الجامعة، إنه سرطان في المعدة والأمعاء ومنتشر وفي مراحلها
 الأخيرة..

 عاشت بعدها أسبوع أو أكثر شوي.. ما لحقت تخرجي حتى.. لكن
 كان هذا الأسبوع من أجمل أيام عمَّار.. ما كانوا يفترقوا أبداً..
 وطول نهارهم مزح وضحك وحبَ.. ولدهشتي الشديدة، بدا إنه
 عمَّار استوعب فكرة مرضها وموتها.. حتى راح بكل براءة حفر لها
 قبر صغير في الحديقة جنب قبور عصافيره وسمكاته..

 بعد وفاتها، عمَّار حط كل ملابسها وتاجها الذهب في صندوق
 خشبي أسود كبير.. وحطّه في غرفته.. وكان مرات بس أرجع من
 الشغل ألاقيه لابس فستان من فساتينها..

 بعد موت إمي بسنتين تقريبا، شعرت إنّي لازم أتزوج.. كنت بدي
 حدا معي يحمل معي هالحياة.. وكنت جاهز من كل النواحي..
 عندي بيت وشغل وفلوس.. ومش ناقص إلا عروس تشاركني
 هالدنيا.. وما كان بدي منها إلا شي واحد.. ترضى بوجود عمَّار
 الدائم في حياتنا.. وبدأت عملية البحث عن هاي القديسة..

 تم الجزء الثاني..


الجزء الثالث..


 طبعا عشان أكون واضح وصريح مع الناس، كنت بخبّر أي حدا
 بسأله عن عروس بشرطي الوحيد، بدي زوجة تقبل تعيش معي
 في بيت فيه أخوي.. وكان هذا شرط صعب جداً عند الناس..

 في معظم الحالات، كانوا الناس يرفضوا رفض قاطع.. وجزء
 بسيط منهم يوافق على زيارة مبدئية يشوفوا فيها عمَّار.. كان
 بهمّهم عمَّار ووضعه أكثر من العريس نفسه..

 طبعا كنا نروح نزورهم، ولأنه عمَّار وقتها كان كبر وصار شاب
 طول بعرض وحليوة وعيون خضر، كان التفكير المتمني - لو جاز
 التعبير - يهيأ للستات خصوصا إنّه هو العريس.. ويصيروا يدوروا
 في وجهي أنا على الإعاقة العقلية..

 طبعا أول ما أبدأ الكلام يفهموا القصة، وتظهر نظرة "سبحان الله"
 على وجوههم.. وفي غالبية الحالات، كان الرفض المؤدب.. تحت
 بند الحمو الموت، والناس قدرات.. ينهي الزيارات القصيرة.. ولو
 صدف وكان عندهم حوض سمك، كانت الزيارة تنتهي بسرعة
 أكبر من المتوقع..

 لغاية ما في يوم دلّتني صاحبة لخالتي على بيت ناس في
 ضاحية الرشيد.. وطلبوا يشوفوني أنا وعمّار.. وكنت أول مرة
 بشوف فيها ميس..

 استقبلنا عمّي أبو أحمد بكل ودّ وترحاب.. رجل في الخمسين..
 لحية بيضاء خفيفة وابتسامة دافئة وجسم ممتلئ بتغطيه
 دشداشة بيضا جميلة..


 بدا كإنه أستاذ متقاعد.. ومن هاي النوعية اللي بتتفاءل بس
 تشوفهم.. بمنحوك طاقة إيجابية بمجرد إنك تشوفهم.. حتّى كان
 فيه شبه من إمام المسجد اللي صلينا عنده زمان..

 دخلت أنا وعمّار لابسين مطقّمين.. وأنا بدعي الله تمرّ هالطلبة
 على خير.. سلّمت على الرجل وعرفته على عمَّار.. وأول ما شاف
 عمَّار إبتسم له.. فعمّار طبعا بعرفش يسلم.. مش من هواياته
 السلام على الناس.. لكن لمّا شاف الزلمة وقّف هيك شوي، وصفن
 فيه.. أنا قلبي صار في رجلي.. إجيت أمسك عمَّار وأبعده.. راح
 عمّي أبو أحمد أشّر لي أتركه.. وتركته وأنا ببسمل وبحوقل..
 وبكل هدوء قام عمَّار رفع إيديه لفوق وقربهم على وجه الزلمة..
 ومسك ذنيه شوي.. شدّهم كأنه بتأكد ما بنفكوا.. وتركهم..
 وقعدنا..

 قعدت أنا والزلمة، وحكيت له قصتي باختصار.. إنه احنا أيتام،
 وعمّار ما عنده غيري.. وأنا مهندس وبشتغل شغل منيح.. والوالد
 ترك لنا ورثة منيحة..

 طبعا الرجل مدح في وفي أخلاقي وموقفي تجاه أخوي.. وبدأ
 يذكر قصص اللي بتخلوا عن أهلهم..

 بعدها دخلت حماتي.. ست بشوشة هي الثانية، لكن واضح إنها ما
 كانت بتشارك حماي نظرته المتفائلة تجاه عمَّار.. كانت أقرب لإنها
 جاي تستكشف..

 قعد عمَّار هادي.. وقعدنا وحكينا.. وفي وسط الحديث دخلت
 ميس حاملة القهوة.. فتاة محجبة.. نحيفة شوي.. ملامح عادية..


 لكن فيها رقّة مهندسين الديكور.. وهي فعلا طلعت مخلصة
 تصميم داخلي.. وعيونها كانوا حلوين وفيهم ذكاء.. اجت تقدم
 القهوة.. وبدأت بعمّار.. قام أخذ منها الصينية كاملة.. وحطها
 قدّامه.. ضحكت وسكتت..

 حكينا وحكينا.. وتعرفت عليها أكثر.. والجماعة حكوا إنهم بشكل
 مبدئي ما عندهم مانع.. بس بشرط يقضوا معنا أنا وعمّار وقت
 أطول حتى يقدروا حالته..

 طبعا ظهرت من عمَّار بعض الحركات أثناء زياراتنا.. لكن تمت
 الخطبة على خير.. ووقتها بالذات ما جبت عمَّار معي.. كونه مش
 ناقص مواقف محرجة أنا..

 بعد الخطبة بفترة تقرر نكتب الكتاب.. وليلة كتب الكتاب، عزمنا
 عمّي أبو أحمد عالعشا.. وهو مقرر إنه يصير صحبة مع عمَّار.. كان
 وجهة نظره إنه الناس زي عمَّار ما بدهم إلا حدا يحبهم.. وبعدها
 بصيروا أصحاب.. وهذا اللي كان دايما يحكيه لميس عشان
 يشجعها..

 قعدنا على طاولة العشا.. وميس (أو هيك قالت حماتي) كانت
 عاملة الجاج المحشي والملوخية.. وقعدت عمَّار جنبي.. وقعد
 عمّي ومرة عمّي قبالنا.. وبدأنا العشا.. وعمّار كان من الناس اللي
 بحبوا المخلل.. فلاحظ صحن مخلل قريب على عمّي وبعيد عن
 متناوله.. قام مدّ حاله عبر الطاولة وطال حبّة منه وأكلها.. وهون
 بدأ عمّي يحكي.. "شايفة يا بابا يا ميس، يعني واضح إنه بحب
 المخلل.. شوفي شو راح أعمل.. " قام حمل صحن المخلل كله
 ولفّ من ورا الطاولة وحطّه قدام عمَّار.. ورجع على طاولته كإنه


 فتح غرناطة.، ورجع يحكي.. "هيك يا بابا.. هدول الناس ما بدهم
 إلا الحبّ.. إنت عامليه هيك بترتاحي وبتكسبي أجر كبير إن شاء
 الله.. والله إلك الجنّة يا بابا"..

 وهو بسولف عن الجنّة.. راح عمَّار وقف.. وحمل صحن ملوخية
 بغلي من قدّامه.. طبعا أنا قلبي وقّف معه.. وقلت في عقل بالي..
 "لو عمل عمَّار أي عملة، هذا بكون العشاء الأخير.. " عمّي لاحظ
 ارتباكي.. وقال "لا لا عمّي إتركه.. أنا صحبة مع عمَّار.. تعال عمَّار
 عمّو.. "

 فعمّار عمّو ما كذب خبر.. قرّب عند الزلمة عشان يردّ جميلة
 المخلل وفتح غرناطة.. ودلق صحن الملوخية في ظهره للزلمة..
 وليوم العرس وهو بحطّ كريمات على ظهره..

 وتزوجنا..

 تم الجزء الثالث..


الجزء الرابع والأخير..


 بعد الزواج، بدأ عمَّار ينظر لميس نظرة شبيهة لنظرته لمصطفى
 زوج إمي اللي يرحمها.. وإن كانت أخفّ حدة، وفهمتها لميس إنه
 ممنوع أي نوع من التقارب قدام عمار.. لأنه بشوفها كتهديد إله
 في علاقته مع أخوه..

 وعاشت معنا ميس في البيت.. كانت نعم الزوجة.. وشوي شوي
 بدأت تتعود على وجود عمَّار.. زي ما الإنسان بتعوّد على وجود
 نمر أليف في بيته.. لا هو قادر يخاف منه دايما.. ولا قادر يتطمن
 له..

 تعايش مع قلق.. خصوصا إنه ما صار في نوع كثير من الودّ
 بينهم.. تعايش بس..

 وحملت ميس.. ومع مرور شهور الحمل كانت تتعب بزيادة..
 ويمكن في لحظات معينة ندمت على الزواج منّي.. أنا ما كنت
 مقصّر معها.. لكن يبدو تصورت الحياة مع النمر عمَّار ومع بسّته
 راح تكون أسهل من هيك..

 ما وصلت الشهر السابع إلا كانت مرهقة تماماً.. وانتقل الإرهاق
 النفسي إلي.. كان من السهل عليّ أعيش مع عمَّار.. عشت عمري
 كلّه معه.. لكن أنانية الإنسان خلّتني أشوفه عبء على عائلتي..
 خصوصا مع شكاوى ميس اللي كنت أشوفها بعيونها.. وكنت
 ألتمس لها العذر.. وكنت خايف أكثر شي من لحظة ينفجر معها
 هذا الإرهاق والأنانية ضد عمَّار..

 كان يوم جمعة.. وميس كانت بتنظف البيت.. رجعت من صلاة


 الجمعة.. ولقيت الشغالة بتولول.. دخلت على غرفة عمَّار فوراً..
 لقيت ميس على الأرض ووجهها دم ومعها نزيف.. وعمّار واقف
 على سريره بصرخ عليها بأصواته..

 بدون أي وعي وقبل ما أشوف ميس ضربته.. كانت لأول مرة
 بحياتي بضربه.. وحملتها فورا وطلعت على المستشفى.. ويومها
 ولدت ياسمين..

 كاينة ميس طالبة من الشغالة تنظف البيت.. وتعزل الغرف قبل
 العيد.. ولمّا داخلين غرفة عمَّار.. ميس طالبة من الشغالة تزيح
 صندوق أغراض إمّي وتنظف تحته.. ووقتها هاجمها عمَّار..

 ظلت ميس في المستشفى فترة بعد الولادة.. لغاية ما طلعت
 ياسمين من الخداج.. وبعدها روحت على بيت أهلها ترتاح.. كانت
 مش آمنة نهائيا على حالها وبنتنا من عمَّار..

 وقتها عمَّار كان زعلان مني كثير.. وأنا كنت زعلان منه وشفقان
 عليه.، بس كنت دايما أذكر حالي إنه ماله ذنب.، وهو أخوي وأنا
 بحبه.. مش بشفق عليه..

 لمّا صار عمر ياسمين 4 شهور رجعت ميس.. وجبت شغالة ثانية
 وظيفتها بس تحرس ياسمين.. لكن اللي صار بعدها كان جداً
 محيّر.. طبعا ياسمين انولدت بعيون خضر.. وفيها شوية شبه من
 إمّي الله يرحمها..

 عمَّار من يوم ما شاف ياسمين وهو تحوّل.. صار إنسان ثاني..
 صار طول اليوم واقف بس يتطلع عليها بكل حبّ.، حبّ خلّا
 ميس شوي شوي.. تتطمن إله ولوجوده.. وتتركه مع ياسمين..


 وكبرت ياسمين وهي روح قلبه لعمّار.. هو علّمها المشي..
 والركض.. واللعب بالرمل والمي.. وهو لمّا كنا نطلع يجيب الها
 الألعاب.. وهو يطعميها بإيده.، كانت بالنسبة إله، إمّه اللي انولدت
 من جديد..

 السنة كانت ياسمين بطلة مسرحية الصف الرابع في مدرستهم..
 وكانت في دور أميرة.. الدور اللي مثلته كثير وتدربت عليه قدام
 عمَّار..

 أخذنا عمَّار ورحنا نحضر المسرحية.. وبس خلصت المسرحية
 وزقفوا الناس.. قام أخوي عمَّار وطلع على المسرح ووصل
 لعندها.. وقدّام كل الناس.. شال التاج البلاستيك اللي على
 رأسها.. ولبّسها تاج الذهب الأبيض تبع إمّي الله يرحمها..

 ونزل وسط تصفيق حادّْ..

 كل إنسان فينا عنده نقطة ضعف.. نقطة بخجل منها وبتخليه
 يحسّ إنه أقل من الناس.. ويمكن بدونها يعيش حياة أفضل..

 لكن أنا عندي إيمان عميق.. إنه يمكن نقطة الضعف هاي موجودة
 عشان تبني حياتك وقوتك حواليها.. وممكن تكون هي الدافع
 لحياة أفضل.. ويمكن بدونها، ما كانت راح تكون حياتك بهذا
 الجمال.. وفي حالتي.. نقطة القوة هاي.. كانت عمَّار..

 تمت


  - كل الشكر والتقدير والاحترام لكل أم وكل أب وكل أخ وكل
 أخت شرّفهم الله بالاعتناء بهؤلاء الملائكة في الصغر والكبر.. ولا


 نستطيع نحن أن نجازيكم.. الله وحده يفعل ذلك..
  - القصة مبنية على طفلين وأمهما شاهدتهم أثناء قضائي عطلة
 في أحد الفنادق.. وخلال يومين شاهدت خلالهما هذه العائلة..
 كان الأخ الأكبر ذو الثمانية أعوام مثالا حقيقيا لما قرأتموه.. أما
 عمَّار، فكان أطرف وأجمل بكثير..


تأمُّل بسيط..


 قال تعالى "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس
 السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان
 من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر، فيتعلَّمون منهما ما
 يفرقون به بين المرء وزوجه"

 هذا جزء من الآية الكريمة 102 من سورة البقرة..

 تأمل شخصي بسيط لهذا الآية قادني إلى حقيقتين بسيطتين..

 ١- توضح الآية الكريمة أن الناس عندما تعلموا السحر (وهو أنواع
 كثيرة بحسب التفسير) فإنما إستخدموا منه الجزء الخاص بأذية
 الآخرين وليس بمنفعتهم هم.. فلم يتعلموا السحر لكسب النقود
 أو تحويل التراب إلى ذهب.. بل لتفريق الزوجين..

 مما يدل أن الإنسان لو وضع في اختيار أخلاقي بين أن ينفع
 نفسه أو يضرّ الآخرين، فإنه سيختار ضرر الآخرين..

 ٢- عطفا على ما سبق، فإن اختيار ضرر الآخرين المدفوع بالحسد،
 إختار التفريق بين الزوجين، ولم يختر الفقر أو المرض أو حتى
 موت الأطفال.. مما يدل أن نعمة الوفاق بين الزوجين هي من
 أكبر النعم، وهي ما يثير غضب الناس وحسدهم في أغلب
 الأحيان..

 ودمتم..


الحراك الإجتماعي (مقال)


 في أي مجتمع حديث في دولة مدنية، يوجد هنالك ثلاث
 طبقات.. الدٌّنيا، وهو من يقومون بالأعمال اليدوية أو الوضيعة..
 العليا، وهم من يملكون رأس المال ووسائل الإنتاج.. والوسطى،
 وهم من يملكون القليل من المعرفة ليقوموا بعمل إداري يشرفون
 من خلاله على عمل الطبقة الدنيا، لمصلحة الطبقة العليا..

 مواطنو الطبقة الوسطى الذين أنت بالضرورة منهم.. يعيشون
 حياتهم بحثا عن شيء يسمى الحراك الإجتماعي.. وهو السعي
 للانتقال عموديا في المجتمع، ليصبحوا من الطبقة العليا.. وفي
 نفس الوقت يعيشون خوفاً دائماً من الهبوط للطبقة الدنيا..

 طبعا هذا الحراك الإجتماعي، لا يكون فقط عموديا عبر طبقات
 المجتمع.. بل يشمل أيضا الإنتقال أفقيا عبر الجغرافيا.. أي
 محاولة الإنتقال من الأحياء المكتظة بالعمارات المتلاصقة
 والشوارع الضيقة، نحو أحياء أرقى فيها شوارع أوسع، تترامى
 على جانبيها فلل فخمة، تحيط بها حدائق غنّاء وسيّارات فارهة..

 هذا هو حلم الطبقة الوسطى الذي يسعى كل فرد فيها بوعي أو
 بدون وعي إلى تحقيقه، حتى لو عبر جزئيات بسيطة ولزمن
 قصير جدّاً، مثل إستئجار سيارة فارهة لساعتين في يوم
 الزفاف.. أو تناول وجبة في مطعم فخم في الذكرى العاشرة
 للزواج..

 ومع أن بائعي التفاؤل يضربون لك أمثلة حقيقية على حدوث
 هذا الحلم، ليبيعوا منتجاتهم.. إلّا أن الواقع يثبت أن الأغشية بين


 الطبقات سميكة جداً بحيث أنه من الصعب جدّاً المرور خلالها،
 على الأقلّ عبر جيل واحد..

 والكلام هنا ليس لتحطيم الطموح أو قتل الدافعية ولكن ليكون
 الحلم واقعياً إلى حدٍّ ما.. وربّما من المفيد لك أن تعرف أن السبب
 الرئيسي في سماكة أغشية طبقات المجتمع، يرجع بشكل أساسي
 إلى الطريقة التي تفكّر بها كل طبقة.. التصوُّر الإجتماعي نحو
 مفاهيم مثل المال، الإنفاق، التوفير، الدين، العادات، العدالة،
 الحكومة، إلخ.. تختلف من طبقة إلى أخرى.. وهذا ربّما هو أهمّ
 فارق طبقي..

 باختصار.. لا معجزات.. الأقدار تورّث، ومقدار ما تملك، يحًدّد من
 أنت وكيف ترى العالم.. والمادّة عنصر ثقافي.. شئت أم أبيت..


تنويعات على مقام المماليك..


  - إذا ما تزوّج شخص من العائلة، فتاة من العائلة.. فكن على ثقة
 أن نصف من يرقصن في حفل الزفاف.. حاولن بشكل أو بآخر أن
 لا يتم هذا الزفاف..
  - لتخرج من أي موقف حزين.. تذكّر أنّ السفر عبر الزمان.. يشبه
 السفر عبر المكان.. ما أن تخرج من الموقف/المدينة، حتى تبدأ
 المشاعر/البيوت تصغر قليلا قليلا.. ثم تلمح آثارها/ أضواءها
 فقط.. ثم تختفي كأن لم تكن..
  - يعرف علم الإقتصاد العمل، بأنه نشاط إنساني واعي غائي
 (لهدف) إرادي (لا عبودي) يهدف إلى صنع منتجات وخدمات..
 وارتبط في التاريخ الإنساني بالقهر.. لا تشتكِ من وظيفتك.. طبع
 العمل القهر..
  - القانون الثالث لنيوتن لا يعمل في العلاقات الإجتماعية.. ردّات
 الفعل دائماً ما تكون أكبر بكثير من الفعل.. كلمة قد تنهي علاقة..
 ولحظة غضب قد تنهي زواج..
  - الذين يطالبون بالحرّية هم فعليّاً لا يطالبون بالحرّية.. الحرّية
 مضمونة للجميع.. المطلب الفعلي هو أن لا يتحمّل الإنسان
 عواقب أفعاله..

 مثال: أريد أن أمشي عارياً دون أن يحاسبني أحد..


  - عقلي يعمل بطريقة غريبة.. يعطيني نصف الحقائق فقط..
 يقول لي أنه يجب علي الانفصال عنك.. لكنه لا يخبرني لماذا لا


 أستطيع ذلك..
  - ألف مرة حكيت لك إنه السياسة مش إلنا..

 السياسة للي معهم كل شي، أو اللي ما معهم شي.. احنا الناس
 اللي في النص ما إلنا فيها..


  - ليش أنا شو عندي؟
  - عندك مرة وولاد وعقد إيجار..
  - وحلم..
  - وخيبة..
  - إختلف مع رجال الدين كما تشاء، لكن لا تختلف مع الله..
  - الحب ليس له أي علاقة بجودة الشخص المقابل.. قد تقع في
 حبّ كومة من القمامة، بالمعنى الحرفي للكلمة..
  - ما هو حلمك؟
  - أن لا أجوع..
  - البخل ينتج أموالا أكثر للبخيل، وهذا تعزيز إيجابي للسلوك..
 لذلك لا يمكن لسلوك البخل أن ينتهي..
  - ما شاء الله يا إبني.. أحسن من هيك عريس ما بنلاقي.. بس
 حابّة أسألك..

 كيف الست الوالدة؟ إن شاء الله ميتة من عشر سنين رحمة الله
 عليها؟ وخواتك كيف؟ إن شاء الله مهاجرين عالسويد وولا
 عمرهم راح يرجعوا الله يوفقهم!؟


  - آخر شخص يعرف أنه سخيف، هو السخيف نفسه.. وإذا ما


 واجهته بهذه الحقيقة يتهمك أنت بالسخف..

 مشكلة عصيّة على الحلّ.. وتنتشر.


  - ليس من المهمّ فعلياً أن تتزوج عن حبّ أو بشكل تقليدي..
 المهم أن يكون هنالك حبّ بعد الزواج.. وعلامة هذا الحبّ أن
 تكثر المشاحنات في بدايات الزواج.. المشاكل ليست عكس
 الحب..

 عكس الحبّ هو الإهمال..


  - يعرّف خط الأمن القومي بأنه خط جغرافي وهمي.. لو وصله
 الأعداء تصبح البلد في خطر.. عند الفراعنة، كان هذا الخطّ هو
 نهر الفرات..
  - على المرأة التي تعاني من خيانات زوجها المتكررة أن تعرف
 أن هذه مشكلة عميقة في رجولته.. يحتاج دائماً لفتاة تؤكد له أنه
 مرغوب.. الحلّ ليس بتجميل نفسك.. الحل يكون بزيادة ثقة
 الرجل بنفسه..
  - يمشي الأطفال قبل تطور مفهوم الخوف من السقوط.. ولو
 تأخّر المشي وتطوّر هذا المفهوم، يكون المشي صعب جداً
 عليهم.. الزواج شيء مشابه.. يجب على الشاب أن يتزوج قبل
 ظهور مفهوم الخوف... وكلّما تأخّر كلّما صار أصعب..
  - التجارة في الأوراق المالية لا تشكّل أي قيمة مضافة
 للاقتصاد.. كل ما في الموضوع أنها لا تتم على طاولة خضراء..
  - "العلّةُ ليست في الوالي..


 العلّةُ يا شعبي فيكْ..

 لا بدّ لجثّة مملوكٍ..

 أن تتلبَّس روحَ مليكْ..

 حين ترى أجسادَ ملوكٍ..

 تحملُ أرواحَ مماليكْ.. "

 (أحمد مطر)


  - قبل أن نبدأ الحديث، ضع المنطق جانباً.. ضعه على تلك
 الطاولة.. بعيداً عنّا..
  - حسناً.. لقد وضعته هناك..
  - لا.. هذا لا يكفي.. أخرجه خارج الغرفة تماماً.. لا أريده أن يكون
 قريباً لئلا نضطر لاستخدامه..
  - لقد ألقيته خارج المنزل..
  - حسنٌ جداً.. الآن لنحاول أن نفهم المرأة..


خطبة لاذعة ضد إمرأة صامتة (مسرحية)


 المشهد الأول والأخير..


  - ترفع الستارة لتظهر غرفة نوم لعائلة من الطبقة الوسطى..
 سرير واسع مغطى بملاءة خمرية اللون.. وخزانة خشبية أحد
 أدراجها مكسور.. تقابلها مرآة كبيرة.. وعلى الحائط صورة قديمة
 لعروسين سعيدين.. في جانب الغرفة ممر صغير يبدو أنها يؤدي
 لحمّام مرتبط بالغرفة.. يسمع صوت باب الحمّام يُفتح، ويدخل
 رجل أربعيني مرتدياً بنطالاً أسود اللون مع فانيلا بيضاء.... في
 مقدمة رأسه صلع، ويبرز له كرشٌ متوسط يليق بموظف
 حكومي..

 يقترب الرجل من المرآة.. يتحسس شنبه المحلوق.. ويبدأ
 بالكلام..


  - الله يسامحك بس.. الله يسامحِك.. يعني هيك عاجبِك الشنب؟
 عاجبك منظري هيك؟! هيك بكون ضمن المواصفات والمقاييس؟

 بشو بضايقك الشنب أنا مش فاهم! المرّة الجاي يا اختي
 تتجوزيش زلمة.. تجوزي حرمة.. زيك زيها.. ملهاش لا شنب ولا
 لحية..

 أحسن لك والله.. لمصلحتك بحكي..

 لا حول ولا قوة إلا بالله..


 بتعرفي شو ؟ والله العظيم صار نفسي أنحبس.. مش عشان شي..
 بس لإنّو في الحبس راح أربّي لحيتي وشواربي زي ما بدي.. لأنه
 يمكن هاي الطريقة الوحيدة اللي ممكن أربّي فيها شواربي في
 حياتي..

 بتضحكي؟ إضحكي شو وراكِ.. بس الموضوع أكبر من الشنب
 على فكرة.. الموضوع..

 شوفي.. خلينا نحكي بصراحة.. أو على الأقل أنا أحكي بصراحة...
 ولا تقاطعيني لو سمحتِ.. لو سمحتِ..

 يعني إنت مرتي وحبيبتي وتاج راسي.. وأنا بحبك وكل شي..
 بس بجد بجد بجد.. ومشان الله بدون زعل.. بس..

 أنا مش مرتاح بحياتي معِك.. أو يعني.. ممكن تكون الحياة أريح
 شوي من هيك..

 مش مرتاح أماني.. مش مرتاح..

 تزعليش مشان الله.. بس يعني خلّيني أحكي..

 يعني.. كل شي في الحياة لازم يكون على زوقك انت.. وهذا
 بصراحة مش عدل.. الزواج مشاركة ويعني أنا كمان لازم أشارك..
 أنا إلي دور.. إلي صوت.. مش صح!؟ يعني.. أنا الزلمة هون.. والله
 أنا الزلمة.. وبديش أحكي كلمتي لازم تكون مسموعة وهيك.. بس
 يعني حقي أحكي..

 يعني على الأقل.. حقّي أربي شنبي أنا وبدون ما تزعلي.. صح!؟
 كل صحابي مربيين شنباتهم وما حدا بحكي معهم.. اشمعنا أنا


 يعني؟! هاي آخر مرة بحلقه.. هاي بحكي لك.. وإنت حرة.. إعملي
 اللي بدك إيّاه.. خلص.. طاف الكيل والله يا أماني.. فاض.. فاض
 الكيل..

 لا تقاطعيني.. لو سمحتِ.. خليني أحكي كل اللي في قلبي... لو
 لمرة في هالدنيا..

 يعني كم إلنا متزوجين!؟ خمسطاشر سنة ؟ والله إنه
 بهالخمسطاشر سنة وانت متحكمة فيّه.. شو هذا يا شيخة!؟

 إحلق لحيتك، إحلق شنبك.. إلبس هاي.. تلبسش هاي.. صاحب
 هذا.. تصاحبش هذاك.. حتى شغلي متحكمة فيه!! شو هذا!؟
 خلص أماني خلص بكفي!

 تعبت منك! والله تعبت! هو هيك الزواج!؟ الروحة على زوقك.،
 الجية على زوقك.. اللبس على زوقك.. الشلح على زوقك..
 روحات أهلي على زوقك.. روحات أهلك على زوقك.. الأكل على
 زوقك.. السمّ على زوقك! ضراب البين على زوقك!؟

 خلص! عن جد خلص!! من اليوم وطالع ما في شي على زوقك! أنا
 إنسان وإلي كيان! وبدي أحكي وأعبّر.. ومش راح أسأل زعلتي أو
 لأ!!

 أنا الزلمة هون وأنا اللي بقرر كل شي!!

 تضحكيش!! مش تافه الموضوع! وأنا خلص تغيّرت! ومن اليوم
 كل حياتنا بدها تتغير.. آه!!

 راحت أيام إنك إنت مسيطرة على كل شي!


 كل شي في حياتي سيطرتِ عليه من أوله لآخره.. وأنا ساكت
 ومتحمل وصابر.. وبحكي بحبها وبتحبني.. بس خلص.. إذا هذا
 هو الحب ما بدي إياه.. آه ما بدي إياه! وإزعلي وإحردي ما راح
 يهمني..

 عمري راح وأنا بس بسمع كلامك..

 من يوم الخطبة! متذكرة الخطبة والعرس!؟ شو نقيت أنا آه!؟
 الكروت إنت عملتيهم.. والصالة إنت اخترتيها.. والسيارة إنت
 اخترتيها.. كل شي انتي.. والناس بلوموني وأهلي بلوموني
 كانوا.. انه ليش تاركها على راحتها وانت الزلمة وهالحكي ما
 بصير.. بس مع هيك قلت معلش.. فرحة عمرها وخليها تنبسط..
 وبكره بس نتزوج كل شي بتغير..

 فضلت راحتك على كل شي.. وسمعت كلام زي السمّ عشانك..
 وشو صار؟ قدّرت!؟ لا.. ما قدّرت شي..

 الدار انت اخترتيها.. والأثاث انت اخترتيه.. والبيت مملكة الست
 حبيبي.. وهي بتختار.. وسكتت ومشيت لك إياها.. وكتمت كل
 الحكي اللي سمعته.. وبالمناسبة.. زوقك زبالة في الأثاث.. آه
 زبالة.. وبكره.. راح أرميه كل هذا بره وأغيره!!

 ولادي.. ولادي.. مين سمَّاهم؟ إبني بكري.. اللي كنت بدي أسميه
 على إسم أبوي.. انت اخترت إسمه.. وتحملت كل الكلام السم من
 خواني وخواتي.. مسخرة عملوني عشانك.. وأنا ساكت
 ومتحمل.. وبحكي بحبها لأماني.. طز في هيك حب طز!!

 إخرسي! تفتحيش ثمك وأنا بحكي..


 طاف الكيل معي خلص!! طاف!!

 خليتني أكره حالي.. أحتقر حالي.. كل ما أشوف مسلسل فيه
 زلمة حمش أحتقر حالي.. انه شو النقص اللي عندي!؟ ليش هيك
 أنا؟ عشان بحبك!؟

 والأدهى والأمرّ إنك بتمدحي فيه بتكوني.. رجّال يقبر قلبك.. الله
 يقبره لقلبك!!

 إنه شو بدكم انتوا الستات!؟ بدكم تتحكموا في الزلمة وبعدين
 بتحتقروه!!؟ وبتصيروا تحبوا الزلمة الحمش القاسي!؟

 ولك الزبّال أرجل مني كان!! وأنا بحكي بحبك.. طز في هيك حب
 طز.. خليتني أكره حالي.. نظرات الشفقة في عيون صحابي كل
 ما تقاطعيني بتقتلني كانت!! كم مرة سمعتهم بحكوا علي!؟
 بحسدوك يا حبيبي بحسدوك.. حسدك قرد إنت واليوم اللي
 شفتك فيه!! وك حتى ولادي عارفين إنّي مش زلمة!!

 بتعرفي؟ زمان.. كنت في الكلية.. كان معنا شاب إسمه مصطفى..
 كان دايما يحكي لي.. "بتعرف يا أحمد الطبّاخة الزنجية اللي
 كانت تطلع في توم وجيري وعمرنا ما شفنا وجهها!؟ هاي هي
 الدنيا.. كل يوم في الليل وإحنا نايمين، بتطبخ لكل واحد فينا شو
 راح يوكل ثاني يوم.. وإنت ونصيبك عاد شو تتلقى منها "

 وهسه أنا عارف منيح شو كانت طابخة يوم ما رحت خطبتك!!
 ولا بأسوأ كوابيسي كنت متوقع تطلعي هيك..

 بس خلص! من اليوم وطالع يا ويلك يا سواد ليلك إذا بسمع لك
 نفس!! قسما بالله إلا بالكندرة على راسك!! طاف الكيل منك!!


 بدي أرجع زلمة زي ما كنت قبل ما أتنيّل فيك!! عيطي آه عيطي!!
 هاي دموع تماسيح كلّها!! ومش فارقة معي، وأحكي لك.. أول
 قرار.. فش روحة اليوم عند إمّك!! وممنوع تزوريها أو تزورك
 لشهر!!

 وسم معكرونة ممنوع تطبخي!! برميك انت وإياها في الزبالة لو
 طبختيها!!! وبدي أربّي شنبي غصب عنك وعن أهلك!!

 (يطرق باب الغرفة.. وتدخل فتاة في العاشرة..)


  - بابا.. أنا آسفة بس.. ماما بتحكي لك.. مطوّل يا كازانوفا وانت
 تلبس!؟ تأخرّنا على عزومة تيتا..
  - شو!؟

 لا بابا.. آه بابا.. هيني جاي.. هيني جاي.. قولي لها.. بابا جاي.. بس
 كان بحلق شنبه..

 (تخرج الفتاة.. ويبدأ الرجل في ارتداء قميص أبيض.. وتسدل
 الستارة)


تنويعات على مقام البطاطس..


  - يمكنك معرفة الكثير عن شخصية الفرد، من خلال مراقبة
 سلوكه في قاعة الإمتحان..

 بناء عليه، فإن الأشخاص الذين يخرجون من قاعة الإمتحان فور
 انتهائهم من الإجابات، هم أصدقائي المقربون، بدون قيد أو
 شرط..

 أما أولئك الذين ينتظرون حتى تسحب الورقة منهم.. (تم حذف
 جواب الشرط)..


  - في صباي، كنت أقرأ الكثير من قصص الأطفال.. ومعظمها
 كانت تدور حول مفاهيم الحب والعدل والأمانة والصدق
 والإتحاد، وغيرها من القيم النبيلة..

 وقتها اعتقدت، أن هذا مجرد كلام للأطفال، وأنني عندما أكبر،
 سأتعلم الكثير من الحقائق المخفية التي ستجعلني أدخل عالم
 الكبار..

 الآن أجد، أن الحقيقة المخفية الوحيدة، هي أن كل مشاكل عالمنا
 ككبار، تتمحور حول انعدام هذه القيم.. قِيمْ الصغار...


  - مهما بلغ كيد النساء في أي عائلة، فيكفي وجود رجل واحد
 عاقل وصارم، لهدمه كلّه..


 - إذا قمت بتخيير طفل في الخامسة بين لوح شوكولاته اليوم، أو
 لوحين غداً، فإنه سيختار لوحاً اليوم.. ذلك لأنه لم يطوّر بعد
 إستيعاباً لمفهوم تعاقب الليل والنهار.. ويبدو له الغد بعيداً جداً
 وقد لا يأتي..

 وإذا أصبح هذا الطفل مراهقاً وقلت له، أنه يجب أن يتوقف عن
 مطاردة الفتيات الآن، وعندما يتزوج سيحصل على كل ما يريد،
 فعلى الأغلب أنه لن يستجيب.. وسيبدو له الزواج شيئا بعيداً جداً
 في المستقبل..

 حتى وهو رجل بالغ، لو قلت له أن يصبر على رزقه القليل الحلال،
 ولا يتجه للحرام لأنها دنيا فانية.. وأن الله سيعطيه ما يريد في
 الجنة فلن يقتنع..

 الإنسان ببساطة لا يستوعب مفهوم مرور الوقت.. عديم الصبر
 ويهرب من الإنتظار..


  - الطلاق مثل حادث الدهس.. بغض النظر عن المتسبب، الطرف
 الأضعف هو الضحية..
  - في الحياة، ليس كما في الأفلام.. النهايات ليست دائماً ملحمية
 وحاسمة.. قد تكون النهاية بائسة وبطيئة مثل زهرة تذبل..
  - في كل فيلم أمريكي، هنالك رسالة واحدة يخفيها الأمريكان
 داخله.. مفادها "نحن أفضل منكم"..
  - المسؤول الأول عن أي عملية تحرّش هو المتحرّش نفسه..
 يجب إثبات هذه الحقيقة أولاً، قبل البدء في كيل الإتهامات
 للضحايا..


 تكرار للفائدة: المسؤول عن الفعل هو الفاعل.. وليس المفعول به..

 فعل.. فاعل.. مفعول به..


  - أجد من السهل عليَّ الآن أن أعترف بأن الجنس إحتلّ دماغي
 كله تقريبا في فترة المراهقة.. سهولة هذا الإعتراف تأتي من
 فكرة أن ذلك المراهق اختفى وحل محلّه رجل ناضج.. وبالتالي لا
 يمكن محاكمة هذا المراهق الآن.. لأنه إختفى.. في الوقت نفسه،
 لا يمكنني الإدلاء باعتراف مشابه عن نفسي الآن.. لأنني
 سأتعرض لمحاكمة.. ربّما في وقت لاحق..
  - يجب أن تعلم أن المظاهر العشوائية في مدينتك، - والتي ربّما
 تشتكي منها - مثل البسطات والباعة الجائلين ومشتري الخردة،
 بل حتى المتسولين والمجانين.. هي من تعطي المدينة روحها
 ورونقها..

 العيش في مدن "معقّمة" قاتل جداً لروح الإنسان..


  - تتجلى فكرة التواصل الإجتماعي، في لحظة تحس فيها أنك
 يجب أن تكتب شيئا ليردّ عليك الناس.. وتضطر وقتها لصياغة
 حكمة أو قول مأثور أو مشاركة صورة.. أو أي شيء..

 في الواقع أنت لا تريد نشر هذا الشيء للفائدة، ولا لأنه أعجبك..
 كل ما تريد قوله هو..

 "أنا وحيد.. تكلّموا معي"


 - برشلونة فريقي المفضّل، والبطاطس المهروسة طعامي
 المفضّل.. ومن أخطائي المفضلة، والتي أصبحت بارعاً فيها لكثرة
 التكرار.. هو أنني عندما أقابل أشخاصاً لأول مرة.. أبدأ - وبشكل
 غير واعي - بالحديث عن أمور شخصية جداً بالنسبة لي.. وكأنني
 أعرفهم منذ عشرة أعوام.. وعندما ينتهي اللقاء، وأراجع نفسي..
 لا يكفي كل الندم في العالم، لمحو مرارة الشعور..
  - الحب ليس كله شوق وحنين وإنفعالات.. التخطيط لإثارة
 غيرة المحبوب بطريقة بريئة، ثم مشاهدته يحترق من غيرته،
 متعة ما بعدها متعة..
  - أنت آلة صنع الآيس كريم.. أنت حلوى الوافل.. أنت سكّر
 مطحون.. لهذه الدرجة أحبّك! (فاطمة)..
  - لا يرعكِ المشيب مني فإني..

 ما ثناني عن التَّصابي المشيبُ.. (البحتري)..

 الثقة بالنفس هي تقريبا أقوى سلاح تملكه في مواجهة الحياة
 اليومية، من دراسة وعمل وخلافه.. ذلك لأنها هي اليد الخفية
 التي تنهضك عندما تسقط، وهي الصوت الخفي الذي يقول لك
 أنك تستطيع.. هي إيمانك بقدرتك كإنسان ضعيف على مواجهة
 أشياء وأحمال أكبر منك..

 والثقة بالنفس ليست شعورا داخلياً كما تدّعي الكتب.. بل هي
 إنعكاس لثقة أولئك الذين تحبهم بك.. لذلك ترى من السهل أن
 تتحطم كل ثقتك بنفسك من مجرد كلمة بسيطة من شخص
 تحبّه..

 أو حتى نظرة إستهانة..


 ومع أن أكثر من يحتاج الثقة بالنفس هم الأطفال، إلا إنهم - على
 الأغلب - أكثر من يخسرها.. وعلى يد أولئك الذين يقولون أنهم
 يحبونهم..


أنا راوية.. راوية شاهين..


 من أجمل الأشياء اللي بحبّها في عمّان صباحاتها.. وخصوصا
 الصباحات الهادية مثل صباح يوم السبت.. لمّا تصحى بكير..
 وتطلع تشرب فنجان قهوتك الكسول عالبلكونة الكسولة.. ويسرح
 نظرك في البيوت والشجر والأرصفة والياسمين والتلال البعيدة..
 بتكون الشمس لسه ما حميت.. ونسيم الهوا الغربي عم بفتح
 شبابيك في الروح.. وقتها بكون في شيء سحري في الجو..
 شيء ملائكي.. شيء بخليك جاهز للحب.. لأي حب.. شيء
 بخليك تحبّ كل شي.. حتى عيوب نفسك.. و تبتسم لكل غريب..
 وبخليك تشوف حتى قطط الشوارع حلوة.. شيء خاص بعمّان
 بس.. ومش ممكن تحسه في أي مدينة ثانية...

 وفي صباح عمّاني جميل مثل هذا، وبالتحديد في أول سبت من
 نيسان السنة الماضية.. صحيت من نومي بكير.. كنت صاحية
 مرتاحة ومتفائلة ونشيطة بشكل غريب.. غطيت حبيبي محمد
 وبست جبينه.. ورحت أشوف يزن وعلي.. كان كل واحد فيهم
 تقريبا نايم فوق الثاني.. غطيتهم منيح.. وحضنتهم بعيوني..
 وطلعت أشرب قهوتي عالبلكون وأنا مستمتعة بهذا الشعور
 الدافئ لما يكونوا عيلتك نايمين ومبسوطين.. هذا الدفء اللي
 ولا شي في الدنيا بعوّضه أو بشبهه..

 خلصت القهوة.. سقيت الريحانة.. وقعدت أحضر لهم الفطور..
 ومع إنه أول موعد عندي كان عال 11.. إلا إنّي من فرط النشاط
 والتفاؤل.. لبست وقررت أطلع عالعيادة بكير.. تركت لهم الفطور
 عالطاولة مع رسالة حب وطلعت..


 أول ما قعدت بسيارتي.. تذكرت إنه إلي فترة طويلة ما زرت بيت
 المسنّين.. ويمكن هذا هو سرّ النشاط الصباحي المفاجئ.. كأنه
 في قوة سحرية صحتني وعم تدفعني لهناك.. وبدون تفكير، كنت
 في طريقي لهناك..

 وصلت حتى قبل المشرفة.. وكان كل شي تقريبا على حاله من
 آخر مرة زرتهم.. نفس الروحانية اللي بحس فيها كلّ مرّة بدخله..
 جلال الشعر الأبيض على رؤوس النساء.. هدوء آخر أيام الحياة..
 هاي الحكمة الهادية التي بتتسرب من كل نَفَس وكل حركة..

 أول ما دخلت كان الجو بارد شوي، وفيه ريحة رطوبة مخزنة من
 الليل.. وكانت لسه البرادي مسكرة.. وكل وحدة قاعدة في جهة
 من الصالون.. حوالي 8 سيدات كبار.. وما في أي صوت طالع إلا
 صوت الشغالات بنظفوا الغرف.. حتى التلفزيون كان مسكّر..

 فتحت لهم البرادي عالآخر.. دخلت أشعة شمس الربيع الهادية
 وأضافت روحانية وجمال زيادة عالمكان.. كانوا كلهم تقريبا
 موجودين.. وأول وحدة انتبهت علي هي أم خالد.. صديقتي
 المفضلة اللي بتعرف كل الأخبار.. ولسانها بقطر شهد..

 سيدة في أول السبعين.. مرحة وطيبة وعلى البركة.. ما عندها إلا
 إبن واحد.. وعايش في أمريكا.. كانت ساكنة مع أختها.. لكن لما
 أختها ماتت.. وما قدرت تقوم بحالها.. جابها إبنها هون، وبزورها
 كل سنة في الصيف.. ومع هيك بتحبه ومش زعلانة منه.. وأهم
 ميزة فيها إنها مقتنعة تماما إنها مستجابة الدعوة.. وإنّه الدعوة
 هاي هي سلاحها في الحياة..

 أعطيتها شوكولاته كنت جايبتها معي وقعدت أمشط فيها وهي


 تسولف وتحكي.. وأنا بمشط فيها وبتطلع حوالي عالستات
 الثانيين.. قالت إنه إبنها اتصل فيها الأسبوع الماضي.. وإنه إجته
 بنت زي ما دعت بالزبط.. وحتى عيونها زرق زي ما دعت.. وراح
 يسميها حسنية على إسمها.. وقالت إنه أم ربيع راحت الأسبوع
 الماضي عالمستشفى من وجع بطنها.. وهمست لي إنه هاد من
 المال الحرام.. لأنه هي فقدت علكتها.. ودعت عاللي سرقتها..
 وربنا استجاب دعوتها.... وإنه أم زهير مسكينة ابنها إله ثلاث
 شهور ما زارها.. مع إنه كان كل شهر يزورها مرة.. وإنّه ما بزورها
 إلا بس تسمح له مرته.. عشان هيك دعت عليها أم خالد إنه
 تيجيها الدورة ست شهور كاملات..

 وهي عم تحكي.. لفت نظري ست كنت لأول مرة بشوفها.. فكّرتها
 إم خليل بالأول ونحفانة.. لكن لمّا سألت أم خالد عنها.. قربت
 علي وحكت بصوت واطي.. هاي جديدة.. وما بنعرف إسمها..
 سميناها إم صورة... إلها أسبوعين هون.. ما بتحكي مع حدا ولا
 حدا بحكي معها.. ودايما ساكتة وماسكة صورة في برواز
 وكتاب.. وإنّه أم خالد حاولت معها عالفاضي.. وإلها أسبوع
 بتدعي إنه تعرف قصتها.. بس تأخرت الإستجابة على غير
 العادة.. لكن آخرتها تحكي.. وإنّه إم سليم الله يرحمها هيك
 كانت..

 تركت أم خالد.. ومشيت شوي شوي لعند الست الجديدة.. كانت
 لابسة ثوب قطن ربيعي أبيض جميل.. ومغطية شعرها بشال
 خمري طالعة خيوط الشيب من تحته.. ودافنة رأسها جوا الشال..
 فملامحها مش واضحة.. قعدت جنبها عالكنباية وسلمت.. ما
 ردت.. كانت فعلا زي ما وصفتها أم خالد.. ماسكة دفتر أسود


 وبرواز فيه صورة ضاميتها لصدرها..

 كمحاولة لكسر الجليد مع الزائرة الجديدة الغامضة.. مديت إيدي
 ومسكت إيدها.. وبالإيد الثانية رفعت حبة شوكولاته أقدمها إلها..
 وهون صارت المفاجأة..

 انتفضت الست من لمسة إيدي وكأنه مسّها شيطان.. ولفت وجهها
 بشكل مفاجئ بإتجاهي بنظرة غاضبة لاقتحام الخصوصية..

 كانت عيونها الزرق حادّين بشكل عمري ما تصورته.. وكأنه روحها
 كلّها تركّزت في عيونها في هديك اللحظة.. الذكاء والقوة اللي
 كانوا في عيونها ما كانوا متناسبين أبدا مع تجاعيد وجهها
 الجميل، ولا بشبهوا النظرات المستسلمة اللي عند ستات من
 عمرها وفي وضعها.. كان عندها القدرة بلا شك تقرأ كل أسرار
 روحي..

 المشاعر اللي اختلجتني أول ما شفتها وشفت نظرتها كانت لا
 توصف.. وقبل ما أقدر أحكي أي شي.. أو أعمل أي حركة.. حطّت
 الكتاب على الكنباية بيننا.. ونقرت عليه بإصبعها مرتين..

 بدون وعي.. مسكت الكتاب بإيد بترتعش.. وفتحت الصفحة
 الأولى وصرت أقرأ.. كان واضح إنه دفتر مذكرات.. وفي الصفحة
 الأولى كان مكتوب التاريخ 24-10-2013.. وتحته كان مكتوب
 الآتي..

 "أنا راوية.. راوية شاهين.. راوية عبد الحليم شاهين.. وهذه هي
 مذكراتي..

 وأنا مش عم بكتب مذكراتي كترف فكري أو للنشر.. أنا بكتب


 عشان ما أختفي كإنسان.. بكتب لأَنِّي في زمان ما.. في مكان ما..
 كنت موجودة.. وهذا شَيء يجب أن يدوّن.. ومع احتمال إنه ما
 حدا يقرأ كلامي.. لكن أنا لازم أكتب.. عشاني أنا.. قبل أي شخص
 ثاني.. عشان أتأكد إني موجودة.. وأثبت إني موجودة..

 عمري 59 سنة.. عزباء.. مقيمة وحدي في شقة أملكها - والملك
 لله - في منطقة مرج الحمام.. شقة رقم 4.. في بناية رقم 69..

 اليوم هو أول أيام تقاعدي.. وأول أيام علاجي من مرض
 الزهايمر.. وهذا هو السبب اللي دفعني أكتب.. لازم أكتب كل شي
 قبل ما أنساه..

 لكن قصتي مش وليدة اليوم..

 في اللحظة اللي انولدت فيها توفت إمي الله يرحمها.. وعشت مع
 أبوي وستي في بيت صغير في حارة من حارات نابلس القديمة..
 كنت أنا البنت البكر.. ومع هيك أبوي الله يرحمه ما تزوج بعد
 إمّي..

 في 67 كنت بنت صغيرة.. يا دوب كملت 13 سنة.. وطلعت مع
 أبوي من فلسطين مع الناس اللي طلعوا، وجينا على عمَّان.. فيها
 كملت دراستي وفيها دخلت الجامعة الأردنية.. وتخرجت مدرسة
 لغة عربية سنة 1976..

 وكأي بنت.. كان حلمي إني أتزوج وأكون أسرة.. خصوصاً عشان
 أفرح أبوي وأريحه.. اللي من طول عمره وهو داير باله علي.. وهو
 اللي كان له الأثر الأكبر في حياتي.. وطموحي وصلابتي وقوتي
 كانوا مستمدين بس منه..


 لكن لسبب لا يعلمه إلا علام الغيوب.. ما انكتب لي وقتها أتزوج..
 وتوفى والدي بعد سنة من تخرجي.. وظليت أنا وستي العجوز -
 اللي مؤمنة تمام الإيمان إني مسحورة - ساكنين لحالنا..

 دخلت سلك التعليم.. وبدأت العمل كمدرسة للأطفال في المرحلة
 الأولى.. وهذا يمكن كان نوع من التحفيز للزواج أو نوع من
 التعويض أو نوع من التعذيب.. إني أشوف أطفال الناس كل
 يوم.. بدون ما يكون عندي طفل.. أو حتى كمرحلة أولى السبب
 في وجود هذا الطفل.. الزوج..

 سنة عن سنة بدأت أكبر.. والسحر اللي بتآمن فيه ستي ما فكه
 تعاقب الليل والنهار.. وكل نهار بيجي يعطي أمل.. وكل ليل بطلّ
 يوخذ أمل..

 ومع هيك.. مشكلتي الحقيقية ما كانت داخلية بس.. وعدا عن
 نظرات الناس وكلامهم عني كفتاة عزباء.. اضطريت أواجه
 المجتمع كله بعد وفاة ستي.. لما ظهرت مشكلة وين بدها تسكن
 راوية.. ومع مين..

 كوني يتيمة.. وغريبة نوعا ما.. وبعيدة عن جذور العائلة في
 نابلس.. كانوا أقاربي في عمان محدودين.. ومع هيك، كان في
 معارضة غير مبررة وبدون حلول بديلة لفكرة إني أسكن لحالي..
 لكنني عاندتهم كلهم وسكنت لحالي.. وبدأت أتأقلم مع حياتي
 الجديدة.. كفتاة عزباء وحيدة..

 وقتها كنت دخلت الثلاثين.. ومعها دخلت في نوع من الإكتئاب
 العميق.. كان عندي علاقات واسعة في محيطي.. وكنت أشوف
 الناس بدخلوا على مؤسسة الزواج وبطلعوا منها وأنا واقفة بره..


 كان الزواج وقتها بالنسبة إلي مثل طفل واقف أمام مدينة ألعاب..
 بس مانعينه يدخل.. وعم بشوف الأطفال بفوتوا ملهوفين.. مع
 أهلهم وبطلعوا مبسوطين.. وهو واقف بستنى أبوه يدخله.. وأنا
 كنت هذا الطفل.. بس ما قدرت أدخل.. كنت بملك كل شيء في
 الدنيا يأهلني أكون زوجة إلا الزوج..

 ولأن الإنسان لما يفقد الأمل في الحلول الأصيلة بروح للحلول
 البديلة.. كانت إيمان هي البنت اللي ردت لي إيماني بنفسي..

 طفلة دخلت المدرسة عنا وهي بصف ثاني.. وأول ما شفتها
 حبيتها.. كانت بتشبهني تماماً.. وكان فيها شيء مكسور.. مثلي
 تماماً.. وعرفت بعد فترة إنه والدتها توفت من قريب.. وعايشة
 مع أبوها وإخوانها.. كانت تقريبا نسخة مصغّرة عني.. نسخة بعيد
 إنتاجها الزمن.

 وبدون إستئذان دخلت قلبي.. وقررت أتبناها.. وأساعدها زي ما
 أبوي ساعدني.. وتعيش حياة حلوة.. وبدأت علاقتنا كمعلمة
 تبحث عن إبنة.. وإبنة تبحث عن أم.. علاقة تبادلية تعايشية..

 بدأت أهتم فيها زيادة عن الكل.. أهتم بكل شي فيها.. بلبسها
 بدراستها بشعرها بأكلها.. بكل شي.. كنت أتأكد دايما إنها
 مبسوطة ومرتاحة.. وإنه ما حدا يزعلها.. كان معظم وقتي إلها..
 ونحكي أنا وإياها دائماً.. وفي كل فرصة تلوح.. أقعد معها كأم..
 وتعطيني بدون قصد وبكل براءة الطفولة.. كل الحب اللي
 أحتاجه..

 وصرت أشتاق لها لمّا تروح.. زي ما الأم بتشتاق لبنتها.. وكان


 أصعب شي علي.. لما تيجي العطلة الأسبوعية.. أو عطلة الصيف..

 وصارت حياتي وصحوتي ونومي وأكلي وشربي بس عشان
 إيمان.. وقدرت أحسن نفسيتها وأقويها.. وبدأت تصير مثلها مثل
 البنات.. وبدأ الإنكسار في عيونها يروح.. وتكبر وتصير بنت حلوة
 وشاطرة.. وتزرع في كل يوم حب وحنان جوا قلبي..

 حتى لما صارت إعدادي وبطلت أدرسها.. ظلينا مع بعض.. ووقتها
 كنت كبرت في شغلي.. وفي عائلتي كمان.. صرت بالنسبة للعائلة
 السيدة العانس الحكيمة.. أخت الرجال.. الكل بحترمها وبحترم
 رأيها.. بس ما حدا تزوجها.. وَيَا نياله اللي لو كانت من نصيبه..
 بس كبرَت..

 بس ما كان يهمني.. إستعضت بإيمان عنهم كلهم.. كانت بنتي اللي
 بتكبر قدام عيوني يوم بيوم ولحظة بلحظة وشعرة بشعرة..
 شفتها بكل مراحل حياتها.. وبعرفها أكثر ما بتعرف حالها.. وما
 خلصت إيمان إعدادي.. إِلَّا كانت قطعة من روحي..

 وكبرت البنت الصغيرة وصارت صبية مراهقة جميلة..
 وعالتوجيهي.. كنت صرت أنا المديرة.. وصار وقت تطلع من
 المدرسة.. وصار وقت إنه حبي العارم إلها يواجه مصيره
 المحتوم.. لكن أنا كنت في غفلة تامة عن هذا الكلام.. ويمكن هذا
 هو سحر الحب.. إنَّه بعمينا عن نهايته.. وبخدعنا إنه بستمر للأبد..

 تخرجت إيمان بتفوق.. ودخلت الجامعة.. وبدأت سنة الله في
 أرضه تتطبق علينا.. في أول فصل كنا على تواصل ممتاز.. لكن
 مع مرور الوقت.. بدأ التواصل يضعف ويخف.. ويتحول من حب
 وشوق لمجاملات وواجب.. لكن من طرفي ما تغير شي.. ومع


 بداية سنة ثانية.. كان النهر الخالد بدأ يخف بشكل كبير.. وصار
 لازم أواجه الحقيقة.. اللي يمكن حرماني عماني عنها.. إنه أنا مش
 إمها.. ولا عمري راح أكون إمها...

 وقَعَدت فترة متأرجحة بين إني بدي أشوفها وبين إنه ما لي حق
 فيها.. ويمكن هي نفسها.. ما كانت تشوف حبي إلها مهم بنفس
 الدرجة اللي كنت أشوفها مهمة إلي.. مهي العلاقات دائماً ما
 بتكون على نفس الأهمية لكل طرف.. ممكن لطرف تكون حياته..
 ولطرف ثاني تكون مجرد ترف أو واجب..

 وانقطعنا.. وما ظل عندي إلا الصور الباردة الجامدة.. عشان تروي
 أهم علاقة إنسانية في حياتي.. أو العلاقة الوحيدة ممكن..

 وإكتشفت بس راحت إيمان واستسلمت لمنطق الحياة القاسي..
 إني صرت في منتصف الأربعين.. وحيدة وحزينة.. ومديرة
 لمدرسة ببعتوا لي الناس فيها كل يوم ولادهم عشان يعذبوني..

 ويرجعوا بوخدوهم إخر النهار..

 ووقتها تغيرت.. وتحولت من راوية المرحة المبتسمة النشيطة
 لراوية المديرة الصعبة.. الحازمة.. اللي ما بتتسامح بشي.. وكل
 القسوة اللي كانت تشكل صباحاتي حزنا على إيمان.. كانت تصير
 دموع في الليل كل ما أحضن صورها..

 في بداية السنة الدراسية هاي.. وفي أول جمعة فيها.. كنت
 قاعدة بصلي.. وفي وسط الصلاة وأنا بدي أدعي لإمي الله
 يرحمها.. إكتشفت إنه أنا ناسية إسمها.. وتوقعت وقتها إنه ممكن
 ضعف وإرهاق مؤقتين.. لكن لمّا قعدت سبع ساعات ناسييته..


 كان واضح إنه الزمن بدأ ينتصر علي..

 بعدها بأسبوع.. جمعت المعلمات لإجتماع.. ولمّا قعدوا كلهم
 وحضرت حالي أبدأ الكلام.. نسيت ليش جمعتهم.. كان موقف
 أقل ما يوصف فيه إنه مأساوي بشكل مضحك.. كلهم قاعدين
 بستنوا كلامي.. وما عندي كلام.. وبدون أي تردد.. قدمت
 إستقالتي فوراً.. وبدأت أراجع الدكتور.. وكان فعلاً زي ما توقعت
 كوابيسي.. مرض الزهايمر..

 الدكتور بحكي إنه من النادر الإصابة بهذا المرض بهذا العمر.. لكن
 ممكن الضغوط العصبية تلعب دور.. أعتقد إنها نهاية عادلة من
 جهتي.. يمكن أحد أساليب ربنا في شفاءك إنك تنسى داءك..

 وهاي هي حياتي باختصار كبير لكل شي عشته.. لحظات الفرح
 ولحظات الحزن.. الحروف البسيطة هاي.. هي كل حياتي.. ومن
 المؤسف فعلا إنّي أقدر أختصر حياتي بصفحتين.. أختصر
 وجودي بصفحتين.، لكن هذا كل شيء..

 لكن راح أكتب كل شيء.. لأني بعتقد إنه حياتي ثمينة.. وعشان
 هيك أصلاً بدأت أكتب.. واليوم أول يوم تقاعد.. وراح أستمر
 بالكتابة..

 2-11-2013

 الدكتور بقول إنه الدوا ممتاز.. ويمكن اللي أنساه ما راح يرجع..
 لكن ما في أي تأثير على الإدراك والربط والإستنتاج.. مجرد
 ضياع للأسماء وبعض المواقف.. وهذا شيء طيب..

 9-11-2013


 أعتقد إنّي عشت حياتي كلها أطمح أَن أمتلك ما تمتلكه شجرة..
 نسل خاص فيها.. بشبهها..

 عندي رغبة عارمة أدوّن كل شيء.. ورغبة عارمة أنسى كل
 شيء..

 13-11-2013

 يبدو إنّي بدأت أفقد إحساسي بالإتجاهات.. ضعت اليوم عن
 بيتي.. ونصحني الطبيب ببيع السيارة وعدم مغادرة البيت بدون
 ورقة فيها عنواني...

 أتوقع النسيان بصير بوتيرة أسرع من المتوقع.. يا رب رحمتك
 ورضاك..

 20-11-2013

 الغريب في هذا المرض إنه بفقدك ثقتك بأهم شي عندك.. عقلك..
 بطلت أعرف لمّا أشوف شخص إذا كنت بعرفه أو لأ.. بعتمد بس
 على تعابير وجهه.،

 بدأت أشك في نفسي وفي كل شيء.. الموضوع مزعج جداً..

 1-12-2013

 اليوم زارني طبيبي.. واضح إني نسيت الزيارة.. أعطاني حبوب
 أقوى.. بودّي الكتابة لكن متعبة.. متعبة جداً..

 يبدو من العدل فعلاً أن أصاب بهذا المرض.. إذا كان من المفترض
 أن ينساني الناس.. فلأنساهم أنا أولاً..


 لا أعرف نصف تفاصيل حياتي.. ولا ربعها.. وأشتاق لإيمان..

 5-1-2014

 الناس بزوروني.. محمد بزورني، لكن إدراكي يختفي.. أشعر
 بذلك.. أنا شخص.. لست متأكدة من شيء..

 (التواريخ تختفي من الصفحات)

 دفعت إيجار شقتي لمحمد..

 أنا راوية.. راوية شاهين..

 اليوم دفعت إيجار الشقة لمحمد..

 إنتهت.. كلها إنتهت..

 إيمان..

 لما وصلت لهاي الصفحة بقراءة مذكراتها البسيطة.. كانوا دموعي
 معبيين وجهي.. باقي الصفحات كانت رسومات فقط.. وإشارات..
 معظمها بترمز لبنت صغيرة... والبعض غير مفهوم.. وأرقام..

 حطيت الكتاب على جنب.. وركعت عند إجريها.. ومسكت إيديها
 أبوسهم.. تطلعت علي بنظرة خالية من أي شيء.. كانوا العيون
 الزرق خاليين من أي تعبير.. نظرة ضائعة في المجهول.. والصورة
 اللي ضاميتها في حضنها انقلبت.. كانت صورتها وهي مديرة..
 وأنا واقفة جنبها في ثياب المدرسة..

 تمت


 هنالك في أعمق أعماق روحك، يوجد طابق سفليّ، موحش وبارد
 ومظلم..

 وإذا حدث وساقك الضعف والفضول للنزول إليه، فإنك على
 الأغلب ستقضي بعض الوقت هناك قبل أن تخرج منه ساخطاً
 نادماً مقسماً أنك لن تعود هنالك مرة أخرى.. لكن لن يكون
 بمقدورك إغفاله أو نسيان وجوده بعد ذلك..

 لكن هذا سيتغير، وفي كل مرة يداهمك الحزن والضعف الشديد
 والوحدة، ستعود طائعاً إليه.. لتقضي بعض الوقت وتخرج.. لكنك
 ستخرج أقل حدة وغضباً من أول مرة..

 المهم فعلاً أن تتذكر أنه هذا القبو ليس أنت.. ربّما جزء منك..
 لكنه بالتأكيد ليس أنت.. ليس أنت..

 لقد مررت بمرحلة ما من الجفاف العاطفي في حياتي، لدرجة
 أنني كنت أترنمّ بالبيت التالي..

 لئن ساءني أن نِلتِني بمساءةٍ

 قد سرَّني أني خطرتُ ببالكِ

 الأمر بدا حميماً في وقته.. لكنه أصبح مخجلاً في مرحلة لاحقة..
 وتمنيت لو أنني أستطيع محوه من ذاكرتي وتاريخي.. لكنني -
 وللأمانة- أجده الآن مضحكاً وجميلاً.. ولا أنوي أبداً النظر إليه
 كنقطة سوداء أو شطبه من سجلاتي.. بل أستخدمه كلبنة وأبني
 عليه..

 وهل الإنسان في النهاية إلا فسيفساء جميلة من أخطائه


 وجروحه وإنجازاته؟

 أحبَّ ما أخطأت به.. كما تحب ما أصبت به.. لولا هذا، لم يكن
 ذاك..


التقديس


 إن أخطر ما يمكن أن يبتليك الله به، هو أن يهيأ لك عقلك أن في
 هذه الدنيا أناسا هم أعلى منك مرتبة وقدرا.. كملك أو أمير أو
 وزير..

 حينئذ، ستبدأ ليس فقط بتقديسهم واحتقار نفسك.. بل
 وبتقديس أبنائهم أيضا، وأبناء أبنائهم الرضع.. وكأنهم يرون ما لا
 ترى ويعقلون ما لا تعقل.. وكأن الحكمة تورث كما تورث
 الملامح..

 فإن أصابوا بقليل من قول أو عمل.. هولته وعظمته.. وإذا ما
 قاموا بخطأ ما.. كذبت عقلك.. وبحثت لهم عن تبريرات لم يكلفوا
 هم أنفسهم عناء البحث عنها.. وذلك كله لترضي الفكرة الأساسية
 التي تقوم على التقديس.. والمقدس لا يخطئ.. طبعا يعقب هذا
 الابتلاء أن تحاول نشره بين الناس.. وإدانة من يقول بعكسه..
 وهذا أدهى وأمر..

 لا أعرف صدقا كيف دخلت إلى هناك.. لكنني أعرف أنك يجب أن
 تخرج.. ومن أجل هذا يجب أن تعي أن الله عز وجل يعرفك
 بإسمك.. وقد خلقك بيده.. وبث فيك من روحه.. وأمر ملائكته أن
 يسوقوا إليك رزقك.... وقدر لك أجلك.. وعاملك كما يعامل أي
 انسان اخر.. لم يعاملك كتابع أو نكرة.. ولم يميز بينك وبين أحد..
 فلا تعامل نفسك هكذا.. لا تذل نفسك.. أنت حر.. عش وأنت حر..
 ومت وانت حر..

 أوجستين / النبوءة – الجزء الأول..


 بالإضافة للكرش.. فإن من "مزايا" الزواج.. انه الانسان لما يتزوج،
 ببطل يطلع مواعيد غرامية.. أو على الأقل هذا هو المفترض..
 وهذا هو اللي لازم نحكيه قدام الناس ونربي ولادنا عليه.. لأننا
 أزواج مخلصون طيبون مطيعون.. ويفعلون ما يؤمرون.. والأهم
 الاهم.. لا يبصبصون!! (إقرأها شوي شوي ومد الواو حركتين
 للتأكيد)..

 المهم انه ما في مواعيد غرامية.. وحتى لو تزوجت من البنت
 اللي بتحبها.. طبيعة مشاويركم بعد الزواج بتختلف.. المشاوير
 العاطفية السابقة اللي ما كانت محددة لا بوجهة ولا بوقت ولا
 بسبب أصلا.. وكانت مجرد خطوات عفوية لعاشقين غير
 مسؤولين، بتختفي.. وبحل محلها مشاوير من نوع ثاني.. مشاوير
 المتزوجين.. واللي كل مشوار منهم بكون محدد الوجهة.. ووقت
 الخروج ووقت العودة.. وشو لازم نحكي وشو لازم ما نحكيش..
 وشوالهدية اللي نجيبها.. الخ..

 وهذا مش شيء سيء أو يجب الشكوى منه.. بالعكس، هذا هو
 التطور المتوقع للعلاقة وهاي هي طبيعة الأشياء.. لكن شخصيا..
 افتقدت أنا المشاويرالقديمة.. ولأني من جماعة "لا يبصبصون"..
 لقيت البديل.. والبديل كان.. ميوش..

 مشاويري أنا وميوش نادرة صح.. لكن كلها متعة وبدون محاذير..
 والتخطيط الوحيد الها.. انه قبل ما نطلع.. ميوش تروح "أجلكم
 الله" على الحمام.. لأنه فرش السيارة جديد.. والراتب يا دوب
 متحمل..

 وأصلا المكيف بطل يبرد مزبوط.. والأمور يعني.. شو الواحد بده


 يحكي.. لا حول ولا قوة الا بالله..

 المهم.. الأربعاء الماضي كان أحدث مشوار طلعناه سوا.. كنت
 معزوم على عشا عامله شاب صاحبي في الجمعية الأردنية في
 أبو ظبي.. ورحت أنا وميوش.. ويومها كنت بلتقي أبو خالد لأول
 مرة..

 وصلنا الجمعية حوالي الساعة ثمانية.. ودخلنا الخيمة اللي في
 الساحة.. وقعدنا على كرسي.. نستنشق هواء الأراجيل العليل،
 وننتظر قدوم المناسف.. وفيما كنت بخوض نقاش جدي مع
 ميوش انه الجمعية ما فيها surprise eggs.. جلس في كرسي
 مجاور النا رجل في أواسط الخمسين تقريبا.. ولما شاف النقاش
 بيني وبين ميوش احتد.. وكان من الممكن يتطور لاشتباك عائلي
 لا يحمد عقباه.. طال من جيبته حبة ملبس.. وأعطاها إياها مع
 تربيتة خفيفة على راسها.. شكرته على فض الاشتباك بإيماءة
 بسيطة.. وقبل تطور أي حوار بيننا.. حضرت المناسف.. وقطعت
 جهينة قول كل خطيب..

 واحنا بنتعشى.. لاحظت انه الزلمة كان كل همه ميوش.. هو
 يفتفت لها لحمة.. ويحط لها "شوربة" على رأيها.. ويعني كانها
 بنته كانت.. وهذا الشي طبعا فرحني.. لأنه أعطاني وقت أكثر إني
 أشارك في معركة المنسف.. لكن بنفس الوقت أثار أسئلة في
 داخلي عن سر هذا الاهتمام العجيب من رجل المفترض انه عنده
 أحفاد بعمر ميوش أو على وشك.. ومش بحاجة انه يهتم بطفلة
 على هذا النحو.. خصوصا انه نظراته تجاهها كان فيها أكثر بكثير
 من مجرد مجاملة.. والصراحة تطور عندي نوع من الفضول
 تجاهه.. لكن توقعت في سري انه ما بخلف.. وهذا الاهتمام نوع


 من التعويض..

 بعد العشا طلعت بره الخيمة أدخن.. وميوش راحت تلعب
 بالألعاب.. وشوي ولقيت الرجل اجا وقعد عندي وقعدنا ندخن
 سوا.. بعد حديث كسر الجليد التقليدي.. سألني عن إسم ميوش
 الحقيقي.. فقلت له انه مايا.. ولما حكيت الاسم.. كأنه غصّ
 الرجال.. ودعا لي الله لا يحرمني منها.. فزاد فضولي.. فضولا على
 فضول.. وبطلت عارف شو بدي أحكي.. ولقيت حالي بدون وعي
 بحكي له.. "الله ان شاء الله برزقك.. إن الله على كل شيء قدير"..

 لقيت الرجل ابتسم.. وقال.. "الله يسلمك.. بس أنا عندي أولاد..
 وربنا منعم ومتفضل.. لكن ذكرتني ميوش ببنتي وهي صغيرة..
 وهي بنفس عمرها وإسمها".. وتنهد وسكت.. طبعا أنا صارت
 حيرتي أكبر.. وكنت محتار بين انه بحق لي كغريب أسأله عن
 تفاصيل زيادة عشان أشبع فضولي.. أو أسكت.. لكن سألت.. وبعد
 تشجيع بسيط مني انه يفضفض وإنه فش ورانا شي.. بدأ الرجل
 بالكلام.. وكأنه كان بستنى فرصة بسيطة يحكي حكايته لحد..
 وبدأ فيها من أولها..

 "أنا إسمي عمر.. أبو خالد.. بشتغل هون.. مهندس.. هذا يا سيدي
 وأنا صغير.. كنا ساكنين بقرية من قرى نابلس.. وكان أبوي الله
 يرحمه.. تاجر حجر بين نابلس وعمان.. وكان وضعنا ممتاز.. في
 سنة 1980.. خلصت توجيهي.. وكان التوجه أيامها انه الواحد
 يطلع يدرس بره.. وكونه كان الوالد مقتدر.. ما كان في أي مشكلة
 في الموضوع غير اختيار البلد.. وبعد عدة نصائح من الأقارب..
 قررت أروح أدرس في الهند..


 وفي الوقت اللي الوالد فيه كان بشجعني أسافر وأتغرب
 وأندعك.. والدتي الله يرحمها كانت ضد الموضوع تماما.. كانت
 تخاف من الغربة والسفر.. لكن ما كان بيدها حيلة.. الأمور كلها
 كانت بتمشي بهذا الاتجاه.. وطلع قبول الجامعة وحجزت
 التذاكر.. وتحدد موعد السفر.. وصار الموضوع أمر واقع.. ومع
 هيك حاولت محاولتها الأخيرة..

 قبل ما أسافر بيوم أو يومين.. حكت لي امي انه وحدة صاحبتها
 حكت لها عن بصّارة مغربية بتقرا الكفّ.. وشاطرة كثير.. وإنه
 إمي متأكدة إنه لو قرأت لي الكف.. راح أكتشف انه هاي السفرة
 مش من مصلحتي وما أسافر.. وكونه إمي كان مؤمنة بالغيبيات
 هاي تمام الإيمان.. ما حبيت أكسفها.. وإجت المغربية..

 طبعا هذا الكلام صار له ثلاثين سنة أو أكثر.. لكن لغاية الآن
 متذكر المشهد بتفاصيله.. يمكن إمي نفسها نسيت ملامحها.. لكن
 المغربية لأ.. كانت ختيارة.. شعرها أبيض أبيض.. وعيونها
 واسعات وغريبات... وكأنهم فعلا بشوفوا شو جواك وشو راح
 يصير معك.. ولكنتها غريبة..

 دخلت عنا عالبيت.. وبعد الضيافة.. اجيت قعدت معاها.. ومسكت
 إيدي اليمين.. فتحت الكف.. وصارت تتطلع فيه على أساس
 بتقرأ.... وإمي قاعدة مركزة بتستنى أي شي يحول الموقف
 لصالحها.. وأنا بيني وبينك مش مقتنع بخرابيطها.. لكن صار
 عندي فضول أعرف شو بدها تحكي.. وبس خلصت "قراءة"
 غمضت عيونها فترة.. ولما فتحتهم.. اطلعت في نظرة طويلة
 وقالت أبيات شعر متذكرها لهسه.. وكأنها انحفرت بذاكرتي..
 قالت المغربية وقتها..


 بختك يا وِلدي عجيب.. ما شفت يوم مثلاهْ..

 تقضي حياتك غريب.. سايح في أرض الله..

 ويضيع منك الحبيب.. الأعجمي ياخذاهْ..

 تّمشي وراه العمر.. تِلقاهْ ما تِلقاهْ..

 وبس.. ما زادت عليهم حرف.. وراحت... طبعا إمي فسرت هذا
 الكلام إني مش لازم أسافر.. ومع هيك.. ثاني يوم الصبح كنت
 في مطار عمّان.. كانت أيامها ما في طيران مباشر عالهند.. لازم
 تقعد في أبو ظبي سبع ثمن ساعات ترانزيت.. ومنها على
 بومباي..

 وصلت الهند بعد 18 ساعة شحططة في المطارات وكانت الدنيا
 نص الليل.. ومش نايم كنت إلي يومين.. أول ما طلعت من
 المطار.. ولسه بدي أشوف تكسي.. حسيت حدا مسك رجلي وهو
 بصرخ.. طلع واحد مشلول شحاد.. وهو مسك رجلي من هون وأنا
 وقعت أنا وشنطي من هون.. استبشرت خير صراحة..

 المهم لقيت تكسي.. وأعطيته العنوان اللي أعطاني إياه قريبي..
 طلع السواق بعرفش ولا كلمة انجليزي.. فصرت أأشر له اني بدي
 أنام.. وهز لي براسه إنه فهم علي.. وبعد ساعة تقريبا.. نزلني على
 باب مبنى صغير مكتوب عليه hotel.. حملت شنطي ودخلت..
 لقيت في غرفة استقبال معتمة.. والموظفة اللي الكاونتر نايمة..
 لما قربت عليها أصحيها.. لقيت سرب نمل قاعد بمشي فوق
 الكاونتر.. ولما يوصل راس الموظفة.. بطلع فوقه.. وبرد بنزل
 وبكمل المشوار.. تفائلت.. بس ما كان قدامي حل ثاني..


 المهم صحيتها.. وطلعت برضه ولا كلمة انجليزي.. لكن فهمت شو
 بدي.. مدت إيدها وراها وطالت مفتاح عليه رقم.. ورجعت نامت
 مع نملاتها.. أول ما فتحت باب الغرفة وضويت الضو.. تفاجأت
 إنه في حوالي عشرين فار قاعدين عالسرير.. ويبدو أنا أقلقت
 منامهم.. فصاروا يتنططوا.. وكل واحد رجع لمخبأه.. ما كان لا
 في وقت ولا في حيل إنه أشكي على شي.. رميت حالي
 عالتخت.. وأنا بروح في غياهب النوم.. كنت بسمع خطواتهم
 راجعين.. ونمت وأنا بحلم إنه اللي صار في الموظفة صار في...

 قعدت في الهند أسبوعين تقريبا.. وما لايمتني نهائيا.. وبعد
 تلفونات مع الوالد.. تقرر إني أرجع البلد لغاية ما نشوف مكان
 ثاني.. وبعد فترة من البحث.. كانت محطة الغربة الثانية تقررت..
 ومع أول الشتا.. كنت وصلت بوخارست..

 كانت العادة أيامها انه الطلاب العرب يسكنوا مع عائلات
 رومانية.. عشان اللغة والاندماج الثقافي وما إلى ذلك... ومع
 توصية من لجنة الطلاب الدوليين بأحسن أماكن نستأجر فيها..
 بدأت أدور على غرفة أستأجرها.. وسكنت أول فصل عند عائلة
 رومانية مكونة من واحد ومرته.. كان هو متقاعد من الجيش..
 وهي إلها محل في سوق الخضرة.. ووضعهم تعبان.. وبحاجة
 الإيجار..

 البيت كان بسيط.. فيه ثلاث غرف وصالة.. وعند حديقة.. وقريب
 جدا على بحيرة صغيرة.. وقريب عالجامعة.. أول ما إستأجرت
 عندهم.. كانوا الجماعة هاديين وودودين.. لكن خلال يومين..
 اكتشفت الحقيقة..


 طلع السيد نيقولاي ومرته ناقر ونقير.. ومبدئيا.. لازم كل يوم
 بالليل يسكروا.. أول السهرة بكونوا حبايب.. لكن مع توالي
 الكؤوس.. بتولع بينهم.. وببلشوا خناق.. طبعا انا كنت يا دوب
 بالروماني.. بحكي مرحبا وصباح الخير وهيك.. ومش فاهم شي
 عليهم.. بس كوني شخص موجود في البيت.. وعندي نخوة
 العرب... كنت أحاول أفزع بينهم.. فبدي أعمل إشي.. ومع إنهم
 يكونوا سكرانين.. بس انه يقعدوا يشرحوا لي.. كل واحد وجهة
 نظره.. ويقعدوا يورجوني ورق.. وأنا قال أقرا الورق وأقتنع..
 وإنه معك حق.. وأنا مش فاهم إشي...

 وأقوم عاد وهم يرطنوا بالروماني وأنا نازل بالعربي.. "يا أخ
 نيقولاي.. صلي عالنبي.. الأخت دومتريتا مش قصدها اللي انت
 فهمته.. وإنتي يا ست دومتريتا إنتي كمان محقوقة.. الله
 يصلحك هذا جوزك وأبو عيالك.. هيك الوحدة بتحكي لجوزها؟
 أي والله لو إنك عنا بالبلد أبصر شو صار فيك!! " لا قال.. ومر ات
 يقتنعوا بكلامي ويهزوا راسهم.. ويصطلحوا.. وعشت مع جوز
 المجانين هدول ست شهور.. ما تعلمت منهم إلا المسبات.. وكنت
 ناوي فعلا أتركهم مع اخر الفصل.. لولا كان مخبى في القدر إنهم
 يصيروا نسايبي.. أو شبه نسايبي عشان أكون دقيق..

 قبل أسبوع ما أحكي لهم إني لقيت بيت جديد وبدي أطلع عليه..
 إجت عندهم زائرة من القرية.. الأيقونة الساحرة كريستينا..
 كريستينا كانت بنت أختها لدومتريتا.. كانت مخلصة مدرسة في
 القرية.. وجاية عشان تكمل جامعة في بوخارست وتسكن عند
 عمتها.. وأنا برحب وبهلي في كريستينا.. كان قلبي أعطى دماغي
 أمر يلغي موضوع الرحيل.. وتغيرت كل مخططاتي..


 البنات الرومانيات طبعا جميلات جدا.. لكن كريستينا كان فيها
 شي غيرعنهم.. او عن بنات بوخارست تحديدا.. كان فيها هذا
 الجمال القروي البسيط.. العيون البريئة اللي غير عن عيون بنات
 المدينة.. ما فيهم لمعة عيون البنت اللي بتحسها فاهمة كل شي..
 كانت ملاك.. ملاك مغمض عمره 18 سنة.. وبعته ربنا لعندي
 يمنحني السعادة...

 بدون ما أطول عليك.. في سنة ثانية تزوجنا.. ونيقولاي صار
 بمثابة حماي.. ودومتريتا بمثابة حماتي.. ومع فهمي للغة وقتها..
 فهمت مشكلتهم مع بعض.. كاين السيد نيقولاي ماخذ قرض قبل
 ما يتقاعد.. وصارفه على صاحبته.. ودومتريتا بشتغل وبتسد
 القرض.. وكل ما يسكروا تتذكر شو عمل.. تقوم تتخانق معه..
 ومع إني كنت أصلحهم بالعربي زمان. بطلت بالروماني أقدر
 أصلحهم.. بس هذا كله مش مهم.. كان معي كريستينا..

 وحملت كريستينا.. ولأن الزمان وقتها كان كريم وطيب.. حملت
 الملاك بملاك ثاني.... وفي صيف 1983.. رجعت من إجازة الصيف
 وانولدت بنتي مايا.. ولو شو ما أوصف لك فرحتي بولادتها مش
 ممكن تصدق.. كان كأنه السماوات والأرض والبحار والأنهار
 والجبال والورود وكل شي جميل تجمعوا وطلعوا مايا.. وكانت
 بتشبه بنتك هيك.. ضحوكة ولعوبة وحنونة.. كانت متعتي
 بالحياة بس أقعد ألعبها وأطلع فيها.. كنت ما أصدق على الله
 أرجع من الجامعة وأوصل البيت عشان أشوفها.. أبوسها.. اخذها
 عالبحيرة نلعب مع البط والوز ونطعميهم.. عشت معها أحلى أيام
 حياتي.. ما كان في الدنيا كلها أب سعيد قدي.. ولا زوج كمان
 سعيد قدي..


 ودخلت سنة رابعة.. وقرب التخرج.. ومعه صرت أحس تغيرات
 في كريستينا.. صار لأول مرة في مشاكل بيننا.. ولمحت عدة
 مرات إنه إحنا مش راح نظل عايشين عند نيقولاي ودومتريتا
 للأبد.. ويمكن لازم نشتري بيت في بوخارست.. وكان هذا رسالة
 إنه مش ناوية ترجع معي على فلسطين وهذا شي خطير..
 وعكس إتفاقنا لما تزوجنا.. وعشان تزيد الأمور سوء.. وقتها
 اضطريت أنزل على فلسطين لأنه أبوي كان شغله صار فيه
 مشاكل.. وصحته تعبت.. وطلب يشوفني... وأنا في الطيارة كنت
 قاعد جنب الشباك.. بطلع على الغيوم.. وبفكر في الغيوم اللي
 بلشت تتلبد في حياتي..

 الجزء الثاني..

 رجعت من البلد بعد ما تطمنت على الوالد.. وبقدر ما كنت مهتم
 بموضوع كريستينا.. كنت مشتاق لمايا.. بس وقتها صارت
 المشاكل بيني وبين كريستينا تزيد.. وإنقلبت الآية.. وصار
 نيقولاي ودومتريتا يتدخلوا هم يصلحونا.. وفي وسط هذا كله..
 كانت مايا هي سلوتي وحياتي.. كنت آخذها ونروح نقعد
 عالبحيرة وبرائتها تنسيني كل شي.. كان الحب اللي بتعطيني
 إياه أغلى من كل كنوز الدنيا.. حتى كلمة حبيبي منها كانت
 تنحكى بصوت الملائكة..

 قبل ما أتخرج بشوي.. كانت مايا أو ميوش زي ما صرت أدلعها..
 صار عمرها سنتين ونص.. وكانت الأمور بيني وبين كريستينا
 هديت، ورجعت حبيبة قلبي اللي بعرفها.. والدنيا ما كانت
 واسعيتني من الفرح.. واتفقنا إنه نتخرج ونسافر سوا.. وفي كل


 سنة ننزل مرتين على رومانيا.. في الصيف والشتا.. وكان هذا حل
 مرضي لجميع الأطراف.. وإحتفلنا فيه بحفلة شواء كبيرة كان
 نيقولاي السكير عرّابها..

 ورجعت الحياة إبتسمت إبتسامة أكبر من كرش دومتريتا..
 وصرت أعد الأيام عدّ عشان أتخرج وأرجع.. وكانوا أهلي
 مشتاقين كثير يشوفوا كريستينا ومايا.. ما شافوهم إلا بالصور..
 وعلى قد ما كنت مبسوط إنه راح أرجع لبلدي وأعيش فيها.. كنت
 راح أفتقد نيقولاي ودومتريتا.. وحياتنا كلنا سوا.. كانت يمكن
 هالخمس سنين في بوخارست هم أحلى شي عشته في حياتي..

 وتخرجت ولبست الطاقية السودا.. وتصورت وميوش على
 كتافي... وتخرجت كريستينا كمان.. وصرت أنا باش مهندس قد
 الدنيا.. إنجنير كونسركتور على رأي نيقولاي.. وزوجتي الحبيبة
 تخرجت بشهادة في الأدب المقارن.. وبدأت تحضيرات السفر من
 جهتنا.. وتحضيرات الإستقبال والليالي الملاح في فلسطين.. كان
 أبوي حالف يعمل لي عرس مطنطن في البلد.. ويذبح عشر عجول
 لعيون ميوش.. وإمي من جهتها كانت جهزت الشقة.. وفرشتها
 من مجاميعه.. حتى أواعي ميوش وكريستينا حضرتهم.. وثوب
 فلسطيني لكريستينا كمان..

 وسارت الأمور بحمى الرحمان.. وكان الحجز لعمان يوم السبت..
 واخر أيامك يا نيقولاي.. وآخر مشاكلك يا دومتريتا.. يوم
 الخميس طلعت الصبح عشان أعمل اّخر تصديق لشهادتي من
 الخارجية الرومانية.. وكريستينا قالت إنها بدها توخذ ميوش
 وتروح عالقرية عشان تودع أبوها وإمها، وعلى أساس يرجعوا
 المسا في قطار الساعة خمسة.. خلصت الأوراق ورجعت من


 الخارجية لقيت نيقولاي سكران ونايم ودومتريتا في الشغل..
 قمت أخذت حمام.. وقلت خليني اخذ قيلولة بكونوا رجعوا..

 وأنا نايم حلمت بالمغربية.. كنت لأول مرة بحلم فيها.. وأول مرة
 بشوفها من يوم قراءة الكف.. كانت بتعيد أبيات الشعر نفسها مع
 ضحكة.. وجنبها إمي عم تبكي.. صحيت من النوم زي اللي مسه
 شيطان.. مفزوع وقلبي موجعني.. كانت الساعة حوالي ستة..
 ودومتريتا رجعت وبتتقاتل مع نيقولاي.. بس كريستينا وميوش
 ما كانوا موجودين..

 مسكت التلفون بإيدين برتعشوا وقلب راح يطلع من مكانه
 وشفايفي بس بحوقلوا وبدعوا.. وعرقي بنزل.... وإتصلت على
 بيت حماي في القرية أشوف وين صارت كريستينا.. ومع كل رنة
 للتلفون.. كان شي بحفر في قلبي.. وضحكة المغربية بترن في
 ذاني.. وكأنه رنة التلفون هي ضحكة المغربية.. وأخيرا ردت
 حماتي.. والرد كان أقسى مما توقعت.. كريستينا ما كانت رايحة
 عندهم أصلا..

 رميت التلفون من إيدي.. وتكومت عالكنباية زي الشوال.. وكأنه
 كل شي انسحب من روحي مرة وحدة.. بطلت عارف شو بدي
 أعمل.. ولا وين راحت كريستينا أصلا.. ووين مايا.. وين مايا..
 وبدأت كل الأفكار الشيطانية تلف في راسي بسرعة البرق..
 وبدأت إتصالاتي مع كل حدا بنعرفه.. صاحباتها.. قرايبها.. زملائها
 في الجامعة.. أهلها كمان مرة.. ما في.. إختفت.. طبعا من كثر
 الإرهاق النفسي اللي كنت فيه.. صرت أتأمل إنه صار لهم شي، ولا
 تكون هربت.. ورحت في الليل عالشرطة.. واعلنت عن
 إختفاءها.. وصاروا يدوروا في المستشفيات ومراكز الشرطة..


 روحت من مركز الشرطة على وجه الصبح.. وما كان إلها أي أثر..
 وحوالي ثلاث أيام ما أنام.. وأنا أدور عليهم.. ما في.. الأرض
 إنشقت وبلعتهم.. طبعا أهلي عرفوا وأجلوا كل التحضيرات..
 وظلهم متابعين معي يوم بيوم.. ومضى شهر كامل وأنا بلف
 شوارع بوخارست يوم ورا يوم أدور عليهم.. ما في فايدة.. وزرت
 أهلها وقريتها.. وإكتشفت إنها كاينة مخبرة إمها إنها ما بدها
 تيجي معي على فلسطين.. وبدها تروح تعيش لحالها مع مايا..

 في اخر الشهر.. كان شكلي إنسان ثاني.. كنت خسرت جزء كبير
 من وزني.. ولحيتي طويلة.. ووجهي عظامه كلها بارزة.. ما كنت
 متخيل في أسوأ كوابيسي أخسر زوجتي وبنتي بطريقة مثل
 هيك.. وكنت طبعا على وشك أصير مخالف في رومانيا لأنه
 إقامتي إنتهت.. وعشان تكمل الدنيا معي.. حكوا معي من البلد
 إنه إمي كثير تعبانة.. ولازم لازم أنزل أشوفها لو يوم..

 لما وصلت البلد كانت الله يرحمها في اخر ساعاتها.. كاينة من
 وقت ما عرفت انه كريستينا أخذت البنت وهربت، صايبها إنهيار..
 بس ما حدا رضي يحكي لي.. ولما شافتني وشافت حالتي..
 تعبت بزيادة.. وقعدنا أنا وإياها يمكن أغلى ساعة ممكن يقعدها
 شخص مع إمه.. كانت بس بدها تتطلع بعيوني وتحضنني.. ويلها
 تعبها وويلها تعبي على بنتي.. وماتت وهي ماسكة بإيدي..
 وتبكي.. وتحول كل ألمي وحزني لغضب هائل على كريستينا..

 بعد وفاة إمي.. إتصل في شاب من رومانيا كان معي.. وحكى لي
 إنه قدر يعرف من موظفين الجوازات إنه كريستينا ومايا طلعوا
 من رومانيا وراحوا على تركيا.. وما كذبت خبر.. خلال يومين


 كنت في إسطنبول.. وأنا ناوي أقتلها لكريستينا لو شفتها..

 وصلت إسطنبول.. وما معي أي معلومة إلا إنهم نزلوا في مطار
 إسطنبول.. وبديت عملية بحث محمومة ويائسة عنهم.. كنت
 أروح أحاول أشوف وين في رومانيين.. وين في مطاعم
 رومانية.. أي شي روماني.. وأدور عليهم فيه.. ووصلت إني أوقف
 قدام القنصلية الرومانية بالأيام، لغاية ما فكروني إرهابي يمكن..
 بعدين صرت أدور عند دكاترة الأطفال.. عيادات النسائي..
 الحدائق.. المطاعم.. أي شي... وكل يوم يمر علي يخليني مجنون
 أكثر من اليوم اللي قبله.. صرت أشوف مايا في كل طفل.. كل ما
 أسمع صوت طفل بحكي بابا ألف وجهي أتطلع عليه.. صرت
 تقريبا شبه مجنون.. وأبوي بحول لي فلوس.. شهر على
 إسطنبول.. شهر على بورصه.. شهر على شيلا.. تعبت وتعبته
 معاي.. ودخل شتاء تركيا البارد وأنا تايه عند الأتراك وحبيبتي
 ضايعة..

 وبعد حوالي ست شهور من البحث المحموم اليائس.. مسكوني
 الشرطة التركية متشرد ومتجمد تقريبا في حديقة في أنقرة، وأنا
 بهذي بإسم مايا.. وشكلي زي المجانين كان.. كنت خلص
 إستسلمت ووصلت لحالة الإنهيار النفسي والجسدي.. دخلوني
 المستشفى، وخلال يومين وبالتنسيق مع السفارة الأردنية.. كانوا
 مرحلينني على عمّان وإستلمني أبوي من هناك.. وأيقنت أخيرا
 بالحقيقة.. بنتي ومرتي راحوا خلص.. إختفوا.. ضاعوا..

 قعدت في البلد حوالي سنة بعدها.. ما عملت شي.. بس أتعافى
 من اللي صار معي.. وأهلي ساعدوني أخرج من الكآبة اللي
 عشتها.. وإنه كل هذا مكتوب.. وفعلا.. إيماني بالله وبالقدر.. نوعا


 ما طلعني من أزمتي.. بس ما نسيتها.. وعشان يكتمل العلاج..
 تزوجت بنت خالتي بحسب وصية إمي..

 طبعا كان تحدي شديد جدا لزوجتي إنها تتزوجني.. لأنه أنا ما
 كنت شخص متزن أيامها.. وكان يمكن إنه أعمل لها مشاكل أو
 أشوفها كبديل.. أو أقارن بينها وبين كريستينا.. والأهم يمكن
 أقارن بين ولادي المستقبليين معها.. وبين مايا.. وهي مش ذنبها
 هذا الشي.. لكنها كانت بنت حلال وواعية.. وقدرت بكل هدوء
 وحكمة.. إنها تتعامل معي وتطلعني من ترسبات اللي صار..
 صحيح ما نسيت مايا أبدا.. لكن على الأقل تراجع الموضوع من
 الذاكرة اليومية وراح لخانة جروح القلب.. وصار شي ساعدني
 أبدا حياتي كلها من أول وجديد..

 وقتها كان في إلي إبن عم بشتغل في ليبيا.. وحكى معي إنه في
 شركة أمريكية ماخذين مشروع السفارة الأمريكية في طرابلس
 وبدوروا على مهندسين عرب.. أرسلت شهادتي وأوراقي لعنده..
 وخلال شهر كنت أنا وزوجتي في ليبيا.. إشتغلت مع هالي
 بيرتون.. كانوا ماخذين عقد يبنوا كل السفارات الأمريكية في
 إفريقيا وآسيا..

 في ليبيا إنولد لي خالد.. وفي تشاد.. أبوي توفى.. في الكونغو
 إنولدت علي.. وفي مانيلا إنولدت الريحانة آية.. وصرنا العائلة
 الرحالة.. من بلد لبلد.. لغاية ما قبل سبع سنين تعبت من السياحة
 في بلاد الله.. وجسمي بطل قادر يتحمل سفر.. وصار وقت أستقر
 خلص.. ومن جهة ثانية خالد كان بده يدرس جامعة.. وعلي على
 وشك يخلص توجيهي.. فتركت هالي بيرتون.. واشتغلت مع
 شركة إستشاري هون في أبو ظبي.. وبدأت حياة جديدة..


 وصارت مايا وكريستينا وحكايتهم من الماضي.. لكن ظل الجرح
 في القلب.. كل فترة براودني.. وحتى المغربية كانت مرات
 تيجيني في الحلم.. وإمي الله يرحمها كمان.. وفي لحظات يأس
 أو أمل.. سميها زي ما بدك.. صرت أدور عليهم عالانترنت.. بس
 بدون فايدة.. لغاية ما في يوم قبل سنتين تقريبا، التقيت
 بالصدفة بزميل طبيب قديم كان بدرس معنا في بوخارست.. كان
 هذا الصديق مقيم في أمريكا.. وجاي على أبو ظبي في مؤتمر
 طبي.. وكان بعرف حكاية كريستينا ومايا كلها.. لأنه كان من
 الناس اللي دور معي عليهم في هذيك الأيام..

 وبعد الترحيب المعتاد في لقاءات الأصدقاء القدامى.. سألني
 عنهم فقلت له إنها صفحة وانطوت من خمسة وعشرين سنة..
 وإنه أنا عانيت كثير لقدرت أطويها.. والله يسهل عليهم وين ما
 كانوا.. كانت مايا وقتها راح تصير 28 أو 29 سنة.. وإمها يمكن
 في الخمسين.. المهم.. الزلمة ما إقتنع.. وقعد يحكي إنه الدنيا
 تغيرت.. وصار في تكنولوجيا وإنترنت.. وأكيد لو دورت منيح
 بلقاهم.. وتعهد من عنده إنه بس يرجع أمريكا راح يدفع لشركة
 خاصة يدوروا عليهم.. وأخذ رقمي في أبو ظبي.. وأخذ تفاصيلهم
 كلها وسافر..

 وهو سافر من هون.. وشيء مزيج من الفضول والأمل يبني في
 قلبي من هون.. وبدأت صور من الماضي البعيد تتلألأ في
 مخيلتي.. ورجعت المغربية تزورني في أحلامي.

 تم الجزء الثاني..


 الجزء الثالث

 وسافر صاحبي.. ومرت سنة طويلة على سفره.. وما سمعت منه
 شي.. ووقتها أنا تندمت إني أعطيته تفاصيل عنهم.. لأنه فعلا ما
 كنت صدقت إني أطوي الموضوع.. صحيح أنا أب.. ومايا بنتي..
 لكن أنا إنسان بالنهاية.. وعندي قدرة على تحمل مشاعر الضياع..
 وعندي عائلة ثانية بستاهلوا إهتمامي اللحظي.. اللي مش لازم
 يضيع عشان شي صار قبل خمسة وعشرين سنة.. لكن تلفون
 إجاني من أمريكا في نص الليل قلب موازين حياتي كاملة..

 حكى معي صاحبي الدكتور.. وقال لي إنه المحقق اللي اتفق معه
 لقي كريستينا.. بس ما لقي مايا.. وللمفاجأة.. كاينة كريستينا في
 أمريكا مش في تركيا.. لكن ميتة من حوالي عشر سنين.. طلعت
 داخلة أمريكا بعد خمس سنين من روحتها على تركيا.. وصاير
 إسمها كريستينا توران.. كاينة متزوجة واحد تركي.. وهم حاليا
 بدوروا على بنتها.. اللي ممكن إسمها كمان يكون تغير.. بس لسه
 ما لقيوا شي.. بس أكيد راح يلاقوها..

 وعشت حوالي أسبوعين بعدها من المشاعر المختلطة.. قلق..
 أمل.. خوف.. مش عارف شو هو.. يا ترى مايا عايشة؟ ميتة؟
 بتعرفني؟ بتعرفنيش؟ شو حكت لها كريستينا قبل ما تموت؟
 تخربطت بشكل لا يوصف.. لكن حيرتي ما طولت.. إتصل في
 صاحبي وقال إنهم لقيوا مايا.. إمها مغيرة إسمها كاينة.. وصارت
 أوجستين توران.. وبتشتغل مع مؤسسة خيرية في شيكاغو..
 وراح يقعد معها الأسبوع الجاي.. ويمهد لها الموضوع.. وخلال
 أقل من أسبوع.. كانت المضيفة الشقرا بتطلب منا ربط الأحزمة


 إستعدادا للهبوط في مطار أوهير..

 اللقاء كان يوم أحد في مطعم مطل على بحيرة ميتشجان..
 والبط اللي كان على طرف البحيرة.. كان كثير بشبه البط في
 بوخارست.. طبعا وصلت أنا والدكتور قبلها.. وهو قعد يكرر
 نصائحه إنه ما أتوتر ولا أنفعل.. ولا أعاتب.. والبنت أمريكية..
 مش عربية.. ولازم أقبل تغييرات الزمن وما إلى ذلك.. هو كان
 يحكي.. وأنا كنت أتذكر لما كنت أعلمها الفاتحة وهي صغيرة.. كنا
 نكون قاعدين على شط البحيرة.. وكنت لما أحكي لها "إهدنا
 الصراط المستقيم".. كانت تحكي.. موسكاكيم.. موسكاكيم..
 وأحضنها ونضحك.. وأحكي لها مستقيم.. ترجع تحكي لي..
 موسكاكيم..

 وصرت أتطلع على المدينة.. وأتخيل كل لحظة عاشتها هون
 بدوني.. كيف كانت تروح على المدرسة لحالها.. كيف ما كنت
 معها يوم التخريج.. في النشاطات.. في أعياد الميلاد.. في العطل
 الصيفية.. في لحظات الحزن.. لحظات الفرح.. لحظات الإنجاز..
 كيف ما كنت موجود كأب في حياة بنتي لما كانت محتاجيتني..
 كيف ما غطيتها بالشتا.. كيف ما كنت معها وهي بتمتحن سواقة..
 وهي بتتعلم سباحة.. وهي بتحل الواجب.. وصار قلبي يوجعني..
 وأنا حالف أعوضها قد ما بقدر عن كل شي..

 ما صحاني من الذكريات وأحلام اليقظة المؤلمة هاي.. إلا صوت
 الدكتور وهو بقوم من مكانه وبسلم.. وصلت مايا.. قمت من
 الكرسي.. ومرتبك.. وشفتها لأول مرة من يوم الخميس المشؤوم
 في بوخارست.. كانت كبرت وصارت في اخر العشرين.. ملامحها
 مختلفة شوي.. بس لسه هي هي.. وشعرها الأسود صار طويل...


 وكانت لابسةتي-شيرت أبيض وجينز أسود.. وبتدلى من رقبتها
 صليب مذهب.. وأنا بتطلع في وجهها وفي راسي ألف سؤال
 وسؤال.. ولا هي بتمد إيدها.. وبتعرف عن حالها وكأننا في
 اجتماع شغل.. "أوجستين توران".. طبعا سلمت عليها ببساطة
 ولجمت مشاعري.. وقلت "عمر كتانة ".. وعلى يسارها كان في
 شاب زنجي مجدل شعراته ورابط عليهم بُكل ملوَنة.. ولا هي
 بتعرفني عليه.. Samuel Milden.. ماي بوي فرند.. تشرفنا سيد
 صامويل..

 المهم قعدنا أنا والدكتور ومايا.. أو أوجستين.. والبوي فرند تبع
 بنتي.. صامويل باشا ملدن.. وبدأت هي الكلام اللي نزل رصاص
 على قلبي.. كمفردات وكأسلوب.. حكت إنه من اللطيف مني كأب
 إنفصل عن إمها من زمان. إنه بعد العمر هذا كله اللي كل واحد
 فيه شكل حياته بطريقته الخاصة أرجع أسأل وأدور عليها.. وهذا
 بدل على مشاعر طيبة.. وهاي لفتة طيبة هي بتقدرها وبتشكرني
 عليها.. طبعا كان واضح إنه مشاعرها تجاهي سلبية جدا..
 وخمسين سنة من مقارعة هاي الحياة خلوني أحتفظ بهدوئي في
 صدري ودموعي في عيوني.... وأخذت بنصيحة الطبيب
 صديقي.. وظليت هادي.. ومتحفظ.. لأنه الأمريكان غير عنا على
 رأيه.. ومشاعرهم مش زي مشاعرنا.. وقلت يمكن في مرحلة
 لاحقة نفسر كل شيء..

 بعد الغدا.. سألتني كم إجازتي ووين نازل.. قلت لها إنه أنا ماخذ
 أوتيل قريب.. ومبدئيا راح أظل هون أسبوعين.. فحكت هي إنه
 هي هذا الأسبوع ما عندها شغل.. وبتتمنى لو أقعد معها في
 البيت.. نتعرف على بعض أكثر.. وتودعنا على أساس أزورها في


 البيت ثاني يوم.. وصديقي الطبيب من جهته رجع على الولاية
 اللي هو فيها ورجعت أنا عالأوتيل وأنا نصف إنسان..

 حكيت أنا ومايا كثير في هذا الأسبوع.. وقالت إنه إمها انفصلت
 عني.. وسافروا على تركيا.. وهناك تزوجت بحار تركي هو اللي
 رباها.. وهو بمثابة أبوها كان... او حتى أبوها.. وسافروا من تركيا
 على أمريكا وعاشوا فيها.. لكن كانوا ينزلوا إجازات على رومانيا..
 وإنه إمها في اخر سنين عمرها صار عندها إدمان على الكحول..
 وتوفت بمشكلة في الكبد.. وأبوها توران هو اللي رعاها وكان له
 أكبر الأثر في حياتها.. وتوفى بالسرطان قبل أشهر قليلة بس..
 وهي عايشة مع صامويل من وقتها.. وإنه هي درست جامعة..
 وبتشتغل مع مؤسسة خيرية تابعة للكنيسة..

 أنا طبعا شرحت لها كل شيء.. وشرحت كيف إنه أنا ما كنت بدي
 ننفصل.. وكيف دورت عليهم.. وإني انا كنت بحب إمها كثير..
 وبحبها هي كمان كثير.. وصحيح أنا عندي عيلة.. لكن هذا لا
 يعني إني تخليت عنهم.. لكن أنا ما لقيتهم..

 طبعا هي تأثرت شوي بكلامي أو مثلت هيك.. بس بغض النظر..
 كان كلامي ومشاعري كلهم قديمين وما بأثروا في الحياة
 المعاصرة إلها.... كنت حاسس زي واحد جاي من القرن الخامس
 عشر لحياة أناس في القرن الواحد والعشرين.. كنت أنا قصة
 حزينة منسية.. زي فيلم حزين بتحضره وبتحزن شوي وبتنساه..
 لأنه ما بخصك..

 مكانتي في قلبها كأب ومكانتها في قلبي كبنت كانوا مجرد
 تصورات شخصية عند كل واحد فينا... ومش مشتركة بيننا أبدا..


 هي كان عندها أب بتحبه جدا.. ومعلقة صورته في غرفتها.. وأنا
 كنت يا دوب أب بيولوجي.. طالب عربي ضحك على إمها في
 رومانيا زمان.. وتزوجوا شوي وإنفصلوا.. فما ما كان مجال كثير
 أعبر عن مشاعري لأنها بدون قيمة لأي حدا..

 وطبعا كنت أجبن وأرحم بنفسي من إنه أقترح إنه نعيش سوا في
 الإمارات.. لكن لما ذكرت لها إنه الها إخوان وأخوات.. قالت إنه
 هذا شيء مفرح.. ولازم تنزل تزورهم.. خصوصا إنه صامويل
 كثير نفسه يشوف دبي..

 ما قدرت أكمل الأسبوع الثاني في أمريكا.. كانت كل دقيقة
 بالنسبة إلي تعذيب أكثر من اللي قبلها.. خصوصا إنه مشكلة مايا
 أو أوجستين الوحيدة في الحياة.. كانت إنه صامويل مش
 رومانسي.. بحبها وكل شي.. وقلبه كثير طيب.. بس مش
 رومانسي..

 ورجعت للإمارات.. وسكرت حكايتي وحكاية مايا بأسوأ نهاية
 ممكنة.. ويمكن التعبير اللي إستخدمته العرافة.. كان أصدق تعبير
 ممكن.. ألقاها وما ألقاها.. أنا يمكن لقيتها.. بس بنفس الوقت ما
 لقيتها.. أنا سافرت من شيكاغو وبالنسبة إلي مايا بنتي ماتت..
 ماتت وعمرها سنتين.. وهاي أوجستين توران اللي بتشتغل في
 الكنيسة وبتحب الزنجي مش بنتي.. هي كل شي إلا بنتي.. ولا أنا
 أبوها بالتأكيد.. وهذا اللي راح أفكر فيه.. وهيك راح تظل
 ذاكرتي..

 وشو هاي الحياة يا إبني؟ شو إحنا وشو ولادنا؟ وشو طبيعة
 علاقتنا معهم؟ وشو هي المشاعر اللي بيننا وبينهم؟ المشاعر هاي


 كلها أوهام داخلية.. وإذا لقيت حدا أوهامه الداخلية زي أوهامك
 بتكون محظوظ.. لكن لو أوهامك كانت خاصة فيك إنت.. راح
 تتعذب مثل حكايتي.. كله بنا فوق الماي يا إبني.. ما بظل منه
 شي..

 دير بالك على بنتك قد ما فيك.. وعيش معها أحلى أيامك.. لإنه
 الأولاد ضيوف.. وفي يوم راح يتركوك ضيوفك.. راح يتركوك
 لدنيا انت عايشها لحالك.. وأوهام موجودة بس في عقلك إنت..

 لما وصل أبو خالد لهون.. كانوا عيونه حمر حمر.. وصادف وقتها
 ميوش كانت خلصت لعب ورجعت بدها تعمل معي حرب جديدة
 على ال surprise eggs.. ولما كانت سيارة أبو خالد في
 التصليح.. كانت فرصة طيبة إني أوصله.. ولما وصلنا عند
 السيارة.. شافه واحد من أصدقائه يسلم عليه.. وسأله عن بنته..
 فرد أبو خالد.. أي وحدة؟ العربية ولا الأمريكية؟ وضحكنا كلنا
 بأسى.. ردَ الصديق.. الثنتين.. قال أبو خالد.. العربية تخرجت
 وخطبت وراح تتزوج عالصيف إن شاء الله.. والأمريكية كمان
 منيحة.. بتواصل معها.. بس متغلبة شوي.. صاحبها مش
 رومانسي..

 تمت


مستوحى من قصة حقيقية.


 تنويعات على مقام النارنج


  - لسبب أو لآخر، فإن هنالك تناسب طردي بين مقدار ما تكسب
 من مال، وعدد الأصوات التي تملكها في أي تصويت عائلي.. وقد
 تستبعد تماما بالمناسبة..
  - إذا ما حدث وصادفت فتاة ذات إسم عربي غريب مثل رواء،
 غيد، أبرار.. وأحببت أن تبدو ذكياً، فإن سؤالاً مثل.. "والدك
 مدرس لغة عربية، أليس كذلك؟" يحقق لك المطلوب..
  - لقد إنقسم كل إنسان إلى نصفين.. حقيقي وإفتراضي.. وفي
 بعض الأحيان يتبادل الجزءان المواقع.. لبصبح الإفتراضي هو
 الحقيقي والعكس..
  - عندما تقوم بعمل غبي كإضاعة سلسلة مفاتيحك مثلا.. فرد
 فعلك الطبيعي هو أن تغضب من نفسك.. وتبدأ البحث عن
 السلسلة.. ورد الفعل الطبيعي للمحيطين بك أن يبدأوا بلومك
 وتقريعك.. لكن هنالك شخصا واحدا لن يلومك.. وسيبدأ البحث
 معك.. تمسّك بهذا الشخص..
  - عند النساء، أصعب تطبيق ديني هو ترك شعر الحاجب..
  - أصعب أركان الإيمان هو آخرها.. وبالقدر خيره وشرّه..
  - الطعام الجيد لا يحتاج أي سلطات بجانبه.. هذه الحكمة تصلح
 لأي شيء تقريبا..
  - عادة ما تختصر معظم مفاهيمك وقيمك الأساسية في الحياة
 في آرائك السياسية.. لذلك لو أردت معرفة كيف يفكر شخص ما..


 خض معه نقاشا سياسيا بسيطا.. وإبتعد قدر الإمكان عمن
 يحتفظون بصور الزعماء والقادة وصور كريستيانو رونالدو..
  - ما تشاهده على القنوات العربية الهابطة هو في حقيقة الأمر
 أخطر من مشاهدة الأفلام الإباحية.. الجنس نشاط إنساني
 طبيعي، والإمتناع عن مشاهدته تأتي من كونه نشاط إنساني
 خاص.. لا أكثر.. أما ما تعرضه القنوات العربية فهو يزرع فكرة أن
 تستغل الأنثى جسدها كأداة تسويقية.. وهذا خلل فكري من
 الصعب جدا معالجته..
  - إذا أردت التخلص من أي صديق، ما عليك إلا الإقتراض منه..
  - كلما شعرت أن خجلك من قول كلمة الحق للناس،يجعلك
 تخسر بعض الأشياء.. تذكر أن الله عز وجل قال لبعض الصحابة
 "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون".. هنالك
 حد أقصى للطيبة.. إذا تجاوزته تدخل في نطاق ظلم النفس..
  - قد تفهم الكثير مما يحدث حولك وداخلك لو أيقنت أن الإنسان
 من الثدييات.. ومرحلة العشرينييات هي فترة التزاوج..
  - وفي مرحلة التزاوج.. يقوم الذكر باستعراض ذكورته والأنثى
 باستعراض أنوثتها.. وكل طرف يبحث عن شريك..
  - الأقربون أولى بالمعروف.. ليست آية ولا حديث.. لكن عملك
 في محيطك القريب دائما أفضل..
  - العلاج لا يصرف دائما بوصفة طبية.. الجنس علاج، البيتزا
 علاج، السينما علاج، والنوم أيضا علاج..
  - في مباراة كرة القدم يبذل لاعبو الفريقين جهودا متساوية..
 لكن فريقا واحدا فقط يحتفل.. تقبل مفهوم أنّ الحياة غير عادلة
 من شأنه أن يريح أعصابك..
  - إذا كنت دائم الشعور بالذنب تجاه شيء تفعله.. فإقتنع أن هذا


 الشيء هو جزء أساسي منك.. ولن تستطيع تغييره..

 تقبل نفسك..


  - If you want to have my body، seduce my mind (هذه
 العبارة أنهت مراهقتي)..


الطلاء بالزهري..


 هنالك فكرة خاطئة تنتشر على نطاق واسع في وسائل التواصل
 الإجتماعي.. وتندرج تحت ما أسميه أنا "طلاء الحياة باللون
 الزهري".. الفكرة بكل بساطة تقول.. أن كل ما يحدث لك في هذه
 الدنيا هو خير لك ولكن أنت لا تشعر.. والله لا يريد لك الشر
 فيجب أن لا تحزن لأي مصاب يصيبك.. وما إلى ذلك من
 مشتقات لغوية مشابهة تدور في نفس الفلك..

 طبعا هذه الفكرة مقتبسة من حديث الرسول (ص) " عَجَبًا لأمرِ
 المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ
 سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ
 " وهو حديث صحيح برواية مسلم.. لكن الشاهد هنا أن الخير
 الذي تحدث عنه الرسول صلوات الله عليه هو خير أجر الصبر
 على الضراء التي أصابته.. وليس خيرا مخفيا في الدنيا..

 فقد يقدر الله الضرر على الإنسان ليمتحن صبره.. والحزن على
 المصاب لا يخالف الصبر عليه... فقد اكون صابرا وحزينا في
 الوقت نفسه.. لكنني لست ساخطا.. لأن هذا هو قدر الله.. أما أن
 تقنعني أو أقنع نفسي بان هذا خير ولكنني لا أراه.. فهذا شيء
 خارج عن واقعية الحياة ويقترب من الصوفية الذين نادوا بالفرح
 عند وقوع البلاء.. ودليل ذلك أن معظم الأنبياء تم إبتلاؤهم..
 وحزنوا حزنا شديدا على ما أصابهم.. ولم يقولوا هذا خير
 مخفي.. بل حزنوا وصبروا.. قال تعالى "وابيضت عيناه من الحزن
 فهو كظيم".. وقال تعالى " رب إني مسني الضر" وقال "فنجيناك
 من الغم"..


 الخلاصة.. قد تحصل لك أضرار وخسارات لا تعوض وموت وفقد
 ومصائب.. وهذا من قدر الله.. وبالمقابل تحصل لك سعادة وفرح
 ورزق وأبناء ومال وغيره.. وهذا أيضا من قدر الله.. الحياة فيها
 اللونين فتقبلهما.. إفرح واشكر عند النعمة.. واحزن واصبر عند
 البلاء.. لكن لا تطلي الدنيا بالزهري.. لأن هذا فكر خاطئ وقد
 تفتن الناس في دينهم دون أن تدري..


ليوم واحد فقط..


 ليوم واحد فقط.. جرب أن تخرج من قوقعتك.. ليوم واحد فقط..
 جرب أن لا تكون ترسا في هذه الالة العملاقة التي تطحنك كل
 يوم.. ليوم واحد فقط.. لا تبق في حظيرتك.. ولا تنظر نحو سطل
 البرسيم وكأنه قدرك.. إنزع عن ظهرك هذا المحراث واركض..
 أركض لاخر السياج.. وأنظر فيما خلف هذه المزرعة.. ليوم واحد
 فقط.. حاول أن تكون حرا..


 ليوم واح

 لا تستيقظ كالملدوغ من النوم.. إستيقظ وقتما تريد.. إصنع
 قهوتك بيدك واشربها على مهل.. ودخن معها سيجارة ان شئت...
 لن تموت.. أطفئ هاتفك.. إرمه بعيدا.. وأغلق الحاسوب.. وتلك
 الشاشة التي تفرض عليك ما ترى.. إقطع حبلك السري مع هذا
 العالم المجنون الذي يتم تحديثه كل ثانية.. لن تموت ولن يحدث
 لك شيء.. ثم أخرج إلى الشارع.. مرتديا أجمل ما تحب من
 ملابس.. ولا تفكر إن كانت لائقة أم لا.. نظيفة أم لا.. لا يهم.. لا
 تذهب لعمل لا تحبه لأنك لست عبدا للراتب.. لا تحضر درسا
 تكرهه.. اللعنة على العلم كله.... ولا تركب أي آلة لها عجلات..
 إمش.. إستخدم قدميك للمشي... وامش بلا هدى.. لا يقودك إلا
 فضولك وحريتك.. تنفس ما تريد من الهواء.. أنظر للسماء.. هل
 شاهدت الغيوم من قبل؟ تناول طعامك في أي مكان تريده..
 وأطلب ما تريد بدون أن تفكر بالسعر أو بزيادة الوزن.. كن كريما
 مع النادل إن أردت.. إجعله يفرح! إغمز للنادلة!! إستمتع... إنه يوم
 واحد فقط..

 تحرر من مسؤولياتك ولا تستسلم لما يراد منك.. لا تراسل
 حبيبتك.. لا تجامل أصدقاءك.. لا تطمئن على أبيك.. لا تلاعب
 أطفالك ولا تضاجع زوجتك.. ليوم واحد فقط كن أنت.. لنفسك
 أنت.. إذهب إلى مستشفى.. إلى مقبرة.. إلى ناد ليلي أو بيت
 هوى.. إذهب إلى أي مكان تريده.. فقط لأنك تريده.. وإشتر أي
 شيء ترغب به.. إخلع ساعة معصمك واقذفها بعيدا عنك.. لا
 ترتبط بالزمان ولا بالمكان ولا بأي شيء.. مارس أي نشاط تريده
 وتحسه مكبوتا في داخلك.. أدخل صالون حلاقة.. وقص شعرك


 كما تريد.. ولن يهم كم تبدو سخيفا.. المهم أن يعجبك.. إذهب
 وشاهد مسرحية! أو شاهد فيلما من الدرجة الثالثة.. وضع
 قدميك على المقعد.. إشتري جيتارا وإعزف في الشارع.. وضع
 قبعة لتجمع النقود ثم أعطها كلها لطفل عائد من مدرسة.. عاكس
 إمرأة جميلة.. إفتعل شجارا.. إشتم الحكومة بصوت عال.. تبول
 في الشارع! مارس الشحاتة لو أردت.. المهم أن تكون حرا.. ليوم
 واحد فقط... ان تكون أنت... بلا زيف ولا أقنعة ولا مسؤوليات..


-1- حوارات


  - شيخنا.. بدي أسألك في شغلة.. وخجلان شوي يعني..
  - له يا إبني.. إسأل ولا يهمك.. لا حياء في العلم..
  - بارك الله فيك.. سؤالي شيخنا.. هسه.. أنا كنت بحب وحدة
 مسيحية.. وكنت كثير كثير بحبها يعني.. وما لقيت سبيل إلا إني
 أتزوجها.. وبصراحة.. تزوجتها.. في علي ذنب أو شي؟
  - لا يا إبني.. ليش بده يكون عليك ذنب؟ المسيحية من أهل
 الكتاب.. وزواج المسلم من المسيحية جائز.. ما عليه خلاف..
  - الله يطمنك شيخنا.. طمنتني.. طيب بعد إذنك.. إذا ممكن
 يعني.. سؤال ثاني معلش.. أنا كنت كثير أحبها.. كثير كثير يعني..
 وأدافع عنها.. يعني فيها شي هاي؟ كونها مسيحية وهيك؟
  - لا يا إبني! شو مالك؟ زوجتك هاي! طبعا لازم تحبها وتحميها..
  - طيب تمام شيخ.. الله يفتح عليك.. بس هي ترى ماتت
 الأسبوع الماضي.. فقعت فيها جرة غاز بعيد عنك.. وسؤالي....
 بصير يعني بصير.. بعد إذنك يعني.. بعد إذنك.. بصير يعني..
 أترحم عليها؟ كونها مرتي يعني.. ؟
  - لا لا لا لا يا إبني لا.. هون وبنوقف.. لأن هذا محرّم.. لا ترحّم
 على كافر..
  - الله ينور عليك يا شيخ! الله ينور عليك.... وأنا هيك بقول..
 جهنّم اللي تحرقها! أصلا طول عمرها كانت تحرق الرزّ!


المجادلة


 المُجادلة لغةً هي المناقشة والحوار.. ولكنها في العادة تكون
 مرحلة أعلى من مجرد مناقشة.. وتحتمل الحدة والرفض..
 والتكرار.. وتستخدم لإبداء رأي أو دحض رأي.. توضيح فكرة..
 ردّ تهمة.. إلى آخره..

 طبعا هذا المفهوم محاط بالكثير من السلبية في أوساطنا
 الإجتماعية.. وعادة ما يتم إستخدام لا الناهية في الإشارة إليه..
 لا تجادل يا أخي.. بلا مجادلة.. إلخ..

 لكن بالقليل من التأمل في كتاب الله، نجد الله سبحانه وتعالى قد
 قال.. "يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها "

 والمجادلة هنا مختلفة عن المجادلة بين البشر.. المجادلة هنا هي
 بين الله سبحانه وتعالى القوي القادر القهار.. وبين عبد فقير لا
 حول له ولا قوة.. وفي موقف يحاسب الله به عبده أو أمته على
 أعمالهما.. وهي مكتوبة.. ومع الفرق الهائل في موازين القوى إلا
 أن الله عز وجل ضمن هذا الحق لجميع خلقه.. وذلك من تمام
 عدله، جلّ في علاه..

 ولو جاز لنا أن نتخيل هذه المجادلة يوم القيامة لغرض التوضيح
 لا التمثيل.. فستكون شيئا شبيها بهذا..


  - أنت فعلت كذا بسبب كذا..
  - يا رب أنا فعلت كذا.. لكن قصدي كان كذا..
  - بل كان قصدك كذا.. بدليل كذا..


 - نعم يا رب.. ولكن هذا لأن كيت وكيت..

 ولا يترك الله عبده حتى يقر ويقتنع تماما بعدالة الحساب الذي
 تلقاه.. وتخيل أن هذا يحدث بين الله وبين مليارات البشر الذين
 خلقهم كل على حدة..

 هذا يوم الحساب.. وفي كتابه أيضا قال تعالى " قد سمع الله قول
 التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما
 إن الله سميع بصير. "

 في هذه الآية التي سميت السورة بإسمها "المجادلة" بين الله عز
 وجل أن نبيّه الكريم قبل المجادلة وهو خير بني آدم.. ومن إمرأة
 في زمان كانت العرب تعتبر النساء من المتاع...

 مما سبق، نستنتج أن الله عز وجل علّمنا في كتابه أن حق
 المجادلة مضمون لكل إنسان.. سواء كان يعترض على فاتورة
 كهرباء، أو مخالفة سير، أو نتيجة إمتحان أو أمر قضائي.. أو
 حتى حكم شرعي بل وبكشف حسابه يوم الحساب.. لأن المجادلة
 في جوهرها هي الحق في معرفة كل الحيثيات التي بني عليها
 الحكم، وحق الرد عليها..

 بإختصار.. إنتزع حق المجادلة إنتزاعاً ممن هم أقوى منك.. فهو
 حقك.. وبالمقابل، إضمن حق المجادلة لمن هم أضعف منك.. فهو
 حق لهم.. حتى لو كان إبنك ذو الأربع سنوات الذي يرفض الذهاب
 إلى النوم.. ويسأل لماذا يجب أن أنام..

 أربعة أيام في سجن الموقوفين


 - ملاحظات قبل قراءة النص..

 1) النص طويل ولم يتم تقسيمه لأجزاء حسب رغبة القراء..
 قراءته تستغرق 15 دقيقة تقريبا.. 2) النص يحفل بشخصيات
 كثيرة.. ربما أكثر مما تحتمل قصة قصيرة.. لكن تذكر كل
 شخصية بتفاصيلها، أساسي جدا لفهم النص..

 أجمل شيء في الحياة إنها حبلى دائما بالمفاجآت.. وفي الوقت
 اللي بتعتقد فيه إنك واقف على أرضية صلبة.. بصير حدث
 صغير.. ببين لك إنه هاي الأرضية الصلبة مش أكثر من طبقة
 رقيقة من الجليد تحتها بحيرة عميقة.. وإنه التغييرات اللي
 ممكن تصير في حياتك هي أكبر من مجرد مخالفة سير أو
 فايروس إنفلونزا.. أو تسريب في ماسورة مي.. وإنه مكالمة
 تلفونية واحدة.. كافية تقلب حياتك رأسا على عقب.. وهذا ما
 تأكد لي تماما يوم الأربعاء الماضي..

 في يوم الأربعاء.. – وهو يوم مشؤوم عند العرب بالمناسبة - وفي
 حوالي الساعة الرابعة عصرا.. كنت إنتهيت من ممارسة رياضتي
 المفضلة.. القيلولة.. وأخذت دش سريع تخلله ترنيم جميل
 بصوتي الشجي لأغنية "عودت عيني على رؤياك".. خلصت
 الدش.. وشكرت الله على نعمة المي.. وشكرت الحكومة على
 نعمة توصيل المي.. ورحت وقفت على المراية.. لكن ما حكيت
 معها زي ما عملت إليسا.. بالعكس.. عديت الشيبات اللي في
 لحيتي.. حمدت الله إنه صممنا بحيث ما نشوف أنوفنا.. ووقفت
 دقيقة صمت إحتراما لكل شخص بذل جهد عشان يتجاوز
 مظهري الخارجي ويشوف جمالي الداخلي... وطلعت من الحمام
 وأنا لابس بيجامتي المقلمة الفخمة.. ونظاراتي الطبية اللي بتشبه


 نظارات جوني دب.. ومع كوب من النسكافيه.. وسيجارة
 أمريكية.. جلست على البلكونة أتأمل خلق الله وأدعي إنه جارتنا
 الحلوة تطلع تنشر الغسيل.. وفجأة.. ومن غامض علم الله.. رن
 تلفوني..

 على الطرف الثاني من التلفون.. كان في شخص بسألني عن
 عنوان بيتي عشان يوصل لي طرد من أرامكس.. وبكل طيب نية
 مدفوعة بفضول عن ماهية الطرد.. دليته على البيت.. وقعدت
 أستناه يجي وأنا بفكر في مين اللي ممكن يرسل لي طرد.. وشو
 ممكن يكون محتوى الطرد يا ترى.. شوكولاته؟.. دبدوب؟. كتاب؟
 قنبلة؟.... وانا بفكر.. وإذا بالشمس تشرق.. وإذا جارتنا - يا محلى
 نورها- طلعت عشان تنشر الغسيل.. وفي ذات اللحظة.. وقبل ما
 أشبع حواسي بما رأت.. رن علي الشخص نفسه.. طلع واقف تحت
 البناية من الجهة الثانية.. وطلب مني أجيب معي ما يثبت
 هويتي عشان يسلمني الطرد.. تنهدت تنهد الحسير.. و لعنت
 توقيته الغريب.. وحملت المحفظة وتلفوني وسجايري.. ونزلت
 أجيب الطرد المفاجأة.. وهون كانت المفاجأة الحقيقية..

 ما كان في أي شخص من أرامكس.. ولا أي شي أصفر حتى.. وما
 كان في طرد بالضرورة.. كان في شخصين لابسين مدني..
 وواضح إنهم بفضلوا رياضة كمال الأجسام على رياضة القيلولة..
 سلموا علي.. وتبرع واحد فيهم يشرح لي من ورا نظاراته
 السودا.. وبصوت جيمس بوند.. إنهم من التحريات.. وإنه مطلوب
 القبض علي في قضية مالية متعلقة بالشركة.. قضية كنت بعتقد
 أنا إنه وصلنا فيها لتسوية معينة مع المشتكي، لكن يبدو إعتقادي
 كان خاطئ.. المهم ضاع الطرد.. وضاعت النيسكافيه.. وضاعت


 جارتنا بالمعية.. طلبت منهم أطلع أغير ملابسي.. لكن رفضوا..
 يبدو كان وقتهم ضيق.. فلقيت حالي راكب في سيارة التحريات..
 لابس بيجامتي المقلمة الفخمة... وما معي إلا سجايري..
 وتلفوني.. ومحفظتي.. وشبشبي الأسود الجميل.. وشؤم يوم
 الأربعاء..

 وأنا مريح في الكرسي الخلفي للكامري والشباب قدام... حكيت
 مع زوجتي.. وخبرتها إنه الحكومة قررت تستضيفني لعدة أيام..
 وغلبوا حالهم.. وبعتوا لي سيارة خاصة مع سائق ومرافق..
 ويمكن صعب أرفض عزومتهم.. وإنه ما تقلق وهذا إجراء طبيعي
 وبصير مع أي نصاب.. لكن يمكن نضطر نأجل روحة السينما
 للأسبوع الجاي.. ووعدتها إنه الأيام اللي راح تجلي فيهم عني
 وأنا غايب.. راح أعوضهم بس أطلع.. وطلبت منها ترسل لي
 الأوراق اللي بتثبت وصولي لتسوية مع الشركة المشتكية.. وأنا
 بوصيها ما تنسى تطعمي سمكاتي.. لقيت الكامري دخلت مركز
 التوقيف..

 نزلوا الشباب.. ويبدو نسيوا يفتحوا لي الباب.. فتواضعت ونزلت
 لحالي.. بالنهاية كلنا بشر والموضوع مش مستاهل يعني.. جيمس
 بوند تركنا وراح.. وأنا دخلت مع الشرطي المخادع منتحل
 الشخصيات داخل مبنى سجن التوقيف.. مشينا في ممر طويل
 كئيب ومكيف.. تذكرت فيه وصف عبد الرحمن منيف لشعور
 العرب البدو لما دخلوا مكاتب الأمريكان لأول مرة في بدايات
 القرن العشرين.. وكيف إستغربوا من الجدران اللي بطلع منها هوا
 بارد.. المهم انتهى الممر بردهة.. فيها مكتب لحراس السجن..
 ثلاجة.. كابينتين تلفون.. وفي الواجهة باب من القضبان


 الحديدية يؤدي للسجن.... وقعت بعض الأوراق.. وأخذوا مني
 الحرس التلفون وبكيت السجاير.. لكن بعد ما تركوا لي منه أربع
 سجاير بس وبدون ولاعة.. (لأن الولاعة ممنوعة).. وأعطوني
 ورقة فيها رقم الخزنة اللي فيها أغراضي.. وفتحوا لي باب
 السجن.. ودخلت..

 طبعا مبنى السجن بسيط جدا.. نفس تصميم الفنادق تقريبا.. أول
 ما تدخل من البوابة.. بتلاقي ممر طويل وواسع.. مسقوف
 ومكيف... على الجانبين في غرف أو عنابر خلينا نسميها.. أربع
 عنابر تقريبا.. إثنين على اليمين.. وإثنين على اليسار.. وفي اخره
 على اليمين مطعم فيه كراسي وطاولات حديدية.. وعلى اليسار
 حمامات ومغاسل.. وفي نهاية الممر باب بفتح على ساحة صغيرة
 مفتوحة للشمس... ملعب طائرة يعني بس بدون شبك وبدون
 كرات.. وأسوار الساحة عالية وسقفها عبارة عن شبك حديدي..

 وسجن التوقيف - من باب الثقافة العامة - يعني.. هو مش سجن
 بالمعنى الحقيقي.. لأنه لا يمكن قضاء عقوبة فيه.. لكن هو مكان
 مؤقت تسجن فيه لغاية عرضك على القاضي.. فإما بعدها أنك
 ترجع لبيتك.. أو ترسل إلى السجن المركزي.. بس ما بترجع
 للتوقيف.. لكن اصطلاحا وللتسهيل.. راح نسميه.. سجن
 الموقوفين.. أو سجن التوقيف.. وفي حالتي أنا.. كان الخميس
 عطلة.. فالعرض على القاضي راح يكون الأحد.. فكان قدامي أربع
 أيام بدي أقضيهم في السجن..

 المهم دخلت.. ومع إني من الناس اللي بحبوا اليمين.. إلا إني
 لقيت حالي أول ما دخلت.. رحت على أول عنبر على اليسار..
 واللي راح نسميه.. عنبر الحوت.. باب العنبر كبير.. ومصنوع من


 قضبان حديدية.. ومفتوح.. والعنبر نفسه عبارة عن غرفة
 بسيطة.. مساحتها تقريبا 5 أمتار في 5 أمتار.. بلاط بيج.. ودهان
 بيج.. وسقف بيج وما فيها شبابيك.. و.. وبتوزع فيها سراير
 حديدية منها شيء فردي ومنها طابقين.. وكل سرير عليه مخدة
 وحرام لونهم سكني.. وبخضعوا لبرنامج صارم من التنظيف
 الدوري كل ست شهور..

 أول ما دخلت العنبر.. رديت السلام على جميع الجالسين فوق
 الأسرة بطريقة مشابهة للطريقة اللي بتسلم على الناس فيها لما
 تدخل على عزا.. سلام عام غير موجه لأي شخص.. ويكتفى من
 المسلم عليه أنه يرد بهمهمة أو هزة رأس.. وهذا اللي صار فعلا..
 الكل رد بسلام شفوي وهمهمات وهزة رأس... إلا أبو نضال.. هو
 الوحيد اللي قام عن سريره وسلم علي يدا بيد.. وعلمني ثاني
 قانون في سجن التوقيف.. طبعا القانون الأول إنه ال dressing
 code مش مهم.. ممكن تيجي ببيجامة.. دشداشة.. شورت. إنت
 ونصيبك عاد لما تركت جارتك ورحت تستلم الطرد..

 القانون الثاني في سجن التوقيف هو إنه إسمك مش مهم.. أول
 سؤال بتنسأله لما حدا يشوفك ما بكون شو إسمك.. بسألك شو
 تهمتك.. من جهة لأنه ما حدا بده يحكي إسمه.. وما حدا بده
 يكون صاحب حدا.. ولا حدا بده حدا يتذكر إسمه بعد ما ينتهي
 الموضوع.. ومن جهة ثانية وهي الأهم.. إنه تهمتك هي اللي
 بتحدد مركزك في العنبر وفي السجن عموما.. مسجون الشيكات
 مثلا.. إله احترامه وخصوصا لو كان الشيك كبير... غير عن
 مسجون المشروب أو مسجون القضايا اللي فيها نساء وأعراض..

 فلما سألني أبو نضال عن تهمتي كأبو محمد.. صرت أبو محمد


 طبعا.. قلت له إنها مشكلة مالية.. ولما حكيت المبلغ.. سمعت
 صفارة تعجب من الشخص اللي عرفت بعدين إنه هو زعيم العنبر
 تقريبا.. شفيق الحوت.. فقام سلم علي.. وعزمني أقعد جنبه على
 السرير.. وأعطاني سرير فاضي مقابل سريره.. في موقع
 إستراتيجي.. قريب من المكيف وذو إطلالة ساحرة على باب
 العنبر.. وشوي شوي.. وخلال ساعة تقريبا.. كنت متعرف على
 زملائي في العنبر.. وهم..


  - أبو نضال: أردني في أواخر الأربعين.. أكل الدهر عليه وشرب
 ودخن وعمل اللي بده إياه... قصير ونحيف مع كرش صغير
 ولحية من الحجم المتوسط فيها شوية شيب.. حاد الملامح..
 قومي عروبي.. ومسجون في عدة قضايا مالية.. لكن مظلوم فيها
 كلها.. الشهادة لله يا إخوان.. قضى اخر ثلاث سنوات من حياته
 بين السجن المركزي وسجن التوقيف.. كل فترة بترحل من
 السجن المركزي لسجن التوقيف.. عشان يتحول للقاضي في
 قضية جديدة.. ويرجع بعدين للمركزي.. وهكذا دواليك..
  - شفيق الحوت: فلسطيني في منتصف الخمسينات.. إسم على
 مسمى.. كرشه كبير كثير لدرجة إنه حركته صعبة.. تاجر حر ومن
 عائلة غنية أبا عن جد.. مشهور جدا في مراكز التوقيف بقضايا
 شيكات كبيرة.. ومع هيك عمره ما تحول للسجن المركزي.. دايما
 بوصل لتفاهمات مع أصحاب الشيكات وبطلع.. مقتدر ماليا..
 مرح.. وجريء..
  - الموجي: سباكّ مصري في أوائل الثلاثين.. نحيف وطويل
 وبشبه نجاح الموجي.... قضيته تحسين المعصية والحض على
 الفجور.. "لا يا باشا.. شيكات إيه؟ هو أنا حيلتي حاچة؟ أنا - لا


 مؤاخزة لا مؤاخزة كده - بتاع نسوان.. "
  - الدكتور عزيز: أردني في الأربعين.. أكاديمي ومدرس إقتصاد..
 مطلوب للبنك لعجزه عن سداد القروض والكريدت كارد.. مؤدب
 وفي حاله.. وبلبس نظارة ما بتشبه نظارة جوني ديب.. وواضح
 من ملابسه والچرافتّا إنه إستلم الطرد في الجامعة..

 أبو محفوظ: أردني في آخر الخمسين.. بشبه الجد المثالي اللي
 في دعايات فيمتو.. لحية بيضاء خفيفة.. ووجه وقور.. وبلدة
 طيبة ورب غفور.. موظف حكومة متزوج، وأولاده مستقرين
 ومتزوجين في عمان.. وبعيش آخر أيام الغربة مع ختيارته..
 جارتهم مطربة أفراح.. وتكلم معها أكثر من مرة بالحسنى عشان
 تعدل من سلوكها.. ومع إنه بواجه صعوبة في كسر بيضتين.. إلا
 إنها إتهمته بالتهجم عليها وتحطيم أثاث بيتها.. وبتحكي
 الأسطورة إنه معارفها الأقوياء اللي بستمتعوا بفنها.. هم اللي
 ساهموا بزجه في السجن.... وكان واضح من دشداشته وطاقيته
 البيضا المخرمة.. إنه إستلم الطرد في الركعة الثانية من صلاة
 المغرب..

 وأخيرا وليس آخرا.. أسعد الميكانيكي.. شاب أردني معثر.. قارب
 على الأربعين وما معه يتزوج.. بشتغل ميكانيكي آليات ثقيلة
 وعايش مع أهله.. كان على علاقة طويلة مع فتاة فلبينية.. ولما
 طلبت يتزوجها، انتهت العلاقة بإنها سجنته من أجل حفنة
 دولارات.. الله ينتقم منها الظالمة بس..

 المهم.. هاي الناس اللي كانت معي في العنبر.. واللي تعرفت
 عليهم في أول وصولي لهناك.. طبعا شفت ناس ثانيين في
 المطعم والصلاة والساحة.. لكن مابذلت جهد أحكي مع حد جديد


 من عنابر ثانية ولا حدا يحكي معي.. كان أول يوم إلي في
 السجن.. واعتبرته للتعارف واكتشاف المكان.. لا أكثر.. وانا ممدد
 على السرير.. صرت أفكر كيف أنا انتقلت من الكرسي المريح على
 البلكون لسرير في السجن.. ويمكن لو نسقت أكثر مع المحامي..
 ما كنت نزلت النزلة هاي.. لكن قدر الله وما شاء فعل.. وبما إني
 صرت هون.. قررت إنه تكون الفكرة المركزية أثناء فترة الأربع
 أيام هاي إني أستمتع قدر الإمكان.. وحلمت بالليل إني استلمت
 طرد أرامكس.. ولقيت فيه لعبة على شكل الموجي..

 ثاني يوم كان الخميس.. وبدل ما أصحى على صوت صحيت
 على صوت المصعبي بضحك مع الحرس.. طبعا المصعبي هو من
 (سكان العنبر الثاني).. رجل قبلي وعامل لحاله برستيج زعيم
 القبيلة.. والحرس نوعا ما بحسبوا له حساب كونه من عائلة
 كبيرة.. وجماعته معه في العنبر.. قضاياهم كلها تقريبا سرقة
 سيارات سياحية..

 تركت المصعبي ومنظومته القبلية كلها.. ورحت أغسل وجهي
 عشان أبدا يوم الخميس.. ومع صباح هذا اليوم الجميل بديت
 أفهم قوانين السجن بشكل أوضح وخصوصا عبر مشهد
 الفطور.... طبعا مثل الشيراتون وجراند حياة وأي فندق ثاني..
 يقدم الفطور في هذا الفندق الحكومي اللطيف في تمام السابعة
 صباحا لكن الوجبة شوي مختلفة عن الشيراتون.. الوجبة كانت
 عبارة عن رغيف خبز وحبتين جبنة مثلثات وتفاحة لكل سجين..
 أقصد نزيل.. ولأغراض تنظيمية.. فإن المسؤولين عن توزيع
 الوجبات هم (سكان العنبر الثالث).. أبو زهرة العراقي.. نصاب
 مطلوب في قضايا عقارية ووجهه بشبه شجرة الزقوم..


 ومساعدينه المخلصين.. حودة.. محاسب مرتشي سمين..
 والبراكودا.. وحش الشيكات القادم من حلب..

 عالفطور قعدت أنا وأبو محفوظ والميكانيكي والموجي والدكتور
 عزيز.. وكان حوار الفطور الصباحي إنه أبو محفوظ بنصح
 الميكانيكي يتزوج بنت من بلده ويسيبه من الحرام..
 والميكانيكي بشرح له إنه الزواج مكلف.. وهو مابحب الحرام بس
 ما في بإيده شي.. وإنه هو إنسان وعنده إحتياجات.. ولو بده
 يظل يستنى الزواج بموت عزابي.. وفي نفس الوقت كان في
 حوار ثاني شغال بين الموجي والدكتور.. كان الموجي بشرح
 للدكتور عزيز عن مغامراته النسائية.. والدكتور البريء مدهوش
 تماما من زميله غير المتعلم اللي عنده هاي القدرة على الإيقاع
 بالنساء.. وكل شوي الموجي يوطي صوته ويهمس للدكتور شغلة
 في ذانه.. والدكتور يضحك بخجل واندهاش.. الحوارين طبعا
 كانوا مثيرين للاهتمام.. لكن أنا كنت مشغول بمشهد ثاني تماما..
 أكثر إثارة للإهتمام وبعيد عن الطاولة..

 أثناء توزيع الوجبات والفوضى والازدحام اللي بصير.. لمحت
 حودة المحاسب بخفة إيد بشيل كيس تفاح على جنب.. وبروح
 فيه على عنبرهم من غير ما حد ينتبه.. فكان طبيعي يصير في
 نقص لاخر ناس.. وكنت براقب عشان أشوف شو راح يصير....
 وفعلا.. لما إجا دور الهنود والباكستانية (سكان العنبر الرابع)
 يوخذوا الفطور.. وهم اخر ناس بستلموا الوجبة.. كان التفاح
 خلص.. ولما المساكين اعترضوا بنبرة مسكينة وبلغة غير مفهومة
 وإشارات بالايدين.. راح أبو زهرة بحركة سينمائية قلب كرتونة
 التفاح الفاضية.. وصار يحكي إنه هو زيه زيهم.. ما طلع له..


 ووقتها إجت عيني بعين البراكودا.. وابتسمنا لبعض ابتسامة ذات
 مغزى..

 بعد الفطور قعدت أنا وأبو نضال نسولف شوي.. وكونه سجايري
 اللي جيت فيهم خلصوا.. سألته إنه كيف بنقدر نجيب سجاير
 هون.. فحكى لي إنه التدخين ممنوع.. لكن الحرس بتساهلوا معنا
 وبخلونا نشتري دخان.. وإنه بتوزع علينا 6 سجاير في اليوم لكل
 واحد.. بس لازم أحكي مع البراكودا.. وأدفع 10 أو 15 درهم
 عشان يسجل إسمي بالكشف... ولقيتها فرصة طيبة أتعرف على
 البراكودا.. وأسجل فيها إسمي..

 وقفنا سوا في الساحة... وعزم علي سيجارة.. وبعد تعارف
 بسيط.. شرح لي البراكودا القانون الثالث للسجن.. العدل.. وقال
 "شوف يا صاحبي.. السجن هون فيه نظام وفيه عدل زي ما انت
 شايف.. الكل متساوي.. الكل بنام على نفس السرير.. وبروح على
 نفس الحمام.. وبوكل نفس الوجبة.. هذا هو العدل لأنه كلنا ولاد
 تسعة... وبالنسبة للسجاير.. احنا كل يوم بنلم فلوس من كل اللي
 بدخنوا.. بنلم 240 درهم.. وبنعطيهم للبنغالي اللي بنظف العنبر..
 هو بشتري عشرين باكيت.. ب 200 درهم.. وال 40 عمولته..
 وبتركهم عند الحرس.. الحرس بعطوني 3 باكيتات الصبح..
 وثلاثة باكيتات المسا.. وأنا بوزعهم بالعدل على الناس.. فبطلع
 لكل واحد تقريبا ست سجاير في اليوم.. والباقي بظل عند
 الحرس.. ما إلي فيه شي والله ما بيني وبين الحرام.. بس إذا
 شاب محترم زي حكايتك ما كفوه السجاير.. أنا يعني ممكن أدبر
 لك البكيت ب 50 درهم.. وعشانك طيب وحباب بحسب لك إياه
 40.. بس أمانة لا تجيب سيرة لحدا "


 الصراحة أعجبني العدل اللي بحكي عنه البراكودا.. وبما إنه
 فكرتي المركزية كانت إني أنبسط.. قررت أغض طرف عن
 التوزيع العادل هذا وأمشي مع التيار.. وطلع لي 3 سجاير قطاع
 عام.. وبكيت قطاع خاص.. وقعدنا أنا والبراكودا في الساحة
 ندخن ونسولف.. والغريب إني ما كنت أبدا حاسس بفقدان
 الحرية.. لأني إكتشفت إن

 السجن بعكس الاعتقاد السائد.. ما بقيد حريتك... يمكن بقيد
 حركتك الجسدية صح.. لكن في خيوط كثيرة في راسك كانت
 مشدودة بره السجن، بترتخي جواه.. هموم الحياة اليومية من
 شغل وتوصيل وتسوق وزيارات وهيك بتروح.. في ناس ثانيين
 بحملوها عنك.. فنوعا ما السجن بعطيك هاي الحرية اللي انت
 مفتقدها..

 بعد حواري مع البراكودا.. كانت الساعة تقريبا صارت 12 الظهر..
 وصارت الشمس حامية.. وبما إنه ما كان في مسبح.. رجعت على
 العنبر.. وقعدت على سريري.. ووقتها حسيت إنه أنا كبرت في
 السجن.. مبارح كنت مسجون صغير مش فاهم شي.. بس اليوم
 تعلمت شغلات كثير.. ودبرت حالي بسجاير وهي أهم شي لقطار
 مدخن مثل حكايتي.. وبينما كنت مشغول بتبجيل وتمجيد نفسي
 وشرح مناقبي وفضائلي.. انفتح باب السجن عشان يدخلوا نزيل
 جديد.. الشيخ عبد الجليل..

 لحية سلفية مترامية الشعرات.. شوارب خفيفة مراهقة لا يتجاوز
 عمر صاحبها الثلاثين.. وثوب مصمم ضد الخيلاء.. وبدون أي
 ترتيب مسبق.. تكفلت لحية الشيخ إنها تنصبه إمام لصلاة الظهر
 بدلا من أبو محفوظ.. مع إنه أبو محفوظ كان أكبر ولحيته


 شايبة.. لكن لحية الشيخ عبد الجليل كانت أطول وبتفصل 3
 لحى من لحية أبو محفوظ.. وكان لابس ثوب أبيض وأبو
 محفوظ لابس دشداشة.. فما كان في مجال للمنافسة.. المهم أم
 فينا الشيخ.. لكنه نبهنا إنه بما إنه على سفر.. راح يصلي الظهر
 ركعتين بس.. وإحنا نصلي أربع ركعات.. ولما كان الموضوع
 غريب علينا.. طلبنا منه إنه يكمل جميله ويصلي فينا أربعة.. لأنا
 راح نتوه بدون إمام يا جماعة.. وتطوع الشيخ مشكورا (رفع الله
 شأنه) إنه يصلي فينا الأربع ركعات.. وصلينا كلنا وراه (ما عدا أبو
 نضال) لأنه عداوة مع الشيوخ.. وصلى فينا الشيخ.. وأنا شخصيا
 راحوا مني 3 ركعات وأنا بحاول أحزر تهمته..

 وعلى طاولة الغدا اللي كان عبارة عن رز يشبه الرز ودجاج يشبه
 الدجاج، بذلت محاولات عديدة لاستنطاق الشيخ... وبعد إلحاح
 شديد.. إعترف الشيخ إنه زوجته الثانية التي تزوجها -كنزوة
 جنسية- وطلقها في أقل من سنة.. حبسته في قضية نفقة..
 وهون دارت حرب ضروس بين أبو نضال وبين الشيخ... طبعا
 وجهة نظر أبو نضال كانت إنه هذا الزواج يؤثم عليه كونه بدون
 سبب.. وإنه شيخ فشنك وما بتجوز الصلاة وراه.. والشيخ وجهة
 نظره إنه ربنا حلل الزواج الثاني بدون قيد أو شرط وإنه هو ستر
 على فتاة من المسلمين.. وبدأ بسرد أحاديث وآيات.. طبعا الحوت
 البرجوازي (ذو الوجبتين) بداعي عداوته مع أبو نضال القومي..
 وقف مع الشيخ (ذي الزوجتين) ودعمه.. والميكانيكي والموجي
 كمان وقفوا مع الشيخ.. وثبت أقدامهم في الوقوف معه إنه
 بحكي قرآن من جهة.. وإنه الحوت أعطاهم سيجارتين من جهة
 ثانية.. بينما وقفنا أنا والدكتور عزيز على الحياد.. وانتهى النقاش
 إنه الكل أجمع إنه أبو نضال بحترمش الدين وبعرفش فيه مثل


 الشيخ.. وترك طاولة الغدا وهو بسب وبلعن.. والحوت بضحك
 ملء كرشه.. وقرر الحوت المنتشي بانتصاره.. إنه يوزع على
 الغلابا الهنود سيجارة سيجارة كرم منه.. وصفوا الهنود طابور..
 وقعدوا يوخذوا سيجارة سيجارة ويدعوا للحوت مع هزة راس
 كلها امتنان وعرفان للمحسن الكبير.. ومع إن الشيخ متحفظ على
 موضوع الدخان.. إلا إنه شكر للحوت كرم أخلاقه ورأفته
 بالمساكين ودعا له الله يوسع رزقه.. وهون تعلمت القانون الرابع
 للسجن "كثرة الأتباع أهم من مضمون الخطاب"

 ومن الغدا وانتصار الحوت.. اجا وقت أمارس رياضة القيلولة..
 وحلمت وقتها فترة المسا ما كان فيها شي.. بس شوية حوارات
 عادية وقصص وعشا خسروا فيه الهنود الموز.. ومع حوالي
 الساعة 12 كان تقريبا الكل بده ينام.. واجا وقت تغيير شفت
 الحرس.. بس كوني أنا كنت مقيل.. ظليت سهران شوي وأتمشى
 في السجن.. ورحت قعدت في الساحة... أتأمل في هالسجن..
 وسبب وجودي فيه..

 لما رحت أنام.. كانت الساعة 2.. كان الكل نايم تقريبا.. الا
 الحوت.. لمحته كان واقف بحكي مع الحرس جوا مكتبهم.. وبس
 وصلت باب المعبر ناداني الحوت.. والحارس فتح لي الباب..
 قعدت في المكتب وطلع المصعبي كمان جوا.. قعدنا.. وشربنا
 شاي.. وحكى لي الحارس إنه الحوت حكى له عن شغلي وإذا
 ممكن أشغل واحد من قرايبه معي.. فوعدته خير.. ولقيته مقابل
 هذا الوعد بمد إيده وراه.. وبفتح درج.. الدرج كان فيه يمكن 100
 باكيت دخان.. طال منهم اثنين وأعطاني إياهم.. وأعطى الحوت
 اثنين.. والمصعبي اثنين.. وقال لي إنه وصى البنغالي علي.. وإذا


 بدي شاي أو شوكولاته أو فطور من الكفتيريا اللي جمب السجن..
 بس أحكي له وهو بجيب لي.. ونمت وأنا تقريبا مليونير بلغة
 السجن.. وفهمت كيف كان الحوت والمصعبي دايما معهم دخان..
 وخصوصا الحوت المتصدق (جزاه الله خيرا).. والأهم إني تعلمت
 القانون الخامس للسجن.. "الممنوع والمسموح اشياء نسبية"

 الجمعة كان يوم طيب كعادته.. أفطرنا أنا والحوت فطاير
 ومعجنات من الكفتيريا وشربنا شاي.. وما وقفت على دور
 السجاير خلص.. وصارت الساعة 12.. وحان حسب التوقيت
 المحلي لسجن التوقيف وما حوله موعد أذان الظهر وصلاة
 الجمعة.. وعلى المساجين خارجه مراعاة فروق التوقيت..
 والشيخ خطب فينا عن قصة يوسف.. وكيف إنه التوحيد هو اللي
 طلع نبي الله من السجن.. وإنه لازم نكون موحدين ومؤمنين
 وأخلاقنا منيحة عشان نطلع.. وكيف قالوا له "إنا نراك من
 المحسنين" وهو مسجون.. "وإنا نراك من المحسنين" وهو عزيز
 مصر.. وإنه الإنسان ما لازم الفلوس تغيره.. وعرض الشيخ بعد
 الصلاة درس ديني لكيفية قراءة الفاتحة بشكل صحيح.. وإنه
 اللي بده يظل عشان الأجر والثواب.. وظلوا معه الهنود
 والباكستانية.. وكنا نسمع صوتهم برتلوا وراه..

 مر يوم الجمعة بهدوء.. وكان مش ظايل إلا السبت ونروح على
 المحكمة.. بس السجن كان صار أهون علي.. صرت اكل براحتي..
 وأدخن براحتي.. وأشرب شاي وقهوة.. وحتى استخدمت حمام
 الحرس مرتين.. وفي مسا يوم الجمعة وصلتني أوراقي من
 زوجتي الحبيبة.. ومعهم غيارات نظيفة.. فتحممت وتعطرت
 وتزبطت.. ولا سليمان القانوني بزمانه.. كان يوم جميل جدا.. ما


 عكّره إلا الأثيوبي..

 الأثيوبي هو الافريقي الوحيد في السجن.. وساكن مع الهنود
 والباكستانية.. وأكثر من مرة عمل مشاكل على توزيع التفاح
 والموز وتوزيع السجاير.. إنه في ناس بطلع لها أكثر من ناس..
 وناس دايما معها دخان وكان قصده عني وعن الحوت.. وناس ما
 بطلع لها.. وشفته ببهدل بالهنود والباكستانية إنه ليش ساكتين..
 ما الكل بدفع في السجاير.. بس الجزء الأكبر ما كانوا فاهمين
 كلامه.. واللي كانوا فاهمين حكوا له يمشيها.. بس هو ما رضي..
 وتمشكل مع أبو زهرة.. وصارت مشكلة..

 وقتها نصحني الحوت أخبي سجايري وأخفف سجاير شوي.. ولو
 حدا سألني أقول ما معي.. وفعلا.. لما اجو الحرس.. حكوا له إنه
 الكل بتوزع عليه نفس الأكل ونفس السجاير.. وإذا بعمل كمان
 مشكلة راح يتبهدل.. بس ما اقتنع وصار يسولف.. وقتها الحوت
 غمز البراكودا.. وشفت البراكودا حكى مع الحرس وأخذ الأثيوبي
 على جنب يحكي معه.. وخلال أقل من نص ساعة.. كان الأثيوبي
 ساكت وبضحك مع البراكودا.. وفي طرف جيبته كان مبين في
 بكيت سجاير.. وانتهت المشكلة.. ورجعنا ندخن عادي.. ووقتها
 تعلمت القانون السادس للسجن.. " الأذكياء يحلون المشاكل
 الكبيرة بخطوات صغيرة.. "

 السبت كان اخر يوم.. صحيت فيه تعبان.. حتى القهوة اللي
 شربتها ما صحصحتني.. والسجاير كانت بدون طعم.. وكان في
 جو غريب في السجن.. يمكن لأنه آخر يوم كان.. كان في هدوء
 محيط بالكل.. عالفطور أكلت مع الناس.. ما كان لي مزاج أطلب
 من بره.. وحتى أبو زهرة ما سرق التفاح كعادته.. يمكن لأنه آخر


 يوم.. تركه للمساكين.. والبراكودا يومها وزع أربع باكيتات..

 عالغدا جابوا لنا سمك ورز.. وكان سخن وطيب.. وفكرت حالي
 لحالي ما أكلت منيح.. بس وأنا قايم أغسل.. لاحظت إنه معظم
 الناس ما كملوا الوجبة.. حتى الحوت اللي دايما بسلخ الوجبتين..
 كان ماخذ وجبة واحدة بس.. وحكى إنه معدته واجعته.. العشا
 نصه ما انصاب... وحتى البراكودا لما طلع يوزع دخان.. ناس كثير
 ما اجو.. ولما راح يوزع في العنابر.. كثير ناس قالوا ما بدهم..
 فترك الباكيتين في المطبخ وراح..

 كان بسود السجن نوع من التوتر.. لأنه بكره كلنا راح ننعرض على
 القاضي.. وزاد التوتر إنه أبو زهرة حكى للناس بعد صلاة
 المغرب.. إنه الحارس حكى له إنه كلنا راح نكون عند قاضي
 واحد.. إسمه رحيم عبد الجبار.. مرات بكون قاسي قاسي
 بالأحكام.. ومرات متساهل.. فزادنا حيرة على حيرة.. وقلق على
 قلق..

 على ال 11 انطفى الضو.. والكل راحوا على سرايرهم.. بس ما
 أتوقع حدا نام.. كان الكل بفكر بشو راح يصير معه بكره.. وشو
 راح يحكي للقاضي وشو راح يحكي له ويحكم عليه.. على
 التوقيف ولا واحد كان راح يرجع.. بس يا ترى مين راح يرجع
 على حياته الطبيعية الحلوة اللي كان فيها.. ومين راح يروح
 عالمركزي.. والمركزي زي ما كنا نسمع إشي رعب كان.. التوقيف
 جنة بالنسبة إله..

 ما إجاني نوم.. وقمت أمشي بين العنابر.. كان الكل مغطي حاله
 بالحرامات.. بس ما في أي نفس منتظم بدل على نوم إلا في عنبر


 الهنود.. كلهم تقريبا كانوا نايمين.. إلا الأثيوبي.. كان سهران
 وبدخن.. رحت قعدت بالمطعم.... كانت كرتونة التفاح اللي دايما
 كان يصير عليها مشاكل كان أكثر من ثلاث أرباعها موجود..
 وصرت أدخن وأفكر إنه سبحان الله شو صار مشاكل عالتفاح..
 هيو ما حدا صايبه.. والدخان اللي كنت أشتري الباكيت ب 40..
 هيه عالطاولة.. ما حدا لامسه..

 وعرفت وقتها القانون السابع للسجن.. إنه مؤقت.. والاحتياجات
 فيه مؤقتة.. والموارد فيه مؤقتة.. وبيجي وقت ما بصير للموارد
 قيمة.. ولا للاحتياجات أهمية.. وإنه شو ما كنت أخذت موارد
 وأشبعت إحتياجات.. أكثر أو أقل من غيرك.. فهذا كله مؤقت..
 وفي النهاية الكل بتساوى.. بتساوى في اللا شيء.. في اللا
 قيمة..

 رجعت على سريري.. ودخلت تحت الحرام... جماعتنا كمان ما
 كانوا نايمين.. بس الكل كان ساكت.. وما بقطع الصمت كل شوي
 إلا تسبيحة أو حوقلة من أبو محفوظ... وكنت بين الصاحي
 والغفيان لما انفتح باب السجن، ودخل الرقيب وبدأ ينادي بصوت
 عالي.. "يلا كله يقوم.. صار وقت تنعرضوا على القاضي".. وفي
 نفس اللحظة تقريبا.. بدأ الكل يقوموا من السراير..

 تمت


تهرب من النوم لكي لا يأتي الغد..


 تفكر فيما خسرت.. وفيما كسبت.. تفكر في من سبقوك.. وفي من
 تركوك.. لا بد أن أنهم سعداء الان.. حتى أصدقائك الأوغاد الذين
 يمثلون التعاطف معك.. هم الان سعداء.. وأنت وحدك.. لقد كنت
 طفلا سعيدا في مضى.. لكنك لست كذلك الان.. والدنيا أثقل من
 أن تحملها.. ولا يبدو أن هنالك شيء ما في الأفق.. كل يوم يكرر
 ألم الذي سبقه.. ولا تعلم أين ستقف هذه الدنيا..

 تحاول التكلم مع الله ولكنك تعرف أنك بعيد عنه.. تحاول ولكنك
 لا تستطيع إستحضاره في روحك.. لا تستطيع الإقتراب منه..
 تعرف أنك بعيد.. ومع ذلك لا قدرة لك على مواجهة هذا الكون
 وحدك...

 تهرب من النوم لكي لا يأتي الغد.. ثم تهرب إلى النوم عله لا يأتي
 الغد..

 أنا أنتمي لأولئك الذين كانوا أطفالا عاديين.. لأولئك الذين كانوا
 في الوسط.. ليسوا متفوقين ولهم حفلات تكريم.. ولا مشاغبين
 يعرفهم الجميع.. لأولئك الذين لا تناسبهم قياسات الألبسة..
 فيضطرون دائما لتقصيرها.. لأولئك الذين ليس لديهم عضلات
 مفتولة ولا قوام ممشوق.. لأولئك اللواتي لا يمتلكن عيونا ملونة
 ولا صدورا مكتنزة.. لأولئك الذين يرتبكون إذا تكلموا أمام خمسة
 أشخاص ويسترسلون في الكلام امام مراياهم.. لأولئك الذين
 يخافون من الشرطة وتنقبض قلوبهم في المستشفيات.. لأولئك
 الذين لم يتذوقوا السوشي من قبل ولم يشربوا الصودا، ولا
 يعرفون شكل الكافيار.. لأولئك الذين لا يفهمون سوق العملات ولا


 ما هي المحكمة الدستورية ولا يعرفون من هو نيتشه..... لأولئك
 الذين طالما فضلوا الصمت على الجدال ولو كانوا على حق..
 الذين ضاعت حقوقهم لأنهم ليسوا وقحين بما يكفي أو سيئين
 بما يكفي.. لأولئك الذين يعرفون ما معنى أن تنام جائعا.. أولئك
 الذين تقطع عنهم الكهرباء.. لأولئك الذين يوفرون أشهرا ليشتروا
 لبسة واحدة.. لأولئك الذين تعني لهم العملات المعدنية الكثير..
 لأولئك الذين تعرضوا للشماتة.. والسخرية.. لأولئك الذين لا
 يلفتون الإنتباه ولا يثيرون الجدل.. لأولئك الذين يحدقون في
 المدينة ليلا وليس لهم صديق إلا الله..

 لكل أولئك العاديين الذين تغص بهم طرقات هذه المدينة.. لكل
 أولئك البسطاء.. أنتمي..

 في نهاية معركة أحد.. تكالب كفار قريش على رسول الله صلى
 الله عليه وسلم.. فجرحت جبهته، وشج رأسه.. وكسرت أربعة من
 أسنانه.. وسال الدم بغزارة على وجهه الشريف.. وقتها قال عليه
 الصلاة والسلام "كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم وهو يدعوهم
 إلى الله؟" ودعا على قيادات كفار قريش.. فأنزل الله

 "ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم
 ظالمون * ولله ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء
 ويعذب من يشاء والله غفور رحيم"

 الشاكي: خير بني آدم وخاتم الأنبياء..

 المشتكى عليه: مشركين حاولوا قتل النبي..

 الحكم: ليس لك من الأمر شيء.. أو (يتوب عليهم) أو يعذبهم..


 التكفير مهما كان مصدره (سني أو شيعي) ومهما كانت ضحيته
 هو تعدي على مشيئة الله سبحانه وتعالى وعلى ملكه في خلقه..
 وأي آية وردت في القرآن الكريم تصف الكفر والتكفير إنما وردت
 لتصحيح عقيدتك.. وليس لتستخدمها سيفا تكفر به الناس..
 وتبقى القاعدة الأساسية:

 " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ
 وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
 شَيْءٍ شَهِيدٌ" (17) الحج..

 نحن بحاجة للانسحاب من عباءة تمثيل الله عز وجل في أرضه..
 والاتجاه لبناء أوطان تسع الجميع.. والطريق لذلك تبدأ
 بالتعددية.. وحكم القانون.. والاعتراض (السلمي) في حال وجود
 مخالفات.. فاضت هذه الأرض بالدم.. فاضت..


جداريّة في عشق النساء..


  - كل حاجاتنا الإنسانية تحتاج للإشباع بشكل متكرر.. نأكل
 اليوم فنجوع غداً.. نشرب في المساء، نعطش في الصباح.. ننام
 ملء الكسل.. ثم يهاجمنا النعس.. إلا العشق.. مرة واحدة في
 العمر تكفي.. والهجر فيه يُشبع، كما يُشبع الوصل..
  - أثناء بحثي عنك، كان كل إسمٍ يشبه إسمك يخترق قلبي..
 كحربةٍ لصيد السمك..
  - الإنسان ليس لفظاً يدل على مفرد، بل على مثنّى.. الإنسان هو
 أنا وأنتِ.. "فجعل منه الزوجين @ الذكر والأنثى"
  - سأكون كاذبا لو قلت أنك الأنثى الوحيدة التي دخلت قلبي..
 هذه قٌدسيّة لا أدّعيها.. لكنني وبكل صدق أقول أنني كلّما قارنتك
 مع أنثى ثانية.. ذابت صورتها شيئا فشيئا حتى تختفي، كمكعّب
 سكّرٍ في كوب شاي..
  - ما دُمْتِ في الدنيا.. فالدنيا بخير..
  - وحده العشق، قادر أن يمنحك ذكريات حلوة ومرّة في الوقت
 نفسه..
  - برغم كل لافتات التحذير المنتشرة على شواطىء العشق إلا
 أنني ركبت سفينتي وأبحرت.. كنت أعلم مسبقاً أن البحر هائج
 والعواصف لا ترحم أحداً.. وأنني بلا شك سأنتهي طعاماً للنوارس
 والسمك.. وحكاية للصيادين.. لكنّه كان موتاً لا بدّ منه.. كان لا بد
 أن أغسل قلبي بهذا الحزن السرمديّ.. ليصبح للعمر طعم ولون
 ومعنى..
  - الحب الدائم ليس موجوداً في الحقيقة.. هذا رجس وتدليس


 من عمل كتابّ الحبّ.. لم أحبَك يوماً بشكل دائم.. كنت أقبّلك في
 الصباح وأنوي قتلك في المساء.. وأعود في الصباح التالي
 لأسترضي عينيك الغاضبتين..
  - أجمل ما في الحبّ بداياته.. وأجمل ما في البدايات غموضها..
 تلك اللحظات التي تسبق الإعتراف.. عندما يعرف كل طرف أنه
 يحب الطرف الآخر.. ويعرف أن الآخر يحبه.. لكن لا أحد يعترف..
 لحظات الكذب الجميل بأنه لا شيء بيننا.. موسم ما قبل تفتح
 زهر اللوز..
  - "فإذا صحوت فأنت أول خاطري..

 وإذا غفا جفني.. فأنت الآخرُ.. "


تنويعات على مقام رقيق..


  - الهوس الإكتئابي الخفيف.. hypomania

 حالة مخفضة من الهوس تتسبب بضعف لا يذكر في الوظائف
 العقلية.. انخفاض في نوعية الحياة، قلة في النوم وضعف في
 الأنشطة الموجهة لهدف.. بالإضافة لميول إنتحارية..

 يبدو شيئا مألوفا..


  - المرأة التي تمتلك ضعف ما تحتاج من أواني المطبخ، هي
 إمرأة تمتاز بالتوفير..
  - الملحد أشبه ما يكون بسطل فيه القليل من الماء.. ويناقش
 المد والجزر في المحيط الهادئ..
  - دائما ما تبدو الملابس على المانيكان أجمل مما تبدو علي
 عندما أرتديها.. الأمر نفسه تقريبا يحدث عندما أستعير
 شخصيات الآخرين …
  - تجهل المرأة أن جسدها يتحدث بدون إذنها.. وأنه يعبر
 للآخرين عن ما في داخلها بكل دقة.. والعارفين من الرجال
 يفهمون ذلك..
  - شركاء في الربح.. وحيدا عند الخسارة..
  - عند الأسود.. يحدث البلوغ الجنسي في عمر السنتين.. وهو
 العمر الذي يكون فيه الشبل قد انتهى من تعلم كل أساسيات
 الصيد.. فصل طبيعي ورائع بين مرحلتين.
  - لم أر في حياتي شيئا أسوأ من الإنتقاد.. وبالذات إنتقاد


 الأشياء السيئة أصلا.. لا تنتقد.. إطرح ثقافة بديلة..
  - دائما ما ذكر العلم في كتاب الله بصيغة المبني للمجهول "أوتوا
 العلم".. "وما أوتيتم من العلم" وكأن العلم لا ينسب لمخلوق قط..
 بل هو هبة من الله عز وجل.. المرة الوحيدة التي ذكر فيها العلم
 منسوبا لشخص كانت على لسان قارون عندما قال "إنما أوتيته
 على علم عندي".. وهنا نسب الرزق إلى الله ولكن نسب العلم
 لنفسه.. فماذا كان الرد؟ "فخسفنا به وبداره الأرض"..

 يا من أوتيتم العلم.. تواضعوا..


  - وعين الرضا عن كل عيب كليلة.. ولكن عين السخط تبدي
 المساويا (أجمل ما قيل في العلاقات العائلية)
  - حاول دائما تتبع جذور أفكارك.. موضوع مرهق وشاق.. لكنك
 ستكتشف أن كثيرا من أفكارك ربما بنيت على أوهام..
  - من عادتي أن أشتري كوبا من الشاي الممزوج بالحليب كل
 صباح.. وفي إحدى المرات.. كنت أمسك هاتفي المحمول بنفس
 اليد التي أمسك بها كوب الشاي.. فحدث أن كدت أفقد توازني،
 ولئلا يسقط كوب الشاي تركت الهاتف المحمول يسقط على
 الأرض ويتحول إلى شظايا.. أي أنني حافظت على شيء رخيص
 مقابل شيء يعلوه قيمة بآلاف المرات..

 الخيانة الزوجية مبدأ مشابه..


إلى مقام السيدة..


 لقد وصلت لمرحلة معينة في حياتي أحس فيها بالإشباع من كل
 شيء.. لا أرغب بصداقات جديدة.. لا أريد قراءة كتب جديدة.. لا
 أريد أن أستمع لأغاني جديدة.. ولا حتى أن أكسب المزيد من
 النقود..

 كل ما أرغبه حاليا هو أن أجول هذا العالم معك.. نسافر معا.. ننزل
 في فنادق المتعبين.. نمشي في الشوارع الحجرية القديمة، ونأكل
 من أيدي الباعة البسطاء.. أود أن آخذك في رحلة بقارب
 مزركش.. ونطعم النوارس التي لا يطعمها إلا الغرباء والعاشقين..
 نزور الكنائس والمساجد والأشجار والأنهار.. نتسوق من البازارات
 المسقوفة.. ونركب المترو معا.. ثم تحملنا خطانا حتى يهدهدنا
 التعب.. وفي آخر الليل نجلس على شاطئ البحر لأغني لك أقدم
 ما أعرف من أغاني.. وأعذب ما أعرف من أغاني..

 أريد أن أمارس الحب والدنيا معك.. من هانوي إلى إسطنبول..


وأنا قلبي مساكن شعبية..


 أحد أهم أدبيات الأردنيين هذه الأيام هي مقارنة فترة الثمانينات
 وبداية التسعينييات بما نعيشه الآن.. وكيف كانت الحياة جميلة
 وهادئة وكان الجيران يعرفون بعضهم بعضا والروابط الإجتماعية
 متينة والأخلاق أفضل.. وصولا لما نعيشه الآن من حياة سريعة
 متعبة وانحطاط في الأخلاق.. وانعزال داخل شققنا.. وتفكك
 على مستوى الروابط الإجتماعية والأطفال لم يعودوا يلعبون في
 الخارج لانعدام الأمن.. إلخ.. وبمعنى آخر.. كيف صارت الحياة
 أضيق وأسوأ.. ولا نملك أمام هذا التغيير إلا التحسر.. والقول أن
 هذا هو الزمن وهذه هي التكنولوجيا.. والحقيقة أن هذا ليس
 تطورا طبيعيا.. ولا ذنب للزمن ولا للتكنولوجيا فيه.. لأن
 التكنولوجيا سبق ودخلت إلى بيوت آبائنا في السبعينات (كتلفاز)
 ولم يكن لهذا هذا الأثر.. السبب الحقيقي لما حدث هو أزمة في
 مفهوم الإسكان، ورؤية خاطئة من حكومات مهملة أدت لتعاسة
 نعيشها ولا نفهمها.. ولتوضيح وجهة النظر هذه كتبت هذا المقال
 الذي أرجو أن تتسع صدوركم لقرائته.. لأنه يعني كل شخص
 فينا..

 البيت هو أهم شيء يمتلكه الإنسان أو لا يمتلكه في حياته..
 وأهم عاملين سنتكلم عنهما اليوم هما امتلاك البيت.. ومساحة
 البيت المسقوفة وغير المسقوفة... وعسى بعد شرح هذين
 المبدأين أن نفهم سويا لماذا تغيرت نوعية الحياة في آخر 15
 سنة.. ونبدأ بمفهوم إمتلاك البيوت.. الدول التي تقدر مواطنيها
 تحرص دائما على مؤشر امتلاك البيوت عاليا (نسبة من يمتلك
 البيت الذي يسكن فيه).. فيصل هذا المؤشر في الولايات المتحدة


 ومعظم أوروبا إلى حوالي 70% وينخفض في الشرق الأوسط في
 عدة دول ليصل إلى 35%.. فماذا يعني هذا الرقم؟ وكيف يؤثر
 على حياتك؟ نجيب بعد قليل..

 المبدأ الثاني هو نوعية المسكن نفسه والمساحات التي يوفرها..
 تقول منظمة الصحة العالمية بتصرف "المسكن الصحي لكل أسرة
 يجب أن يضمن 60 مترا مربعا لكل فرد.. 30 مسقوف و30 غير
 مسقوف.. " أي أن أسرة من 5 أفراد يجب أن تمتلك بيتا مساحته
 150 مترا مسقوفة.. و150 مترا كحديقة ومتنفس.. هذا في
 الحدود الدنيا طبعا.. وهذا المقاييس لا يوفرها إلا بيت مستقل..
 لأنه لا يمكن للشقق توفير مساحات غير مسقوفة بهذا الكم..
 فماذا يحدث لو لم يتم توفير هذا المتطلبات؟ وما الفرق بين
 السكنى في بيت مستقل وبين الشقق؟ وكيف يؤثر هذا على
 حياتنا.. نجيب بعد قليل.. ولكن بعد تمهيد تاريخي بسيط..

 بعد حرب الخليج الأولى، وبدء تدفق الأردنيين المغتربين من
 بلدان الخليج بكثرة وبكتلة نقدية.. بدأت حركة نشاط عمراني
 في المملكة (المدن الرئيسية) لاستيعابهم.. وهنا ونتيجة لقلة عدد
 الأراضي المعروضة للبيع والموصولة ببنية تحتية... ولأن قوانين
 تنظيم الأراضي كانت تسمح بالبناء العمودي (وهذا هو السبب
 الأهم).. بدأت تظهر ما يسمى بمشاريع الإسكان بكثرة (كانت
 موجودة بوتيرة أقل).. ومعها بدأ نمط الشقق ينمو على حساب
 نمط البيوت الخاصة.. ومع كسل الحكومة وبخلها في فتح
 مناطق جديدة.. إرتفعت أسعار الأراضي أكثر فأكثر حتى وصلنا
 لحرب العراق 2003.. حيث انفجرت تماما.. وأصبح المواطن
 العادي لا يجرؤ أصلا على محاولة التفكير في شراء قطعة أرض..


 لأن من ينافسه في شرائها هم شركات إسكان ضخمة.. تدفع حتى
 5 أضعاف ما يدفعه.. فلذلك هم الزبون المفضل لمالك الأرض..
 وعليه أصبح حلم المواطن الذي يعمل في وظيفة جيدة أن
 يشتري (بمساعدة البنوك) شقة قريبة من بيت والده المستقل
 (الذي كان يعمل بوظيفة أقل).. أي أنه اليوم مع تعليمه العالي لا
 يستطيع إمتلاك بيت امتلكه والده بتعليم عادي.. وبراتب نسبيا
 أقل..

 هذه التقسيمة السكانية الجديدة والغلاء الإصطناعي في أسعار
 العقار فرضت أنماط إجتماعية سيئة من أهمها.. انخفض معدل
 امتلاك البيوت للمواطنين.. فبالنسبة لملاك البيوت القدامى
 أصبحت أحياؤهم تكتظ بسكان جدد ومستأجرين يأتون
 ويغيبون بحسب الظروف.. فلم يعودوا يعرفون جيرانهم ولا
 يأمنون على أطفالهم في ظل هذا الإكتظاظ.. وبالنسبة لمن
 يستأجرون هذه الشقق فهم لا يشعرون بالإستقرار أبدا.. ولا
 يتحقق مفهوم "المسكن" في الشقة التي يعيشون فيها...

 وبالنسبة للسكن في الشقق وانعدام مقاييس المساحات غير
 المسقوفة.. أصبح الأطفال محشورين داخل هذه العلب
 الإسمنتية.. ويقضون معظم الوقت أمام شاشات التلفاز والأجهزة
 اللوحية.. مما سبب تشوه في طفولتهم من جهة (مقارنة بطفولة
 آبائهم) وتسبب بضغط نفسي شديد على الأم في الشقة الضيقة..
 مما ينعكس على نفسيتها السيئة التي تنقلها لزوجها.. فتتجه
 العائلة بشكل لا إرادي لشيء يسمى التسوق الترفيهي.. (الذهاب
 للسوق للترفيه فقط.. مع أنك لا تحتاج شيئا).. وهنا ظهرت
 المولات وازدهرت..


 هل كان لكل هذه الأنماط الاجتماعية السيئة أن لا تحدث؟ نعم..
 لو أن قانون البناء لا يسمح بالامتداد العمودي لما حدث كل هذا..
 ولأجبرت الجكومة على فتح طرق جديدة ومناطق جديدة وبنى
 تحتية جديدة.. ولبقيت الأسعار ضمن نطاقها الطبيعي لأن زبائنها
 هم الناس الناس العاديون.. لكن مؤسسة رخص البناء وهي أهم
 مؤسسة في الدولة فرضت على الأردنيين نمط إجتماعي
 سيعانون منه لسنوات طوال قادمة... وجعلتهم رهنا للبنوك
 وفريسة لطمع رؤوس الأموال.. ولا يحلمون بامتلاك مسكن صغير
 في مسكنهم الكبير..

 الصحافة (المرآة) مشغولة بالفضائح والإثارة والفنانات ولا يهمها
 أبدا أن تكتب لك عن الوطن الحقيقي.. والحكومة من جهتها
 تصب عليك الأغاني الوطنية صبا وتدعوك لتمجيد الأجهزة
 الأمنية.. وكأن هذه هي الوطنية.. والتعليم بطبيعة الحال، بعيد
 عن قراءة الوطن بشكل صحيح.. فإذن.. لم يبق إلا أنت.. إعرف
 وطنك بشكل صحيح.. وقم بقياسه كما تقاس الأوطان.. وميز
 بين الوطن الغالب والوطن المغلوب.. فمن هنا يبدأ التصحيح..

 وتذكر أن من حقك يا مواطن أن تعيش في بيت لك وحدك.. لك
 أرض وفوقك سماء.. ولك حول بيتك مكان يلعب فيه أطفالك..
 تجلس فيه مع زوجتك.. وتزرع فيه ولو شجيرة نعناع واحدة..
 هذا حقك..

 وأنا قلبي مساكن.. شعبية..


مأمون القانوني


 آلاء: يمكن بديت أحب مأمون وعمري 11 سنة.. أو أقل حتى.. من
 أول ما وعيت عالدنيا حبيته.. كانوا جيراننا.. ورجعوا من الكويت
 تقريبا بنفس الوقت اللي رجعنا إحنا فيه.. كان أبوه بعرف أبوي..
 وإمه صاحبة إمي.. وحتى أخته بيان كانت صاحبتي ومعي
 بالمدرسة.. بس هو كان أكبر منا بثلاث سنين تقريبا.. كنا في
 الصف الخامس وهو في الثامن..

 فتحت عيوني في الدنيا هاي عليه.. إبتسامته.. طوله.. غمازاته..
 شعره الطويل الناعم.. كان زي ممثلين السينما.. أحلى حتى..
 وكانت متعتي أوقف على البلكونة أو ورا الستارة.. وأتفرج عليه
 هو وصحابه وهم بلعبوا كرة قدم في الشارع.. كان دايما يتخانق
 معهم على قانون اللعبة.. ويضل يحكي "القانون قانون يا شباب..
 إلتزموا بالقانون".. ومن كثر ما كان يحكيها سمّوه القانوني..
 وكنت أحب كثير هذا الإسم.. كان له موسيقى خاصة.. موسيقى
 فخمة.. وكنت دايما أكتبه وأخططه بالألوان على دفاتري.. وعلى
 جدران روحي..

 إمي يمكن لاحظت إني كنت بحبه، بس ما حكت شي.. يمكن
 قالت لحالها هاي مراهقة وبتروح...ما بعرف.. بس هي كمان كانت
 كثير تحبه.. ودايما تمدح فيه.. وبيان كمان كانت تعرف.. ودفتري
 كان بعرف.. وغرفتي كانت بتعرف.. ومخدتي.. وشجرة التوت..
 والنجوم والسما والعصافير.. كل شي في الكون كان يعرف إني
 بحبه.. إلا هو... ما كانت يعرف..

 بيان: آلاء من زمان بتحبه لمأمون.. من أيام وإحنا صغار


 بالمدرسة.. كنا نزورهم ويزورونا.. وكانت دايما عيونها عليه..
 وأكثر من مرة كتبت له رسائل عشان أعطيه إياها وما رضيت..
 بموتني كان لو عرف.. كثير عصبي وحقاني كان.. من وهو صغير..
 وكنت أخاف منه أكثر من أبوي... حتى إمها كانت تحبه.. وكانت
 تحكي لإمي.. يا ريت الله أعطاني ولد زي مأمون..

 ناهض: أنا مأمون بعرفه من أيام الابتدائي.. كنا سوا في
 المدرسة.. أنا وإياه وعثمان الفالوجي.. في نفس الصف ونفس
 الدرج.. وولاد حارة وحدة.... ما كان متفوق متفوق بالمدرسة..
 بس كان شاطر.. وكان عامل زي زعيم في الصف.. كان أطول
 واحد فينا.. وكان عنده عضلات وهيك.. فتوة وشخصية.. وكل
 الطلاب كانوا يخافوا منه.. بس للأمانة عمره ما آذى حد.. بالعكس
 كان يدافع عني وعن عثمان دايما.. خصوصا عثمان لأنه كان
 ضعيف وحبته قليلة.. وكانوا كثير الولاد يدفعوه في دور
 المقصف.. لدرجة إنه مأمون كان يتدخل ويرتب الدور في
 المقصف.. وكل واحد يوقف على الدور.. وهو آخر واحد يوكل..
 حتى لما نقلنا من الوكالة في التاسع وصار كل واحد في مدرسة..
 ظلينا صحاب..

 آلاء: وكبرت.. وكبر حب مأمون في قلبي.. وكل ما أكبر يوم..
 أحلامي معه كمراهقة تكبر.. كنت دايما أتخيل إنه إحنا عرسان
 ومتزوجين.. وعنا بيت.. وبروح هو من الشغل بلاقيني طابخة
 الطبخة اللي بحبها.. وعنا ولاد وبنات بشبهوني وبشبهوه... كنت
 مفتونة فيه.. حب عمري كان.. وهو ولا على باله.. لغاية ما في
 يوم.. كنت في التاسع.. ونادت إمي على مأمون عشان يشيل لها
 جرة الغاز.. كان داخل توجيهي وقتها.. وكان صار شاب طول


 بعرض.. وبدأت لحيته تطلع.. طبعا كعادتي إستغليت الفرصة
 ورحت عالمطبخ.. ووقتها صارت المعجزة.. ولأول مرة مأمون
 كان بتطلع علي نظرة غير عن نظرة الأخت.. أو نظرة البنت
 الصغيرة.. ولأول مرة في الحياة كنت بحس إنه انتبه إنه في
 قدامه بنت حلوة.. وإبتسم لي إبتسامة من كل قلبه.. قشعرت لي
 بدني.. وصار بعدها كل ما يشوفني يبتسم ونحكي شوي بخجل..
 وكل كلمة أستعيدها ألف مرة.. وكل إبتسامة أعيش عليها شهر..
 وأصلي وأطلب من الله أكبر وأحلو عشانه..

 ناهض: التوجيهي تقريبا كانت يمكن من أصعب فترات حياة
 مأمون.. كان أبوه داخل تجارة مع قريب إلهم.. وتقريبا خسر كل
 فلوسه اللي رجع فيها من الكويت.. قريبهم نصب على أبوه وأخد
 كل فلوسه.. وعلى الدارج هذيك الأيام.. ما كان محتاط أبوه
 بالأوراق.. فكانوا داخلين محاكم وقضايا... وما طلع لهم شي.. من
 محامي لمحامي.. وعالفاضي.. وفي آخر فترة في التوجيهي..
 كان وضعهم تعبان عالآخر.. وأبوه كانت هدته المحاكم.. وصار
 كثير مريض.. ووصلوا لمرحلة باعوا من أثاث بيتهم عشان
 يوكلوا.. وبستنوا قضيتهم اللي بالمحكمة..

 وقتها كان بحبها لآلاء.. اعترف لي مرة إنه بحبها.. وإنه إمه
 عارفة.. ووعدته تخطبها.. وإمها حاسة.. وإنه بدرس عشانها..
 عشان يجيب معدل عالي ويدرس محاماة ويشتغل.. ويتزوجها..
 بس ما كان يبين شي.. كان بحترم إمها كثير.. وما كان حابب حدا
 يحكي عليهم كلمة..

 آلاء: بفترة التوجيهي كانت وضع بيت مأمون صعب.. أبوه مرض
 كثير.. ودخلوا بمشاكل.. وكنت قليل ما أشوفه.. وبس أشوفه


 يكون تعبان.. وعيونه حيرانين.. وآخر مرة شفته وقتها كان تعبان
 كتير.. كنت مروحة من عند بيان وشافني على باب البيت..
 وعيونه كلهم حزن.. خفت كتير عليه.. ولما سالته مالك.. قال ما
 في شي.. بس.. بعدين إطلع بعيوني نظرة طويلة وقال... "إنت
 إلي يا آلاء".. وراح..

 بيان: الله لا يعيدها من سنة.. كانت سودا سودا.. كان وضعنا صار
 بالحضيض.. تقريبا أبوي كان خسران 100 ألف دينار بهديك
 الأيام.. والبيت كله مكركب ومتضايق.. وكنا خايفين بس على
 مأمون.. كان بده يقدم امتحانات الفصل الثاني.. وكان أبوي يظل
 يحكي له.. لا تقلق وخليك في دراستك يا مأمون.. والأمور بتنحل
 وكل شي بتعوض يابا.. بس كانت الأمور من سيء لأسوأ.. ولما
 حكم القاضي إنه أبوي ما بطلع له شي.. وما معه ورق يثبت شي..
 انجلط وارتمى في البيت.. وصارتمه على جنب.. ووقتها مأمون
 طلع من البيت..

 وعرفنا من الناس المسا.. إنه مأمون متهجم على بيت قريبنا
 النصاب ومكسر إيديه وراسه وكاين بده يقتله.. وإنه الشرطة
 حبسوه.. حاولوا وقتها ناس كثير يتوسطوا عند قريبنا وولاده
 عشان يتنازلوا ما رضيوا وإنه مأمون طالب لسه وهيك بس
 عالفاضي... وحكمه القاضي ثلاث سنين.. تهجم وإعتداء وأبصر
 شو... يمكن 4 تهم..

 ناهض: زعلت عليه لمأمون كثير لما دخل السجن.. اللي عمله أكيد
 مش صح.. بس يعني ما حد بقدر يلومه.. شاف عيلته كلها بتروح
 من بين إيديه من ورا واحد نصاب.. وحكم فينا الزمن.. بعد
 التوجيهي افترقت الصحبة.. عثمان ترك المدرسة واشتغل مع


 أبوه في التجارة.. وأنا دخلت كلية الطب.. والقانوني دخل
 السجن..

 آلاء: يوم ما دخل مأمون السجن.. كان زي كأني أنا متت.. الله
 بس بعلم شو صار في وقتها..

 الشوّا: القانوني من يوم يومه زلمة.. من أول ما دخل عنا المهجع..
 كانوا جايبينه من التوقيف لعنا.. وكان ولد صغير أيامها يا دوب
 مكمل 18.. وكان شكله غريب.. إبن ناس ومش خرج سجون
 يعني.. المهم.. دخله العسكري عنا.. وقاله فوت يا رامبو فوت..
 فات وقعد في الزاوية وما حكى ولا كلمة.. أنا مش متذكر على
 شو كنت محبوس وقتها.. بس كنت ماكل سنة بالصلاة على
 محمد.... كنا أنا والحوت داخلين سوا.. سرقة ذهب يمكن.. لا لا..
 سلب.. سلب بالإكراه.. اشي زي هيك..

 المهم.. ووقتها قام الغزال.. كان الغزال أيامها الكل في الكل في
 المهجع.. أزعر مدقدق ما حدا بطلع معه براس.. وصار يتخوث
 عليه للقانوني.. صار يقول للعسكري.. جايب لنا أحداث هون؟
 رجعه عالحضانة يا معلم.. وأكثر من أسبوع والغزال حاطط
 حطته.. وهذاك المسكين ساكت.. لا في يوم.. الغزال زهق منه
 ومن سكوته.. قام صار يستفز فيه وجاب سيرة أخته للقانوني..
 ووقتها قامت القيامة.. ما وعينا على مأمون إلا وهو بخبط راس
 الغزالي في حديد السرير.. والدم معبي المهجع.. كان بده يقتله
 لولا تدخلنا.. ونقلوا الغزال عالمستشفى.. ونقلوا القانوني
 عالانفرادي..

 الغزال صار معه ارتجاج في المخ.. وخلص محكوميته في


 المستشفى.. وطلع من المستشفى إنسان ثاني... كان عقله مش
 مساعده.. واعي وكل شي.. وبحكي.. لكن شخص ثاني.. وتدين
 وقتها وصار شيخ وبقولوا حتى راح على مكة.. والقانوني قعد 3
 شهور في الانفرادي.. وكان مستنيه الموت لما يطلع..

 بهذيك الأيام كان في واحد إسمه أيوب.. كان عميد السجن
 وماخذ مؤبدين.. ولما عرف بقصة القانوني والغزال.. تحلف
 للقانوني يقتله.. إنه كيف تعدى على جماعته.. وأول ما طلعوه
 للقانوني.. كان أيوب بستناه في الساحة وسكينته معه.. ومسكه
 من إيده وراحوا قعدوا سوا.... لكن بعد ساعة قعدة.. قاموا من
 مكانهم وأيوب حاطط إيده على كتف القانوني وبضحكوا.. ما
 حدا عرف شو صار.. بس كان واضح إنهم صاروا صحاب.. ونبه
 أيوب على كل السجن.. إنه القانوني أخوه.. واللي بقرب عليه يا
 ويله.. وعشنا معه 4 سنين في السجن كان هو زعيم المهجع
 صار.. والكل بعرفه وبحسب له حساب.. وأغلب قعداته كانت يا
 إما لحاله.. أو مع أيوب.. أو يقرأ كتب من المكتبة.. وطلع بعدي
 بشهر..

 آلاء: كنت في سنة ثانية صيدلة لما طلع مأمون من السجن.. كان
 الحزن انتهى والزمن مرّ وطوى كل شيء... واقتنعت بعد فترة إنه
 هذا حب مراهقة.. وأكيد أنا ومأمون ما راح يصر بيننا شي..
 ولازم أركز على مستقبلي ودراستي.. وكبرت ودخلت الجامعة
 وشفت ناس جداد وعالم جديد.. عالم مختلف عن مأمون
 ومشاكله.. ووقتها أصلا كانت العلاقات انقطعت بيننا وبينهم
 خلص...كان أبوه مات بعد شهور مادخل السجن.. واخته تركت
 المدرسة.. وصارت تشتغل هي وإمها بالخياطة عشان يصرفوا


 على حالهم.. فنوعا ما.. صاروا مختلفين عنا.. وأبوي وقتها نبه
 على إمي ما تتعامل مع ناس زي هيك.. سمعة مش طيبة وما راح
 يجينا خير من وراهم.. بس مع هيك إمي بالسر كانت تتطمن
 عليهم.. كانوا جيراننا.. ومن باب الفضول.. رحت مع إمي يوم ما
 طلع نسلم عليه من ورا بابا..

 كان شخص مختلف تماما تماما عن مأمون اللي دخل.. كانه كبران
 20 سنة.. ضحكته وإبتسامته وحيويته كانوا رايحين.. وشعره
 حتى راح.. كان يقصه خفيف كتير.. زي العسكر... حتى هاي
 النضارة والطراوة في الوجه كانت رايحة.. وجهه صار كأنه
 مقصوص من حجر.. وعيونه صاروا قاسيين.. وباردين.. غايرين
 لجوا وغميقين كتير.. بخوفوا.. حتى وهو بحاول يبتسم لي.. ما
 ارتحت لابتسامته.. كان شخص ثاني غير مأمون اللي حبيته..
 وعرفت وقتها إنه قراري كان صح.. ويمكن كلام بابا كان صح..
 وأنا طالعة من عندهم.. كنت طويت صفحته في حياتي للأبد..
 ذكرى في مرحلة المراهقة وبس..

 ناهض:

 كنت سنة خامسة طب لما طلع مأمون من السجن.. كان شخص
 مختلف تماما عن مأمون اللي دخل... شكله تقريبا ما اختلف..
 توقعت يطلع حاطط وشم ومشوه وهيك.. بس لأ.. طلع زي ما
 دخل.. شعراته بس كانوا رايحين.. وكبران شوي.. قعدنا سوا..
 وحكينا على الأيام القديمة.. وهيك.. وبآخر القعدة سألته شو راح
 يعمل.. إطلع علي بعيون حادة وقال ".. أنا طول عمري يا ناهض
 بحب القانون وبآمن فيه.. وكنت ناوي أصير محامي.. لكن أبوي
 خسر فلوسه بالقانون.. وأنا دخلت السجن بالقانون.. وطلعت منه


 كمان بالقانون.. عشان هيك أنا راح أشتغل بالقانون.. بس
 بطريقتي.. وراح أصير مأمون القانوني عنجد.. "

 الشوّا: بعد ما طلعت من المخروب السجن بشهر. كنت قاعد أنا
 والحوت مفلسين.. لا شغلة ولا عملة.. المهم اتدايننا حق قزازتين
 عرق.. وقعدنا عندي في البيت.. محضرين نبدا سكرة مرتبة
 تقرقع فيها الكؤوس وتدور فيها الرؤوس.. ما لقيت إلا الجرس
 برن.. وطلع أشوف مين الدبق هذا.. طلع القانوني.. أول ما دخل..
 حط القزايز على جنب.. كان لا بسكر ولا بدخن.. وبعد السلام
 بلش يحكي..

 "أنا يا شباب إلي حق.. لازم أحصله.. وانتوا عارفين.. بس أنا
 السجن ما راح أدخله مرة ثانية.. بدي أحصل حقي وأنا بره..
 وعشان هيك بدي تشتغلوا معي.. والشغل معي راح يكون أحسن
 بألف مرة من الزعرنات الهافية تبعتكم هاي.. انا راح أصرف لكل
 واحد فيكم راتب شهري 500 دينار.. بس اللي بحكي لكم عليه اه
 بكون اه.. واللي لأ يعني لأ.. وشغلوا معكم اللي بدكم إياه.. بس
 بدون ما تيجي سيرتي.. فكروا كويس.. وإسكروا الليلة.. وبكره
 بنحكي".. وطبق الباب وطلع..

 بعد حوالي أسبوع.. إتصل فينا القانوني وطلب منا نتغدى معه
 في مطعم بس نقعد على طاولة لحالنا.. وما نحكي شي ولا
 نتدخل.. رحنا قعدنا.. واجوا اثنين هناك قعدوا معه.. واحد منهم
 نقيب بعرفه بس كان لابس مدني.. والثاني لابس بدلة وعرفت
 بعدين إنه محامي..

 المهم نزلت المشاوي للجميع.. وبعد الغدا.. شفت القانوني بحكي


 مع النقيب.. وبأشر علينا.. وبورجي النقيب صور ولاد صغار..
 والمحامي قاعد.. عصب كثير النقيب.. وصار يصرخ ويحكي إنه
 ما بقبل أي تهديد... كنا بدنا نقوم.. أشر لنا القانوني نقعد.. وقعد
 يهدي الزلمة ويحكي معه.. والمحامي من جهته هداه كمان.. وما
 شفنا إلا تصافوا وخلص الغدا.. وفهمت بعدين إنه القانوني فهم
 النقيب إنه احنا بدنا نشتغل ضمن القانون.. ما بنطلب غير هيك..
 وشغلنا مهم إلنا زي ما سلامة ولاده مهمة إله.. وراح يكون في
 مقابل مجزي.. ووافق وكانت بداية الشغل..

 ثاني يوم كان الحوت لابس لبس محترم.. وراح قعد مع الجماعة
 اللي سرقوا فلوس أبوه للقانوني.. وقال لهم بالحرف زي ما
 القانوني وصاه.. إنه القانوني طلع من السجن.. وما عنده مانع
 يرجع.. بس هو بده فلوسه.. بدون محاكم.. بدون قانون.. وبدون
 شوشرة.... ومعهم 3 أيام.. و3 إنذارات.. وعندهم شرطة البلد كلها
 يشكو لها.. من العريف للملك.. الحق بده يرجع... يعني بده... ولما
 يقرروا يدفعوا، يحكوا مع الحوت عشان يقعدوا مع القانوني..
 وتكون الفلوس معهم.. حكى لهم هيك وطلع..

 بس خلصوا الثلاث أيام.. الجماعة ما عملوا شي.. فكروه تهديد
 فشنك يمكن.. ويمكن شكوا على الحوت.. بس ما في بلاغ
 بتهديد.. لازم يكون في شي.. تقرير طبي.. إعتداء.. أي شي...
 ففي نفس اليوم بالليل.. بعتت واحد من جماعتي حرق إلهم
 سيارتين وهرب.. وقتها إتصلوا على الحوت في الليل يسبوا
 ويلعنوا.. وراحوا الصبح شكوا عليه.. بس قدام النقيب.. الحوت
 حكى إنه كان نايم في المستشفى عشان البواسير.. ومعه تقرير
 طبي بثبت هالحكي.. وإنه ما بعرف الجماعة وأول مرة بشوفهم..


 وهذا بلاغ كيدي.. وبالقانون، أفرج عنه النقيب لعدم وجود أدلة..
 ولحين إستكمال التحقيق..

 وهم بحققوا مع الحوت كان موعد الضربة الثانية.. واحد ثاني من
 جماعتي مسك إبنهم الصغير للجماعة وهو طالع من المدرسة..
 أخذه على زاروبة.. وحط له في شنطة المدرسة راس خروف
 مقطوع... وروحه لأهله.. المسا كانوا الجماعة فهموا الرسالة..
 وعرفوا إن الله حق.. وما كان في داعي نكمل.. اتصلوا على
 الحوت.. والتقوا بره.. وطلبوا يشوفوا القانوني.. ويعطوه فلوسه..
 وبهذاك الأسبوع تنغنشنا.. وسكرت أنا والحوت لما قلنا بكفي..
 ويومها حتى بعت القانوني فلوس لأهل أيوب.. بس ما فهمت
 ليش..

 بيان: فرحتي برجعة أخوي مأمون ما كان بعدلها شي.. كان هو
 الوحيد اللي باقي لنا في الدنيا بعد أبوي الله يرحمه.. والله ينتقم
 منهم اللي فرقونا عن بعض.. رجع أخوي.. ورجعت الروح لبيتنا..
 ومع إنه كان جو فرحة إلا إنه عيون إمي ما نشفوا من البكا
 عليه...

 كان كثير متغير.. بس طمناها ووعدها مأمون إنها أزمة وانحلت..
 وكل شي راح يرجع لوضعه بأقل من شهر.. وفعلا.. خلال شهر..
 كان مأمون حاكي مع الناس.. والله سبحانه رقق قلوبهم ودفعوا
 كل حق أبوي الله يرحمه وزيادة.. ويومها تركنا أنا وإمي شغل
 الخياطة.. الحمد لله والشكر لك يا رب..

 ناهض: بعد فترة عرفت إنا مأمون حصل فلوس أبوه.. وقال لي
 وقتها إنه وصلوا لتسوية مع المحامي.. بس كان في كلام.. إنه


 التسوية ما كانت بريئة.. وإنه مأمون هو اللي حرق السيارات..
 وكان ناوي يقتل ولادهم... ووقتها بدت الحارة كل تخاف من
 مأمون.. بس عالساكت.. كان واضح إنه مأمون بدأ يشتغل
 بالقانون بطريقة.. متفردة..

 الشوا: بعد العملية الأولى.. بشهر يمكن.. حكى معي القانوني على
 عملية ثانية.. كان في واحد ماخذ بضاعة من ناس ب 30،000.
 ومش دافع.. والجماعة متضررين.. واللي صار في الأولى صار في
 الثانية.. الحوت حكى معه.. وأنا نفذت.. وخلال أسبوع مش
 أكثر.. كان دافع حق البضاعة كاملة.. أخذ القانوني حصتنا..
 والمحامي أخذ حصته.. والناس رجع لهم الباقي.. وفتح العداد..

 خلال سنة.. كنا مسويين يمكن 20 عملية.. شيكات.. إيجار
 متأخر.. واحد مش راضي يطلق.. شغلات زي هيك.. وكلها من ورا
 المحامي وقضاياه.. اللي ما بنحل في المحكمة نحله إحنا.. ووين
 ما كان الضحية نطوله.. ولو في السجن.. أيوب كان يطوله..
 ويجيب منه المطلوب.. وعشان يترتب الشغل.. إشترى القانوني
 محل طابقين.. عمل اللي تحت نادي بلياردو.. واللي فوق مكتب
 إله.. وصرنا نقعد أنا والحوت في النادي.. والقانوني فوق.. وصار
 يشتغل معنا حوالي 10 من المعارف.. وكلهم إلهم رواتب.. حتى
 أيوب.. كان راتبه يوصل أهله كل شهر.. والحياة صارت سكّر..

 آلاء: بعد فترة من طلعته ورجوع حقهم إلهم.. صارت الفلوس
 تبين على أهله لمأمون.. رجعوا تقريبا زي ما كانوا.. حتى مأمون
 نفسه إشترى سيارة جديدة.. وصار ما بلبس إلا بدل.. وكان كل ما
 يشوفني يبتسم لي بأرق شي بقدر عليه.. بس خلص.. اللي كان
 بيننا إنتهى.. ويا رب كيف القلوب بتتغير.. حبه راح من قلبي..


 بس يبدو هو ما كان مقتنع.... وحتى لما أحكي لإمي شو بعمل
 المسكين هاد.. كانت تزعل وتحكي.. والله بحياتك ما بتلاقي
 مثله لمأمون.. بس أنا ما كنت بدي مثله خلص.. كنت مبسوطة
 بجامعتي.. وما بدي الأجواء هاي كلها.. وتعرفت وقتها على
 أحمد...

 الشوا: بعد خمس سنين شغل مع القانوني.. كانت الأمور حلاوة..
 صرنا نشتغل مع أكثر من محامي.. مش ملحقين.. وكله بحسابه..
 وعشان الأمور تكون سليمة.. طلع القانوني رخصة شركة تحصيل
 ديون.. وصرنا أنا والحوت والشباب موظفين رسميين.. وطلعت
 حياة أحلى بكثير من اللي كنا عايشينها.. كنا بنتهبل إحنا زمان..
 وقتها صار شغل شغل.. عالأصول.. وكله لمساعدة الناس وكله
 بالقانون....

 وصار بشتغل معي حوالي 30 واحد.. وكل الزعران الصغار اللي
 كانوا بتسلبطوا على صحاب المحلات في الشارع التجاري
 طلعناهم.. وإستلمناه كله لحالنا.. من أوله لآخره.. وكل صاحب
 محل يدفع لنا 20 دينار شهري.. بدل حماية.. وما دخلنا السجن
 أبدا.. لا أنا ولا الحوت ولا القانوني... كانوا شبابنا هم اللي
 مجهزين يدخلوا السجن ويطلعوا منه حسب الحاجة وفي أي
 وقت.. لأنه مش كل الزباين زي بعض.. مرات كانت الأمور تنحل
 على إسم القانوني.. ومرات الزبون بعند.. وبصير لازم يدفع
 بأساليب صعبة شوي الله يصلحه.... بس كله كان بالاخر يدفع..

 ناهض: خلصت طب وتخصصت جراحة.. وظلت علاقتي مع
 القانوني منيحة ولو على فترات متباعدة.. ما كان بيننا أشياء
 كثير مشتركة.. بس صحبة قديمة...وكنت أحسده فعلا على


 نشاطه وشغله.. كان شعلة نشاط.. وبختلف تماما عن أي خريج
 سجن ثاني.. كان بشتغل في تحصيل الديون مع محامي.. وكان
 بدرس المسا دورات إنجليزي.. ولغات وسباحة حتى.. وكان مفكر
 يعيد توجيهي ويكمل محاماة بالمراسلة... ويقرأ كثير.. كان
 بحاول يبني من نفسه شخصية جديرة بالإحترام.. شخصية
 تمحي آثار السجن.. وكنت دائما أحسه بقيس نجاحه في عيوني..
 ما كان يغار مني أبدا.. لكن كان بحب يسمع مني إنه ناجح..
 ومرات كثير يجي يناقشني في روايات وكتب بقرأها.. وحتى
 أعطاني مسرحية فاوست هدية.. وما كان مأمون جاهل أبدا..
 بالعكس.. كان شاطر وواثق.. بس كان بحاول يبني حاله من أول
 وجديد..

 ومع كل هاي الإيجابيات.. كنت أحس إنه بشتغل بشي يمكن
 يكون غلط.. كان إله 5 سنين طالع من السجن.. ووقتها صرت
 ألاحظ إنه إسمه لحاله بفرض نوع من الإحترام الممزوج بالتحفظ
 بين الناس.. كان في حكي كثير عنه إنه زلمة منيح وبساعد
 وبحب الحق وبتبرع للفقرا كمان... بس برضه كان في ناس
 بقعدات خاصة.. وغير عن قصة فلوس أبوه.. كانوا يحكوا إنه
 شبه زعيم عصابة.. وإنه قلبه ميت.. وفي ناس تأذت وانظلمت
 منه.. حتى إنه أهلي كانوا نوعا ما متحفظين على الصحبة بيني
 وبينه...

 بس أنا علاقتي فيه كانت صداقة شخصية.. وماكان شي بهزها..
 وما شفت عليه شي.. فما كان بهمني حكي الناس.. وهو نفسه
 شرح لي مرة إنه عنده شركة مرخصة.. وأموره كلها قانونية
 وعنده كمان نادي بلياردو.. وشغله كله في السليم... لكنه ناجح


 والناجح إله أعداء.. فما أخذت ببالي.. ولأني أصلا بعرفه زلمة
 حقاني.. ما صدقت عنه شي..

 وفي يوم كان سهران عندي... فاجأني بسؤال غريب.. سألني إنه
 لو تقدم لآلاء.. يا ترى بتوافق عليه؟ وكان سؤال صعب جدا
 ومفاجئ.. مفاجئ لأنه من يوم ما طلع من السجن ما حكى عنها..
 هذا من جهة.. ومن جهة ثانية لأنه آلاء صيدلانية.. ونوعا ما
 متعلمة.. وهو لأ.. وصحيح يمكن زمان كانوا يحبوا بعض.. لكن
 الزمن بغير جبال وأنهار.. ما بده يغير بني آدمين؟.. ومع إني كنت
 متوقع تماما إنهم يرفضوه.. إلا إني وعدته أجس النبض..
 وشكرني على العرض.. خصوصا إنه ما بده إمه توخذ أي خطوة
 قبل جس النبض.. خصوصا إنه أبوها من زمان زمان ما بحبه..
 وطلع مأمون من عندي وأنا بفكر إنه كل شي يمكن كان بعمله..
 والشخصية الجديدة اللي ببنيها.. كانت كلها عشان يكون لائق
 بآلاء.. سبحان الله..

 آلاء: وأخيرا خلصت جامعة وخلصت رحلة الألف ميل.. وبحسب
 قرار الصيادلة العرب لسنة 1995.. صرت الدكتورة آلاء.. وبدأت
 أعيش الفترة الذهبية بحياتي. فترة حصد الإنجازات.. وإنتظار
 حبيبي أحمد.. إشتغلت في صيدلية قريبة من البيت.. وبديت
 أعيش حياتي كأي فتاة عزباء مرتاحة بتستنى حبيبها يجي
 يخطبها.. وطبعا هاي الفترة بتكون فترة عرسان. وقلت خلينا
 نتسلى ونشوف هالعرسان ونطفشهم.. لغاية ما يخلص حبيب
 عيوني ويجي.. ولحظي النحس.. كان مأمون أول شخص بتقدم..
 وبطريقة مش شجاعة حتى..

 ناهض: كونه آلاء كانت قرابة إلنا من بعيد.. خليت إمي تجس


 نبض إمها.. وكان الرفض التام من آلاء ومن أبوها.. ومع قلة حيلة
 من إمها وصلنا الرفض القاطع.. وقعدت يومين بعدها أفكر كيف
 أحكي له إياها بأسلوب لطيف ما يجرحه.. لأنه شو ما كان.. صعب
 الإنسان ترفضه بنت كانت تحبه وهو لغاية الآن عايش حياته
 عشانها.. خصوصا إنه سبب الرفض شيء بجرحه أصلا وبحاول
 يخلص منه.. لكن تأخير الرد كان برضه ممكن يعطي نتيجة
 سلبية.. عشان هيك توكلت على الله وقررت أزوره في مكتبه..
 وأحكي معه هناك.. وكانت أول مرة بزوره في مكتبه.. وأول مرة
 بدخل عالمه عن قرب.. كان متحفظ جدا بهذا الخصوص..

 كانت الساعة حوالي 4.. وأنا بعرف النادي.. بس ما عمري دخلته..
 وبعرف إنه المكتب في الطابق الثاني.. صفيت السيارة على
 الباب.. وفتحت باب النادي.. ومعه فتح عالم القانوني اللي كنت
 بجهل كل شي عنه.. كان كأي نادي بلياردو.. مليان دخان سجاير..
 وأصوات كرات وناس بتلعب.. وموسيقى شغالة عالعالي.. بس
 العجيب كان منظر الناس اللي جوا.. كلهم عن بكرة أبيهم أشكالهم
 مخيفة.. وأول ما اتبهوا لوجودي انطفى المسجل.. وصوت
 الكرات اختفى.. والعيون كلها تركزت علي.. وساد الصمت فجأة..
 ومن بين العيون الفضولية.. ظهر رجل ضخم.. ومشي بخطوات
 ثابتة بإتجاهي.... نوعا ما مختلف شوي.. ولبسه شوي مختلف
 عنهم.. لكن نفس الدرجة من الرهبة.. وقال لي بصوت زي
 الفحيح.. "تفضل!".. قلت له إني أنا الدكتور ناهض.. وجاي أشوف
 مأمون.. صديق قديم.. إطلع في من فوق لتحت.. ومسك سماعة
 التلفون وحكى مع شخص فوق.. وأول ما إجاه الرد.. انفرجت
 أساريره.. ومشي قدامي باحترام وود.. وطلعنا درج للطابق
 الثاني.. ورجعت كرات البلياردو تلعب والأصوات تصدح.. وصلنا


 فوق.. فتحنا باب.. ودخلنا ممر فصلنا تماما عن أجواء النادي
 الصاخبة وريحة الدخان.. وصار في هدوء عجيب بصاحبه برودة
 تكييف وهواء نقي ونظيف.... ووصلت لمكتب شخص يبدو إنه
 سكرتير القانوني.. اللي بدوره دخلني على مأمون..

 كان مكتب مأمون أبعد ما يكون عن التصور.. مكتب واسع
 وكبير.. مفروش موكيت أبيض فخم... وكنبايات جلد فخمة.. في
 اخره مكتب خشبي فخم بقعد عليه مأمون.... على يساره كان في
 حوض سمك كبير مضاء بالأزرق.. وعلى يمينه مكتبة كبيرة...
 فيها كتب كثير.... وعلى الطرف الثاني طاولة إجتماعات عاكسة
 عليها أشعة الشمس من النوافذ الكبيرة... ويعلو كل شي.. سقف
 أبيض مزخرف.. كان مكتب أشبه بمكتب مدير مؤسسة ضخمة..
 مش صاحب نادي بلياردو..

 حتى القانوني كان شكله بتماشى تماما مع البريستيج.. كان قاعد
 ورا مكتبه لابس قميص رسمي أبيض وبنطلون رمادي.. وعلى
 العلاقة وراه كان جاكيت البدلة... كان رجل أعمال شاب تقليدي..
 قدامه كان شخص قاعد بإستكانة.. وفي أطراف المكتب كان
 شخصين واقفين كأنهم حرس.. ولابسين أسود بأسود... سلم علي
 مأمون بحرارة الملهوف.. وطلب مني أستنى شوي.. لأنه عنده
 شغلة بده يخلصها.. رحت قعدت على صوفا بيضا قريبة من
 المكتبة.. وصرت أتأمل مكتبته.. كان في المقدمة.. مدن الملح..
 حكمة الغرب.. السلطوية.. القضاء في العصر العباسي.. كتب قيمة
 كلها.. وما شال عيني عن الكتب إلا إنه إنفتح الباب.. والشخص
 اللي قابلني كان مدخل معه عثمان الفالوجي.. صاحبنا القديم..
 اللي كان إلي سنين ما شفته..


 الفالوجي ما عرفني.. وأصلا كان واضح إنه متوتر زيادة إنه
 يتفحص الوجوه.. وبعد ما سلم على مأمون.. وقعد مقابل الزلمة
 الأول.. بدأ مأمون الكلام بهدوء شديد وصوت بارد..

 "يا عثمان يا فالوجي.. خلينا ندخل بالموضوع.. الزلمة هذا إسمه
 سمير الشاعر.. بتعرفه أكيد.. وإجا هون يشكي لي منك.. إنك
 ظالمه ببضاعة وفلوس.. وبعد ما فحصنا اوراقه بعناية لقيناها
 مش كاملة.. بس لما سألنا ناس عندك في المحل.. تأكدنا من
 كلامه 100%.. وأتوقع كمان إنك إنت كمان متأكد من كلامه..
 عشان هيك.. أنا نادينك هون عشان نتفاهم معك.. وتنحل المسألة
 بهدوء.. بدون محاكم.. وبدون قانون.. وبدون شوشرة..

 فا شوف يا عثمان.. إنت صاحبي وحبيبي.. وكنا زملا زمان.. بس
 الحق حق.. وانت فلوسك ومركزك ومركز أبوك يبدو هيأوا لك إنه
 ممكن توكل حق الناس بدون محاسبة وترميهم يتمرمطوا في
 المحاكم.. ونسيت إنه الدنيا هاي ما انبنت على المصاري.. انبنت
 على العدل وعلى الحق.. وبس يغيب العدل ويسود الظلم راح
 توقع هاي الدنيا.. وعلى ذكر الظلم يا عثمان.. جوا مفهوم الظلم..
 في مفهوم إسمه تأثير الظلم.. يعني انت بس توخذ فلوس حدا
 زي الشاعر.. وتظلمه.. الأثر اللي بكون في حياته نتيجة غياب
 الفلوس هاي.. أكبر من الفلوس نفسها.. والأثر هذا كل يوم عن
 يوم بكبر.. وبغير حياة الناس وواقعهم.. والقضاء اللي انت بترمي
 الشاعر عليه.. مهمته يتعاون هو والمحامين عشان يطولوا هذا
 الوقت أطول فترة ممكنة.. الوقت بين ضياع الحق ورد الحق..
 ومعه طبعا بكبر التأثير على حياة المظلوم.. لغاية ما يجي يوم..
 والحق يبطل إله قيمة.. بكون التأثير دمر كل شي خلاص..


 وسواء إجا الحق أو ما إجا.. بدون فايدة.. فأنا هون يا عثمان
 مش محصل ديون عشان تضحك علي.. إذا كنت مفكر تضحك
 علي.. أنا قضاء كمان.. بس قضاء قطاع خاص.. فضاء سريع..
 ولما يجوا عندي المظلومين يشكوا لي من ظالمين زيك.. ما راح
 أسمح حياتهم تتدمر، وانت تظل مرتاح..

 هذا من جهة... ومن جهة ثانية يا عزيزي يا عثمان.. ربنا اللي
 طول نهارك تركع له وتسجد له في الجامع.. لو إنك بتعرفه
 صحيح.. راح تعرف إنه ما توعد اللي بترك الصلاة ولا اللي بفطر
 رمضان.. ولا اللي بترك الحج.. هذول ما حكى معهم.. بسامحهم
 بينه وبينهم.. الموضوع محلول وما بأثر على حدا.. لكنه توعد
 السراقين والنصابين والظالمين واللي بوكلوا مال اليتامى.. هذول
 هم اللي توعدهم بجهنم في الاخرة لأنه هذول هم الكفرة
 الحقيقين... وعشان هيك.. أنا – مأمون القانوني - بما إني ظل الله
 على الأرض.. وموجود عشان الحق يرجع لصحابه.. ويرجع
 بسرعة.. فأنا بتوعدك قدام كل القاعدين.. إنه خلال أسبوع.. لو
 فلوس الشاعر ما رجعت، راح أحرقك وأحرق أبوك وأهلك
 وولادك، وكله وأنا قاعد هون بمكتبي.. وإسأل عني يا عثمان..
 بس حاول ما تجربني.. "

 عثمان من الصدمة، ما حكى ولا كلمة.. والشاعر اللي هو الشاكي
 أصلا كمان سكت.. وساد نوع من الصمت في المكتب.. ما بتسمع
 إلا أنفاس.. وقتها قام القانوني عن مكتبه وراح وقف عند حوض
 السمك.. وصار يطعمي السمكات.. وحكى وهو داير ظهره..
 موعدنا يا شاعر الخميس الجاي هون في مكتبي.. الفالوجي راح
 يجيب الفلوس.. راح توخذ منها 80% وتترك الباقي.. وهسه لو


 سمحتوا اتركوني أنا وضيفي لحالنا..

 كنت لأول مرة بفهم شو هو القانون اللي بشتغل فيه القانوني..
 وكيف.. ولمصلحة مين.. وليش في ناس بتكرهه وليش في ناس
 بتحبه.. وفهمت وقتها سر القسوة والبرود اللي في عيونه...
 والطريقة اللي حكى فيها مع شخص مفترض بينهم عشرة
 وحياة.. شرحت لي مدى القسوة في قلب الرجل.. مقارنة بمدى
 رقته وهو بحكي عن آلاء..

 طلب لنا قهوة.. وقعدنا نحكي حديث جانبي عابر.. بعدين سألني
 عن آلاء.. وشرحت له موضوعها بألطف طريقة ممكنة.. تنهد
 تنهيدة طويلة.. وسأل.. مين اللي رفض.. هي ولا أهلها؟.. فقلت له
 إنه الطرفين.. سكت فترة طويلة.. وقام عن كرسيه وراح وقف
 عالشباك وحكى.. " المجتمع يا ناهض.. بكره وبحتقر ناس زي
 القانوني وجماعته.. بس لازم يجي يوم ويتعلم هذا المجتمع.. إنه
 اللي بسكت عن الظلم راح يواجه العنف.. واللي ما بحارب الفقر
 راح يحارب الفقرا".. وسادت فترة من الصمت.. رجع بعدها
 لعندي.. وابتسم وحكى بصوت مخنوق.. " عموما.. كل إنسان إله
 قدر واحد.. والله يسعدها آلاء وين ماكانت.. وشو ما اختارت..
 وأنا شاكر إلك إنك ساعدتني بالموضوع.. "

 الشوا: ما بعرف شو غير الدكتور صاحبه في القانوني بعد هذيك
 الزيارة.. بس الأكيد إنه تغير تماما.. كان لأول مرة من سنين بروح
 بكير من المكتب.. بس السر تبعه ما طول.. ثاني يوم طلب مني
 نحط واحد مسؤول بس عن بنت صيدلانية إسمها آلاء.. يحميها
 بشكل غير مباشر.. وكان كل يوم يسأل عن أخبارها.. وينجن لما
 يعرف إنه صاير لها شي.. حتى في يوم يبدو حدا حكاله إنه


 صاحب الصيدلية اللي بتشتغل فيها مدايقها بشي.. انجن.. وبعد
 ساعة ما خلصت دوامها كانت الصيدلية حطام.. وانسجن ثلاثة
 من عنا على القصة..

 حتى في شغلنا صار عنده نوع من التهور والعصبية.. زاد عددنا
 صح صرنا 100 تقريبا.. وكبرنا وكبرت عملياتنا.. والمصاري زي
 الرز صارت.. كنا وصلنا القمة.. والمدينة كلها تحت أمرنا صارت..
 بس العمليات صارت أقوى وأعنف.. ومرات كثير.. كان ما يستنى
 الحوت يتفاوض مع الناس، خصوصا اللي بطلبوا مهلة.. كان يبدا
 هجوم وحشي عليهم وبدون وعي.. وبدأت شوية مشاكل تظهر
 مع الشرطة.. ومشاكل تبدا مع ناس ثانيين.. خصوصا جماعة
 فتوح... المخدرات يعني.. اللي كان طول وقته القانوني يحكي..
 "الأسود يا شوّا ما بتتقاتل في الغابة.. لو تقاتلوا بموتوا.. لأنه فش
 دوا.. فكل واحد بوخذ مساحة وبلعب فيها.. وإحنا وفتوح زي
 هيك.. إحنا بحالنا وهم بحالهم.. ومش من مصلحة حدا فينا
 يدخل في الثاني ولا يأذيه... "..

 آلاء: وبعد سنتين من الخطبة.. توجت حبي لأحمد بالزواج
 الميمون.. كان أحلى شي في حياتي.. الرجل اللي حلمت فيه
 طول عمري.. وأخذنا شقة واسعة في عمارة أهله.. وسكننا فيها..

 الشوّا: أنا عمري ما عرفت القانوني تبع بنات.. أصلا كان عنده
 حساسية من أي شي بمس الأعراض.. وأي قضية كان فيها بنت
 ما كان يرضى يدخل فيها.. حتى الحوت تعلم ما يجيب سيرة أي
 بنت قدامه.. لكن هاي البنت آلاء كانت غير.. كانت ماخذة عقله
 تماما.. مع إنه شكلها أنا عارف كيف.. والله لتر الكونياك أحلى
 منها..


 بيان: شو ما حاول يخبي.. كان مأمون مكسور من زواج آلاء بس
 ما حكى شي.. حاولنا أنا وإمي نخطب له اللي بده إياها.. بس ما
 كان موافق.. ووصل أول الثلاثين وهو مش راضي.. حتى يوم
 عرسي حاولت أشوف له بنات.. ما رضي.. كسرت قلبه الله
 يكسرها..

 ناهض:: بعد قعدتي مع مأمون يوم عثمان الفالوجي.. خفت
 علاقتنا كثير.. هو خفف حكي وأنا كمان خففت.. يمكن أنا صرت
 أذكره بفشله مع آلاء.. وبنفس الوقت كانت قسوته فوق
 الإحتمال.. وما شفت بعدها إلا مرات معدودة.. مرة في عرس
 أخته بيان.. ومرة كان جاي مع إمه عالمستشفى..

 الشوّا: في شغلنا تعرضنا لمشاكل كثير... أصلا طبيعة شغلنا
 المشاكل.. لكن القانوني كان دايما موجود عشان يحلها بهدوء
 وبدون أي ضغط أو عصبية.. بس في آخر فترة.. وخصوصا بعد
 ما هاي البنت تزوجت.. تغير كثير.. خسر من وزنه كثير.. وصار
 عصبي أكثر ومتوتر أكثر.. وصار مرات كثير يترك لحيته.. ولأول
 مرة من يوم ما عرفته وهو صغير في المهجع.. صار يدخن
 ووصار يشرب قهوة كثير.. وأخطاؤه وعصبيته في الشغل كثرت..
 وصارت تأثر علينا.. خسرنا محامي مهم كان يساعدنا.. وخسرنا
 أكثر من شرطي كانوا يتعاطفوا معنا... وخسرنا شاب مهم من
 عنا.. كانت الأمور في النازل. وكنت أحس في شي سيء قاعد
 بتراكم.. وراح يجي يوم وينفجر فينا.. وإجا اليوم..

 كان يوم سبت.. وإبنه لفتوح تاجر المخدرات هو وشباب من
 عندهم.. تعدوا على شاب من عنا على خلاف بسيط... صح كانت


 ثالث مرة على نفس الشاب.. بس يعني خلاف عادي كان كثير
 يصيرمثله زمان.. وكان القانوني يحكي مع فتوح وينحل
 الموضوع.. لكن المرة هاي كانت غير.. ووقتها أصلا القانوني كان
 مش شايف قدامه.. كانت إمه مريضة كثير.. وصاحبته
 الصيدلانية جايبة ولد.. فلما عرف المسا بالموضوع أعطى أمر
 مباشر للشباب.. يصفوا إبنه لفتوح.. ولما حاولنا أنا والحوت
 نتدخل ونحكي له إنه ممكن تنحل.. أصر.. وقال لازم هذول
 يعرفوا حجمهم.. أنا القانوني ما حدا بيجي بجماعتي.. وأعطى
 الشباب كل واحد 3000 دينار وقال لهم روحوا وأهلكم عندي..
 واللي بده يصير يصير.. كان واضح إنه فقد كل حكمته وتركيزه..

 ما مات إبن فتوح.. تشوه ونام ليلتها في المستشفى.. وانفتحت
 علينا أبواب جهنم.. بيننا وبين جماعة فتوح من جهة.. وبيننا
 وبين الشرطة من جهة ثانية...

 أول يوم انمسك من عنا أكثر من ثلاثين واحد وجماعة فتوح
 جرحوا أكثر من عشرين.. والشرطة سكروا النادي وسكروا مكتب
 القانوني.. حتى محامينا وكلّ واسطاته.. ما قدروا يعمل شي..
 الحكومة كانت بدها إياه للقانوني.. وكانوا بستنوا على أي نكشة..
 وإجت النكشة.. الحوت مسكوه جماعة فتوح في المزرعة
 وشوهوا معالمه.. وكرد على الموضوع.. بعت القانوني ناس
 شوهوا إبنه الثاني لفتوح.. بعدها بيوم إنمسكت أنا الصبح...
 وسمعت من الشرطة وأنا في المخفر المسا إنه القانوني انطخ..
 وموجود في المستشفى بين الحياة والموت..

 ناهض: كنت في المستشفى لما جابوه حالة طارئة.. كان شبح من
 القانوني تبع زمان.. لحيته طويلة.. عيونه غايرين وتحتهم سواد


 وتعب.. وجسمه هزيل ومشدود.. وفي جسمه ثلاث رصاصات..
 الرصاصة اللي دخلت في الكلية اليسار دمرتها تماما.. ورصاصة
 في الفخد كانت سطحية.. لكن رصاصة الرئة كانت هي المشكلة..
 وقعد في العناية المركزة في حالة خطرة..

 الشوّا: وأنا في السجن قعدت أنا وأيوب.. كان مبلش يختير
 وحركته تثقل.. وزعل كثير كثير على القانوني.. وقتها حكا لي..
 "القانوني هذا شاطر.. عرف شو يشتري وشو يبيع.. عرف إنه انتوا
 انكسر عندكم الخوف من الحكومة.. وصار عادي عندكم تدخلوا
 السجن وتطلعوا منه عادي.... وعرف إنه الناس بخافوا من الأذى..
 وبخافوا منكم.. والحكومة مش راح تقدر تحميهم.. فاشترى
 الشجاعة هاي منكم وباع الناس الأمان اللي بطلبوه.. وأخذ هو
 الفرق.. وبنفس الوقت أعطى المظلومين الشيء اللي هو انحرم
 منه.. أو اللي أبوه إنحرم منه.. العدل السريع.. بس المشكلة سمّ
 السجن ظل في دمه.. ما عرف يرجع طبيعي.. ولا عرف يعيش زي
 ما الناس عايشة.. ظل عايش تحت جناح إنه مظلوم.. واللي
 خسره ما قدر يتجاوزه"

 آلاء: اليوم وصلني خبر إنه مأمون طخوه ناس وبالمستشفى.. ما
 بنكر إني حزنت عليه.. بعد كل حساب كان جزء من تاريخي..
 وحبيته في يوم من الأيام.. بس أكيد شخص مثله كانت هيك
 راح تكون نهايته.. ما بقدر أتمنى له الشر.. بس يمكن أريح إله
 ولكل الناس... لو ربنا يوخد امانته..

 ناهض: وأنا بتطلع على مأمون وهو مغيب تحت الأجهزة.. بتذكره
 وإحنا صغار.. كيف لما كنا نلعب قدم.. ويظل يحكي.. القانون
 قانون يا شباب.. وكيف القانون اللي كان يحبه ويحترمه.. هو


 نفسه اللي غير له حياته.. وحوله من رجل بحب القانون لزعيم
 عصابة..

 يمكن يموت القانوني خلال ساعات.. وتنتهي قصته معه.. ويمكن
 كمان يطيب.. وساعتها يا برجع بعيش حياة طبيعية بعيدة عن
 المشاكل.. أو يرجع يبني عصابته من جديد.. وينتقم من أعداؤه...
 هذا كله حسب إرادة ربنا.. ويمكن كمان يكون لدعوات الناس
 دور.. الناس اللي ساعدهم.. والناس اللي آذاهم.. مهي قصة
 القانوني بالأول وبالآخر.. بين إيدين الناس..

 تمت..


مقتبس بشكل جزئي عن شخصية حقيقية..


  - عارف؟ حاسّة جوا روحي في ثقب أسود كبيييير وغميييق...
 بضل دايما يوجعني.. ويحسسني إني فاضية.. وإنه الهوا بلعب
 في قلبي.. خصوصا في الليل..

 وحطيت فيه كل شي ممكن تتخيله.. شغلي.. دراستي.. الكتب
 اللي بقرأها.. الأغاني اللي بحبها.. الأواعي.. العطور.. البيتزا..
 القرآن اللي بقرأه.. أهلي.. بسّتي.. كرة السلّة.. وفلوس.. حطيت
 فيه فلوس كمان.. وكل الأشياء الغلط اللي بعملها.. كلّهم بلعهم..
 كلهم.. ولسه بوجعني.. شو بعبّيه هاد؟ قول لي بس شو بعبّيه..


الحبّ


 بتعرف ؟ وإحنا صغار.. كان في عنا تينة كبيرة في البيت.. وكان
 أبوي الله يرحمه مرات يحكي لنا " كل واحد يوخذ صحن وروحوا
 جيبوا لنا تين".. أنا كنت صغير وقصير والتينة عالية.. آخذ صحني
 وأظل أحاول أحاول ما أطول شي.. بس إخواني الكبار يلقطوا
 تين كثير وما يرضوا يعطوني.. أرجع لأبوي وأنا ببكي وصحني
 فاضي.. يترك التين تبعهم.. ويوخذني يحملني على كتفه..
 ويخليني ألقط تين كثير.. وبس نرجع عالقعدة.. يحكي لهم
 شوفوا مصطفى قديش لقط.. أشطر واحد مصطفى..

 مبارح المرة طلبت مني فلوس عشان بدها تشتري جلباب جديد
 لعلياء.. جلبابها كثير قديم.. والبنات صايرين بحكوا عليها.. كلهم
 عندهم كثير لبس والمسكينة ما عندها غير هالجلباب المهري..
 وأنا مش طالع بإيدي شي.. وقتها تذكرت أبوي..

 بدي أبوي..

 قبل أحد عشر عاما.. وفي ليلة قمراء مثل هذه.. كنت أجول
 صحراء العرب.. بدويا جاهلا.. خشن اليدين والطباع والملامح..
 أرتدي ثوبا بنيا من الخيش.. وأحمل عصاتي الغليظة في يدي..
 وتتهادى خلفي ناقتي العرجاء.. وفي لحظة كشف رحماني.. فتح
 الباب الخشبي الكبير على مصراعيه.. وسمح لي الأوز الأرجواني
 أن أدخل جنتك.. ثم أغلقوا الباب.. ورأيتك.. محاطة بالطواويس
 البيضاء والغزلان الملونة..

 معك تعلمت أن أمشي بدون أن أدوس على الأزهار.. وأن أشرب


 الماء بطريقة تختلف عن ناقتي.. معك تعلمت الجلوس إلى
 الطاولة.. وشرب الهوى من ماء العيون.. معك تعلمت كيف أبني
 بيتا من الياسمين.. وأنام على سرير من أماني.. معك تعلمت كيف
 اغسل يدي بماء الغمام.. بعد كل وجبة من غرام.. وكيف أستنشق
 العطر.. وكيف أسافر في ليل شعرك حتى الفناء.. معك تعلمت
 كيف تشتعل النار في الصدر.. وكيف تمطر الدنيا حزنا وحنينا..
 معك تعلمت كيف أكتب.. وكيف أرسم وكيف ألون بالزعفران..
 معك تعلمت أن أعد أصابع قدميك حتى العشرة.. وأعد النجوم
 في عينيك حتى الألف.. معك سمعت عزف الكناري لأول مرة..
 ومن يديك تذوقت عسل الكستناء.. معك تعلمت كيف يقدس ثمر
 السفرجل.. وكيف يعامل شجر النخيل.. بكل إحترام..

 معك تغيرت كثيرا.. إلا أنني بعد أحد عشر عاما.. أعتقد أنني لا
 زلت بدويا جاهلا.. ولم أر من تلك الجنة.. إلا اليسير اليسير.. كل
 عام وأنت جنتي..


بين القلب والعقل..


 لو كنت تبحث عما يعبر عني.. فإن آخر ما يمكن ان يعبر عني هو
 الكلام الذي يقوله لساني.. ذلك العضو الأحمر الملتوي الذي لا
 يفعل شيئا سوى الكذب.. علي وعلى الآخرين.. ولا يغرك عقلي..
 فعقلي هو الآخر يخدعني كما يخدعك.. يحاول التظاهر أنه أنا..
 ويتكلم كأنه أنا.. ويتصرف كأنه أنا.. ويبدو كأنه هو كل شيء..
 لكنه في الواقع لا شيء.. هو فقط أشبه ما يكون بحاسوب عملاق
 أصم.. لا يملك أي صورة أو فكرة أساسية من نتاجه.. بل يستقبل
 المعلومات ويحللها ويخزنها.. أما أنا الحقيقي...فموجود داخل
 قلبي.. داخل تلك الحجرة الصغيرة المتنكرة على هيئة مضخة
 دم..

 في تلك الحجرة الصامتة... توجد كل مشاعري الحقيقية.. وفيها
 كل ما أؤمن به أو أكفر به ولو أنكرته.. هي عقلي الحقيقي وعيني
 التي ترى.. وفيها كل دوافعي التي تأمر العقل والجوارح.. فيها
 كل أمراضي التي تختفي خلف العيون الخائنة.. عندما أنظر إلى
 شيء.. وأقصد شيئا آخر.. عندما أقول شيئا وأَضمر شيئا آخر..
 فيها شهواتي التي لا أستطيع التحكم بها.. تخيلاتي الدنيئة التي
 يندى لها الجبين.. ضعفي.. إنكساري.. إحتقاري لنفسي.. فيها
 ثقتي وغروري.. ورغبتي في التفوق على الآخرين.. فيها شكوكي
 وإلحادي ويقيني.. فيها ظلمي للناس وشعوري بالظلم، وأسئلتي
 عن القضاء والقدر.. فيها نظرتي الحقيقية لله.. كيف أرجوه
 وأغضب منه وأعاتبه.. ثم ألوم نفسي وأستغفر.. ثم أعود... فيها
 كل حلقاتي المفرغة.. فيها رؤيتي للناس ولعائلتي.. فيها
 مجاملاتي لمن أكره.. غيرتي ممن هم أفضل مني.. فرحتي بمن


 هم أقل مني... وطمعي وإشتهائي فيما ليس لي.. فيها احتقاري
 لكسل الفقراء.. وفيها تعاطفي معهم.. فيها كرهي لفوقية الاغنياء
 ورغبتي أن أكون منهم.. فيها فرحي ومخاوفي.. تنقبض وتفرغ
 إذا خفت.. وتنشرح إذا فرحت.. فيها الكذب الذي أكذبه.. حتى
 على نفسي.. وفيها الصدق المؤلم الذي أصدقه.. فيها نوايا أعمالي
 التي ربما أكذب بها على الناس وعلى عقلي.. لكن قلبي يدركها
 تماما... فيها شعوري الحقيقي وأنا أصلي.. وأنا أصوم.. وأنا
 أتصدق.. وفيها كفر وبقايا من إيمان ضعيف.. فيها ما لا تراه
 العين.. ولا يدركه العقل.. فيها وحدتي.. بكائي.. وشعوري أنني
 غير مرئي.. وغير مهم.. فيها كل مايفسر تصرفاتي التي تفوق
 المنطق أو تخالفه.. فيها أنا بكل تناقضاتي.. عاريا من كل زيف..

 والخطير في هذه الحجرة الصغيرة التي تسمى القلب، والتي
 سأحاسب أمام الله بشكل أساسي على محتواها.. أن مفتاحها
 ليس بيدي.. هي بين ضلوعي ولكن ليست تحت تصرفي.. لا
 أستطيع أن أضع فيها الأشياء.. لكنها تتسرب قليلا قليلا إليها دون
 علمي.. وصعوبة معرفة ما في هذه الحجرة.. لا تساوي شيئا أمام
 صعوبة تغييرها وتنظيفها من الداخل.. كم مرة قررت أن أتوب
 ولم أستطع.. كم مرة قررت أن أصبح طاهرا ولم أستطع.. وكم
 مرة بكيت على بابها وقرأت كتاب الله.. ومع ذلك لم يفتح لي..
 هذه الحجرة الصغيرة صعبة وخطيرة.. وإذا حدث وامتلأت
 بالقاذورات.. وتأكد الله أن لا فائدة منك، حال بينك وبينها فلا
 تملك لها شيئا.. أو ختم عليها فلا تعقل ولا ترى.. وعندها ستكون
 حياتك مجرد إضاعة وقت لا أكثر.. وكل محاولاتك الكاذبة للعودة
 ستكون بلا فائدة..


 وأنا أحس الآن أن قلبي أسود...


تنويعات على مقام الراست


  - الحيز الذي تأخذينه من وقتي ليس كبيرا.. لا نلتقي كثيرا.. لا
 نتحدث كثيرا.. ولا يبدو لمن يرانا من بعيد أن بيننا الكثير.. إلا أن
 تأثيرك في حياتي، كنقطة حبر في كأس ماء..
  - ستستهلك وقتا قبل أن تعرف أن النقود بحد ذاتها.. شيء
 مجرد وعديم القيمة.. ولا يمكنها أن تشتري سوى ما يصنعه
 الناس..
  - وكم مرة غضبت مني لأنني لم أفهم ما تقولين.. وعذري السفر
 في مجاهيل العيون العسلية..
  - أكره الحوارات التي أضطر لاصطناعها، كلما أردت النظر إليك..
 بودي أن أكون شجاعا بما يكفي لأقول.. جئت هنا لأنظر في
 عينيك قليلا ثم أمضي.. هذا كل شيء.. نقطة انتهى..
  - من عجائب خلق الإنسان.. الملل الذي يعتريه.. لأنك حتى لو
 وفرت له كل ما يريد.. فإنه سيملّ ويبتعد.. لذلك يبدو من الحكمة
 أن يظل في حالة ترقب دائم.. قلق دائم.. أحلام دائمة.. لانه إذا
 شبع إنتهى...
  - لقد صممت اللذات في الدنيا بطريقة عبقرية.. بحيث أن هنالك
 حد معين للذة لا يجب عليك إختراقه.. إذ تتحول اللذة بعد ذلك
 إلى سباق محموم نحو المجهول.... سباق خطر ومؤذي..
  - الحزن ضيف ثقيل الظل.. لكنك لن تستطيع منعه من زيارتك..
 تحدث معه.. تعلم منه.. لكن لا تسمح له بالمبيت..
  - الشكوى الدائمة من أخلاق الناس وأذى الناس وقلة فهم
 الناس.. ومحاولاتك اليائسة للإصلاح.. لا تفيد بشيء.. بل تعكر


 مزاجك الصافي.. وتضيع وقتك.. قم بواجباتك تجاه نفسك
 وعائلتك.. (لكي لا تشعر بالذنب) ثم إستمتع قدر الإمكان
 بحياتك.. حياتك أنت.. إستمتع بطعامك.. بمسكنك.. بملبسك..
 بعطرك.. بمن تحب.. وإذا مللت وبقي لديك بعض الوقت.. ساعد
 الناس وإعمل الصالحات..

 "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات وإعملوا صالحا".. كل من الطيبات
 يا أخي.. كل من الطيبات..


  - إبتعد قدر الإمكان عن أولئك الأشخاص الذين يتصرفون وكأن
 الدنيا ستنتهي غدا..
  - الأطفال لا يحتاجون لعبا بلاستيكية أو إلكترونية.. هذه اللعب
 صممت للأطفال الذين يعانون من الوحدة.. الأطفال بحاجة
 أطفال ليلعبوا معهم... هذه حاجة فطرية عند الإنسان.. وتستمر
 لعمر السبعين.. أو أكثر ربما..
  - الأجساد مثل أواني المطبخ.. سواء كانت فاخرة أو عادية..
 فإنها لا تؤكل.. إلا أن الأواني الفاخرة تأخذ بعض المديح..
  - أحمد الله كل يوم خمسين مرة.. أنني ولدت على ذلك الجانب
 من النهر.. حيث لا يقدس الناس قائدا ولا زعيما.. وأشفق صراحة
 على من ولدوا على الجانب الآخر..
  - عندما كنت ضعيف الإيمان.. كانت كل جملة مديح قالها سكير
 عربيد أزرق العينين أشقر الشعر عن رسول الله، تسعدني..
  - أنا أترنم بالأغاني كما سمعتها أول مرة.. حتى لو قلت بعض
 الكلمات بشكل خاطئ.. لا تصححني.. الأغنية تروقني وتطربني
 هكذا..


 - "فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك.. ويرسل عليها حسبانا
 من السماء.. فتصبح صعيدا زلقا" هذا الرجل يمثلني.. وهذه الآية
 تمثلني..
  - لست جاهلا بقضايا الأمة.. ولا مغيبا عن مشاكلها.. لكنني وبكل
 صدق.. وبعد تفكير عميق.. إخترت أن تكون عيناك هي قضيتي
 المركزية.. وأهم أولويات حياتي..
  - الجمال يحرض على العنف.. هذه حقيقة علمية ثابتة.. لذلك
 نقرص خدود الأطفال عندما نلاعبهم.. ولأجل ذلك أيضا.. (جزء
 من النص مفقود).